هل نحن حقاً نحب ..؟ بقلم الاستاذ محمود الباتع للمناقشه لطفا
بقلم: محمـود الباتـع
في الوقت الذي كان أسلافنا الكرام يمارسون اعتناقهم لنظرية العيون التي في طرفها حورٌ، وبينما كان عمنا المرحوم ابن حزم الأندلسي في مطالعته الفريدة الرائدة (طوق الحمامة) يحذر المحبين والعشاق ومن لف لفهم بشدة من حب النظرة الأولى، باعتباره خديعة تكتمل خيوطها عندما يقع ما وصفه بالتصاق الحب بالقلب من مجرد نظرة واحدة، تسبب انقسام هذا الأخير إلى قسمين يختلف أحدهما عن الآخر، فيعشق المرء .صورة من لا يعلم من يكون ولا يدري له اسما ولا مستقراً ولا صفة، اللهم إلا تلك التي في باله، فيتحقق بهذا الانقسام ذلك الانفصام العاطفي الذي نعرفه عن المتيمين والمغرمين.
بينما كان يحدث هذا بيننا، كان إخوتنا الخواجات منكبين بمنهجهم العلمي الشهير على استنتاج حكمتهم المأثورة التي أصبحت لاحقاً أغنية ” To Know Me is To Love Me..” ومعناها أن تعرفني هو أن تحبني، أو ما يفيد بصريح العبارة أنك إذا لم تعرفني فأنت بالتأكيد لا تحبني، حيث ارتأى الأفاضل المذكورين أن معرفة المحبوب هي السبيل الأهم إلى الحب، وبغيرها يكون ما قد نظنه حباً شيئاً مختلفاً ليس من الحب في شيء.
بإمكاننا أن نؤكد بكل الحياد العلمي والتجرد التطبيقي والموضوعية المبسطة، أنه ورغم ما يبدو من كون الحب مبعثاً على التضحية والإيثار والعطاء والاحتراق بصد المحبوب ومكابدة كيد العذول، إلا أنه أيضاً قمة الأنانية وحب الذات وتمجيد الأنا المتمركز في كينونة العاشق المحب. فحب الشخص للآخرين إنما ينابع من حبه لذاته دون غيرها. بمعنى أن مشاعر الحب ليست إلا رد فعل لا إرادي على مبادرة أحدهم بنبشها بواسطة نظرة أو ابتسامة أو كلمة حنان أو لمحة أمان أو شيء من هذا القبيل، يفعل فعله في إشعار الشخص المستهدف بالارتياح الشديد والرضا البالغ عن النفس نتيجة انتعاش الأنا الأعلى القابع في وجدانه، والذي يطلب بدوره المزيد من هذا الانتعاش، من هنا يبدأ الشعور بالحاجة إلى المزيد من النظرات والكلمات والحنان والأمان من قبل ذلك الآخر الذي سيسمى من الآن فصاعداً بالمحبوب أو الحبيب. وبقدر ما تتوفر هذه المتطلبات وتداعياتها يكون الحبيب أسعد ما يكون، أما عندما تنعدم أو تشح في السوق، فهنا يبدأ شقاء المحبين وعذاب المغرمين وضيّ القناديل وشارع الضباب الطويل وما إلى ذلك.
وبهذا فنحن نحب أبناءنا وآباءنا وأوطاننا وأعمالنا وبيتنا ومدرستنا وحينا وحبيبنا وكل ما من شأنه أن يشعرنا تجاهه بمشاعر إيجابية، فقط لكونهم أسباباً تشعرنا بقيمتنا وتشبع حاجاتنا النفسية والوجدانية الطبيعية. وبغير هذا الإشباع تكون الخيبة والإحباط التي تنقض الحب وتنغص عليه عيشته.
فلماذاإذن تقترن سيرة الحب دائما بالهجر والغدر والجفاء والشقاء والنسيان والنكران؟
أليس غريباً أن الزعل على قدر المحبة ؟ وأن أقوى الصدمات هي تلك التي تأتي من الحبيب بالذات فتحدث أشد الخصومات ضراوة بين اثنين رغم أن الجماعة حبايب؟
ولماذا أكثر ما يثير الخيبة والإحباط لدى أحدهم هو ما أن يأتي نصفه الآخر بتصرفات لا تنطبق تماماً مع أحلام الرومانسية ؟ وما هي الرومانسية يا ترى ..؟
الرومانسية بمعناها العلمي هي التطلع إلى الكمال في كل شيء، ولكن بما أن الكمال لله وحده، ولكل شيء إذا ماتم نقصان، فإن هذا النقصان سيعتري بالتأكيد وجهاً أو أكثر من أوجه تلك العلاقة سواء كان ذلك عاجلاً أو آجلاً. وإلا فلماذا تحدث معظم الخناقات بين حديثي الزواج ولماذا تقع معظم حالات الطلاق في الشهور والسنين الأولى من الزواج، خصوصاً إذا كانت متبوعة بحالة من الحب الملتهب استمرت سمناً على عسل فترة من الزمن.
هل حقاً الحب أعمى أم المحبين هم العميان يا ترى ؟
ينشأ تعامي المحبين عن كل عيب في المحبوب لأنهم يتصورون تطابق صفاته ومواصفاته مع تلك الصورة الافتراضية التي في أذهانهم والتي أنشأوها بأنفسهم لترضيهم وتسعد أحلامهم، ولكن بعد فترة قد تطول وقد تقصر من الزمن يكتشف المحب في حبيبه كماً من العيوب الطبيعية التي لم يكن يعرفها سابقاً ولم يكن في استطاعته أن يراها، ليكتشف ـ ويا للصدمة ـ أن هذا الذي أمامه ليس هو ذاك نفسه الذي أحب، دون أن يدور في خلده على الإطلاق أنه ما أحب إلا شخصاً آخر لا يعرفه ولا وجود له إلا في خياله.
بقلم: محمـود الباتـع
في الوقت الذي كان أسلافنا الكرام يمارسون اعتناقهم لنظرية العيون التي في طرفها حورٌ، وبينما كان عمنا المرحوم ابن حزم الأندلسي في مطالعته الفريدة الرائدة (طوق الحمامة) يحذر المحبين والعشاق ومن لف لفهم بشدة من حب النظرة الأولى، باعتباره خديعة تكتمل خيوطها عندما يقع ما وصفه بالتصاق الحب بالقلب من مجرد نظرة واحدة، تسبب انقسام هذا الأخير إلى قسمين يختلف أحدهما عن الآخر، فيعشق المرء .صورة من لا يعلم من يكون ولا يدري له اسما ولا مستقراً ولا صفة، اللهم إلا تلك التي في باله، فيتحقق بهذا الانقسام ذلك الانفصام العاطفي الذي نعرفه عن المتيمين والمغرمين.
بينما كان يحدث هذا بيننا، كان إخوتنا الخواجات منكبين بمنهجهم العلمي الشهير على استنتاج حكمتهم المأثورة التي أصبحت لاحقاً أغنية ” To Know Me is To Love Me..” ومعناها أن تعرفني هو أن تحبني، أو ما يفيد بصريح العبارة أنك إذا لم تعرفني فأنت بالتأكيد لا تحبني، حيث ارتأى الأفاضل المذكورين أن معرفة المحبوب هي السبيل الأهم إلى الحب، وبغيرها يكون ما قد نظنه حباً شيئاً مختلفاً ليس من الحب في شيء.
بإمكاننا أن نؤكد بكل الحياد العلمي والتجرد التطبيقي والموضوعية المبسطة، أنه ورغم ما يبدو من كون الحب مبعثاً على التضحية والإيثار والعطاء والاحتراق بصد المحبوب ومكابدة كيد العذول، إلا أنه أيضاً قمة الأنانية وحب الذات وتمجيد الأنا المتمركز في كينونة العاشق المحب. فحب الشخص للآخرين إنما ينابع من حبه لذاته دون غيرها. بمعنى أن مشاعر الحب ليست إلا رد فعل لا إرادي على مبادرة أحدهم بنبشها بواسطة نظرة أو ابتسامة أو كلمة حنان أو لمحة أمان أو شيء من هذا القبيل، يفعل فعله في إشعار الشخص المستهدف بالارتياح الشديد والرضا البالغ عن النفس نتيجة انتعاش الأنا الأعلى القابع في وجدانه، والذي يطلب بدوره المزيد من هذا الانتعاش، من هنا يبدأ الشعور بالحاجة إلى المزيد من النظرات والكلمات والحنان والأمان من قبل ذلك الآخر الذي سيسمى من الآن فصاعداً بالمحبوب أو الحبيب. وبقدر ما تتوفر هذه المتطلبات وتداعياتها يكون الحبيب أسعد ما يكون، أما عندما تنعدم أو تشح في السوق، فهنا يبدأ شقاء المحبين وعذاب المغرمين وضيّ القناديل وشارع الضباب الطويل وما إلى ذلك.
وبهذا فنحن نحب أبناءنا وآباءنا وأوطاننا وأعمالنا وبيتنا ومدرستنا وحينا وحبيبنا وكل ما من شأنه أن يشعرنا تجاهه بمشاعر إيجابية، فقط لكونهم أسباباً تشعرنا بقيمتنا وتشبع حاجاتنا النفسية والوجدانية الطبيعية. وبغير هذا الإشباع تكون الخيبة والإحباط التي تنقض الحب وتنغص عليه عيشته.
فلماذاإذن تقترن سيرة الحب دائما بالهجر والغدر والجفاء والشقاء والنسيان والنكران؟
أليس غريباً أن الزعل على قدر المحبة ؟ وأن أقوى الصدمات هي تلك التي تأتي من الحبيب بالذات فتحدث أشد الخصومات ضراوة بين اثنين رغم أن الجماعة حبايب؟
ولماذا أكثر ما يثير الخيبة والإحباط لدى أحدهم هو ما أن يأتي نصفه الآخر بتصرفات لا تنطبق تماماً مع أحلام الرومانسية ؟ وما هي الرومانسية يا ترى ..؟
الرومانسية بمعناها العلمي هي التطلع إلى الكمال في كل شيء، ولكن بما أن الكمال لله وحده، ولكل شيء إذا ماتم نقصان، فإن هذا النقصان سيعتري بالتأكيد وجهاً أو أكثر من أوجه تلك العلاقة سواء كان ذلك عاجلاً أو آجلاً. وإلا فلماذا تحدث معظم الخناقات بين حديثي الزواج ولماذا تقع معظم حالات الطلاق في الشهور والسنين الأولى من الزواج، خصوصاً إذا كانت متبوعة بحالة من الحب الملتهب استمرت سمناً على عسل فترة من الزمن.
هل حقاً الحب أعمى أم المحبين هم العميان يا ترى ؟
ينشأ تعامي المحبين عن كل عيب في المحبوب لأنهم يتصورون تطابق صفاته ومواصفاته مع تلك الصورة الافتراضية التي في أذهانهم والتي أنشأوها بأنفسهم لترضيهم وتسعد أحلامهم، ولكن بعد فترة قد تطول وقد تقصر من الزمن يكتشف المحب في حبيبه كماً من العيوب الطبيعية التي لم يكن يعرفها سابقاً ولم يكن في استطاعته أن يراها، ليكتشف ـ ويا للصدمة ـ أن هذا الذي أمامه ليس هو ذاك نفسه الذي أحب، دون أن يدور في خلده على الإطلاق أنه ما أحب إلا شخصاً آخر لا يعرفه ولا وجود له إلا في خياله.