إعـــــداد:
معـــــــاون إدعــــــاء عـــام
عــدنــان بن عبــدالله الـبروانـي
إدارة الإدعـاء العـام بولايـة مـطرح
مقدمة:-
الحمد لله الذي هدانا إلى الحق والعدل,,, وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله والمرسلين سيدنا ونبينا المصطفى وعلى آله وصحبه ومن إتبعهم بِإِحسان إلى يوم الدين.... أما بعد :-
إن هذا البحث ليعتبر خاتمة التدريب العملي والنظري التي يخضع لها عضو الإدعاء العام لدى تعيينه في أول سلم درجات الإدعاء العام، حيث يتوجب على العضو إعداد بحث علمي حول إحدى المواضيع التي تهم عمله المهني.
والموضوع الذي أنا بصدد التطرق إليه هو تجاوز حدود الدفاع الشرعي، حيث تتفق الإنسانية جمعاء على أنه عند حلول خطر يهدد النفس البشرية أو مالها، بضرورة تحرك السلوك المادي والنفسي لوقف ذلك الخطر المتوقع أو دفعه لأجل المحافظة على الحياة أو المال من الهلاك، وهذا ما يعرف بحالة الدفاع الشرعي؛ إلا أنه وأثناء قيام هذا الشخص بممارسة هذا السلوك الذي كفله له القانون، فمن المتصور بأن يتمادى لأكثر مما هو مستوجب لرد الخطر، ويكون بذلك قد خرج عن الإطار المسموح له، ذلك أنه أوقع ضرر أكبر من الضرر المتوقع حدوثه عليه في حالة وقوع الخطر، وعليه تبعاً للظروف فمن المتصور بأن إما أن لا يُسأل الشخص عن هذا الفعل لأنه لم يستطع رد الخطر بطريقة أخرى، أو أنه يسأل عن هذا الفعل، ويكون بذلك متجاوز لحدود دفاعه؛ وبما أن موضوع بحثنا هو تجاوز حالة الدفاع الشرعي، أرى أنه من الضروري التطرق للدفاع الشرعي وشروطه في الفصل الأول ومن ثم التطرق لبحثنا في الفصل الثاني.
الفصل الأول:
• الدفاع الشرعي:
- تمهيد:
يعـد الدفاع الشرعي سبب من أسباب الإباحة أي أنه يسبغ على الفعل المجرم الـذي أقدم عليه الشخص الصفة الشرعية ، ويخرجه من نطاق التجريم ؛ ويتضح لنا من سياق هذا القول بأن نصوص مواد التجريم ليست مطلقة بل يرد عليها قيود تضيق من نطاقها ، والمشرع يهدف من وضعه هذه النصوص حماية مصالح إجتماعية معينة على جانب من الأهمية فينص على تجريم تلك الأفعال ، لكنه قد يقدر أن المصلحة التي تعود على المجتمع في عدم العقاب تفوق المصلحة التي تعود عليه في حالة العقاب عليها في ظروف معينة ، فيقرر إعتبارها مشروعة في مثل هذه الظروف على الرغم من خضوعها لنصوص التجريم؛ وأساس تبرير فعل الإباحة وعلته عند الفقهاء الإسلاميين لا يختلف عما ورد في السياق السابق .
وقد تطرق المشرع العماني إلى حالة الدفاع الشرعي شأنه في ذلك شأن جميع التشريعات في العالم الحديث، وما سبقته من تشريعات قديمة ؛ وحق الدفاع الشرعي يعتبر ضمن الحقوق العامة للإنسان التي تكفلها الشرائع والقوانين لما تحققه من غاية إجتماعية، وإذا كان حق الدفاع الشرعي له هذه المكانة فيتعين البحث في هذا الفصل أولا: في ماهيته والشروط الواجب توافرها فيه ومن ثم الأثر الذي يحدثه هذا الحق في حالة توافره من عدمه.
• ماهية الدفاع الشرعي:
يعرف الدفاع الشرعي في الفقه الإسلامي بالدفاع الشرعي الخاص أو يطلق عليه اسم (( دفع الصائل)) ويٌعرف على أنه:-
واجب الإنسان في حماية نفسه أو نفس غيره ، وحقه في حماية ماله أو مال غيره من كل إعتداء حال غير مشروع وبالقـوة اللازمة لدفع هذا الإعتداء
ويرى كثير من الفقهاء المسلمين بأن أصل إباحة فعل الدفاع الشرعي قوله تعالى في كتابه الكريم: ((فمن إعتدى عليكم فإعتدوا عليه بمثل ما إعتدى عليكم )) وما روي عن الرسول (ص) : (( من أٌريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد)) .
وقد إتفق جميع فقهاء المذاهب الإسلامية بأن الدفاع عن العرض واجب على المدافع ، وإختلفوا فيما عدا ذلك بين الوجوب والإجازة فيما تعلق بالدفاع عن النفس والمال والرأي الراجح فيما يتعلق بالدفاع عن النفس بأنه واجب أما الدفاع عن المال فالراجح فيه بأنه جائز وليس واجب.
أما من ناحية الفقه الوضعي فتعريفه بأنه: إستخدام القوة اللازمة لمواجهة خطر إعتداء غير محق ولا مثار أي غير مشروع ؛ يهدد بضرر يصيب حقاً يحيه القانون .
والأساس القانوني الذي يستند إليه الدفاع الشرعي هو محل لخلاف غالبية الفقهاء؛ فهناك من قال بنظريات فلسفية للتعبير عن أساس الدفاع الشرعي كنظرية الحق الطبيعي أو نظرية المصلحة الإجتماعية؛ وهناك من النظريات التي تجتمع بتسمية النظريات القانونية مثل نظرية العالم الهولندي (Puffendroff) بأن أساس الدفاع الشرعي يقوم على حاسة البقاء لدى المدافع؛ إلا أنني مع الرأي القائل بأن الدفاع الشرعي ليس إلا رخصة أو مكنة قانونية مشروط إستخدامها بتحقق الشروط التي تطلبها المشرع.
والمشرع الوضعي لا يلزم من يتهدده الخطر بأن يتحمله ومن ثم يبلغ السلطات لتتولى توقيع العقاب على المعتدي ، ولكن يبيح له أن يتولى بنفسه دفع هذا الخطر عن طريق كل فعل يكون ضرورياً وملائماً لذلك؛ ودفع الخطر يكون بالحيلولة بين المعتدي والبدء في عدوانه أو الإستمرار فيه إن بدأه أصلاً .
وذلك لأن فعل دفاع الإنسان عن نفسه أو ماله ضد ما يتهدده من الأخطار أمر طبيعي توحي به الغريزة الإنسانية ، وله أن يدفع هذا الخطر بكل فعل يكون ضرورياً وملائما حتى وإن كان هذا الفعل قتلاُ، وحق الدفاع الشرعي هو سبب من أسباب الإباحة.
ويـعتبر الدفاع سبباً عاماً للإباحـة كون أنه يسري في كل الجرائم التي تقع دفاعاً للخطر ولو لم تكن من قبيل القتل والجرح والضرب، فالدفاع يكون في القبض على المعتدي وحبسه أو إتلاف الأدوات التي يستعملها.
إلا أن الدفاع الشرعي ليس هدفه تخويل المعتدى عليه سلطة توقيع العقاب على المعتدي أو الإنتقام منه ، وإنما هدفه مجرد منع إرتكاب الجرائم أو منع التمادي فيها ، وهو حق عام يقرره الشارع في مواجهة الكافة ، ويقابله إلتزام الناس بإحترامه وعدم وضع العوائق في طريق إستعماله.
وهذا الحق ليس حقاً مطلقاً بل يستوجب تطبيقه على الفعل المجرم توافر عدة شروط لكي يمكننا القول بأننا أمام قيام حالة الدفاع الشرعي ؛ وكذلك فإنه ترد بعض القيود على إستعمال هذا الحق ، وذلك لما يمكن أن تلحقه في بدن المعتدي ؛ وعليه سأقوم بذكر شروط الدفاع الشرعي ومن ثم القيود الواردة عليه وأخيراً أثر قيام حالة الدفاع الشرعي في هذا المبحث الأول:-
• شروط حالة الدفاع الشرعي :-
يتطلب لقيام حالة الدفاع الشرعي توافر عدة شروط ، وهذه الشروط منها ما هو متعلق بفعل الإعتداء الذي يبرر الدفاع ، ومنها ما هو متعلق بالمعتدى عليه دفعاً للتعدي.
أ- شروط الإعتداء:-
- وجود إعتداء غير مشروع.
لكي يكون هناك حق دفاع ؛ يجب أن يكون هناك إعتداء أو خطر إعتداء بفعل يعد جريمة فإذا كان الإعتداء لا يعد جريمة فلا يقوم حق الدفاع وبناء على ذلك فالدفاع ضد من يزاول حقه في الدفاع الشرعي غير معاقب عليه ؛ إلا إذا كان من يزاول حقه في فعل الدفاع قد تخطى حدود الدفاع الشرعي فإن فعله يعتبر إعتداء مما يعد جريمة طبقاً لقواعد القانون عامة ؛ وعلى ذلك يجوز الدفاع ضده و الإعتداء يعد جريمة ولو كان الفاعل غير معاقب لعارض من عوارض الأهلية الجنائية أو لإنتفاء القصد الجنائي لغلط في الوقائع لأن موانع المسؤولية لا تمحو صفة الجريمة عن الفعل وإن كانت تمنع المسؤولية عنه فيجوز الدفاع ضد عمل الحدث والمجنون ومن هو في واقع الغلط ؛ كذلك يجوز الدفاع الشرعي ضد من يتمتع بعذر من الأعذار القانونية ذلك أن وجود العذر القانوني لا يمنع من كون الفعل غير مشروع وعلى ذلك فإن الزوج الذي يفاجـأ زوجته وشريكها في حالة الزنا فيحاول قتلهما في الحال فإن للزوجة والشريك أن يدفعا عدوان الزوج بإستعمـال حق الدفاع الشرعي.
وإشتراط عدم مشروعية الخطر يفيد إنتفاء الدفاع الشرعي ضد الخطر المشروع فلا يتصور الدفاع الشرعي ضد خطر يقره القانون أو يأمر به فالدفاع لا يجوز إلا ضد خطر يهدد بإرتكاب جريمة وبالتالي فإن هذه الصفة تنتفي بالنسبة للخطر المشروع ويترتب على ذلك أن الدفاع الشرعي لا يجوز ضد من يرتكب فعلاً في حالة دفاع عن النفس أو المال المباح قانوناً كذلك لا يجوز الدفاع ضد الفعل المرتكب إستعمالاً لحق من الحقوق أو الغلط في الإباحة فإنه لا ينفي عن الفعل المرتكب الصفة غير المشروعة وبالتالي يتحقق الشرط الذي نحن بصدده ويجوز الدفاع الشرعي ضده ويستوي بعد ذلك أن يكون الغلط في الإباحة يعفي صاحبه من المسؤولية كلية أو لا يعفه.
والدفاع الشرعي جائز ضد الإعتداء الوهمي أي الذي لا أصل له في الواقع ، وحقيقة الأمر بأنه متى ما كانت الظروف والملابسات تلقي في روع المدافع أن هناك إعتداءاً جدياً وحقيقياً موجهاً إليه ، فإن حالة الدفاع الشرعي تكون قائمة ، ولا يشترط أن يكون الإعتداء حقيقياً في ذاته بل يكفي أن يبدو كذلك في إعتقاد المدافع وتصوره ؛ وعليه فإن الأعمال التحضيرية لجريمة ما لا تبيح الدفاع الشرعي وذلك لأنها لا تعد جريمة بحد ذاتها.
وينتهي الحق في الدفاع بزوال الإعتداء فعلاً لأن الغرض من الدفاع هو منع المعتدي وليس القصاص أو الإنتقام فإذا ثبت أن المتهم إرتكب جريمته بعد إنقطاع الإعتداء فلا يكون في حالة دفاع شرعي ذلك أن الدفاع الشرعي يهدف إلى الحيلولة دون إتمام مخالفة القانون ، ويقتضي ذلك أن يكون الخطر لا زال قائماً يحدق بالغير ، بحيث إذا كان الإعتداء قد إنتهاء فلا يكون للدفاع شرعي وجود ؛ وتحديد الوقت الذي يعد الإعتداء فيه منتهياً وبالتالي يقف فيه حق الدفاع يختلف بإختلاف الجرائم وظروف إرتكابها .
معـــــــاون إدعــــــاء عـــام
عــدنــان بن عبــدالله الـبروانـي
إدارة الإدعـاء العـام بولايـة مـطرح
مقدمة:-
الحمد لله الذي هدانا إلى الحق والعدل,,, وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله والمرسلين سيدنا ونبينا المصطفى وعلى آله وصحبه ومن إتبعهم بِإِحسان إلى يوم الدين.... أما بعد :-
إن هذا البحث ليعتبر خاتمة التدريب العملي والنظري التي يخضع لها عضو الإدعاء العام لدى تعيينه في أول سلم درجات الإدعاء العام، حيث يتوجب على العضو إعداد بحث علمي حول إحدى المواضيع التي تهم عمله المهني.
والموضوع الذي أنا بصدد التطرق إليه هو تجاوز حدود الدفاع الشرعي، حيث تتفق الإنسانية جمعاء على أنه عند حلول خطر يهدد النفس البشرية أو مالها، بضرورة تحرك السلوك المادي والنفسي لوقف ذلك الخطر المتوقع أو دفعه لأجل المحافظة على الحياة أو المال من الهلاك، وهذا ما يعرف بحالة الدفاع الشرعي؛ إلا أنه وأثناء قيام هذا الشخص بممارسة هذا السلوك الذي كفله له القانون، فمن المتصور بأن يتمادى لأكثر مما هو مستوجب لرد الخطر، ويكون بذلك قد خرج عن الإطار المسموح له، ذلك أنه أوقع ضرر أكبر من الضرر المتوقع حدوثه عليه في حالة وقوع الخطر، وعليه تبعاً للظروف فمن المتصور بأن إما أن لا يُسأل الشخص عن هذا الفعل لأنه لم يستطع رد الخطر بطريقة أخرى، أو أنه يسأل عن هذا الفعل، ويكون بذلك متجاوز لحدود دفاعه؛ وبما أن موضوع بحثنا هو تجاوز حالة الدفاع الشرعي، أرى أنه من الضروري التطرق للدفاع الشرعي وشروطه في الفصل الأول ومن ثم التطرق لبحثنا في الفصل الثاني.
الفصل الأول:
• الدفاع الشرعي:
- تمهيد:
يعـد الدفاع الشرعي سبب من أسباب الإباحة أي أنه يسبغ على الفعل المجرم الـذي أقدم عليه الشخص الصفة الشرعية ، ويخرجه من نطاق التجريم ؛ ويتضح لنا من سياق هذا القول بأن نصوص مواد التجريم ليست مطلقة بل يرد عليها قيود تضيق من نطاقها ، والمشرع يهدف من وضعه هذه النصوص حماية مصالح إجتماعية معينة على جانب من الأهمية فينص على تجريم تلك الأفعال ، لكنه قد يقدر أن المصلحة التي تعود على المجتمع في عدم العقاب تفوق المصلحة التي تعود عليه في حالة العقاب عليها في ظروف معينة ، فيقرر إعتبارها مشروعة في مثل هذه الظروف على الرغم من خضوعها لنصوص التجريم؛ وأساس تبرير فعل الإباحة وعلته عند الفقهاء الإسلاميين لا يختلف عما ورد في السياق السابق .
وقد تطرق المشرع العماني إلى حالة الدفاع الشرعي شأنه في ذلك شأن جميع التشريعات في العالم الحديث، وما سبقته من تشريعات قديمة ؛ وحق الدفاع الشرعي يعتبر ضمن الحقوق العامة للإنسان التي تكفلها الشرائع والقوانين لما تحققه من غاية إجتماعية، وإذا كان حق الدفاع الشرعي له هذه المكانة فيتعين البحث في هذا الفصل أولا: في ماهيته والشروط الواجب توافرها فيه ومن ثم الأثر الذي يحدثه هذا الحق في حالة توافره من عدمه.
• ماهية الدفاع الشرعي:
يعرف الدفاع الشرعي في الفقه الإسلامي بالدفاع الشرعي الخاص أو يطلق عليه اسم (( دفع الصائل)) ويٌعرف على أنه:-
واجب الإنسان في حماية نفسه أو نفس غيره ، وحقه في حماية ماله أو مال غيره من كل إعتداء حال غير مشروع وبالقـوة اللازمة لدفع هذا الإعتداء
ويرى كثير من الفقهاء المسلمين بأن أصل إباحة فعل الدفاع الشرعي قوله تعالى في كتابه الكريم: ((فمن إعتدى عليكم فإعتدوا عليه بمثل ما إعتدى عليكم )) وما روي عن الرسول (ص) : (( من أٌريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد)) .
وقد إتفق جميع فقهاء المذاهب الإسلامية بأن الدفاع عن العرض واجب على المدافع ، وإختلفوا فيما عدا ذلك بين الوجوب والإجازة فيما تعلق بالدفاع عن النفس والمال والرأي الراجح فيما يتعلق بالدفاع عن النفس بأنه واجب أما الدفاع عن المال فالراجح فيه بأنه جائز وليس واجب.
أما من ناحية الفقه الوضعي فتعريفه بأنه: إستخدام القوة اللازمة لمواجهة خطر إعتداء غير محق ولا مثار أي غير مشروع ؛ يهدد بضرر يصيب حقاً يحيه القانون .
والأساس القانوني الذي يستند إليه الدفاع الشرعي هو محل لخلاف غالبية الفقهاء؛ فهناك من قال بنظريات فلسفية للتعبير عن أساس الدفاع الشرعي كنظرية الحق الطبيعي أو نظرية المصلحة الإجتماعية؛ وهناك من النظريات التي تجتمع بتسمية النظريات القانونية مثل نظرية العالم الهولندي (Puffendroff) بأن أساس الدفاع الشرعي يقوم على حاسة البقاء لدى المدافع؛ إلا أنني مع الرأي القائل بأن الدفاع الشرعي ليس إلا رخصة أو مكنة قانونية مشروط إستخدامها بتحقق الشروط التي تطلبها المشرع.
والمشرع الوضعي لا يلزم من يتهدده الخطر بأن يتحمله ومن ثم يبلغ السلطات لتتولى توقيع العقاب على المعتدي ، ولكن يبيح له أن يتولى بنفسه دفع هذا الخطر عن طريق كل فعل يكون ضرورياً وملائماً لذلك؛ ودفع الخطر يكون بالحيلولة بين المعتدي والبدء في عدوانه أو الإستمرار فيه إن بدأه أصلاً .
وذلك لأن فعل دفاع الإنسان عن نفسه أو ماله ضد ما يتهدده من الأخطار أمر طبيعي توحي به الغريزة الإنسانية ، وله أن يدفع هذا الخطر بكل فعل يكون ضرورياً وملائما حتى وإن كان هذا الفعل قتلاُ، وحق الدفاع الشرعي هو سبب من أسباب الإباحة.
ويـعتبر الدفاع سبباً عاماً للإباحـة كون أنه يسري في كل الجرائم التي تقع دفاعاً للخطر ولو لم تكن من قبيل القتل والجرح والضرب، فالدفاع يكون في القبض على المعتدي وحبسه أو إتلاف الأدوات التي يستعملها.
إلا أن الدفاع الشرعي ليس هدفه تخويل المعتدى عليه سلطة توقيع العقاب على المعتدي أو الإنتقام منه ، وإنما هدفه مجرد منع إرتكاب الجرائم أو منع التمادي فيها ، وهو حق عام يقرره الشارع في مواجهة الكافة ، ويقابله إلتزام الناس بإحترامه وعدم وضع العوائق في طريق إستعماله.
وهذا الحق ليس حقاً مطلقاً بل يستوجب تطبيقه على الفعل المجرم توافر عدة شروط لكي يمكننا القول بأننا أمام قيام حالة الدفاع الشرعي ؛ وكذلك فإنه ترد بعض القيود على إستعمال هذا الحق ، وذلك لما يمكن أن تلحقه في بدن المعتدي ؛ وعليه سأقوم بذكر شروط الدفاع الشرعي ومن ثم القيود الواردة عليه وأخيراً أثر قيام حالة الدفاع الشرعي في هذا المبحث الأول:-
• شروط حالة الدفاع الشرعي :-
يتطلب لقيام حالة الدفاع الشرعي توافر عدة شروط ، وهذه الشروط منها ما هو متعلق بفعل الإعتداء الذي يبرر الدفاع ، ومنها ما هو متعلق بالمعتدى عليه دفعاً للتعدي.
أ- شروط الإعتداء:-
- وجود إعتداء غير مشروع.
لكي يكون هناك حق دفاع ؛ يجب أن يكون هناك إعتداء أو خطر إعتداء بفعل يعد جريمة فإذا كان الإعتداء لا يعد جريمة فلا يقوم حق الدفاع وبناء على ذلك فالدفاع ضد من يزاول حقه في الدفاع الشرعي غير معاقب عليه ؛ إلا إذا كان من يزاول حقه في فعل الدفاع قد تخطى حدود الدفاع الشرعي فإن فعله يعتبر إعتداء مما يعد جريمة طبقاً لقواعد القانون عامة ؛ وعلى ذلك يجوز الدفاع ضده و الإعتداء يعد جريمة ولو كان الفاعل غير معاقب لعارض من عوارض الأهلية الجنائية أو لإنتفاء القصد الجنائي لغلط في الوقائع لأن موانع المسؤولية لا تمحو صفة الجريمة عن الفعل وإن كانت تمنع المسؤولية عنه فيجوز الدفاع ضد عمل الحدث والمجنون ومن هو في واقع الغلط ؛ كذلك يجوز الدفاع الشرعي ضد من يتمتع بعذر من الأعذار القانونية ذلك أن وجود العذر القانوني لا يمنع من كون الفعل غير مشروع وعلى ذلك فإن الزوج الذي يفاجـأ زوجته وشريكها في حالة الزنا فيحاول قتلهما في الحال فإن للزوجة والشريك أن يدفعا عدوان الزوج بإستعمـال حق الدفاع الشرعي.
وإشتراط عدم مشروعية الخطر يفيد إنتفاء الدفاع الشرعي ضد الخطر المشروع فلا يتصور الدفاع الشرعي ضد خطر يقره القانون أو يأمر به فالدفاع لا يجوز إلا ضد خطر يهدد بإرتكاب جريمة وبالتالي فإن هذه الصفة تنتفي بالنسبة للخطر المشروع ويترتب على ذلك أن الدفاع الشرعي لا يجوز ضد من يرتكب فعلاً في حالة دفاع عن النفس أو المال المباح قانوناً كذلك لا يجوز الدفاع ضد الفعل المرتكب إستعمالاً لحق من الحقوق أو الغلط في الإباحة فإنه لا ينفي عن الفعل المرتكب الصفة غير المشروعة وبالتالي يتحقق الشرط الذي نحن بصدده ويجوز الدفاع الشرعي ضده ويستوي بعد ذلك أن يكون الغلط في الإباحة يعفي صاحبه من المسؤولية كلية أو لا يعفه.
والدفاع الشرعي جائز ضد الإعتداء الوهمي أي الذي لا أصل له في الواقع ، وحقيقة الأمر بأنه متى ما كانت الظروف والملابسات تلقي في روع المدافع أن هناك إعتداءاً جدياً وحقيقياً موجهاً إليه ، فإن حالة الدفاع الشرعي تكون قائمة ، ولا يشترط أن يكون الإعتداء حقيقياً في ذاته بل يكفي أن يبدو كذلك في إعتقاد المدافع وتصوره ؛ وعليه فإن الأعمال التحضيرية لجريمة ما لا تبيح الدفاع الشرعي وذلك لأنها لا تعد جريمة بحد ذاتها.
وينتهي الحق في الدفاع بزوال الإعتداء فعلاً لأن الغرض من الدفاع هو منع المعتدي وليس القصاص أو الإنتقام فإذا ثبت أن المتهم إرتكب جريمته بعد إنقطاع الإعتداء فلا يكون في حالة دفاع شرعي ذلك أن الدفاع الشرعي يهدف إلى الحيلولة دون إتمام مخالفة القانون ، ويقتضي ذلك أن يكون الخطر لا زال قائماً يحدق بالغير ، بحيث إذا كان الإعتداء قد إنتهاء فلا يكون للدفاع شرعي وجود ؛ وتحديد الوقت الذي يعد الإعتداء فيه منتهياً وبالتالي يقف فيه حق الدفاع يختلف بإختلاف الجرائم وظروف إرتكابها .