الملهاة الشكسبيرية
(مهزلة الأخطاء)
(مهزلة الأخطاء)
كتب: وليد محمد الشبيـبي
بغداد 18/10/2002
طبع في 20 نيسان/أبريل 2008
بغداد 18/10/2002
طبع في 20 نيسان/أبريل 2008
هذه الملهاة الشكسبيرية يندر ان تجد لها مثيلاً في أعماله ! انها مسرحية كوميدية تعتمد على المواقف والمفارقات لذا لا يوجد فيها أي عنصر (شر) ولا ممن يتصفون بصفات الغوغاء والرعاع ! ، وهي بذلك تخرج عن صلب دراستنا(1) اللهم إلا على سبيل التعريف بها (ما دام ان دراستنا تشمل أعمال شكسبير).
وبالرغم من ندرة هذه المسرحية (لعدم وجود عنصر شر) إلا انك تتذكر وأنت تقرأها انها قريبة من بعض أعماله وبعض شخصياته في تلك الأعمال، ولانها مسرحية (مواقف) ومفارقات ، فقد أبتعد شكسبير عن التغلغل في أعماق الشخصيات فأنت لا تجد فيها منحى فلسفياً عميقاً وأسئلة على لسان شخوصها كما هو الحال مثلاً مع مأساة هملت أو مكبث أو الملك لير، لذا فقد صوّرهم لنا تصويراً سطحياً وهذا ما تقتضيه موضوعة المسرحية وطبيعتها لا بل حتى البداية التي هي أساس المسرحية (وهي بداية تراجيدية ، الأمر الذي يجعلنا نشعّر (ثم نكتشف توهمنا!) بأن هذه البداية المأساوية ستلقي بظلالها على بقية الفصول المسرحية) والتي ينبغي أن تجعل العمل يتوفر على شيء من الواقعية ولكن من ينجز مطالعتها يجد أن شكسبير كثيراً ما أتكأ في بناء عمله هذا، على المصادفات الكثيرة والمفارقات التي تتولَّد عن تلك المصادفات والتي لا يمكن ان تكون بهذه الكثرة وهذه الدقة (الأمر الذي يسوَّغ وينفي بنفس الوقت كنه كل مصادفة !).
القصة بسيطة ، اذ بسبب حادثة تقع بين أهالي مدينتي سرقوسه وأفسس يتم منع التعاطي فيما بين المدينتين المتعاديتين، (فكل رجل مولود في أفسس يظهر في طرقات سرقوسه وأسواقها، وكل رجل من هذه المدينة الأخيرة يتجاوز خليج أفسس ، يكون نصيبه الموت الزؤام ! ومصادرة أرزاقه لصالح الدوق إلا اذا قدّم ألف دينار فدية لاعفائه من العقاب) (ص ، ولسوء حظ تاجر من تجّار سرقوسه (أجايون) فأنه ما أن تطأ قدميه أرض مدينة أفسس (والتي تدور فيها أحداث المسرحية كلها) ، حتى يلقى عليه القبض ولأنه لا يملك مبلغ الفدية فأن دوق أفسس (صولينوس) يحكم عليه بالاعدام بموجب القانون أعلاه ولكنه قبل ان ينفذ فيه الحكم يسأله عن السبب الذي جعله يُقدم على هذه المغامرة المميتة، وبعد لأي يجيبه التاجر السرقوسي (أجايون) بأن وراء ذلك قصة تعود أحداثها القهقرى (25 عاماً) ، عندما تزوج امرأة (إميليا) انجبت له توأمين جميلين (أنطيفولوس أفسس وأنطيفولوس سرقوسه) وفي ذات الوقت ولدت امرأة مسكينة توأمين وسيمين أيضاً (ولما كان أبواهما في حالة بؤس وفاقة يرثى لها) (ص 9) فقد أشترى هذين التوأمين (دروميون أفسس ودروميون سرقوسه) وربّاهما ليخدما ولديه وذات مرة ركبوا سفينة مقلعة من مدينة أبيدفنوم عائدين إلى مدينتهم (سرقوسه) ولكن شاء القدر أن تهب عواصف قوية هاجت لها الأمواج وأضطربت السفينة حتى أشرفت على الغرق قبل أن تعترض السفينة صخرة هائلة لتحطمها عند المنتصف لُتشطر إلى قسمين ، قسم كان فيه الأب مع أحد أبنيه التوأمين (انطيفولوس سرقوسه) واحد التوأمين الخادمين (دروميون سرقوسه) والقسم الآخر لا يُعرف مصير. حيث كانت فيه زوجته (إميليا) و(أنطيفولوس أفسس) و(دروميون أفسس) ، وهكذا أهتم بولده الوحيد وخادمه الذي (أي ولده انطيفولوس سرقوسه) ما ان بلغ ربيعه الثامن عشر حتى قرر السفر مع خادمه (دروميون سرقوسه) للبحث عن شقيقه وهكذا أفترق عن والده بصحبة خادمه وبعد مرور سبع سنوات حاول فيها الأب إيجاد أفراد أسرته دون جدوى ليقع بيد دوق أفسس ويقص عليه هذه الحكاية ، يتأثر الدوق لسماع هذه القصة ولكنه ماضٍ لتنفيذ حكم الاعدام بحقه الا اذا سدد الفدية وقد منحه فرصة لانقاذ حياته عن طريق الأقتراض من المعارف (ولكنه يخفق في ايجاد من يساعده على انقاذ حياته ، حتى نجده في المشهد الأخير من المسرحية في طريقه إلى الموت لولا الانعطافة الحاسمة في هذا المشهد الذي يفسر ويحل كل تلك الملابسات ، على أية حال ، تنقطع أخبار هذا التاجر نهائياً ولا يعود على مسرح الأحداث إلا في المشهد الأخير.
ثم يأخذنا شكسبير إلى قلب هذه القصة لنعيش المفارقات المضحكة ، المهم ، نعرف من خلال سير الأحداث، مصير البقية ، فالأم (زوجة التاجر) أميليا تفقد البقية في حادث السفينة الآنف الذكر لذا تعتكف في معبد وتصبح (كاهنة أفسس) ، أما (انطيفولوس أفسس) فيستقر في مدينة أفسس ويعمل تاجراً فيها ويتزوج من أدريانا (أما شقيقتها لوسيانا فيتزوجها في آخر المسرحية التوأم الآخر انطيفولوس سرقوسه ، عندما يلتم شمل الأسرة جميعاً بعد طول فراق) ومعه خادمه التوأم الآخر أيضاً (دروميون أفسس).
في هذه المسرحية التي يصح أن يطلق عليها (مسرحية المفارقات) نجد أن شكسبير يتعمَّد أطلاق أسم واحد على التوأمين وهو (انطيفولوس) وكذلك التوأمين الخادمين (دروميون) ، ولا يوجد ما يبرر ذلك اللهم الا لأغراض فنية ، فهذه التوأمة ليست بالشكل فحسب، بل بالأسم والملابس وكل شيء الأمر الذي يستحيل التفرقة بينهما (بالنسبة للسيدين والخادمين) على حدٍ سواء، اثناء ذلك نلاحظ أستلاب التوأمين السيدين للتوأمين الخادمين واساءة معاملتهما (وكأنه شيء طبيعي !) ، والغريب ان الخادمين يعدان ذلك طبيعياً لاعتيادهما على هذه المعاملة !
ويطول سوء التفاهم المتولّد من تلك المفارقات حتى يستغرق حياة المسرحية كلها وبالتالي فعلاً (مهزلة أخطاء) حبكها بدقة شكسبير إلى ان يبوح في النهاية) (ص 100) الدوق بأن الصدفة هي البطل الحقيقي في هذه المسرحية، صدفة الأفتراق وصدف الملابسات والمفارقات وأخيراً ، صدفة أجتماع الأسرة كلها بمكان واحد ووقت واحد وقبيل تنفيذ إعدام الأب (أجايون) بقليل.
وككل أعماله ، يلجأ شكسبير أحياناً لأسلوبه المعتاد في التورية واطلاق الحكم على لسان شخوص المسرحيته ،
فيقول على لسان لوسيانا وهي تخاطب شقيقتها ادريانا، فتقول: (الحرية الجامحة تخضعها سياط المصائب. اذ ليس في السماء ولا على الأرض ولا في البحر ولا في الفلك ما لا يخضع للنظام) (ص 21). وفي حديث طريف يجسد لسان حال شكسبير نفسه ، (بأعتباره أصلع) حيث يقول (أنطيفولوس سرقوسه) لخادمه (دروميون سرقوسه) : (منذ لحظة أكدت ان الرجال الأكثف شعراً هم الذين يتمتعون بالبلادة دون الذكاء) (ص 31) ، هذا النقاش تشعر بأن لشكسبير قصد في أقحامه وهو يدور حول ذوو الشعر الكثيف والصلعان ؟! (ص 30 – 32).
وأخيراً وقعت هذه النسخة المترجمة بأخطاء عديدة في الصفحات ( 5 ، 9 ، 13 ، 17 ، 21 ، 34 ، 37 ، 46 ، 62 ، 81 ، 84 ، و 103) ، كما ان مدينة (ابيدفنوم) كانت ترد أحياناً هكذا (ابيدمنوم).
اعتمدنا في قراءتنا للمسرحية على الإصدار :
(مهزلة الأخطاء : تأليف شكسبير، تعريب أنطوان مشاطي ، اشراف نظير عبّود ، دار مارون عبّود ، بيروت – 1983)
(1) هذا المقال جزء من دراسة موسعة عن اعمال شكسبير عكفت على انجازها عامي 2000 ثم في 2002 .