يوميات بغدادية: مراسلنا الى الانتخابات العراقية يروي انطباعاته
آخر تحديث: الاثنين, 1 مارس/ آذار, 2010, 16:37 GMT
وليد بدران
بي بي سي - بغداد
انتشرت الدعاية الانتخابية في شوارع وساحات بغداد
1 مارس 2010: أبو نؤاس شارع السهر العراقي!
انطلقت بصحبة زملاء للقاء مسؤول يقع مقرة في المنطقة الخضراء، وهي أكثر المناطق المحصنة في بغداد وتوجد فيها المقرات الرئيسية للحكومة والسفارتان الأمريكية والبريطانية.
رحلة طويلة مليئة بالحواجز الامنية قبل ان نصل الى المقر الذي انتظرنا امامه زميلا آخر، فضلا عن انتظار الاذن بالدخول الى المقر. طال الانتظار وازداد القلق.
امام هذا المقر عشرات المواطنين ممن لهم شكاوى او من الباحثين عن عمل وتذكرت هذا المشهد حيث يعتبر امثال هؤلاء هدفا للارهابيين.
بين هؤلاء رجل مقعد بينهم وهو فقد ساقه في انفجار عبوة ناسفة خلال عمله في صفوف الامن وقد جاء يشكو انه لم يحصل على مستحقاته حتى الان.
اخيرا جاء الاذن بالدخول حيث تم تفتيشنا سبع مرات قبل الوصول الى مكتب المسؤول بما يعكس الهاجس الامني المخيم على المكان.
حدثنا المسؤول عن خطة تأمين العملية الانتخابية وكيف اثبتت طريقة الاطواق الامنية نجاحها والمقصود بها دوائر التفتيش التي تبدا باللجنة الانتخابية ثم تتسع مشيرا الى نجاح التجربة العراقية في مكافحة الارهاب والتي تستعين بها افغانستان في الوقت الراهن.
كما اكد انه سيتم استخدام تكنولوجيا متطورة سيعلن عنها لاحقا في العمليات الامنية خلال الانتخابات مشيرا الى ان هذه الاجراءات لها ما يبررها ومدللا على ذلك بان انتحارية لم تتردد في تلغيم مصحف خلال محاولتها تفجير احد المراقد.
الكاظمية والاعظمية
ثم انطلقنا الى حي الكاظمية (الشيعي) وتأتي تسميته نسبة الى سابع أئمة الشيعة، الامام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق.
الوصول لم يكن سهلا فهناك العديد من الحواجز الامنية التي تنتهي بسور يحيط بمنطقة المرقد.
لكننا لم نكد نتجاوز السور حتى جاء النداء عبر راديو امن السور بالغاء مهمتنا. وقد صدر الأمر من قبل الامن المعني بالمنطقة رغم حصولنا على موافقة جهة امنية اخرى بالدخول!
يربط حي الكاظمية بحي الأعظمية (السني) جسر الائمة الذي شهد قبل سنوات تفجيرات انتحارية اودت بحياة الكثير من الشيعة.
وحي الاعظمية ينسب الى الامام الاعظم ابو حنيفة النعمان حيث يوجد مرقده.
أخيرا اضطررنا الى مغادرة هذه المنطقة ذات المكانة الدينية الخاصة لدى كل من الشيعة والسنة حيث توجد المراقد وتكثر المساجد وحيث سالت الكثير من الدماء.
ابو نواس
ذهبت الى شارع ابو نواس على نهر دجلة والذي ينسب الى الشاعر ابو الحسن بن هانئ المعروف بأبي نواس وهو من اشهر شعراء العصر العباسي.
مقهى في شارع أبو نؤاس الشهير في بغداد
ويمتد هذا الشارع على ضفاف نهر دجلة وتكثر فيه المقاهي والنوادي الليلية التي تسهر حتى الفجر متحايلة على حظر التجول المفروض من الساعة الثانية عشرة وحتى الرابعة فجرا بالبقاء مفتوحة من الثامنة مساء وحتى الرابعة فجرا وبالتالي يبقى روادها بها ما بين الثانية عشرة والرابعة غير قادرين على المغادرة. ومن يريد ان يغادر؟
كما ينتشر في هذا الشارع المطاعم التي تقدم السمك المسكوف ذلك الطبق العراقي الشهير.
رواد المقاهي هنا يدخنون الارجيلة ويشربون "الحامض" وهو مشروب عراقي عبارة عن ليمون مجفف مغلي.
شعرت بالاسترخاء في ابي نواس وزال توتري الذي نجم عن اعطال الانترنت والقلق من الانتظار في الشارع والاجراءات الامنية التي ليس لها نهاية والاماكن التي شهدت سيلا من الدماء.
شرعت في الحديث مع عدد من رواد احد المقاهى فاخذ التوتر يتسلل الى نفسي مجددا.
28 - 02 - 2010: جولة بين كهرمانة والأربعين حرامي و"وريث صدام"!
صباح الخير يا بغداد..
قررت في اليوم الثاني لوصولي للعاصمة العراقية القيام بجولة في انحاء هذه المدينة والتي تعد من أكثر المدن العربية ازدحاما حيث يبلغ تعدادها 6.5 مليون نسمة وتمتد على مساحة شاسعة في وسط العراق.
وتضم المدينة العديد من الأحياء مثل المنصور والأعظمية والكاظمية والجادرية والدورة والكرادة.
ويشمل حي الكرادة منطقتين .. الكرادة الداخل حيث كهرمانة والأربعين حرامي والكرادة الخارج وهي منطقة تجارية مزدحمة.
والكرادة من الكرد وهو وعاء جلدي كبير كان يلقي في مياه دجلة ويسحب مملوءا بالمياه، ولأنه كان وعاء كبيرا فقد كان يسحب بحمار. (اي حي السقايين)
وتبدأ منطقة الكرادة الداخل بتمثال كهرمانة جارية علي بابا في الحكاية المعروفة "علي بابا والأربعين حرامي"، وهكذا تأبى احلام الف ليلة وليلة ان تتركني في بغداد.
وجدت الحياة عادية في شوارع الحي، فالناس يمضون الى اعمالها والأطفال يذهبون الى مدارسهم.
لفت نظري طفل يقفز من سور مدرسته سارعت اليه، التف حولي أطفال كثيرون تحدثت اليهم عن احلامهم وآمالهم ارتفعت ضحكاتهم، التقطنا صورا للذكرى وودعوني باللهجة المصرية قائلين "مع السلامة يا باشا" فوجئت ثم تذكرت تاثير الدراما المصرية الممتد من المحيط الى الخليج.
اردت التنقيب في مشاكل العراقيين والذين يعانون من انقطاع متكرر للكهرباء مما ادى الى انتشار المولدات في كل مكان، فضلا عن نقص حاد في مياه الشرب مما دفع الكثيرين الى حفر آبار في بيوتهم او الاعتماد على المياه المعدنية مع ما يمثله ذلك من عبء على ميزانية المواطن العراقي.
يحدث ذلك رغم المخزون الهائل للنفط العراقي ووجود نهري دجلة والفرات في هذا البلد.
دعايات الحملة الانتخابية في بغداد
وبالمناسبة فان الاسعار مرتفعة بشكل كبير بالنسبة للمواطن في الوقت الذي يعاني فيه الدينار العراقي انخفاضا كبيرا حيث يعادل الألف دولار نحو مليون دينار عراقي.
ذهبت الى المناطق الشعبية حيث كامب سارة والبتاوين (والبت هو الخيط اي انه حي النساجين).
والمنطقة الاولى تنسب الى سيدة ارمنية احبها الوالي العثماني في القرن الثامن عشر فتصدت لمحاولاته بشجاعة، اما المنطقة الثانية فكان يسكنها اليهود وجاء بعدهم السريان ثم سكنها السودانيون.
وفي ساحة الفردوس حيث كان يوجد تمثال صدام حسين والذي اسقط في مشهد شهير بعد الغزو شاهدت "وريث" او مكان تمثال صدام حسين والذي مثل لي لغزا محيرا..
فقد اقيم في ساحة الفردوس تمثال مستوحى من الفن التشكيلي او التكعيبي ولم افهم ما المقصود منه بالضبط، وهل يعبر هذا الشكل "الانبعاجي" عن مرحلة صدام ام ما بعد صدام؟
وفي مكان غير بعيد شاهدت مقر الحزب الشيوعي العراقي والذي يصدر صحيفة طريق الشعب، وتذكرت كم كان اليسار قويا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وتساءلت عن مدى تواجده على الساحة السياسية في العراق حاليا.
وهنا ادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح..
27 - 02 - 2010
بغداد: موعد غرامي.. بالخوذة والسترة الواقية من الرصاص!
منذ طفولتي وقعت في هواها حملني بساط الريح وعالم الف ليلة السحري الى هناك.. الى عاصمة هارون الرشيد بغداد.
كانت بغداد في طفولتي مسرحا للكثير من أحداث عالمي الخيالي ومن هنا كانت بداية علاقتي بالمدينة.
وتقدم العمر بكلينا (بي وببغداد) وقد شهدت العاصمة العراقية خلال العقود الأخيرة الكثير من الاحداث وصار حبي لها أكثر نضجا ووعيا وألما.
حلم الطفولة ووعي الشباب من خلال القراءة والمتابعة عبر وسائل الاعلام المرئية والمسموعة هذه هي الأسس التي بنيت عليها علاقتي ببغداد التي لم ارها ابدا من قبل.
الحلم يتحول الى حقيقة
"هل تذهب الى بغداد لتغطية الانتخابات العراقية؟" عندما طرح علي رئيس تحرير موقع بي بي سي العربية هذا السؤال لم اتردد في الموافقة، فهل يمكن ان اضيع فرصة لقاء حلم الطفولة؟
حملتني الطائرة الى العاصمة الأردنية عمان التي وصلتها في ساعة متأخرة من الليل حيث لم أنم سوى ساعة واحدة قبل ان استقل الطائرة متجها الى بغداد.
ومن نافذة الطائرة نظرت الى المدينة الشاسعة فيما سيطرت علي مشاعر متضاربة بين الشوق واللهفة والقلق، هي مشاعر أقرب الى مشاعر العاشق حينما يلتقي معشوقته.
عمال آسيويون في مطار بغداد
مطار بغداد الدولي
في السيارة التي اقلتنا من المطار الى المدينة
آلية عسكرية على طريق المطار
واحدة من نقاط التفتيش العديدة في بغداد
انتشرت اللافتات الدعائية لمرشحين في كل مكان
ولم تكد قدماي تطآن أرض المطار حتى توالت الصدمات..
المطار شبه مهجور لم اشاهد فيه سوى عشرات من العمال الآسيويين القادمين الى العراق.
الاجراءات الأمنية مكثفة حيث العديد والعديد من الحواجز الأمنية التي كان علينا أن نمر بها قبل ان اصل الى مقر إقامتي.
وحتى السيارة التي حملتني الى مقر اقامتي اقرب الى سيارة السجون التي كنت اراها تقل السجناء على كوبري 6 أكتوبر في مصر ولطالما تساءلت عن مشاعر هؤلاء السجناء وهم يمسكون بالقضبان وينظرون الى الاحرار الذين يسيرون في الشارع (وكنت حينئذ واحد منهم) لقد فهمتها أخيرا فلاشك انها أقرب الى شعور الفأر في المصيدة.
والأدهى انه كان علي ان احمل في علبة الكبريت التي اقلتني والتي يطلقون عليها تجاوزا سيارة خوذة وسترة واقية من الرصاص.
تلصصت عيناي خارج نافذة السيارة لاشاهد المئات من اللافتات الانتخابية وعندما سألت اين نحن؟ جاءت الاجابة شارع أبو نواس فتساءلت هل يمكن ان ازوره ليلا؟ وكانت الاجابة بالنفي. صدمة أخرى.
وصلت غرفتي حيث القيت الخوذة والسترة الواقية من الرصاص. آه يا بغداد جئتك حاملا ذكرياتي عن هارون الرشيد والفتيات الحسان ولكن يبدو ان هناك من لم ينس ابدا انك أيضا بلد مسرور السياف ويبدو ان معهم كل الحق في ذلك.
http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2010/02/100226_iraq_diary_tc2.shtml