قرار المحكمة الاتحادية العليا ....رفع حصانة نائب....
العدد:27/اتحادية/2009
التاريخ:11/8/2009
المدعي / النائب م . ك/وكيله المحامي ش . س.
المدعى عليه / السيد رئيس مجلس النواب / إضافة لوظيفته / وكيله الخبـير القانوني م . هـ.
الادعاء
ادعى وكيل المـدعي انه بتاريخ 25/2/2009 وبالجلسة المرقمة (46) من جلسات مجلس النواب العراقي في دورته الانتخابية الأولـى ـ السنة التشريعية الثالثة بفصلها التشريعي الثاني جرى الاقتراع السري المباشر لغرض رفع الحصانة عن موكله النائب (م . ك). وقد أسفرت نتيجة الاقتراع عن صدور قرار يقضي برفع الحصانة عنه بعد الادعاء بتوفر وصف (الأغلبية) دون بيان ماهية هذه الأغلبية هل هي أغلبية عدد الأعضاء أم أغلبية عدد الحاضرين كما ورد على لسان السيد رئيس مجلس النواب بالوكالة في حينها والواردة في محضر الجلسة (46). ولكون صدور مثل هذا القرار من المدعى عليه قد جاء مجحفاً وماساً بحقوق موكله والحق به ضرراً بالغاً ولوجود مصلحة حالة ومباشرة ومؤثرة في مركز موكله القانوني والوظيفي ولكون القرار المذكور قد شكل خرقاً جسيماً لأحكام المادة (63/ب) من الدستور. وتأسيساً على ما تقدم واستناداً لأحكام المادة (93) من الدستور والمادة (4) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 والمواد القانونية الأخرى ذات العلاقة حول الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة والقرارات وشرعيتها فانه يبادر إلى إقامة هذه الدعوى للأسبــاب التاليــة :
اولاً: نصت المادة (63/ ب) من الدستور على (( لا يجوز إلقاء القبض على العضو خلال مدة الفصل التشريعي إلا إذا كان متهماً بجناية وبموافقة الأعضاء بالأغلبية المطلقة على رفع الحصانة عنه أو إذا ضبط متلبساً بالجرم المشهود في جناية )) . كما نصت المادة (59 / فقرة أ) من الدستور على أن(( يتحقق نصاب انعقاد جلسات مجلس النواب بحضور الأغلبية المطلقة لعدد أعضائه)) ونص المادة ( 59/ ثانياً ) تتخذ القرارات في جلسات مجلس النواب بالأغلبية البسيطة بعد تحقق النصاب ما لم ينص على خلاف ذلك )). والملاحظ في الجلسة (46) المشار اليها عدم اكتمال النصاب القانوني للانعقاد إذ تم رفع الجلسة بعد دقائق من التصويت (( لعدم اكتمال النصاب )) والتساؤل هنا كيف حصل المدعى عليه على الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس في الوقت الذي لم تتوافر فيه الأغلبية البسيطة أي (69) صوت مع الاشارة إلى أن المدعى عليه قد ذكر ما نصه (( النصاب مفقود ويؤجل التصويت إلى جلسة لاحقة وتبقى الجلسة مفتوحة ليوم غد )) كما يشير ذلك المحضر المرافق ـ كما أن المدعى عليه لم يجر أي تعداد للأصوات حين عرض موضوع رفع الحصانة على المجلس إذ لا يوجد في المحضر ما يشير إلى ذلك وبالتالي إذا كانت جلسة مجلس النواب قد رفعت لعدم توفر الأغلبية البسيطة فهذا يعني بالضرورة عدم تحقق الأغلبية المطلقة حكماً. وان الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب هي التي استلزم الدستور توافرها لرفع الحصانة عن عضو مجلس النواب.
ثانياً : إن نص المادة (63/ب) من الدستور المشار اليها آنفا وإشارته إلى أن الأغلبية المطلوبة لرفع الحصانة عن عضو مجلس النواب هي أغلبية عدد أعضاء مجلس النواب أي (138) صوت لا يشوب هذه المادة أي لبس أو غموض عند تطبيق مضمونها وبالتالي لا اجتهاد في مورد النص المتقدم وليس هناك ثمة مسوغ قانوني يحدو بالمدعى عليه إلى اتخاذ مثل هذا القرار الفردي الموجب للإلغاء.
ثالثاً : نص المادة (13/اولاً) من الدستور التي نصت ((يعد هذا الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق ويكون ملزماً في أنحائه كافة وبدون استثناء)) وما ورد في نص المادة(4) من النظام الداخلي لمجلس النواب التي نصت على أن ((يلتزم أعضاء مجلس النواب في مناقشاتهم وما يتخذونه من قرارات بإحكام الدستور وهذا النظام )).
رابعاً : استقرت كافة دساتير العالم وأنظمتها القانونية على أن المقصود بتعبير (الأغلبية المطلقة) هي أغلبية عدد أعضاء مجلس النواب (ما لم ينص على خلاف ذلك) ولا يوجد نص في دساتير العالم يقر بمفهوم الأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء الحاضرين. لذا ولعدم تحقق الأغلبية المطلقة المنوه عنها آنفا في قرار رفع الحصانة عن موكله يكون القرار فاقداً لأدنى ما يزكيه من الناحية الدستورية والقانونية وخاصة مخالفته الثانية لإحكام المادة (63/ب) من الدستور النافذ. وطلب الحكم بإلغاء القرار الصادر من المدعى عليه بتاريخ 25/2/2009 المتعلق برفع الحصانة عن النائب (م . ك) لعدم دستوريته وإلغاء كافة الآثار التي ترتبت على صدور القرار المشار إليه.
بعد تسجيل الدعوى لدى المحكمة الاتحادية العليا ودفع الرسم القانوني عنها وفقاً للفقرة ( ثالثاً) من المادة (1) من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم (1) لسنة 2005 وتبلغ المدعى عليه / إضافة لوظيفته بعريضة الدعوى وإجابته على الدعوى بلائحته المؤرخة 19/5/2009 المقدمة من وكيله العام الخبير القانوني (م . هـ) وذلك إتباعا لنص الفقرة (اولاً) من المادة (2) من النظام المذكور وتضمنت اللائحة إن محضر الجلسة المؤرخة 2/2/2009 يتبين منه انه بعد اكتمال النصاب أعلن رئيس الجلسة عن افتتاح الجلسة (46) وتناولت موضوع قانون تعديل قانون مجلس النواب والتصويت على مشروع قانون تعويض المتضررين ثم عرض رئيس الجلسة موضوع رفع الحصانة عن المدعي ووافق الأعضاء على رفع الحصانة بالأغلبية ثم بعد ذلك تم الانتقال للتصويت على العطلات الرسمية و بعد قراءة المشروع تم تأجيل المشروع لفقدان النصاب وقبل ذلك كان النصاب كاملاً كما أفاد أن المادة (63/ب) لا تشترط الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس وان المحكمة الاتحادية سبق أن أصدرت قرارها 23/ت/2007 في 22/11/2007 بأن الأغلبية المطلقة إذا جاءت مجردة من عبارة (عدد أعضائه) تكون الأغلبية لعدد الأعضاء الحاضرين لذا يكون قرار رفع الحصانة موافق لأحكام الدستور وطلب رد الدعوى. طلب وكيل المدعي في جلسة 15/6/2009 قيام جهة فنية بتدقيق المستندات لمعرفة عدد الحاضرين في الجلسة (46) وترك للمحكمة اختيارهم فقررت المحكمة الاستعانة بجهة فنية لتدقيق محتويات (القرص المدمج ) المرسل من مجلس النواب لمعرفة عدد الأعضاء الحاضرين والاستعانة بذلك بأحد المكاتب المختصة وحضر الخبراء عن احد المكاتب وتم تحليفهم اليمين لانهم غير مسجلين في جدول الخبراء ومن ثم قدموا تقريرهم المؤرخ 12/7/2009 وتبلغ به وكيلا الطرفين ولم يعترض عليه وكيل المدعي وقدم وكيل المدعى عليه لائحة مؤرخة 3/8/2009 تتضمن أقواله على تقرير الخبراء وتبلغ بصورتها وكيل المدعي فأجاب لا جواب لديه على اللائحة وانه لايطعن بإجراءات التصويت وانما بعدم دستورية القرار الصادر من مجلس النواب برفع الحصانة عن موكله وابرز الكتاب الصادر من اللجنة القانونية في مجلس النواب عدد (ل.ق271) في 23/7/2009 والذي يتضمن عدم قيام اللجنة القانونية بإجراء التحقيق مع النائب (م . ك) بخصوص التهم المنسوبة إليه وكرر كل من الطرفين أقواله وافهم ختام المرافعة.
القرار
لدى التدقيق والمداولة من المحكمة الاتحادية العليا وجد أن وكيل المدعي أقام الدعوى يطلب إلغاء القرار الصادر من مجلس النواب بالجلسة (46) الدورة الانتخابية الأولى السنة الثالثة الفصل التشريعي الثاني المتضمن رفع الحصانة عن موكله النائب (م . ك) لعدم دستورية القرار وطلب إلغاء كافة الآثار التي ترتبت على صدوره. لان القرار وُصف بالأغلبية دون بيان ماهية الأغلبية. حيث أن الأغلبية المطلوبة لرفع الحصانة عن عضو مجلس النواب هي أغلبية عدد أعضاء مجلس النواب (138) عضواً وان الأغلبية المطلقة يقصد بها (أغلبية عدد أعضاء المجلس). كما أن النصاب لم يكتمل في الجلسة (46) لانعقاد المجلس مستنداً بذلك للمادة (63/ب) من الدستور. وضعت المحكمة الاتحادية العليا طلب المدعي وما استند إليه في الدعوى موضع التدقيق والمداولة فوجدت إن المادة (63/ب) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 نصت ( لا يجوز إلقاء القبض على العضو خلال مدة الفصل التشريعي إلا إذا كان متهماً بجناية وبموافقة الأعضاء بالأغلبية المطلقة على رفع الحصانة أو إذا ضبط متلبساً بالجرم المشهود في جناية) . تجد المحكمة إن المقصود (بالأغلبية المطلقة) هي أغلبية (عدد الأعضاء الحاضرين) وليس (عدد أعضاء المجلس) وهذا ما أستقر عليه قضاء المحكمة الاتحادية العليا ومنه قرارها المرقم (23/اتحادية/2007) في 21/10/2007 وكان هذا القرار قد صدر بعد قيام المحكمة باستقراء نصوص دستور جمهورية العراق وبعدما وجدت أن المشرع أورد تعابير عديدة للأغلبية المطلوبة عند التصويت وذلك حسب أهمية الموضوع المطلوب التصويت عليه على وفق رأي المشرع فعند توفر هذه الأهمية لدى المشرع يذكر في النص (الأغلبية المطلقة لعدد أعضائه) . وحيث أن المادة (61/ب) لم يرد فيها هذا النص فيكون المقصود هو أغلبية عدد الحاضرين بعد توفر النصاب القانوني للانعقاد. هذا من جهة أما الطعن بعدم تحقق النصاب القانوني لانعقاد الجلسة والنصاب القانوني للتصويت فأن المحكمة وبناءاً على طلب وكيل المدعي طلبت من مجلس النواب إرسال محضر الجلسة (46) وما لديها من وثائق وهي التسجيلات الصوتية والمرئية لجلسة مجلس النواب للجلسة المذكورة وصور وثائق سجل الحضور للسادة أعضاء مجلس النواب وتم إرسالها من مجلس النواب وبضمنها (القرص المدمج) لوقائع الجلسة . واطلعت المحكمة على قوائم تواقيع الحضور لنواب المجلس للجلسة (46) في 25/2/2009 ومحضر الجلسة كما قررت بناءاً على طلب وكيل المدعي انتخاب خبراء لتفريغ محتوى (القرص المدمج) وتقديم تقريرهم لمعرفة عدد الأعضاء الحاضرين لتحقق النصاب لانعقاد المجلس وعدد الحاضرين عند التصويت وقدم الخبراء تقريرهم المؤرخ 12/7/2009. ولدى تدقيق تقرير الخبراء وجدت المحكمة انه لا يمكن اتخاذه سبباً للحكم وذلك ليس بسبب الخبراء وخبرتهم حتى يمكن انتخاب غيرهم وانما بسبب ( القرص المدمج) حيث ظهر فيه زوايا ميتة غير مصورة ولا يمكن الجزم بوجود أو عدم وجود أعضاء في هذه الزوايا وان الخبراء قدروا عدد الأعضاء عند التصويت حسبما ظهر لهم من القرص المذكور بين (120,113) عضواً وان هذا التقدير جاء على سبيل الظن والتخمين ولا يمكن اعتماده سبباً للحكم ما دامــت هناك ( زوايا ميتة) غير ظاهرة للعيان بوجود أو عدم وجود حضور فيها وعدد هذا الحضور إن وجد وعليه وجدت المحكمة عدم صحة اتخاذ هذا القرص سبباً لبناء حكم في الدعوى لأنه لم يظهر منه عدد الحاضرين لانعقاد المجلس وعددهم عند التصويت بصورة جازمة وللأسباب المذكورة قررت المحكمة عدم اعتماد تقرير الخبراء عند الحكم استنادا للمادة (140/ثانياً) من قانون الإثبات والاستناد بحكمها إلى بقية المستندات المقدمة. وتجد المحكمة أن قائمة التواقيع لجلسة مجلس النواب (46) في (25/2/2009) أن عدد النواب الحاضرين والموقعين في هذه المحاضر بعد قيام المحكمة بعدّ التواقيع هم (212) نائباً وبالتالي يكون انعقاد المجلس صحيحاً استنادا للمادة (59/اولاً) من دستور جمهورية العراق . كما وجدت المحكمة من محضر الجلسة (46) موضوعة الدعوى أن رئيس الجلسة النائب الأول لمجلس النواب أعلن عن افتتاح هذه الجلسة وتم فيها التصويت على مقترح تعديل قانون مجلس النواب ثم جرى التصويت على قانون المتضررين وبعد التصويت مباشرة بين رئيس الجلسة وجود أمر مهم وخطير يتعلق برفع الحصانة عن النائب (م . ك) (المدعي) وذلك بطلب أمر إلقاء قبض أصولي ورد من (محكمة الكرخ) حول التهم المسندة إلى النائب المذكور وهي تسع تهم قام بتلاوتها على أعضاء المجلس ثم طلب التصويت على رفع الحصانة من عدمه ومن ثم أعلن حصول الموافقة بالأغلبية على رفع الحصانة . وعليه ومن كل ما تقدم ومن هذه المستندات وهي مستندات رسمية صادرة من جهة رسمية لايمكن الطعن بها إلا بالتزوير قد تأيد منها حصول النصاب القانوني عند انعقاد الجلسة وعند التصويت على رفع الحصانة ولا يمكن إهدار هذه المستندات وما مثبت فيها وعلى من يدعي العكس إثبات ذلك . هذا إضافة إلى أن المحكمة وتعزيزاً لقناعتها وللمستندات المذكورة استأنست بالاطلاع على (القرص المدمج) حيث عرضه المتخصصون في مجلس القضاء الأعلى على جهاز التلفاز في إحدى قاعات المجلس واطلعت هيأة المحكمة على ما ورد فيه (صورة وصوت) وشاهدت (الزوايا الميتة) التي أشار اليها تقرير الخبراء وتأكدت من هذه الجهة كما اطلعت على عدد الحاضرين في القسم الظاهر من القاعة ولاحظت هيأة المحكمة إن بعد إعلان رئيس الجلسة حصول الأغلبية المطلقة على رفع الحصانة لم يرد أي اعتراض من احد من الحاضرين أو من أي كتله على خلاف ما أعلنه رئيس الجلسة ولم يعترض ســوى الدكـتور(س . ع) حيث أعترض على سبب آخر وهو عدم اطلاعه على كتاب المحكمة التي طلبت بموجبه رفع الحصانة وعلى التهم الموجهة للنائب الواردة في الكتاب ولم يبد أي اعتراض على حصول النصاب سواءاً عند الانعقاد أو عند التصويت ولم يعترض أي عضو آخر حتى أعلن الرئيس عن الفقرة التالية للتصويت على مشروع قانون العطلات الرسمية. ومن كل ما تقدم تجد المحكمة الاتحادية العليا إن ادعاء المدعي لم يثبت بعدم حصول النصاب القانوني في الجلسة (46) المشار اليها كما أن وكيل المدعي في الجلسة المؤرخة 11/8/2009 أفاد انه لا يطعن بإجراءات التصويت وانما بعدم دستورية القرار وحيث أن دعوى المدعي لا سند لها من القانون للأسباب المتقدمة قرر الحكم برد الدعوى وتحميل المدعي الرسوم وأتعاب محاماة لوكيل المدعى عليه / إضافة لوظيفته الخبير القانوني (م . هـ) مبلغ مائة وخمسين ألف دينار حكماً باتاً استنادا للمادة 94 من الدستور وصدر القرار بالاتفاق في 11/8/2009.