قراءة جديدة في القوة الأميركية (1ـ15)
أصداف
قراءة جديدة في القوة الأميركية (1ـ15)
قراءة جديدة في القوة الأميركية (1ـ15)
قبل يومين من وصول القوات الأميركية إلى مطار بغداد في الضاحية الغربية من العاصمة العراقية، قال المفكر الأميركي نعوم تشومسكي، إن الحرب على العراق ستزيد من مخاطر الارهاب ( نشرة موقع زد نت بتاريخ 1-4-2003)، وبعد ثلاثة اشهر تقريبا من الغزو الاميركي للعراق، أعرب الكاتب الاميركي المعروف توماس فريدمان، عن ثقته بقرب وصول وفود اسرائيلية الى العراق لبدء حقبة سلام بين البلدين، جاء ذلك في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز في صيف عام 2003، وقال فيه، إنه سيرى قريبا الوفود الإسرائيلية تمر عبر بوابات مطار بغداد الذي تجول فيه فريدمان.
ماذا حصل خلال هذه السنوات، وماذا تحقق للولايات المتحدة، وهل هناك خسائر تكبدتها، وهل وقعت في فخ الغرور السياسي، أم أن قانون نشوء الامبراطوريات بمراحله المعروفة ( الولادة - الوصول الى القمة- ثم الانحدار) قد شمل الامبراطورية الاميركية، وأنها لن تكون الاستثناء كما اعتقد البعض من المفكرين، حيث وصل الأمر بالبعض منهم الى إطلاق بداية جديدة للتأريخ، تكون أميركا فيه السيد المطلق بلا منازع او منافس على الاطلاق ( فرنسيس فوكوياما صاحب كتاب نهاية التاريخ)، الذي عبر عن الغرور الأميركي في تصريحاته المبكرة، التي أطلقها عشية القصف الجوي والصاروخي المدمر على العراق في حرب الخليج الثانية. وقال ما نصه لقد هزمنا الاتحاد السوفييتي ودمرنا العراق - 12 فبراير عام 1991).
خلال تسعينيات القرن الماضي، انشغل المفكرون والكثير من السياسيين، بطرح الآراء والأفكار لتقييم التجربة الاميركية في إدارة الصراع الدولي، وما تحقق لأميركا من منجز يشهد له الجميع، وبالمقابل الفشل الذريع الذي حصدته التجربة السوفييتية، ومعيار ذلك تفكك الاتحاد السوفييتي ما يعني ضعف المركز(موسكو) وتفرد الولايات المتحدة بالزعامة الدولية، وما يؤكد القوة الأميركية، التي انتقلت من حقبة الصراع العسكري، الذي يعني تخصيص مبالغ طائلة لسباق التسلح، الذي كانت له الأولوية لدى صناع القرار في البيت الابيض الى دخول مرحلة العولمة، التي تعبر عن الهوية الجديدة للعالم، الذي أصبح للمرة الأولى في التاريخ، يعيش تحت قبضة دولة واحدة لا منافس لها، وبينما أصبح العالم ينظر الى اليابان بإعتبارها قوة اقتصادية، ومثل ذلك بدأت الصين تسير بهذا الاتجاه، فإن النظرة إلى قوة أوروبا لم تخرج عن كونها قوة اقتصادية أيضا، وأنها لا يمكن أن تكون قوة سياسية منافسة للولايات المتحدة، أما بريطانيا فقد دخلت تحت العباءة الاميركية، لدرجة أنها وُصفت في مرحلة لاحقة بـ(التابع للولايات المتحدة)، وسطع اسم نمور آسيا اقتصاديا، في حين بقيت أغنى الدول بثرواتها النفطية (دول الخليج العربي وإيران) في حيز ضيق، لا يحسب لها الآخرون أي حساب، وسيطرت الخلافات بين عواصمها لتضعف قرارها السياسي والاقتصادي، لدرجة أنها لم تخرج من دائرة المحلية الضيقة، ولم تُصنف كقوة اقتصادية او عسكرية ولا سياسية، فكان من الطبيعي أن ينظر الجميع الى القوة الاميركية من زاوية القوة العسكرية الاولى في العالم، بعد انهيار المنظومة العسكرية الرئيسية المنافسة لها طيلة أكثر من أربعة عقود (الاتحاد السوفييتي)، ويُنظر لها من زاوية القوة الاقتصادية الأكبر في العالم، إذ لم تكن هناك تقاطعات اميركية مع القوى الاقتصادية الصاعدة في العالم، فالقوة اليابانية في الاقتصاد لا تستطيع في نهاية المطاف الخروج عن الطاعة الأميركية، لأن اليابان دخلت تحت الحماية الاميركية منذ هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، ووقع الجنرال ماك أرثر إتفاقية مع طوكيو تلتزم بموجبها الولايات المتحدة بتوفير الحماية لليابان، بعد أن أنهت واشنطن الحرب بالطريقة الدموية المعروفة، عندما أسقطت قنابل ذرية على مدينتي هيروشيما وناجازاكي بداية اغسطس عام 1945، ووقع وزير خارجية اليابان شيجمتسو على وثيقة الاستسلام، التي أنهت أي وجود لقوة عسكرية يابانية، قد تقف بوجه اميركا بطريقة أو أخرى، وخضعت بذلك اليابان للولايات المتحدة، ومهما تقدمت القوة الاقتصادية اليابانية، فانها تبقى أسيرة الاتفاقية سالفة الذكر.
انتقل الصراع في العالم بعد الحرب العالمية الثانية الى صراع ثنائي، وانقسمت الدول في مشارق الأرض ومغاربها بين مؤيد للشرق أو للغرب، وحتى عندما ظهرت دول عدم الانحياز، فإن غالبيتها ارتبطت بأحد المعسكرين، على الأقل في ميدان التسليح، وعرف العالم نوعين من الأسلحة فقط، إما غربية أو شرقية.
لهذا فإن انتهاء القوة السوفييتية وبقاء قوة واحدة لم يكن بالأمر البسيط، فاتجهت القراءات الى الاعتقاد الذي يصل احيانا الى درجة الجزم، بأن تفرد الامبراطورية الأميركية سيكون العنوان الجديد والنادر في تاريخ الامبراطوريات.
وليد الزبيدي*
* كاتب عراقي
* كاتب عراقي
http://www.alwaleedonline.com/NewsDetails.aspx?ID=28378