المحكمة الاتحادية العليا ـ وتحجيم دورها
لم ترى الرقابة على دستورية القوانين في ظل الانظمة المتعاقبة النور الابعد حصول التغيير . حيث شكلت المحكمة الاتحادية العليا كهيئة قضائية تمارس دورها لضمان عدم خرق المبادئ التي تضمنتها القواعد الدستورية . ومن المسلم به ان الرقابة على دستورية القوانين قد تتحقق عن طريق نوعين من الرقابة , رقابة سياسة ورقابة قضائية ولكل من هذه النوعين منطقه ومبرراته الا ان افضلية الاخذ بهذا النوع او ذاك انما تقاس بمدى فاعليته في صون نصوص الدستور ومنع تجاوزها وقد يتساءل البعض لماذا اخذ قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية بالرقابة القضائية دون الرقابة السياسية . المختصون من رجال القانون ينظرون للرقابة القضائية ويقيمونها على أسس ومزايا تتمتع بها . فالقاضي الذي يفصل في المنازعات التي يعرض النزاع عليه مطالب كخطوة اولى ان يبحث في مدى اتفاق هذا القانون المطلوب الحكم بعدم دستوريته مع الدستور كونه يأتي في قمة الهرم للبناء القانوني للدولة ـ وعلى هذا الاساس يعد أسناد الرقابة على دستورية القوانين الى هيئة قضائية امراً منطقياً . لانه يتفق ودور القاضي في المجتمع الذي يتمثل في فض المنازعات التي تثور فيه وما الحكم في دستورية القانون او عدمه الا منازعة يختص القضاء ببحثها وبناء عليه فأن الرقابة على دستورية القوانين تتميز بالحيدة والاستقلال والتخصص . فالقضاء جهة مستقلة تحرص الدساتير عادة على ضمان استقلالها ومن ثم فأن احكامه تكون بمنأى عن تدخلات السلطات الاخرى وهذا الامر لايتوافر للرقابة السياسية على دستورية القوانين مما يثبت عدم فاعليتها ثم ان القاضي يتميز بالحيدة في أصدار حكمه في موضوع دستوري فهو ليس طرفاً في النزاع وليس ممثلاً لجهة أو حزب له مصلحة في ذلك النزاع حول دستورية القانون فلا هو يمثل السلطة التشريعية حتى يسعى للاقرار بدستورية القانون ولاهو ممثل للسلطة التنفيذية التي تعارض القانون فاستقلاله عن هذه السلطة وتلك يؤدي بالضرورة الى اصدار قرار حيادي.
صحيح ان القضاء الدستوري في حقيقته يوازن بين الاعتبارات القانونية والاعتبارات السياسية وذلك لخطورة الاثر الذي يترتب على الحكم بعدم دستورية القانون الا ان ذلك لايؤدي الى الاخلال بدور القاضي والنيل من حيدته فذلك أمر تستلزمه طبيعة الموضوع المعروض ووجوب احترام القواعد الدستورية هذا من جانب ومن جانب اخر فأن تخصص القاضي ومقدرته على الفصل في المنازعات لاشك انه يرجح الرقابة القضائية على الرقابة السياسية التي غالباً مايكون افرادها غير ذي صلة بعلم القانون رغم ان جوهر الموضوع ومحل البحث هو تطبيق القانون .
من الناحية الاجرائية ومن الناحية الموضوعية بعد ما تعرفنا في هذه اللمحة الموجزة عن ارجحية الرقابة القضائية على الرقابة السياسية جاء قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية ليسند الرقابة على دستورية القوانين الى هيئة قضائية حيث صدر القانون رقم 30 لسنة 2005 بتشكيل المحكمة الاتحادية العليا كهيئة قضائية مستقلة . الا ان الواقع قد افرز بعض وجهات النظر التي اعلنت عن عدم رضاها بممارسة الرقابة القضائية على دستورية القوانين وما ترتبه من اثار وهو الامر الذي جعل لهذا النوع من الرقابة خصوماً كثيرون من السلطتين التشريعية والتنفيذية ومازال هؤلاء ينكرون على القضاء هذا الحق او يحاولون في الاقل تحديدة في اضيق الحدود وهو الامر الذي يقتضي وجود حدود للرقابة على دستورية القوانين لكي تكون اساساً لتفادي وقوع أي تشابك بين القضاء الدستوري والنظام السياسي وقد اسفرت الجهود التي بذلت من المعارضين للرقابة القضائية والتي سبقت كتابة الدستور عن ثمرة تحجيم دور الهيئة القضائية وافرغ جهد المعارضين للرقابة القضائية في نصوص الدستور الجديد اضافة خبراء في الفقه الاسلامي وفقهاء من القانون كاعضاء مشاركين للهيئة القضائية ولعمري فأن هذا خلل بين يتنافى مع وصف المحكمة بانها هيئة قضائية مستقلة . ومنهم من اسند ذلك الى تخوفه من نص المادة (2/ف1) من الدستور التي تنص على عدم جواز تشريع قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام ولذا وجب وجود خبراء في الفقه الاسلامي تحرزاً في حال صدور مثل هكذا تشريع فأن الخبراء سيتصدون له عند ممارسة دورهم كاعضاء في المحكمة الاتحادية العليا . وهذا التخوف ضعيف الحجة فالسلطة التشريعية عندما يعرض عليها أي تشريع لمناقشته عليها اولاً التحقق من ان التشريع غير مخالف للدستور وغير متعارض مع ثوابت احكام الاسلام وبالتالي فأن نص المادة (2/ف1) من الدستور ستكون محل اعتبار عند سن أي قانون كما ان المحكمة الاتحادية العليا وفي نظامها الداخلي رقم 1 لسنة 2005 وبالمادة (14) منه أكدت على الاستعانة بالمستشارين او الخبراء من خارجها للوقوف على الرأي الاستشاري او الفقهي في الدعوى المنظورة .
ان اداء السلطة التشريعية لم تكن بمستوى الطموح مما فرض واقعاً قلقاً تمارس في ظله المحكمة الاتحادية العليا اختصاصاتها . فيما يعد تحدياً خطيراً يهدد دور المحكمة الاتحادية العليا بل يهدد وجودها نفسه . فأنها اجتهدت في ان تنأى بنفسه عن الدخول في مواجهة التجاذبات السياسية . لان البعض يتربص بها عامداً تحجيم دورها وسلطاتها.
بقي ان نتناول جانباً اخر يتعلق بمحاولات تحجيم دور المحكمة الاتحادية العليا بممارسة اختصاصاتها وهذا التحجيم يتمثل في نوع الرقابة التي تمارسها المحكمة الاتحادية العليا فالمحكمة وبموجب قانونها تمارس رقابة الالغاء/أي الغاء النص في أي تشريع (قانون ـ نظام ـ تعليمات) اذا كان مخالفاً للدستور الا ان اهم المحاولات التي ظهرت في واقع المناقشات يتعلق في تطبيق اثر حكم المحكمة الاتحادية العليا ـ فيرون انه في حال ان المحكمة قررت عدم دستورية نص قانوني فيجب ان يعاد الى مجلس النواب للنظر في دستوريته وللمجلس ان يعدل هذا النص بما يجعله موافقاً للدستور.
ويرى هؤلاء ان احكام المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية القانون وتطبيق احكامها باثر رجعي يؤدي الى عدم الاستقرار القانوني وهذا امر يأباه استقرار الحقوق والاوضاع التي ترتبها القوانين في حياة الناس هذا من جهة ومن جهة اخرى يرون ان اعادة التشريعات المتخذ بها قرارات من المحكمة الاتحادية العليا الى مجلس النواب للنظر في دستوريتها يبرره مبدأ الفصل بين السلطات حيث ان اعطاء المحكمة الاتحادية العليا سلطة التعقيب على القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والحكم بالغائها يخالف هذا المبدأ .
فالاستقرار لايتحقق للنصوص القانونية التي تخالف الدستور لانها اصلاً صدرت وهي معيبة بعيب عدم الدستورية مما تعد تعدياً على مبدأ سيادة القانون الذي يمثل اساس الحكم في الدولة ومن ناحية اخرى فأن فهم هؤلاء البعض لمبدأ الفصل بين السلطات بأنه يمثل تدخلاً لعمل المشرع (مجلس النواب) فأن عمل المحكمة لايخرج عن كونه بحثاً في دستورية نص تشريعي مطعون فيه دون ان تمد رقابتها الى بواعث التشريع ودور المحكمة الدستورية هو اعمال ارادة الشعب التي مثلتها قواعد الدستور وهذا هو في الحقيقة ينسق مع عمل السلطة التشريعية التي تعتبر ممثلة للشعب ولايتقاطع معها.
واستنادهم الى النموذج الفرنسي امر غير وارد . فالمجلس الدستوري الفرنسي ياخذ بالرقابة السياسية على مشروع القانون قبل اصداره وهي رقابة تختلف في مفهومها وآلياتها واثارها عن الرقابة القضائية على دستورية القوانين .
وددت ان تكون هذه الدراسة موضع عناية من الباحثين والمختصين والتشريعيين ولجنة تعديل الدستور والسلطة التشريعية عند ممارسة مهامهم والتمس العذر منهم من الشطط وارجو من الله التوفيق
لم ترى الرقابة على دستورية القوانين في ظل الانظمة المتعاقبة النور الابعد حصول التغيير . حيث شكلت المحكمة الاتحادية العليا كهيئة قضائية تمارس دورها لضمان عدم خرق المبادئ التي تضمنتها القواعد الدستورية . ومن المسلم به ان الرقابة على دستورية القوانين قد تتحقق عن طريق نوعين من الرقابة , رقابة سياسة ورقابة قضائية ولكل من هذه النوعين منطقه ومبرراته الا ان افضلية الاخذ بهذا النوع او ذاك انما تقاس بمدى فاعليته في صون نصوص الدستور ومنع تجاوزها وقد يتساءل البعض لماذا اخذ قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية بالرقابة القضائية دون الرقابة السياسية . المختصون من رجال القانون ينظرون للرقابة القضائية ويقيمونها على أسس ومزايا تتمتع بها . فالقاضي الذي يفصل في المنازعات التي يعرض النزاع عليه مطالب كخطوة اولى ان يبحث في مدى اتفاق هذا القانون المطلوب الحكم بعدم دستوريته مع الدستور كونه يأتي في قمة الهرم للبناء القانوني للدولة ـ وعلى هذا الاساس يعد أسناد الرقابة على دستورية القوانين الى هيئة قضائية امراً منطقياً . لانه يتفق ودور القاضي في المجتمع الذي يتمثل في فض المنازعات التي تثور فيه وما الحكم في دستورية القانون او عدمه الا منازعة يختص القضاء ببحثها وبناء عليه فأن الرقابة على دستورية القوانين تتميز بالحيدة والاستقلال والتخصص . فالقضاء جهة مستقلة تحرص الدساتير عادة على ضمان استقلالها ومن ثم فأن احكامه تكون بمنأى عن تدخلات السلطات الاخرى وهذا الامر لايتوافر للرقابة السياسية على دستورية القوانين مما يثبت عدم فاعليتها ثم ان القاضي يتميز بالحيدة في أصدار حكمه في موضوع دستوري فهو ليس طرفاً في النزاع وليس ممثلاً لجهة أو حزب له مصلحة في ذلك النزاع حول دستورية القانون فلا هو يمثل السلطة التشريعية حتى يسعى للاقرار بدستورية القانون ولاهو ممثل للسلطة التنفيذية التي تعارض القانون فاستقلاله عن هذه السلطة وتلك يؤدي بالضرورة الى اصدار قرار حيادي.
صحيح ان القضاء الدستوري في حقيقته يوازن بين الاعتبارات القانونية والاعتبارات السياسية وذلك لخطورة الاثر الذي يترتب على الحكم بعدم دستورية القانون الا ان ذلك لايؤدي الى الاخلال بدور القاضي والنيل من حيدته فذلك أمر تستلزمه طبيعة الموضوع المعروض ووجوب احترام القواعد الدستورية هذا من جانب ومن جانب اخر فأن تخصص القاضي ومقدرته على الفصل في المنازعات لاشك انه يرجح الرقابة القضائية على الرقابة السياسية التي غالباً مايكون افرادها غير ذي صلة بعلم القانون رغم ان جوهر الموضوع ومحل البحث هو تطبيق القانون .
من الناحية الاجرائية ومن الناحية الموضوعية بعد ما تعرفنا في هذه اللمحة الموجزة عن ارجحية الرقابة القضائية على الرقابة السياسية جاء قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية ليسند الرقابة على دستورية القوانين الى هيئة قضائية حيث صدر القانون رقم 30 لسنة 2005 بتشكيل المحكمة الاتحادية العليا كهيئة قضائية مستقلة . الا ان الواقع قد افرز بعض وجهات النظر التي اعلنت عن عدم رضاها بممارسة الرقابة القضائية على دستورية القوانين وما ترتبه من اثار وهو الامر الذي جعل لهذا النوع من الرقابة خصوماً كثيرون من السلطتين التشريعية والتنفيذية ومازال هؤلاء ينكرون على القضاء هذا الحق او يحاولون في الاقل تحديدة في اضيق الحدود وهو الامر الذي يقتضي وجود حدود للرقابة على دستورية القوانين لكي تكون اساساً لتفادي وقوع أي تشابك بين القضاء الدستوري والنظام السياسي وقد اسفرت الجهود التي بذلت من المعارضين للرقابة القضائية والتي سبقت كتابة الدستور عن ثمرة تحجيم دور الهيئة القضائية وافرغ جهد المعارضين للرقابة القضائية في نصوص الدستور الجديد اضافة خبراء في الفقه الاسلامي وفقهاء من القانون كاعضاء مشاركين للهيئة القضائية ولعمري فأن هذا خلل بين يتنافى مع وصف المحكمة بانها هيئة قضائية مستقلة . ومنهم من اسند ذلك الى تخوفه من نص المادة (2/ف1) من الدستور التي تنص على عدم جواز تشريع قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام ولذا وجب وجود خبراء في الفقه الاسلامي تحرزاً في حال صدور مثل هكذا تشريع فأن الخبراء سيتصدون له عند ممارسة دورهم كاعضاء في المحكمة الاتحادية العليا . وهذا التخوف ضعيف الحجة فالسلطة التشريعية عندما يعرض عليها أي تشريع لمناقشته عليها اولاً التحقق من ان التشريع غير مخالف للدستور وغير متعارض مع ثوابت احكام الاسلام وبالتالي فأن نص المادة (2/ف1) من الدستور ستكون محل اعتبار عند سن أي قانون كما ان المحكمة الاتحادية العليا وفي نظامها الداخلي رقم 1 لسنة 2005 وبالمادة (14) منه أكدت على الاستعانة بالمستشارين او الخبراء من خارجها للوقوف على الرأي الاستشاري او الفقهي في الدعوى المنظورة .
ان اداء السلطة التشريعية لم تكن بمستوى الطموح مما فرض واقعاً قلقاً تمارس في ظله المحكمة الاتحادية العليا اختصاصاتها . فيما يعد تحدياً خطيراً يهدد دور المحكمة الاتحادية العليا بل يهدد وجودها نفسه . فأنها اجتهدت في ان تنأى بنفسه عن الدخول في مواجهة التجاذبات السياسية . لان البعض يتربص بها عامداً تحجيم دورها وسلطاتها.
بقي ان نتناول جانباً اخر يتعلق بمحاولات تحجيم دور المحكمة الاتحادية العليا بممارسة اختصاصاتها وهذا التحجيم يتمثل في نوع الرقابة التي تمارسها المحكمة الاتحادية العليا فالمحكمة وبموجب قانونها تمارس رقابة الالغاء/أي الغاء النص في أي تشريع (قانون ـ نظام ـ تعليمات) اذا كان مخالفاً للدستور الا ان اهم المحاولات التي ظهرت في واقع المناقشات يتعلق في تطبيق اثر حكم المحكمة الاتحادية العليا ـ فيرون انه في حال ان المحكمة قررت عدم دستورية نص قانوني فيجب ان يعاد الى مجلس النواب للنظر في دستوريته وللمجلس ان يعدل هذا النص بما يجعله موافقاً للدستور.
ويرى هؤلاء ان احكام المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية القانون وتطبيق احكامها باثر رجعي يؤدي الى عدم الاستقرار القانوني وهذا امر يأباه استقرار الحقوق والاوضاع التي ترتبها القوانين في حياة الناس هذا من جهة ومن جهة اخرى يرون ان اعادة التشريعات المتخذ بها قرارات من المحكمة الاتحادية العليا الى مجلس النواب للنظر في دستوريتها يبرره مبدأ الفصل بين السلطات حيث ان اعطاء المحكمة الاتحادية العليا سلطة التعقيب على القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والحكم بالغائها يخالف هذا المبدأ .
فالاستقرار لايتحقق للنصوص القانونية التي تخالف الدستور لانها اصلاً صدرت وهي معيبة بعيب عدم الدستورية مما تعد تعدياً على مبدأ سيادة القانون الذي يمثل اساس الحكم في الدولة ومن ناحية اخرى فأن فهم هؤلاء البعض لمبدأ الفصل بين السلطات بأنه يمثل تدخلاً لعمل المشرع (مجلس النواب) فأن عمل المحكمة لايخرج عن كونه بحثاً في دستورية نص تشريعي مطعون فيه دون ان تمد رقابتها الى بواعث التشريع ودور المحكمة الدستورية هو اعمال ارادة الشعب التي مثلتها قواعد الدستور وهذا هو في الحقيقة ينسق مع عمل السلطة التشريعية التي تعتبر ممثلة للشعب ولايتقاطع معها.
واستنادهم الى النموذج الفرنسي امر غير وارد . فالمجلس الدستوري الفرنسي ياخذ بالرقابة السياسية على مشروع القانون قبل اصداره وهي رقابة تختلف في مفهومها وآلياتها واثارها عن الرقابة القضائية على دستورية القوانين .
وددت ان تكون هذه الدراسة موضع عناية من الباحثين والمختصين والتشريعيين ولجنة تعديل الدستور والسلطة التشريعية عند ممارسة مهامهم والتمس العذر منهم من الشطط وارجو من الله التوفيق