بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
فن التهديم..
فن التهديم..
ذكرى محمد نادر
[img][/img]
في وقت ما زالت معاول التهديم تعمل على ازالة نصب اللقاء، بفرق عمل، محمية بقوات عسكرية، خشية التعرض بالاذى، أثناء أداء عملها المقدس،
فبنشاط قل نظيره استنفرت الجهات الحكومية، عدتها وعتادها لتبادر بتهديم نصب.. بتهمة انه يرمز للتلاحم ما بين الشعب والقيادة السابقة!
دعونا نستغل الوقت الذي يستغرقه زمن المعاول
لنلق نظرة سريعة على ما تم ازالته وتهديمه منذ عام 2003، نظرة خاطفة وحسب، لنتابع بشكل غير واف مقدار ما تحقق من منجزات فن الهدم وابداع ابتكار التهديم!
بصبيحة مباغتة فوجيء اهالي بغداد بخبر تعرض تمثال ابوجعفر المنصور مؤسس مدينتهم للاعتداء، والتفجير ويبدو انه بسبب صلابة رأسه لم يصب بأذى كبير، واعيد الرأس تحت الحاح الضغط الشعبي، الى ما كان عليه، وارتفع على قاعدته بمنطقة المنصور مرة اخرى.
وبمسافة زمنية قياسية تدلل على مقدار الجدية بالعمل،
نفذ حكم الازالة سريعا بنصب" المسيرة" في ساحة العلاوي مقابل المتحف العراقي المنهوب والمخرب والمعطل، وبقيت المنصة خالية من شاغلها..
وبدون ضجة كبيرة وبغفلة ما سببته التفجيرات اليومية، وصخب موتها وعطالة الحياة في البر البغدادي
ابيد بقرار حكومي فعال لما يريد، نصب بلاط الشهداء، في صنعته البليغة، في ما كان من واقعة استشهاد الاطفال الذين سقطوا مقتولين بصاروخ ايراني، باغت اخر صباح لطفولتهم مضطجعا فوق مقاعد مدرستهم.. ولم ينفعهم كثيرا ان يختبئوا تحت مصاطب كراسيهم او الاحتماء بحقائبهم، فقد عاجلهم الصاروخ، وتعرف عليهم واحدا أثر اخر، وكي لا تقلق الجهات الحكومية، راحة ضمير الصواريخ الايرانية عمدت الى ازالة كل ما يذكر، بكارثة اغتيال الصغار واناشيدهم وكراريسهم وحكاياتهم وضحكاتهم، ونثار لحومهم على حياطين المدرسة!
أختفت في مقتبل عام 2004 تماثيل الضباط التي كانت تقف شاخصة امام سورجامع ام الطبول.. ممثلة الضباط الذين شاركوا في حركة رشيد عالي الكيلاني في اربعينيات القرن الماضي ضد العهد الملكي والانتداب البريطاني، انسلت بمكيدة دبرت بليل!
ترجل سهوا، تمثال عبد المحسن السعدون رئيس وزراء العراق بالعهد الملكي.. اشيع انه راح يتجول متهاديا من شوقه، في ازقة وحواري بغداد بعد تصديقه خدعة استتباب الامن فيها، ثم انه لم يتمكن من العودة الى المنصة ثانية لتغير معالم المدينة التي عاش فيها، ومات منتحرا حبا واثباتا للولاء لها!
تعرض تمثال كهرمانة للتشويه والتخريب. تمثال حكاية الفتاة البغدادية الحلوة رفيقة علي بابا التي استطاعت التغلب بحنكتها، على اربعين حرامي هم حراميو بغداد.. لم يسلم النصب والحكاية من التشويه، فقُلبت الحكاية رأسا على عقب في تبادل مضحك للادوار وصار الحرامي سلطان من اصحاب أُولي الامر، وعلي باباهو المتهم بحراميته!حينما كان جنود الاحتلال يفتحون الابواب منادين على "السلابة والرعاع" تعال علي بابا، تعال وأنهب!
تعرض تمثال شهريار وشهرزاد الى التشويه والتخريب. حكاية الغضب والم الخيانة التي حولها الحب الى اسطورة عراقية بليغة.. بعد ان اخمدت شهرزاد بنيران الحب واسرار الليل والحكايات، كل ما تخلف من أستعار الانتقام في قلب شهريار و وسيف مسرور المسلول للموت، وقد نحته المثال البارع محمد غني حكمت ببلاغة من برونز، ما تزال رغم التشويه والتحطيم ماثلة على كتف دجلة تتسمع نجيع القلوب العراقية القديمة، بما بقي يحلو فيها من قصص الغرام.
هُدم تمثال الخليفة العباسي الثالث الواثق بالله.. لماذا..؟ من صاحب المصلحة في اجتثاث رأس الخليفة العباسي الوسيم جدا..؟
ازيل برغم جماله وقيمة رمزه، ليصبح اثرا بعد عين نصب" المقاتل" الماثل، امام مدخل وزارة الدفاع العراقية متوسطا ساحة باب المعظم، مصورا المقاتلين باستبسالهم بالدفاع عن وطنهم.
محيت من الوجود، جدارية التأميم التي تتصدر مدخل وزارة التجارة في بغداد!
وهل نستطيع ان نحصي المعالم الحضارية التي تم تخريبها وتشويهها أو سرقتها؟فلا يسعني بهذا الحيز الصغير ان اعدد ما يصعب احصاؤه ولا يمكن ان نشير الى، سرقات كبيرة مثل سرقة التاريخ في المتحف العراقي، وحرق دار الوثائق والكتب، أو تدمير دار الحكمة ولا المدرسة المستنصرية، ولا سرقة وتدمير الاف الكتب بالمكتبة الوطنية، فنحن ازاء مشهد وطن تتكسر أضلاعه كل يوم وتقص اصابعه على عجل!
وتحت ذريعة ازالة كل ما يذكر بالنظام السابق..
دعونا نقترح على السادة مخترعي منهاج الابادة الحضارية، اسماء وعناوين ما نسته ذاكرتهم بخضم الانهاك باعمالهم اليومية، ولنذكرهم بان عليهم عدم الابقاء على شارع حيفا، لانه اقيم بنفس العهد، والجسر ذو الطابقين بما يعنيه من قدرة مهندسي العراق على انجازه في واقع الحصار. وجامعة المستنصرية وجامعة النهرين، ومدينة الاعراس والحبانية برغم كونها قاعدة عسكرية لجنود الاحتلال، وساعة بغداد، وساحة الاحتفالات طبعا، ويجب حتما ازالة قوس النصرسريعا، فلا معنى لوجوده في حضن وطن محتل، كما انه، يمثل هزيمة "اخوانهم الايرانين"وهذا يثير حفيظتهم ويذكرهم بتجرعهم كأس السم! وشارع الزيتون لا تنسونه هو الاخروان كنتم تنعمون الان به. ونصب الشهيد، فحتما بالنسبة لكم، لا يستحق من فقد حياته لاجل العراق أبقاءا في الذاكرة أو في نصب كهذا! وتمثال الجندي المجهول مفخرة ابداع، يجب تحطيمها فورا لانها رمز لشجاعة الجندي العراقي الذي كان ميزانه بالبطولة العراق وان ظل هو مجهولا، ومطار بغداد لماذا تغضون الطرف عنه!، وتمثال ساحة الواثق، وطبعا دون اغفال تهديم، الجسر المعلق الواقع حاليا ضمن حدود المنطقة الخضراء، فهو وان كان قد بني بعهد الرئيس الراحل عبد الكريم قاسم لكنه بعد الهجم والرجم بالصواريخ الذكية، ودق عنقه، أعيد بناؤه بعهد النظام السابق!
ولنتذكر اثارا اخرى فشهوة الازالة تشبه الحمى لن تتوقف ما دمنا نريد ازالة كل ما له علاقة بذاكرة اعوام طويلة من تاريخ العراق.
ولكن مهلا الا ترون انه من الانسب والامثل ان تاخذوا بمقترح ازالة بغداد واهلها قربانا لعيونكم التي لا تحب أن ترى ما يذكرها بالماضي!
اعتقد ان هذا سيكون اسهل عليكم بالتنفيذ، واكثر جدوى وفاعلية!
تذكير اخير ولا معنى له :
احتفظت الثورة البلشفية بقصور القياصرة الروس والكرملين ما زال اثرا شاهدا على ذلك مفخرة للمعمار الروسي
احتفظ ثوار يوليو بمصر بكل ما حفلت به قصور الملك فاروق حتى اخر سيجار دخنه لمنتصفه قبل هروبه!
ثابر الفرنيسيون على سلامة مخلفات العهود الماضية على اختلاف الرأي والاجتهاد معهم وقصر فرساي وسواه اليوم متعة للزائرين ومشهد ينفتح على مناخ الماضي!
الكوبيون، بثورتهم ضد ظلم الرئيس باتيستا، لم يدمروا اي مَعلم من مَعلم بلادهم بعد نجاح قوتهم بالتحرير وسيطرتهم على البلاد، واحتفظوا على كل ماكان موجود كأرث لوطنهم وحق امتلاك لمواطنيهم.
تلك نماذج فقط اعرف انكم في صخب المعاول وشهوة التدمير لن تلقوا اليها بالا وانها لن تنفعع من في قلوبهم مرض، واذانهم صمم!