قراءة جديدة في القوة الأميركية (15-6)
أصداف
قراءة جديدة في القوة الأميركية
(6ـ 15)
قراءة جديدة في القوة الأميركية
(6ـ 15)
في أوج قوة الولايات المتحدة برزت ظاهرتان رئيسيتان، هما مشروع نشر الديمقراطية في الشرق الاوسط، وهو المشروع الذي أخذ حيزا واسعا ومهما من اهتمام الدوائر الاميركية المعنية بالأمر، وقبل ذلك ظاهرة (المحافظين الجدد) وتتلازم الظاهرتان في التعبير عن القوة الأميركية ومدى الحضور الواسع لهذه القوة في العالم، إلا أنه من اللافت أن ذكر مشروع نشر الديمقراطية وعنوان المحافظين الجدد قد تراجع بنسبة كبيرة جدا، بل أن أحدا في هذه الأيام لا يأتي على ذكر هذين العنوانين إلا ما ندر، فما دلالات ذلك، ولماذا تراجعت أهم ظاهرتين برزتا في الولايات المتحدة خلال حقبة بروز القوة الاميركية، وتربعها على أعلى سلطة في العالم.
نعتقد أن تراجع هاتين الظاهرتين يرتبط بصورة مباشرة بتدهور القوة الاميركية، وأن صُناع القرار في الادارة الاميركية، أرادوا من شعار الديمقراطية في الشرق الاوسط التهيئة والتمهيد لهيمنة القوة الأميركية بجميع حقولها العسكرية والاقتصادية والسياسية، وإذا اقتضت الضرورة لزج القوة العسكرية في بلد ما مثل العراق وأفغانستان، فإن البهرجة الكبيرة المرسومة لـ(النصر) الاميركي عسكريا ستتكفل بفتح جميع الابواب أمام مشاريع التعبئة الفكرية والثقافية، التي يتم تسويقها عبر منافذ وقنوات عديدة تحت يافطة الديمقراطية،ويكون الدور الرئيسي في رسم السياسيات المستقبلية في العالم منوطا بالمحافظين الجدد، الذين برزوا في حقبة انتشاء الاميركيين بالنصر على الاتحاد السوفييتي، وزعموا أن هزيمة الاتحاد السوفييتي الخصم الاول، لم تحصل بدون أفكار ومشاريع وخطط المحافظين الجدد، فأُوكلت مهمة المرحلة الثانية الى أحد أبرز المحافظين الجدد،هو بول وولفويتز، الذي تزعم الجانب العسكري في مخطط غزو العراق وتولى منصب نائب وزير الدفاع الأميركي في حقبة الاستحضارات للغزو وما بعده، والذي تلاشى أي حضور له بعد فشل خططه العسكرية ومعه وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، وانتقل للعمل في البنك الدولي لينتهي به المطاف في أكبر فضيحة أخلاقية تداولتها وسائل الإعلام، وتحدثت عن تفاصيلها المخزية صالونات وحانات ومقاهي أميركا والعالم.
في وقت مبكر أقر وولفويتز بالخطأ في تقدير الأوضاع في العراق، وقال في مؤتمر صحفي ببغداد اواخر يوليو عام 2003، أي بعد ثلاثة أشهر من الغزو، أننا اخطأنا في ثلاثة أمور، أولها اعتقدنا أن هناك قدرات إدارية وسياسية لدى بعض السياسيين الذين جئنا بهم للسلطة، وهذا لم يتوافر بهم، والثاني اعتقدنا أن جميع العراقيين سيستقبلوننا بالورود، وهذا لم يحصل، والأمر الثالث والاخطر، أننا تصورنا، أن إطلاقة واحدة من العراقيين لم تطلق على قواتنا في حين تتعرض قواتنا الى هجمات يومية.
قبل أن يغيب هذا المحافظ الجديد ويطوي خططه ضد العراق، تصدى له المقاومون العراقيون في واحدة من الهجمات الدقيقة والكبيرة، عندما باغتوه بالصواريخ التي استهدفت الطابق الذي يسكن فيه بفندق الرشيد ببغداد في نوفمبر 2003، وهرب راكضا لاهثا بملابس النوم والذعر يسيطر عليه الى الطابق الأرضي، ونقلت تلك الصورة التي جللت بول وولفويتز محطة سي ان ان الاميركية من داخل فندق الرشيد.
أما مجموعة المحافظين الجدد، الذين رسموا خطط غزو العراق، ومن ثم وضعوا آليات تدميره وإثارة الفتن والحروب بين أبنائه، فأنهم توزعوا بعد النتائج الاولى للغزو الى فئتين، إحداهما عملت مع وكالة المخابرات الاميركية ومجاميع من السياسيين الذين نصبهم الاحتلال لإثارة الفتن في العراق، في حين انكفأ الآخرون ولم يسمع العالم بأصواتهم، التي طالما ملأت وسائل الإعلام مبشرة بالعصر الاميركي الجديد، وللتعرف على حجم تراجع وخيبة ظاهرة المحافظين الجدد، سنتوقف عند أبرز شخوصها وطروحاتهم التي سبقت الانكفاء وبعده.
http://www.alwaleedonline.com/NewsDetails.aspx?ID=28602