مَنْ يُنْصِفُ الأُنْثَى؟ ..
..
سَلَبَ الرِّجِالُ سَعَادتِي وصَفَائِي
وتَلاعَبُوا بأنوثَتِي وحَيَائِي
رَكبُوا بي السُّفُنَ التي ما أبحرتْ
إلاَّ على مَوجٍ مِنْ الأَهواءِ
حتى إذا لَعِبَ المُحِيطُ بها رَمُوا
للحوتِ مَعنى عِزّتِي وإِبَائِي
سَرَقَ الرِّجِالُ المدَّعُونَ حَقَائِبِي
لَمَّا رَكبتُ سَفِينةَ الإغواءِِ
لا تَسْألُونِي كيف صِرْتُ غَرِيبةً
لَمَّا بلَغتُ شَوَاطِئَ الغُرَبَاءِ
لمَّا دَعَونِي للنزولِ، يَلِفُّني
خَوفِي، وتَلْطمُنِي يَدُ الظَّلْمَاءِ
ضَرَبوا بِيَ الأرضَ الوَبِيءَ تُرَابُها
واستَنْزَلُونِي من شمُوخِ سَمَائِي
في حِينَها أَبْصَرْتُ وَجْهَ تَعَاسَتِي
وَيَداً مدنَّسةً تُزِيحُ غِطَائِي
وسَمِعتُ في الآفَاقِ جَلْجَلَةَ الأَسَى
وصَدَى نُعَابٍ مُزْعجٍ وعُواء
(هيَّا انْزِلِي)، مَا أَغْرَبَ الصَّوتَ الذي
مَلأ المَسَامِعَ مِنْه شَرُّ نِدَاءِ
مَاذَا أرَى؟ ذئبُ اَلتَِّحَامُلِ مُقْبِلٌ
نحْوِي، وثُعْبَانُ الخِدَاعِ وَرَائِي
أينَ الدُّعاةُ إلى حقوقِي، مَا بِهم
لمْ يَظْهَرُوا في الليلةِ اللَّيْلاءِ؟!
أين الذين بَنوا قصُورَ وُعُودِهم
بتَطوُّرِي، وتَحرُّرِي، وهنائي؟!
كَيفَ اخْتَفُوا، وهمْ الذينَ استَثْمَرُوا
بشِمُوعِهم، حبِّي لِكلِّ ضِيَاءِ؟!
أين الدِّعَاياتُ التي سَلَبُوا بِهَا
عَقْلِي، ونَالُوا طاعَتِي وَوَلائِي؟!
أَيَنَ الذينَ تَمَسَّحُوا بِبَراءَتِي
حَتَى مَنَحْتُ حَدِيثَهم إصْغَائِي؟!
أوَما دَعُونِي لِلتَّحَرُّرِ جَهْرَةً
حَتَى أَكُونَ رَفِيقَةَ العُظَمَاءِ؟!
يَا وَيْلَهم، كَيفَ اسْتَحَالَ حَنَانُهم
عُنْفاً، يُخَاطِبُنِي بِكُلِّ جَفَاءِ؟!
مَا بَالُ أَعْينِهم غَدَتْ مَسْكُونةً
بِهَوى النِّفوسِ وشَهْوةٍ رَعْناءِ؟!
مِنْ نُطْفةِ الحَجَرِ الأَصَمِّ تَخَلَّقُوا
فَقلُوبُهم كالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ
خَدَعوا الأنوثَةَ حينَما رَفَعُوا لَهَا
عَلَماً من الحرَّيةِ الشَّوْهاءِ
كَسَروا قِوَامةَ أَهْلِنا وتسلَّطُوا
بقوامةِ التَّضْلِيلِ والإِلْهاءِ
أَفْتَوا، وهَلْ يُفْتِي الذي لَمْ يَدْخِرْ
عِلْماً بِنَهْجِ الشِّرْعةِ الغَرَّاءِ
وكأنَّما طَلَبُ العلومِ معلَّقٌ
بِسِفُورِ وَجْهِي وانْحِسَارِ رِدَائِي!
كَذَبُوا عَلَيَّ بِمَا ادَّعُوه، وإِنَّمَا
أَوْرَوا بما جَلَبُوه زَنْدَ شَقَائِي
هم أَشْهرونِي في الوَسَائِل كلِّهَا
حَتَى عَشِقتُ تَوَهُّجَ الأَضْوَاءِ
وأُصَبْتُ بالدَّاءِ العُضَالِ، وإنَّما
داءُ انحرافِ الطَّبْعِ أَسْوأُ دَاءِ
فتبرَّأتْ مِني ثِيابُ مُروءَتِي
واستَفْظَعَتْ وَحْلَ الطَّرِيقِ حِذَائِي
إنّي أقولُ، وقَدْ رَفَعْتُ غِشَاوَتِي
ونَجَوتُ من دَوَّامةِ استِرْخَائِي!
مَا أكذبَ الدَّعْوى التي لا تَنْطَوي
إلاَّ عَلَى لُغةِ الهَوى الجَوْفاءِ!
حرَّيةُ القَومِ اختلاطٌ مَاجِنٌ
في دَارِ عَارِضةٍِ، وحَفْلِ غِنَاءِ
مَنْ يُبْلغُ الفَتَياتِ عَنِي صَرْخةً
ممزوجةً بتودُّدي ورَجَائي؟؟
لا تَنخدعْنَ بمَن يَلُوكُ لِسَانَه
كِذَبَاً، ويَرفعُ رايةَ السُّفهاءِ
رافقتُهم زَمَنَ الضَّياعِ فلمْ أجدْ
إلاَّ خِداعَ رِجَالِهم لنِساءِ
يا ليتَ شِعْري، من يُواجهُ كَيْدَهُم
ويصدُّ جَيشَ الغَارةِ الهَوْجَاء
مَنْ يُنْصِفُ الأنْثَى من الدَّاعي إلى
طُرْقِ الضَّياعِ ومَنْهجِ الغَوْغَاءِ؟
مَن يُنْصِف الأنثَى من الرَّجل الذي
يَقْتَاتُ من بَيعٍ لَها وشِرَاءِ؟
يا بنتَ إسلامِ الشمُوخِ خُذي المَدى
فَرَساً يُطوَّع قَسْوَةَ البيَدْاءِ
يَشْدُو بألحَانِ الصَّهيل فيَنْتَشِي
قَلْبُ الإباءِ ومُهْجَةُ العَلْيَاءِ
قولِي لعشَّاقِ السَّرابِ ومَنْ حَذَا
حَذْوَ الغُرَابِ مقلَّدِ الوَرْقَاءِ:
بِبَصِِيرَتِي شاهَدْتُ فَجرَ حَقيقتِي
إن الحقيقةَ فَوْقَ كلِّ خَفَاءِ
طِيرُوا كَمَا شِئتُم، فَلا طَيَرَانُكم
يُغْرِي، ولا أجْواؤُكم أجْوَائِي
بيني وبين كِتَابِ رَبِّي دَوْحةٌ
تُسقَى مَنابتُها بأطهرِ مَاءِ
عِلْمِي وإيْمَانِي يُضِيئان الدُّجَى
ويكمَّلانِ مَع الحَيَاءِ بِنَائِي
أمْضِي، وفي ذِهنِي يَقينُ خَدِيجةٍ
وإِبَاؤهَا، وعَزِيمةُ الخَنْسَاءِ
د. عبد الرحمن العشماوي
..
سَلَبَ الرِّجِالُ سَعَادتِي وصَفَائِي
وتَلاعَبُوا بأنوثَتِي وحَيَائِي
رَكبُوا بي السُّفُنَ التي ما أبحرتْ
إلاَّ على مَوجٍ مِنْ الأَهواءِ
حتى إذا لَعِبَ المُحِيطُ بها رَمُوا
للحوتِ مَعنى عِزّتِي وإِبَائِي
سَرَقَ الرِّجِالُ المدَّعُونَ حَقَائِبِي
لَمَّا رَكبتُ سَفِينةَ الإغواءِِ
لا تَسْألُونِي كيف صِرْتُ غَرِيبةً
لَمَّا بلَغتُ شَوَاطِئَ الغُرَبَاءِ
لمَّا دَعَونِي للنزولِ، يَلِفُّني
خَوفِي، وتَلْطمُنِي يَدُ الظَّلْمَاءِ
ضَرَبوا بِيَ الأرضَ الوَبِيءَ تُرَابُها
واستَنْزَلُونِي من شمُوخِ سَمَائِي
في حِينَها أَبْصَرْتُ وَجْهَ تَعَاسَتِي
وَيَداً مدنَّسةً تُزِيحُ غِطَائِي
وسَمِعتُ في الآفَاقِ جَلْجَلَةَ الأَسَى
وصَدَى نُعَابٍ مُزْعجٍ وعُواء
(هيَّا انْزِلِي)، مَا أَغْرَبَ الصَّوتَ الذي
مَلأ المَسَامِعَ مِنْه شَرُّ نِدَاءِ
مَاذَا أرَى؟ ذئبُ اَلتَِّحَامُلِ مُقْبِلٌ
نحْوِي، وثُعْبَانُ الخِدَاعِ وَرَائِي
أينَ الدُّعاةُ إلى حقوقِي، مَا بِهم
لمْ يَظْهَرُوا في الليلةِ اللَّيْلاءِ؟!
أين الذين بَنوا قصُورَ وُعُودِهم
بتَطوُّرِي، وتَحرُّرِي، وهنائي؟!
كَيفَ اخْتَفُوا، وهمْ الذينَ استَثْمَرُوا
بشِمُوعِهم، حبِّي لِكلِّ ضِيَاءِ؟!
أين الدِّعَاياتُ التي سَلَبُوا بِهَا
عَقْلِي، ونَالُوا طاعَتِي وَوَلائِي؟!
أَيَنَ الذينَ تَمَسَّحُوا بِبَراءَتِي
حَتَى مَنَحْتُ حَدِيثَهم إصْغَائِي؟!
أوَما دَعُونِي لِلتَّحَرُّرِ جَهْرَةً
حَتَى أَكُونَ رَفِيقَةَ العُظَمَاءِ؟!
يَا وَيْلَهم، كَيفَ اسْتَحَالَ حَنَانُهم
عُنْفاً، يُخَاطِبُنِي بِكُلِّ جَفَاءِ؟!
مَا بَالُ أَعْينِهم غَدَتْ مَسْكُونةً
بِهَوى النِّفوسِ وشَهْوةٍ رَعْناءِ؟!
مِنْ نُطْفةِ الحَجَرِ الأَصَمِّ تَخَلَّقُوا
فَقلُوبُهم كالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ
خَدَعوا الأنوثَةَ حينَما رَفَعُوا لَهَا
عَلَماً من الحرَّيةِ الشَّوْهاءِ
كَسَروا قِوَامةَ أَهْلِنا وتسلَّطُوا
بقوامةِ التَّضْلِيلِ والإِلْهاءِ
أَفْتَوا، وهَلْ يُفْتِي الذي لَمْ يَدْخِرْ
عِلْماً بِنَهْجِ الشِّرْعةِ الغَرَّاءِ
وكأنَّما طَلَبُ العلومِ معلَّقٌ
بِسِفُورِ وَجْهِي وانْحِسَارِ رِدَائِي!
كَذَبُوا عَلَيَّ بِمَا ادَّعُوه، وإِنَّمَا
أَوْرَوا بما جَلَبُوه زَنْدَ شَقَائِي
هم أَشْهرونِي في الوَسَائِل كلِّهَا
حَتَى عَشِقتُ تَوَهُّجَ الأَضْوَاءِ
وأُصَبْتُ بالدَّاءِ العُضَالِ، وإنَّما
داءُ انحرافِ الطَّبْعِ أَسْوأُ دَاءِ
فتبرَّأتْ مِني ثِيابُ مُروءَتِي
واستَفْظَعَتْ وَحْلَ الطَّرِيقِ حِذَائِي
إنّي أقولُ، وقَدْ رَفَعْتُ غِشَاوَتِي
ونَجَوتُ من دَوَّامةِ استِرْخَائِي!
مَا أكذبَ الدَّعْوى التي لا تَنْطَوي
إلاَّ عَلَى لُغةِ الهَوى الجَوْفاءِ!
حرَّيةُ القَومِ اختلاطٌ مَاجِنٌ
في دَارِ عَارِضةٍِ، وحَفْلِ غِنَاءِ
مَنْ يُبْلغُ الفَتَياتِ عَنِي صَرْخةً
ممزوجةً بتودُّدي ورَجَائي؟؟
لا تَنخدعْنَ بمَن يَلُوكُ لِسَانَه
كِذَبَاً، ويَرفعُ رايةَ السُّفهاءِ
رافقتُهم زَمَنَ الضَّياعِ فلمْ أجدْ
إلاَّ خِداعَ رِجَالِهم لنِساءِ
يا ليتَ شِعْري، من يُواجهُ كَيْدَهُم
ويصدُّ جَيشَ الغَارةِ الهَوْجَاء
مَنْ يُنْصِفُ الأنْثَى من الدَّاعي إلى
طُرْقِ الضَّياعِ ومَنْهجِ الغَوْغَاءِ؟
مَن يُنْصِف الأنثَى من الرَّجل الذي
يَقْتَاتُ من بَيعٍ لَها وشِرَاءِ؟
يا بنتَ إسلامِ الشمُوخِ خُذي المَدى
فَرَساً يُطوَّع قَسْوَةَ البيَدْاءِ
يَشْدُو بألحَانِ الصَّهيل فيَنْتَشِي
قَلْبُ الإباءِ ومُهْجَةُ العَلْيَاءِ
قولِي لعشَّاقِ السَّرابِ ومَنْ حَذَا
حَذْوَ الغُرَابِ مقلَّدِ الوَرْقَاءِ:
بِبَصِِيرَتِي شاهَدْتُ فَجرَ حَقيقتِي
إن الحقيقةَ فَوْقَ كلِّ خَفَاءِ
طِيرُوا كَمَا شِئتُم، فَلا طَيَرَانُكم
يُغْرِي، ولا أجْواؤُكم أجْوَائِي
بيني وبين كِتَابِ رَبِّي دَوْحةٌ
تُسقَى مَنابتُها بأطهرِ مَاءِ
عِلْمِي وإيْمَانِي يُضِيئان الدُّجَى
ويكمَّلانِ مَع الحَيَاءِ بِنَائِي
أمْضِي، وفي ذِهنِي يَقينُ خَدِيجةٍ
وإِبَاؤهَا، وعَزِيمةُ الخَنْسَاءِ
د. عبد الرحمن العشماوي