قراءة جديدة في القوة الأميركية (5-15)
اصداف
قراءة جديدة في القوة الأميركية (5-15)
قراءة جديدة في القوة الأميركية (5-15)
لم يكن وحده غور فيدال، الذي عارض السياسة الأميركية الخارجية ووجه لها الكثير من الانتقادات، فهناك مفكر اللسانيات الشهير نعوم تشومسكي، الذي يقف في مقدمة الشخصيات التي عارضت الكثير من التوجهات والسياسات الاميركية، وعُرف بمعارضته لحرب فيتنام، وله مواقف واضحة من الحرب، التي توقع نهايتها بهزيمة الولايات المتحدة، واشتغل تشومسكي على تعرية المفصل الرئيسي الذي اعتمدته الإدارات الاميركية في تسويق مشاريعها وطروحاتها، وهو موضوع الديمقراطية، مجهدا نفسه في تحذير الأمم والشعوب خشية ابتلاع الطعم بكل ما فيه من جرعات قوية وخطيرة من السموم، لأن الاميركيين رفعوا شعارات الديمقراطية لمناجاة النفوس ومداعبة المشاعر، وبما يؤسس لأرضية متينة تتقبل جميع أنواع البذر الأميركي، وجندت لهذا الغرض أساطيل إعلامية في مقدمتها إذاعة صوت أميركا، التي بدأت البث بعد عدة أشهر من الهجوم الياباني على بيرل هاربر عام 1941 (بثت للمرة الاولى في الرابع عشر من فبراير عام 1942)، حيث كانت الخسارة الأميركية الكبرى في بيرل هاربر، واتسعت دائرة البث الإذاعي الموجه إلى الكثير من الأمم والشعوب وبالعديد من اللغات، وكانت الإذاعة الوسيلة الأكثر تأثيرا قبل انتشار الأطباق اللاقطة، التي دخل البث التليفزيوني من خلالها البيوت وأماكن العمل واللهو.
وقف تشومسكي أمام هذا الزحف، وأصر في كل ذلك على قول الحقيقة، التي يعتقد أنه اذا أدركها العالم، فأنه سيتجنب أخطار المخادعين، وإذا إقتنع بها الأميركيون أنفسهم، فإنهم سيتجنبون الويلات، التي يحيكها السياسيون الأميركيون، الذين تتحكم بهم عقلية الهيمنة والسيطرة والرغبات الجامحة لاستملاك مقدرات وثروات الامم والشعوب.
وظل تشومسكي يصف الديمقراطية الاميركية بقوله( إن خطاب أميركا الديمقراطي وجوهرها غير الديمقراطي لهما تأريخ طويل، ومن به ذرة من التفكير ينبغي ألا يعير انتباها لخطب الزعماء). وفي كشفه للتعتيم الاميركي على الخسائر الحقيقية في حرب فيتنام يقول، إن الشعب الأميركي لم يعرف بتلك الخسائر وأهوال الحرب إلا بعد عشر سنوات من اندلاع الحرب، لهذا كان اهتمامه ضعيفا جدا بالحرب في عقدها الاول، ولم يتم الكشف عن مذكرات الجنود الأميركيين في فيتنام إلا في شهر نوفمبر عام 1982، في حين انتهت الحرب بهزيمة القوات الاميركية من فوق سطح السفارة الاميركية في سايجون بتأريخ(30 ابريل عام 1975). لهذا فإنه يرى من واجب المفكرين أن يقولوا الحقيقة، وأن يكتشفوا الأكاذيب).
لا يرى تشومسكي في ميزانيات السلاح الضخمة، إلا الطريق، الذي يقف عائقا أمام التنمية الحقيقية في المجتمع الأميركي، منتقدا النفوذ الكبير لمصانع السلاح، ويؤكد بهذا الخصوص، أن النفقات العسكرية الأميركية توازي نفقات بقية دول العالم مجتمعة، في حين أن مبيعات 38 شركة اميركية شمالية من الاسلحة، تمثل أكثر من ستين في المئة من مبيعات العالم من الأسلحة، التي ارتفعت بنسبة 25 في المئة منذ عام 2002.
بعد عشر سنوات من الحشد العسكري وزيادة المبالغ المخصصة للانفاق العسكري، انتشرت في الولايات المتحدة ظاهرة الفقر، إذ يوجد ما يزيد على عشرين مليون أميركي يعيشون في الخيم، وهناك مئات الآلاف من المشردين، في حين تجاوز عدد المواطنين الأميركيين الذين يعيشون تحت خط الفقر الخمسة وأربعين مليونا، ما يدلل على أن الاموال التي تم إنفاقها في الجانب العسكري والحروب لم تقدم دعما للقوة الاميركية، بل ارتدت بصورة سلبية لتصيب المجتمع الاميركي بخلل بنيوي واضح، وقد تكون له تداعياته المستقبلية السلبية على الأميركيين أنفسهم.
وإذا رأى تشومسكي أن غزو العراق سيلازمه العار، فإن الباحث والأكاديمي الأميركي جون اكنبري قد رأى في الاستراتيجية الأميركية العظمى الجديدة، في تحليل نشرة في مجلة (فورن افيرز) أن الولايات المتحدة دولة تنقيحية تعديلية تريد أن تقامر بما لديها من مميزات في نظام عالمي تتولى إدارة مسرحه، منبها إلى أن هذه السياسة مشحونة بالأخطار حتى بالنسبة للولايات المتحدة نفسها ( فورن افيرز عدد سبتمبر 2002).
وليد الزبيدي
كاتب عراقي
كاتب عراقي
http://www.alwaleedonline.com/NewsDetails.aspx?ID=28548