التراجيديا الشكسبيرية
(انتوني وكليوباترا)
Tragedy
Antony and Cleopatra
by
William Shakespeare
بقلم: وليد محمد الشبيـبي
Walid Al-Shabibi
(انتوني وكليوباترا)
Tragedy
Antony and Cleopatra
by
William Shakespeare
بقلم: وليد محمد الشبيـبي
Walid Al-Shabibi
أنتوني وكليوباترا تراجيديا تأريخية(1) ، هي امتداد للتراجيديا الأخرى ، (يوليوس قيصر) Julius Caesar ، في (يوليوس قيصر) يقوم انتوني (أو انطونيوس) بتأليب (العامة)(2) على قتلة (قيصر) المتآمرين وعلى رأسهم بروتوس Brutus وكاسيوس Cassiusوكان (ذكياً) لأنه داعب عاطفة (العامة) ولم يخاطب عقولهم كما فعل بروتوس ! ، ومع ذلك فأنه (انتوني) Antony لم يكن (شريفاً) بما فعله رغم وعده لبروتوس (حيث ألّب العوام ضد المتآمرين رغم وعده لهم !).
هناك أكثر من شخصية توجد في المسرحيتين (أي مسرحية أنتوني وكليوباترا ويوليوس قيصر) ، منها أوكتافيوس Octavius ولبيدس Lepidus (أو لابيد) ومارك انتوني Marc Antony (أو انطونيوس) ولكن بما ان هناك فترة زمنية بين كتابة العملين تزيد على الست سنوات(3) لذا فالخط العام لشخصية ما يختلف عن (أمتدادها) في العمل الآخر قليلاً أو كثيراً ، وحيث ان مسرحيتنا هذه (انتوني وكليوباترا) قد كُتبت بعد مسرحية (يوليوس قيصر) بهذا الفارق من السنين (خصوصاً كان شكسبير قد ألف العديد من المسرحيات بين هاتين المسرحيتين)، اذن هي امتداد زمني لها (تأريخياً) لذا فان هذا التباين يعد أمراً عادياً خاصة وان الخط الدرامي وسير الأحداث قد يتطلب هذا الموقف أو ذاك.
ومن هذا التباين، نظرة انتوني لكاسيوس وبروتوس ولابيد وادعاءه في مسرحية (انتوني وكليوباترا) في الصفحة (99)(4) بأنه ضرب (كاسيوس النحيل المجعّد الوجه)(5) في حين ان كاسيوس أنهى حياته على يد تابعه بينداروس Pindarus في مسرحية (يوليوس قيصر) (ص 146)(6) ووصمه لبروتوس بـ(المعتوه) (ص 99) في حين انه في نهاية مسرحية (يوليوس قيصر) يصفه بأنه (أشرف الرومان قاطبة) وبأنه (من بين كل المتآمرين الذين قتلوا قيصر بدافع الحسد، بروتوس وحده أنضم إليهم بدوافع طاهرة، لم يكن يفكر الا في صالح شعب روما، فكان ضحية خداع أولئك الحقودين ، لقد عاش حياة كريمة شريفة ، ولم يكن خبيثاً في شخصه حتى ان الرجال يقفون بجرأة ويعلنون للعالم: ان هذا الرجل لشهم).(ص 157) بعد ان رآه قد فارق الحياة !
على أية حال، ترينا هذه المسرحية أهمية القوة (وتاجها النصر) في إقرار (الحق) ، فالحق ليس (حقاً) إن لم تسنده (القوة) والقوة هي (الحق) ؟! ، هذا ما أثبته التاريخ ، وما يظهر جلياً هنا حيث كان (مارك انطونيوس وأوكتافيوس قيصر ولابيد) يحكمون العالم (مثلث حاكم للامبراطورية الرومانية) ولكن ما ان اندحر انطونيوس (أو انتوني) وأعتقل (لابيد) حتى (هرول) جميع الملوك لتقديم فروض الطاعة لاوكتافيوس ، أما أتباع انتوني من الضباط والجنود ، فقد تباينت مواقفهم ، فمنهم من بقي مخلصاً حتى آخر لحظة ومنهم من خانه وأنتقل لمعسكر عدوه المنتصر ، ومنهم من خانه ثم ندم !
فهذا كانيديوس (نائب انتوني) الذي سرعان ما سلّم نفسه لقيصر في أول مواجهة بعد ان سبقه إليه ست ملوك في الخضوع (ص 97)، أما مرافق انتوني المقرّب إليه انوبربوس ففي لحظة ضعف إنساني انسل فيها (الشيطان) لنفسه ليحدثها (… كم أود أن أغنم نفسي ولن أعدم وسيلة لمغادرته …) (ص 113) ليتخلّى عنه في لحظة المواجهة الحاسمة وينتقل لمحاربته في صفوف الأعداء ! ، ولكن بعد أن أستعاد توازنه النفسي ، أكتشف فداحة ما ارتكب بحق نفسه ، وما ارتكب من خيانة عظمى بحق قائده انتوني ! ، والأنكى إن الأوان قد فات لتكفير هذا الأثم ، ليعادو محادثة نفسه بعد أن بعث قائده له بجميع ثروته ، ليقول.. (… أنا الوغد الوحيد في هذا الكون .. أنت الذي توّجت نذالتي بالذهب .. أأنا أحاربك ؟ كلا ثم كلا . يجدر بي أن أبحث عن حفرة أدفن فيها دناءتي ، وأقبح ميتة هي الفضلى لأنهي بها حياتي)(ص 125) ليموت ندماً وهو يردد (… سامحني على ما ألحقته بك من شقاء ومهانة ، أنا الذي سجّلني العالم بين الجنود الفارّين المنحازين إلى صفوف الأعداء ، أنطونيوس ، أنطونيوس !)(ص 130) ، لقد أثبت أنوبربوس إخلاصه حتى آخر لحظة لولا الضعف الإنساني الذي قتله ، ولكن هناك تابع آخر لانطونيوس (انتوني) يدعى (دارسيتاس) خان قائده في لحظة أنتحاره بسيفه ، فقد غلّب مصلحته المادية على حساب شرفه ونبله وإخلاصه ، فها هو ينتشل السيف من أمام قائده المحتضر (؟!) وعلى مرأى ومسمع منه ! وهو يردد (إذا نقلت هذا السيف إلى قيصر مع هذا النبأ أنال الحظوة في عينيه ؟!)(ص 141) والغريب أنه يدّعي حبه لقائده وإخلاصه له وهو يبث خبر موته أمام قيصر (عدوه) مقدماً له فروض الطاعة مع سيف قائده السابق (عنوان شرفه وشرف جيشه) ، وهو يقول (.. انطونيوس مزّق قلبه الكبير بالشجاعة نفسها التي أوحاها إليه هذا القلب. وها هو ذا سيفه الذي أقتلعته أنا من جرحه العميق. أنظر فهو لا يزال مخضّباً بدمه الزكي.) ؟! (ص 149).
على أية حال، قد يفاجأ القارئ بالفرق بين شخصية مارك انتوني (انطونيوس) في مسرحية (يوليوس قيصر) وفي مسرحيتنا هذه (انتوني وكليوباترا) ، فمن بطل صنديد هزم أبطال عظام أمثال بروتوس وكاسيوس ، في وقت لم يكن أوكتافيوس أمامه إلا فتى ليّن العود إلى عاشقٍ متردّد ، يأتمر بالعاطفة ويتبع حبيبته كليوباترا من هزيمة إلى أخرى ، ولكن مَنْ هزم أنتوني ؟! قطعاً ليس أوكتافيوس ولا كليوباترا أيضاً ! ، بل حبه الأعمى (الذي اعطى قياده لها منزوعاً من حكمته المعهودة !) هو الذي هزمه ! ، أي أن انطونيوس هو الذي هزم انطونيوس ! :
انطونيوس (وهو يحتضر): .. ليست مهارة قيصر التي قلبت ظهر المجن لانطونيوس. انما انطونيوس هو الذي أنتصر على ذاته.(7)
كليوباترا: هذا ما كان يجب أن يتم. لا أحد غير انطونيوس كان عليه أن يتغلّب على أنطونيوس. ولكن ما اسوأ ان تحدث فاجعة مثل هذه !
انطونيوس: أنا أنازع يا مصر ، أنا أنازع. غير اني ألتمس من الموت مهلة حتى أضع على شفتيك فوق ما سبق من آلاف القبل ، قبلة الوداع الأخيرة. (ص 144).
هناك نموذج آخر ، وهو سلوكس (أمين خزانة كليوباترا ملكة مصر) الذي يقلب لها ظهر المجن بمجرّد مجيء المنتصر القيصر أوكتافيوس لمصر وهي التي لم تطلب منه سوى كلمة حق يؤيدها أمام قيصر فقام بتكذيبها بكل جحود وصلافة ؟! (ص 159 – 160).
تنتهي المسرحية الرائعة (انتوني وكليوباترا) بكلمات قيصر وهو يتكلم مع جندي له عن انتحار كليوباترا:
فمن المحتمل جداً أن تكون ماتت بهذه الطريقة. لأن طبيبها قال لي انها بحثت عبر أختبارات لا تحصى، عن ألطف أنواع الموت. أنقلوها إلى سريرها ، وأخرجوا هؤلاء النساء من الضريح. سنتولّى دفنها إلى جانب صاحبها أنطونيوس. لأن ليس في الدنيا من قبر ضم زوجين هكذا لامعين. ان أحداثاً هامة كهذه تقضي دائماً على صانعيها ، فتحيا قصتهم طويلاً كالمجد الذي حاك من نهايتهم مأساة اليمة مؤسفة. سيرافق جيشنا موكب الجنازة الرسمي حتى روما. هيا ، يا دولابيلا ، ستسهر بنفسك على جعل كامل الأبهة والنظام يهيمنان على هذا التشييع الملكي إلى المثوى الأخير.
(يخرجون).(ص 168).
(تـمــت)( 8 )
بقلم: وليد محمد الشبيـبي
بغداد - 2000
بغداد - 2000
الإحالات والهوامش ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انتوني وكليوباترا Antony And Cleopatra مأساة ألفها ويليام شكسبير William Shakespeare حوالي عام 1606 – 1607م.
(2) هذا المقال القصير ، جزء من دراسة واسعة كتبت بين 2000 – 2002 عن (الغوغاء في أعمال شكسبير).
(3) كما قلت ألف شكسبير مسرحية (انتوني وكليوباترا) حوالي عام 1606 – 1607م ، فيما الف مسرحية (يوليوس قيصر) Julius Caesar حوالي عام 1599 – 1600م.
(4) أنظر: مسرحية (انطونيوس وكليوباترا) لوليم شكسبير ، ا.ر. مشاطي ، اشراف: نظير عبود ، ص 99 ، ط 1 ، بيروت: دار مارون عبود – 1981 .
(5) وفي طبعة أخرى يترجم قول أنتوني (أو انطونيوس ، أو انطونيو) كالآتي: (قضيتُ على كسيسْ ذي الوجه الأصفر المتجعّد، وأنا الذي أجهزت على بروتس المجنون ؛)، ص 131 ، مسرحية (كليوباترة) لوليم شكسبير ، (لم يُذكر أسم المترجم !)، بيروت: منشورات دار مكتبة الحياة – 1983 .
(6) أنظر: مسرحية (يوليوس قيصر) ، ترجمة غازي جمال، ط2 ، بغداد: منشورات مكتبة النهضة/ مطبعة بابل – 1986 ، ص 146 .
(7) وهو من جهة أخرى ، الذي هزم نفسه أيضاً !
( 8 ) وفي النسخة الأخرى للمسرحية المذكورة أعلاه ، ترد كلمات قيصر في نهاية المسرحية هذه كالآتي: (يحتمل أن تكون قد ماتت هكذا، لأن طبيبها أخبرني أنها اختبرت وسائل عدة للموت بسهولة. أحملوها إلى سريرها واحملوا نساءها من الهيكل ، وستدفن بجوار أنطونيو الذي أحبته حُبّاً جمّاً ، على أنه ليس هناك قبر يسع شخصين عظيمين كهذين. إن حوداث عظيمة كهذه لها عظيم الأثر في نفس من أحدثها وسردها مجلبة للشفقة على مَنْ كانوا ضحيتها ، كما أنها مجلبة لفخر من كان السبب فيها. سيشترك جيشنا في تشييع الجنازة ثم يسافر إلى روما. هيا يا دولابلا وأعمل على أن تكون الجنازة فخمة لائقة.) [يخرجون]. (ص 222 – 223).