يوميات بغدادية: مراسلنا الى الانتخابات العراقية يروي انطباعاته
آخر تحديث: الجمعة, 5 مارس/ آذار, 2010, 14:53 GMT
وليد بدران
بي بي سي - بغداد
انتشرت الدعاية الانتخابية في شوارع وساحات بغداد
شارع المتنبي: الكتب والمنتديات والمثقفون
الحّ علي منذ الامس سؤال هو، كيف تحدث عمليات تفجير رغم الاجراءات الأمنية المشددة في كل انحاء بغداد؟ كان لابد من القاء نظرة عن قرب.
في الطريق شاهدت شابا عراقيا يمازح جنودا في عربة مدرعة قائلا "عيني تاكسي"، فابتسم الجنود.
إن روح الدعابة موجودة بقوة ورغم كل شيء.
ذهبت الى موقع التفجير في باب المعظم حيث استهدفت مدرسة استخدمت مقرا انتخابيا للعسكريين.
رفضت السلطات السماح لي بالتصوير او اجراء مقابلات ولكني علمت قصة النقيب فيصل.
والنقيب فيصل ضابط عراقي شاهد الانتحاري، الذي كان يرتدي زيا بدا وكانه لرجال الشرطة، يقترب من المقر الانتخابي فشك في امره وعندما ادرك الانتحاري ان امره انكشف سارع الى تفجير نفسه فالقى الضابط الشجاع نفسه عليه ليفدي بجسده ارواحا بريئة.
وبالفعل اقتصر ضحايا التفجير على قتيلين النقيب فيصل والانتحاري فضلا عن عدد من الجرحى.
شارع المتنبي
والشارع الذي يحمل اسمه في بغداد يقع في حي القشلة وهو شارع المثقفين ويضم العديد من المكتبات مثل النهضة وعدنان والعلم.
مقهى الشابندر في بغداد
ازدهر الشارع في سبعينيات القرن الماضي حيث انتزع صفة شارع المثقفين من سوق السراي.
شاهدت المئات يصطفون امام الكتب ويقبلون على شرائها بلهفة.
وفي كل جمعة تقام في المتنبي ندوة لأحد للادباء اوالشعراء اوالفنانين او السياسيين.
وكانت المقاهي التي قصدها المثقفون العراقيون في الماضي هي البرلمان والبرازيلية والزهاوي ولكن مقهى الشابندر في شارع المتنبي بات الان مقصد النخبة الثقافية والسياسية.
ووسط دخان الارجيلة والقهوة العراقية القوية تحدثت الى رواد المقهي عن الانتخابات ومستقبل العراق وقد تبانيت ردود افعالهم بيت التشاؤم والتفاؤل المتحفظ.
ولم يملك احد رواد المقهى نفسه فاجهش في البكاء وهو يحدثني عن خوفه على العراق.
غادرت الشابندر ومازال سؤال اخر يلح علي : هل مازال العراقيون متمسكين بطقوس الجمعة في الخروج للنزهة بعد تفجيرات الأمس.
قررت التوجه الى منتزه الزوراء حيث "حديقة الحيوان" وجدت العديد من الأسر ومجموعات من الشباب أمام الباب، اقتربت منهم فعلمت انهم جاءوا للنزهة في الحديقة ولكنهم وجدوها مغلقة ولن تفتح الا بعد الانتخابات.
سألتهم : الم تثنكم تفجيرات الامس عن الخروج؟ اجابوا بالنفي وقالوا "لن نجعل هذه الامور توقف حياتنا".
حارس عبد الكريم قاسم يتذكر الزعيم الراحل
الشوارع خالية والمرور انسيابي ولا غرابة في ذلك فاليوم بدات عطلة الانتخابات وبدات عملية التصويت الخاصة لرجال الامن والمرضى في المستشفيات والسجناء.
اذاعة الرشيد في السيارة لا حديث لها الا عن الانتخابات. كيف تدلي بصوتك في ورقة الاقتراع؟ برامج المرشحين التي يعرضونها بانفسهم، واغاني وطنية وقد شدني صوت قاسم سلطان القوي الجهوري وهو يغني "الدنيا ظلمة واحنا اللي نضويها".
هدفي هذا الصباح هو حي الالف دار، وفي طريقي مررت بمنطقة عشوائية تفتقد الى ابسط اسباب الحياة وعندما سالت عنها علمت انها كانت معسكرا للجيش السابق تم قصفه وقد باتت حاليا ملاذا للاجئين الفارين من العنف الطائفي.
نعيم سعيد فيصل الحارس الشخصي لرئيس الوزراء السابق عبد الكريم قاسم
هدفي في منقطة الالف دار ليس المكان وانما رجل كان ذات يوم ضمن الحرس الشخصي لرئيس الوزراء السابق عبد الكريم قاسم، اسمه نعيم سعيد فيصل وهو في الثمانين من عمره.
الرجل عبارة عن تاريخ يمشي على قدمين حدثني عن الملكية وعبد الكريم وصدام وما بعد صدام وكيف يرى المستقبل.
اشار الى بناء قاسم أحياء للفقراء مثل الالف دار والشعلة ومدينة الثورة (التي أطلق عليها مدينة صدام في الفترة السابقة ثم مدينة الصدر في الفترة الراهنة) وقيامه بتوزيع الاراضي على الفلاحين الفقراء.
قال فيصل ان الناس كانوا يحبون قاسم الى درجة انهم كانوا يحملون سيارته لدى مرورها في الشارع.
اكبر حي سكني
بعد ذلك توجهت الى مدينة الصدر وهي اكبر احياء بغداد من حيث عدد السكان (اكثر من 3 ملايين نسمة) غالبيتهم من الشيعة وكثيرون بينهم من انصار التيار الصدري.
المنطقة كبيرة مقسمة الى قطاعات مرقمة ولفت نظري الاجراءات الامنية المشددة على اطرافها اما في الداخل فلم المس اي وجود لقوات الشرطة او الجيش.
اردت ان ابدا في التصوير فحذرني مرافقي: ليس الان. فقلت له : ولكنني لا ارى احدا من جيش المهدي الذي طالما قرأت عنه. ابتسم وصمت فيما اخذت عيناه تجوبان المكان باسره.
مدينة الصدر
وصلنا مكتب "الشهيد الصدر" والشهيد الصدر هو محمد صادق الصدر والد مقتدى الصدر وكان نظام صدام قد قتل الوالد.
حدثني مدير المكتب الشيخ سلمان الفريجي عن ايجابية التيار الصدري وكتلة الاحرار التي تمثله بقراره المشاركة في الانتخابات رغم انها تجرى في ظل الاحتلال.
كما قال ان كتلة الاحرار مفتوحة امام كل من لديه استعداد لخدمة العراق مهما كان دينيه او موقفه السياسي.
تجولت قليلا في المنطقة بصحبة مرافق من مكتب "الشهيد لصدر" واستطلعت اراء بعض الشباب في المنطقة تجاه الانتخابات فجاءت اراؤهم ايجابية وراغبة في تجاوز الطائفية.
بغداد: "الدورة .. هنا كانت القاعدة!"
بدأت جولتي اليومية في بغداد منطقة الدورة التي تشمل عددا من الاحياء مثل الاثوريين والمعلمين واسيا وابو دشير والميكانيك.
الجدران الاسمنتية تعزل مناطق الدورة عن بعضها البعض
واذا كانت الجدران الاسمنتية منتشرة في انحاء بغداد فان الوضع في الدورة اكثر تعقيدا، فالجدران الاسمنتية تمزق اوصالها بالطول والعرض فتعزلها عن بعضها البعض ولكل منطقة بوابة صغيرة تحت السيطرة لدخول السكان وخروجهم.
والسبب في هذه الاجراءات الامنية غير العادية ان هذا الدورة منطقة خطرة بسبب الريف القريب الذي كان معقلا لمسلحي القاعدة وغيرهم.
منطقة عرب جبور عبارة عن بساتين تمتد على مرمى البصر حيث يكثر النخيل وما تبقى من اشجار البرتقال والليمون التي قطعت خلال المواجهات .
غادرت الدورة متجها الى المتحف العراقي بمنطقة "العلاوي" ولفت نظري ان اعلانات الدعاية الانتخابية الكثيفة ازدادت كثافة لدرجة ان بالونات اطلقت في السماء تحمل صور بعض المرشحين.
ولفت نظري ايضا اعلانات المطلوبين المطاردين من العدالة حيث انتشرت على الجدران منشورات الامن التي تطلب مساعدة المواطنين في اعتقال مسلحين. وهذا امر عادي قد يحدث في اي مكان في العالم لكن الفريد في بغداد ان بعض هذه اللافتات في حجم لافتات الافلام فوق دور السينما!!
المتحف
لدي قناعة بانني كي افهم الحاضر واستتشرف المستقبل علي البحث عن مفاتيح ذلك في الماضي، ففكرت في استطلاع رأي فئة معينة (رواد المتاحف) في الانتخابات ورؤيتهم لمستقبل العراق.
لا زوار في المتحف العراقي
وهنا وجدتها فرصة للقاء احد المسؤولين في المتحف لمعرفة اخر تطورات عملية استعادة الاثار العراقية المنهوبة فضلا عن القاء نظرة عن قرب على تاريخ وحضارة العراق.
المسؤولة التي اتفقت معها على اللقاء لم اجدها فقد غادرت لحضور اجتماع ما ربما يكون انتخابيا كما سحب مني امن المتحف الكاميرا والمحمول ولكنني قررت اكمال الزيارة.
المتحف العراقي مكون من 26 قاعة لم يكن مفتوحا منها سوى 10 قاعات فقط ويوجد في المتحف اثار تمتد الى العصر الحجري مرورا بفجر السلالات والاكدي والكوتي والسومري الحديث والبابلي القديم والاشوري القديم والكاني والاشوري الوسيط والبابلي الحديث والاخميني والمقدوني والسلوقي والفرثي والساساني وانتهاء بالاسلامي.
كانت صدمتي الكبرى هي عدم وجود زائر واحد في المتحف. كنت وحيدا تماما، سألت عن بوسترات او كتيبات فلم أجد.
وعندما سألت عن كيفية اعداد موضوعي في هذه الحالة دون وجود ناس او بوسترات، جاءت الاجابة احضر موافقة مكتوبة عن الموضوع وسنحضر لك ناس من الشارع!!
فسألت: ولماذا لا يوجد زوار؟ فجاءت الاجابة: بسبب الوضع الامني والانتخابات. فسألت : ولكنهم كثيرون في ابي نؤاس وفي الشوارع والمقاهي والمطاعم فلماذا لا يأتي هؤلاء للمتحف؟ لم يجبني احد.
وفي المتحف غرفتان للاثار التي تمت استعادتها احداها لتلك التي تم استعادتها من داخل العراق والاخرى لما تم استعادته من الخارج. وهنا وجدت اثارا استعيدت من اماكن لا تخطر على البال مثل بيرو!!
وفي طريق الخروج وجدت زائرا يدخل هرعت اليه انه اجنبي. لا يهم سأحدثه واصوره وكانت المفاجاة انه زميل صحفي ربما جاء لنفس السبب الذي جئت من اجله.
غادرت يمزقني الحزن ومررت بساحة الخلاني حيث يتجاور مسجدان منذ زمن بعيد الاول الخلاني (شيعي) والثاني عبد القادر الكيلاني (سني). وحين وصلت الى منطقة كامب سارة لفت انتباهي مسجد آخر يحمل اسم "عيسى بن مريم".
2 مارس 2010 - "فسيفساء" الشعب العراقي
انطلقت باتجاه حي القادسية، اللافتات الانتخابية تغطي مساحات كبيرة في جميع الشوارع والميادين.
لفت نظري كثرة المرشحات في الانتخابات الحالية وبعضهن لا يرتدين الحجاب وذكرت الانباء ان احداهن جميلة جدا لدرجة انها تشتت انتباه السائقين مما تسبب في وقوع حوادث مرورية في بغداد.
كما اشتهرت تلك اللافتة التي وضعتها مرشحة لم تشأ وضع صورتها فوضعت صورة زوجها بدلا منها!!
الشعارات الانتخابية كثيرة ومتنوعة وذات وقع شديد أحيانا، ومن بين الشعارات التي قرأتها "لا يعرف البناء الا من ضحى بالدماء"، و"انتخبوا محطم اصنام البعث"، و"حملنا الكؤوس ورفعنا الرؤوس وبكم نحمي النفوس" والشعار الاخير لمرشح كان لاعب كرة سابق وعلى غرار هذه الشعارات الكثير.
وفي الحقيقة ان الشعب العراقي يتسم، رغم هذه الجدية الظاهرة، بخفة الدم حيث انتشرت النكات الانتخابية مثل تلك التي تقول (انتخبوا كتلة الفلافل شعارنا لفة "ساندويتش" لكل مواطن، هدفنا القضاء على الكص (الشاورمة) والدجاج، رقم القائمة 750 وهذا الرقم هو سعر الساندويتش!!
مكونات الشعب
المجتمع العراقي البالغ تعداده نحو 30 مليون نسمة غني التنوع من حيث أعراقة وديانته وطوائفه واتجاهاته.
المندى الصابئي في حي القادسية ببغداد
في حي القادسية الذي زرته اليوم يوجد "المندى" أي المعبد الصابئي. والصابئة المندائيون من الإقليات الدينية في العراق.
عددهم في العراق حاليا نحو 20 الفا بعد ان نزح منهم الى سورية حوالي 10 الاف فرارا من تهديدات المسلحين كما قال خالد امين المسؤول الاعلامي عن الطائفة.
والمندائيون هم اتباع يوحنا المعمدان وكتابهم المقدس هو "كنزربا" الذي يفتح من اليمين واليسار على حد سواء بمعنى انه ليس له النهاية فالدين ليس له نهاية من وجهة نظرهم. وهم يمارسون طقوسهم عند الانهار الجارية.
ويقول خالد امين انهم يعانون التهميش ولا يوجد من يهتم بقضيتهم من بين جميع الكتل السياسية في العراق.
تقصير حكومي
وفي القادسية ايضا التقينا الوزيرة السابقة باسكال وردا "مسيحية اشورية" وهي ناشطة حاليا في مجال حقوق الانسان والتي نددت باستهداف المسيحيين في الموصل وقالت "اننا لا ننظر الى الوعود الانتخابية وانما الى التنفيذ".
كما اكدت وردا ان هناك تقصيرا من جانب الحكومة في حماية الاقليات الضعيفة التي باتت مستهدفة.
إحدى الكنائس في العاصمة العراقية
ودعت المرشحين الجدد الى التحلي بالمسؤولية تجاه جميع المواطنين العراقيين.
واشارت الى ان عدد المسيحيين في العراق حتى عام 2003 كان مليون و300 الف تقلص حاليا الى نحو 700 الف.
وفي حي زيونة والذي لاحظت انتتشار الكنائس فيه التقينا الاب مخلص والذي تحدث عن التهميش الذي تعاني منه الطائفة معربا عن امله في ان تسفر الانتخابات عن مزيد من الاهتمام بالاقليات.
أما الأيزيديون فيقطنون مناطق في شمال العراق قرب الموصل ولهم مقعد واحد فقط في البرلمان العراقي عن لائحة التحالف الكردستاني وقد تعرضت هذه الطائفة للهجمات من قبل مسلحين.
لقد اتسم العراق ومنذ فجر التاريخ بتنوع كبير وفريد في فسيفساء الشعب، هذا التنوع الذي كان دائما مصدر ثراء حضاري لهذا البلد العريق، ولكن للاسف بات كل ذلك مهددا والامل معقود على الانتخابات القادمة بان تسفر عما يعيد الامور الى نصابها.
1 مارس 2010: أبو نؤاس شارع السهر العراقي!
انطلقت بصحبة زملاء للقاء مسؤول يقع مقرة في المنطقة الخضراء، وهي أكثر المناطق المحصنة في بغداد وتوجد فيها المقرات الرئيسية للحكومة والسفارتان الأمريكية والبريطانية.
رحلة طويلة مليئة بالحواجز الامنية قبل ان نصل الى المقر الذي انتظرنا امامه زميلا آخر، فضلا عن انتظار الاذن بالدخول الى المقر. طال الانتظار وازداد القلق.
امام هذا المقر عشرات المواطنين ممن لهم شكاوى او من الباحثين عن عمل وتذكرت هذا المشهد حيث يعتبر امثال هؤلاء هدفا للارهابيين.
بين هؤلاء رجل مقعد بينهم وهو فقد ساقه في انفجار عبوة ناسفة خلال عمله في صفوف الامن وقد جاء يشكو انه لم يحصل على مستحقاته حتى الان.
اخيرا جاء الاذن بالدخول حيث تم تفتيشنا سبع مرات قبل الوصول الى مكتب المسؤول بما يعكس الهاجس الامني المخيم على المكان.
حدثنا المسؤول عن خطة تأمين العملية الانتخابية وكيف اثبتت طريقة الاطواق الامنية نجاحها والمقصود بها دوائر التفتيش التي تبدا باللجنة الانتخابية ثم تتسع مشيرا الى نجاح التجربة العراقية في مكافحة الارهاب والتي تستعين بها افغانستان في الوقت الراهن.
كما اكد انه سيتم استخدام تكنولوجيا متطورة سيعلن عنها لاحقا في العمليات الامنية خلال الانتخابات مشيرا الى ان هذه الاجراءات لها ما يبررها ومدللا على ذلك بان انتحارية لم تتردد في تلغيم مصحف خلال محاولتها تفجير احد المراقد.
الكاظمية والاعظمية
ثم انطلقنا الى حي الكاظمية (الشيعي) وتأتي تسميته نسبة الى سابع أئمة الشيعة، الامام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق.
الوصول لم يكن سهلا فهناك العديد من الحواجز الامنية التي تنتهي بسور يحيط بمنطقة المرقد.
لكننا لم نكد نتجاوز السور حتى جاء النداء عبر راديو امن السور بالغاء مهمتنا. وقد صدر الأمر من قبل الامن المعني بالمنطقة رغم حصولنا على موافقة جهة امنية اخرى بالدخول!
يربط حي الكاظمية بحي الأعظمية (السني) جسر الائمة الذي شهد قبل سنوات تفجيرات انتحارية اودت بحياة الكثير من الشيعة.
وحي الاعظمية ينسب الى الامام الاعظم ابو حنيفة النعمان حيث يوجد مرقده.
أخيرا اضطررنا الى مغادرة هذه المنطقة ذات المكانة الدينية الخاصة لدى كل من الشيعة والسنة حيث توجد المراقد وتكثر المساجد وحيث سالت الكثير من الدماء.
ابو نواس
ذهبت الى شارع ابو نواس على نهر دجلة والذي ينسب الى الشاعر ابو الحسن بن هانئ المعروف بأبي نواس وهو من اشهر شعراء العصر العباسي.
مقهى في شارع أبو نواس الشهير في بغداد
ويمتد هذا الشارع على ضفاف نهر دجلة وتكثر فيه المقاهي والنوادي الليلية التي تسهر حتى الفجر متحايلة على حظر التجول المفروض من الساعة الثانية عشرة وحتى الرابعة فجرا بالبقاء مفتوحة من الثامنة مساء وحتى الرابعة فجرا وبالتالي يبقى روادها بها ما بين الثانية عشرة والرابعة غير قادرين على المغادرة. ومن يريد ان يغادر؟
كما ينتشر في هذا الشارع المطاعم التي تقدم السمك المسكوف ذلك الطبق العراقي الشهير.
رواد المقاهي هنا يدخنون الارجيلة ويشربون "الحامض" وهو مشروب عراقي عبارة عن ليمون مجفف مغلي.
شعرت بالاسترخاء في ابي نواس وزال توتري الذي نجم عن اعطال الانترنت والقلق من الانتظار في الشارع والاجراءات الامنية التي ليس لها نهاية والاماكن التي شهدت سيلا من الدماء.
شرعت في الحديث مع عدد من رواد احد المقاهى فاخذ التوتر يتسلل الى نفسي مجددا.
28 - 02 - 2010: جولة بين كهرمانة والأربعين حرامي و"وريث صدام"!
صباح الخير يا بغداد..
قررت في اليوم الثاني لوصولي للعاصمة العراقية القيام بجولة في انحاء هذه المدينة والتي تعد من أكثر المدن العربية ازدحاما حيث يبلغ تعدادها 6.5 مليون نسمة وتمتد على مساحة شاسعة في وسط العراق.
وتضم المدينة العديد من الأحياء مثل المنصور والأعظمية والكاظمية والجادرية والدورة والكرادة.
ويشمل حي الكرادة منطقتين .. الكرادة الداخل حيث كهرمانة والأربعين حرامي والكرادة الخارج وهي منطقة تجارية مزدحمة.
والكرادة من الكرد وهو وعاء جلدي كبير كان يلقي في مياه دجلة ويسحب مملوءا بالمياه، ولأنه كان وعاء كبيرا فقد كان يسحب بحمار. (اي حي السقايين)
وتبدأ منطقة الكرادة الداخل بتمثال كهرمانة جارية علي بابا في الحكاية المعروفة "علي بابا والأربعين حرامي"، وهكذا تأبى احلام الف ليلة وليلة ان تتركني في بغداد.
وجدت الحياة عادية في شوارع الحي، فالناس يمضون الى اعمالها والأطفال يذهبون الى مدارسهم.
لفت نظري طفل يقفز من سور مدرسته سارعت اليه، التف حولي أطفال كثيرون تحدثت اليهم عن احلامهم وآمالهم ارتفعت ضحكاتهم، التقطنا صورا للذكرى وودعوني باللهجة المصرية قائلين "مع السلامة يا باشا" فوجئت ثم تذكرت تاثير الدراما المصرية الممتد من المحيط الى الخليج.
اردت التنقيب في مشاكل العراقيين والذين يعانون من انقطاع متكرر للكهرباء مما ادى الى انتشار المولدات في كل مكان، فضلا عن نقص حاد في مياه الشرب مما دفع الكثيرين الى حفر آبار في بيوتهم او الاعتماد على المياه المعدنية مع ما يمثله ذلك من عبء على ميزانية المواطن العراقي.
يحدث ذلك رغم المخزون الهائل للنفط العراقي ووجود نهري دجلة والفرات في هذا البلد.
دعايات الحملة الانتخابية في بغداد
وبالمناسبة فان الاسعار مرتفعة بشكل كبير بالنسبة للمواطن في الوقت الذي يعاني فيه الدينار العراقي انخفاضا كبيرا حيث يعادل الألف دولار نحو مليون دينار عراقي.
ذهبت الى المناطق الشعبية حيث كامب سارة والبتاوين (والبت هو الخيط اي انه حي النساجين).
والمنطقة الاولى تنسب الى سيدة ارمنية احبها الوالي العثماني في القرن الثامن عشر فتصدت لمحاولاته بشجاعة، اما المنطقة الثانية فكان يسكنها اليهود وجاء بعدهم السريان ثم سكنها السودانيون.
وفي ساحة الفردوس حيث كان يوجد تمثال صدام حسين والذي اسقط في مشهد شهير بعد الغزو شاهدت "وريث" او مكان تمثال صدام حسين والذي مثل لي لغزا محيرا..
فقد اقيم في ساحة الفردوس تمثال مستوحى من الفن التشكيلي او التكعيبي ولم افهم ما المقصود منه بالضبط، وهل يعبر هذا الشكل "الانبعاجي" عن مرحلة صدام ام ما بعد صدام؟
وفي مكان غير بعيد شاهدت مقر الحزب الشيوعي العراقي والذي يصدر صحيفة طريق الشعب، وتذكرت كم كان اليسار قويا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وتساءلت عن مدى تواجده على الساحة السياسية في العراق حاليا.
وهنا ادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح..
27 - 02 - 2010
بغداد: موعد غرامي.. بالخوذة والسترة الواقية من الرصاص!
منذ طفولتي وقعت في هواها حملني بساط الريح وعالم الف ليلة السحري الى هناك.. الى عاصمة هارون الرشيد بغداد.
كانت بغداد في طفولتي مسرحا للكثير من أحداث عالمي الخيالي ومن هنا كانت بداية علاقتي بالمدينة.
وتقدم العمر بكلينا (بي وببغداد) وقد شهدت العاصمة العراقية خلال العقود الأخيرة الكثير من الاحداث وصار حبي لها أكثر نضجا ووعيا وألما.
حلم الطفولة ووعي الشباب من خلال القراءة والمتابعة عبر وسائل الاعلام المرئية والمسموعة هذه هي الأسس التي بنيت عليها علاقتي ببغداد التي لم ارها ابدا من قبل.
الحلم يتحول الى حقيقة
"هل تذهب الى بغداد لتغطية الانتخابات العراقية؟" عندما طرح علي رئيس تحرير موقع بي بي سي العربية هذا السؤال لم اتردد في الموافقة، فهل يمكن ان اضيع فرصة لقاء حلم الطفولة؟
حملتني الطائرة الى العاصمة الأردنية عمان التي وصلتها في ساعة متأخرة من الليل حيث لم أنم سوى ساعة واحدة قبل ان استقل الطائرة متجها الى بغداد.
ومن نافذة الطائرة نظرت الى المدينة الشاسعة فيما سيطرت علي مشاعر متضاربة بين الشوق واللهفة والقلق، هي مشاعر أقرب الى مشاعر العاشق حينما يلتقي معشوقته.
ولم تكد قدماي تطآن أرض المطار حتى توالت الصدمات..
المطار شبه مهجور لم اشاهد فيه سوى عشرات من العمال الآسيويين القادمين الى العراق.
الاجراءات الأمنية مكثفة حيث العديد والعديد من الحواجز الأمنية التي كان علينا أن نمر بها قبل ان اصل الى مقر إقامتي.
وحتى السيارة التي حملتني الى مقر اقامتي اقرب الى سيارة السجون التي كنت اراها تقل السجناء على كوبري 6 أكتوبر في مصر ولطالما تساءلت عن مشاعر هؤلاء السجناء وهم يمسكون بالقضبان وينظرون الى الاحرار الذين يسيرون في الشارع (وكنت حينئذ واحد منهم) لقد فهمتها أخيرا فلاشك انها أقرب الى شعور الفأر في المصيدة.
والأدهى انه كان علي ان احمل في علبة الكبريت التي اقلتني والتي يطلقون عليها تجاوزا سيارة خوذة وسترة واقية من الرصاص.
تلصصت عيناي خارج نافذة السيارة لاشاهد المئات من اللافتات الانتخابية وعندما سألت اين نحن؟ جاءت الاجابة شارع أبو نواس فتساءلت هل يمكن ان ازوره ليلا؟ وكانت الاجابة بالنفي. صدمة أخرى.
وصلت غرفتي حيث القيت الخوذة والسترة الواقية من الرصاص. آه يا بغداد جئتك حاملا ذكرياتي عن هارون الرشيد والفتيات الحسان ولكن يبدو ان هناك من لم ينس ابدا انك أيضا بلد مسرور السياف ويبدو ان معهم كل الحق في ذلك.
http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2010/02/100226_iraq_diary_tc2.shtml