من الأطباق الورقية الطائرة إلى الطائرات المسيرة
أ.د. محمد اسحق الريفي
بعد أيام قليلة تنتهي السنة الدراسية في مدارس غزة وتبدأ الإجازة الصيفية، وسيجد طلاب المدارس الأساسية وقتاً كافياً لممارسة هواية يتوارثونها عبر التاريخ، وهي صناعة الأطباق الورقية، وتطييرها، وهي هواية تعبر عن طموحات كبيرة لدى الأطفال، فهل نأخذ بيدهم نحو تحقيق أحلامهم وطموحاتهم.
ربما يمنح تطيير الأطباق الورقية في الهواء الطلق أطفال غزة شعوراً بالحرية والانطلاق، وفرصة لإطلاق العنان لخيالهم المتعب، والتحليق في سماء مستقبل مغيب في غياهب القهر والحرمان، ولا سيما أنهم يعيشون في غزة، في بيئة يسودها الفقر والمرض وعدم الاستقرار، التي حوّلها الحصار الصهيوني الظالم إلى سجن كبير، فأصبح الخروج من غزة مستحيلاً، حتى أن نسبة كبيرة من أطفال غزة لم يخرجوا منها قط، ولو لمرة واحدة، لزيارة الضفة الفلسطينية مثلاً، أو المسجد الأقصى المبارك، أو الجارة مصر، باستثناء سماح السلطات المصرية أحياناً لبعض المصابين بأمراض مستعصية أو خطيرة بالسفر للعلاج في المستشفيات المصرية، ويقضي بعض المرضى من الأطفال نحبهم قبل السماح لهم بالسفر للعلاج.
تتجه الأطباق الورقية الطائرة شمالاً نحن الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1948، لأن تيارات الهواء في أجواء غزة تجري باتجاه الشمال، فيجد الأطفال فرصة لإرسال رسائلهم إلى أرض آبائهم وأجدادهم، التي حرموا من العيش فيها، والتي حوّلها العدو الصهيوني إلى جبهة يشن منها عملياته الحربية على غزة. وعادة يلون الأطفال أطباقهم الورقية بألوان علم فلسطين، وأحياناُ يصممون الطبق على شكل علم فلسطين. وعندما يرتفع الطبق في جو السماء، يقطع الأطفال الخيط الذي يمسكه، فيحمله تيار الهواء بعيداً، ليسقط بعد ساعات على الأرض المحتلة، فيعانق تربها، ويحمل أشواق أطفال غزة لها، ولأهلها، وللحرية والمستقبل.
من يأخذ بيد أطفالنا نحو تحقيق أحلامهم وطموحاتهم الواعدة، ليصبحوا قادرين في المستقبل على صناعة طائرة صغيرة مسيّرة، تخترق الحدود وتحطم القيود الصهيونية، وتسقط حمم الموت الزؤام على رؤوس المغتصبين والمعتدين الصهاينة، وتتصدى لطائراتهم المسيّرة، التي تتجسس على شعبنا، وتمطر أطفالنا بالصواريخ الفتاكة، وتمزق أجسادهم الغضة وتحولها إلى أشلاء تتناثر في كل مكان؟
إنه ليس حلماً مستحيلاً، بل هو طموح ممكن التحقيق، ولكن علينا نحن الكبار أن نهتم بحاضر أطفالنا ومستقبلهم، وأن نصنع منهم أبطال غدنا، وأن نصنع بهم مستقبل شعبنا، عبر إحسان تربيتهم، وتعليمهم، وتوجيههم، وحمايتهم من الأمراض الجسدية والنفسية، وتأهيلهم نفسياً وفكرياً وعقلياً وعلمياً، ليكونوا علماء، وقادة، ومهندسين، ومخترعين.
قريباً سينعم طلاب المدارس بإجازة طويلة، وسيقض الأطفال جل أوقاتهم أمام الفضائيات الخاصة بالأطفال مثل طيور الجنة، وكراميش، وأجيال، وسكر، وبراعم، وسبيس توون، وغيرها. وسيذهب الأطفال إلى المخيمات الصيفية، ومخيمات تحفيظ القرآن الكريم، وسيعكفون على حضور الدروس في المساجد وعلى حفظ القرآن الكريم. وبعضهم سيذهب إلى شاطئ بحر غزة، ليستمتع باللعب واللهو البريء على الشاطئ، رغم تلوث مياه البحر وتعرض الأطفال الذين يسبحون فيه إلى النزلات المعوية الحادة وغيرها من الأمراض. وسيذهب بعض الأطفال للتسول في شوارع مدينة غزة، وسيبحث بعضهم الآخر عن عمل يجلب لهم بعض النقود، كالبيع، ليشتروا بها بعض الملابس والألعاب، أو ليساعدوا عائلاتهم الفقيرة، أو ليشتروا دراجات هوائية، أو هواتف نقالة...
أجريت دراسات حديثة حول ظاهرة العنف والشغب والطيش لدى أطفال غزة، وأكدت هذه الدراسات أن هناك علاقة بين سوء التغذية وضعف الذكاء لدى الأطفال، وبالتالي ميلهم إلى الشغب والعنف والسلوك الطائش. وهناك ما هو أشد خطراً على الأطفال من سوء التغذية، وهو المواد الكيماوية السامة التي تحتوي عليها الخضروات والفواكه محلية الإنتاج، حيث يستخدم المزارعون كميات كبيرة من هذه المواد السامة، متجاوزين ما يسمح به القانون، وبشكل فوضوي عجيب، وذلك لإنضاج الثمار قبل أوانها، وكسب السعر المرتفع في السوق المحلي، ولا توجد رقابة على معظم المزارعين في قطاع غزة، لا رقابة قانون، ولا رقابة ضمير. وبهذا فإننا نرتكب جريمة كبرى بحق أطفالنا، وندمر حياتهم ومستقبلهم، ونجعلهم عرضة لأمراض السرطان، التي تنتشر بمعدلات عالية في قطاع غزة.
نحن بحاجة إلى حماية أطفالنا من الأمراض النفسية والجسدية، فالعقل السليم في الجسم السليم. وبالإضافة إلى تحصين الأطفال عبر الدروس الدينية وحفظ القرآن الكريم، نحن بحاجة إلى تعليم أطفالنا التفكير الإبداعي، ورفع معنوياتهم وطموحاتهم وأهدافهم، وخلق دافعية لديهم للعمل والجد والاجتهاد والتعلم. ومن الحكمة أن تخصص ملايين الدولارات لهذا الغرض، ولتطوير التعليم، ولرعاية برامج خاصة لتعليم الأطفال التفكير الإبداعي على مدار العام، فالطفل هو رأس مال الشعب الفلسطيني، ولا يوجد أفضل من الاستثمار في الطفل الفلسطيني.
أ.د. محمد اسحق الريفي
بعد أيام قليلة تنتهي السنة الدراسية في مدارس غزة وتبدأ الإجازة الصيفية، وسيجد طلاب المدارس الأساسية وقتاً كافياً لممارسة هواية يتوارثونها عبر التاريخ، وهي صناعة الأطباق الورقية، وتطييرها، وهي هواية تعبر عن طموحات كبيرة لدى الأطفال، فهل نأخذ بيدهم نحو تحقيق أحلامهم وطموحاتهم.
ربما يمنح تطيير الأطباق الورقية في الهواء الطلق أطفال غزة شعوراً بالحرية والانطلاق، وفرصة لإطلاق العنان لخيالهم المتعب، والتحليق في سماء مستقبل مغيب في غياهب القهر والحرمان، ولا سيما أنهم يعيشون في غزة، في بيئة يسودها الفقر والمرض وعدم الاستقرار، التي حوّلها الحصار الصهيوني الظالم إلى سجن كبير، فأصبح الخروج من غزة مستحيلاً، حتى أن نسبة كبيرة من أطفال غزة لم يخرجوا منها قط، ولو لمرة واحدة، لزيارة الضفة الفلسطينية مثلاً، أو المسجد الأقصى المبارك، أو الجارة مصر، باستثناء سماح السلطات المصرية أحياناً لبعض المصابين بأمراض مستعصية أو خطيرة بالسفر للعلاج في المستشفيات المصرية، ويقضي بعض المرضى من الأطفال نحبهم قبل السماح لهم بالسفر للعلاج.
تتجه الأطباق الورقية الطائرة شمالاً نحن الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1948، لأن تيارات الهواء في أجواء غزة تجري باتجاه الشمال، فيجد الأطفال فرصة لإرسال رسائلهم إلى أرض آبائهم وأجدادهم، التي حرموا من العيش فيها، والتي حوّلها العدو الصهيوني إلى جبهة يشن منها عملياته الحربية على غزة. وعادة يلون الأطفال أطباقهم الورقية بألوان علم فلسطين، وأحياناُ يصممون الطبق على شكل علم فلسطين. وعندما يرتفع الطبق في جو السماء، يقطع الأطفال الخيط الذي يمسكه، فيحمله تيار الهواء بعيداً، ليسقط بعد ساعات على الأرض المحتلة، فيعانق تربها، ويحمل أشواق أطفال غزة لها، ولأهلها، وللحرية والمستقبل.
من يأخذ بيد أطفالنا نحو تحقيق أحلامهم وطموحاتهم الواعدة، ليصبحوا قادرين في المستقبل على صناعة طائرة صغيرة مسيّرة، تخترق الحدود وتحطم القيود الصهيونية، وتسقط حمم الموت الزؤام على رؤوس المغتصبين والمعتدين الصهاينة، وتتصدى لطائراتهم المسيّرة، التي تتجسس على شعبنا، وتمطر أطفالنا بالصواريخ الفتاكة، وتمزق أجسادهم الغضة وتحولها إلى أشلاء تتناثر في كل مكان؟
إنه ليس حلماً مستحيلاً، بل هو طموح ممكن التحقيق، ولكن علينا نحن الكبار أن نهتم بحاضر أطفالنا ومستقبلهم، وأن نصنع منهم أبطال غدنا، وأن نصنع بهم مستقبل شعبنا، عبر إحسان تربيتهم، وتعليمهم، وتوجيههم، وحمايتهم من الأمراض الجسدية والنفسية، وتأهيلهم نفسياً وفكرياً وعقلياً وعلمياً، ليكونوا علماء، وقادة، ومهندسين، ومخترعين.
قريباً سينعم طلاب المدارس بإجازة طويلة، وسيقض الأطفال جل أوقاتهم أمام الفضائيات الخاصة بالأطفال مثل طيور الجنة، وكراميش، وأجيال، وسكر، وبراعم، وسبيس توون، وغيرها. وسيذهب الأطفال إلى المخيمات الصيفية، ومخيمات تحفيظ القرآن الكريم، وسيعكفون على حضور الدروس في المساجد وعلى حفظ القرآن الكريم. وبعضهم سيذهب إلى شاطئ بحر غزة، ليستمتع باللعب واللهو البريء على الشاطئ، رغم تلوث مياه البحر وتعرض الأطفال الذين يسبحون فيه إلى النزلات المعوية الحادة وغيرها من الأمراض. وسيذهب بعض الأطفال للتسول في شوارع مدينة غزة، وسيبحث بعضهم الآخر عن عمل يجلب لهم بعض النقود، كالبيع، ليشتروا بها بعض الملابس والألعاب، أو ليساعدوا عائلاتهم الفقيرة، أو ليشتروا دراجات هوائية، أو هواتف نقالة...
أجريت دراسات حديثة حول ظاهرة العنف والشغب والطيش لدى أطفال غزة، وأكدت هذه الدراسات أن هناك علاقة بين سوء التغذية وضعف الذكاء لدى الأطفال، وبالتالي ميلهم إلى الشغب والعنف والسلوك الطائش. وهناك ما هو أشد خطراً على الأطفال من سوء التغذية، وهو المواد الكيماوية السامة التي تحتوي عليها الخضروات والفواكه محلية الإنتاج، حيث يستخدم المزارعون كميات كبيرة من هذه المواد السامة، متجاوزين ما يسمح به القانون، وبشكل فوضوي عجيب، وذلك لإنضاج الثمار قبل أوانها، وكسب السعر المرتفع في السوق المحلي، ولا توجد رقابة على معظم المزارعين في قطاع غزة، لا رقابة قانون، ولا رقابة ضمير. وبهذا فإننا نرتكب جريمة كبرى بحق أطفالنا، وندمر حياتهم ومستقبلهم، ونجعلهم عرضة لأمراض السرطان، التي تنتشر بمعدلات عالية في قطاع غزة.
نحن بحاجة إلى حماية أطفالنا من الأمراض النفسية والجسدية، فالعقل السليم في الجسم السليم. وبالإضافة إلى تحصين الأطفال عبر الدروس الدينية وحفظ القرآن الكريم، نحن بحاجة إلى تعليم أطفالنا التفكير الإبداعي، ورفع معنوياتهم وطموحاتهم وأهدافهم، وخلق دافعية لديهم للعمل والجد والاجتهاد والتعلم. ومن الحكمة أن تخصص ملايين الدولارات لهذا الغرض، ولتطوير التعليم، ولرعاية برامج خاصة لتعليم الأطفال التفكير الإبداعي على مدار العام، فالطفل هو رأس مال الشعب الفلسطيني، ولا يوجد أفضل من الاستثمار في الطفل الفلسطيني.