غرترود : هل خانت زوجها
(في مسرحية هاملت) ؟
(في مسرحية هاملت) ؟
بقلم جون دوفر ولسون
ترجمة جبرا إبراهيم جبرا
ترجمة جبرا إبراهيم جبرا
طباعة واعداد وليد محمد الشبيبي
بغداد السبت 26 تموز/ يوليو 2008
بغداد السبت 26 تموز/ يوليو 2008
هناك من ينكر أن غرترود Gertrude خانت زوجها الملك هاملت Hamlet قبل مصرعه ، بحجة ان كلمة adultrate لا ترد في المسرحية إلا مرة واحدة . وانها من الممكن ان تعتبر إشارة إلى زواجها اللاحق ، الذي لن يعُتبر في الواقع زواجاً وفق تعاليم الكنيسة ، كاثوليكية كانت أم بروتستانتية ، بل زنى ، أو خيانة لزوجها الأول . غير أن هذا الرأي يُناقض قصة بلفوريست ، وهي مصدر كل النسخ الأخرى . فهي تقول عند الحديث عن قاتل أبي هاملت : ((إنه قبل أن يلطخ يديه بدم أخيه ، كان قد فحش بزوجته انتهاكاً للمحارم)). هذا بالطبع لا يثبت ان كلوديوس Claudius في مسرحية شكسبير Shakespeare هو زانٍ ، غير أنه يعطينا مفتاحاً للخطاب التالي الذي لا يخلو من مغلقات ، وهو خطاب (الطيف) لأبنه ، والذي لا يمكن تأويله ، كما يقول الدكتور برادلي ، على أي نحو آخر :
أجل ، ان ذلك الوحش الزاني الذي أستباح المحرّمات ،
بسحر دهائه ، وهداياه الخؤون ،
يا له من دهاء أثيم ، ويا لها من هدايا تقوى
على إغراء كهذا ! .. أخضع لشهوته المخزية
إرادة الملكة ، وهي التي أجادت ادعاء العفّة والفضيلة .
يا له من سقوط ، ذاك ، يا هاملت !
سقوط عني أنا الذي كان حبي لها
من الرفعة بحيث مشى يداً بيد
مع عهدي الذي قطعته لها بالزواج ، لتحطّ
على صعلوكٍ مواهبه الطبيعية
لا تقاس بمواهبي في شيء.
وكما ان الفضيلة لن تتزحزح ،
وإن راودها الفجور في أجمل اشكال السماء ،
فان الشبق ، وإن يقترنْ بملاك بهيّ ،
ليتخمّن نفسه في فراش علوي
ويقتات على النفاية .
هل (الطيف) يتحدّث هنا عن الزواج المستعجل بين كلوديوس وغرترود . قطعاً لا . إن (الزمن) الذي سُمح له به ينصرم بسرعة ، وإنّه (ليشمّ رائحة أنسام الصباح). وهاملت يعرف أن كلوديوس وغرترود قد تزوجا ، وقد امتلأت نفسه قرفاً لفكرة تسرّعهما إلى (الشراشف الزانية) . لماذا اذن يضيّع (الطيف) الدقائق الثمينة في اعلام هاملت بما هو على علم تام به من قبل ؟ لقد جاء من (دار سجنه) ليحث أبنه على الثأر ، وذلك بأن ينبئه بأخبار لا يمكن أحداً غيره أن ينبئه بها. واذا كانت كلمة incestuous (بمعنى الزنى بالمحارم) تنطبق على هذا الزواج ، فان بقية العبارة لا تنطبق عليه . ولنلاحظ هذه الكلمات : (سحر ، هداياه الخؤون ، اغراء ، شهوته المخزية ، ادعاء العفة والفضيلة ) ، ثم نجد ان ما تبقّى من الأسطر لا يترك لنا شكّاً في الأمر. والمقارنة بين (المواهب الطبيعية) التي للملك هاملت ، وتلك التي لأخيه ، إضافة إلى الاشارة إلى (عهد الزواج) ، و(الفراش العلوي) وعبارة (يقتات على النفاية) – ليس لها جميعاً إلا معنى واحد : ان (الطيف) يتحدّث عن خيانة غرترود له قبل موته . وهو لا يقول شيئاً ولو تلميحاً عن ضلوعها المحتمل في جريمة قتله . بل بالعكس ، ينطوي امره الخاص لهاملت بشأنها على انه يبرّئها من اية معرفة بالجريمة . وبالتالي فان صرخة هاملت الضارية : (أيتها المرأة الفتّاكة المدمّرة !) التي تندّ عنه قبيل اختفاء أبيه انما تشير إلى هذه الحقيقة الجديدة التي أكتشفها الآن : خيانتها لزوجها إبّان حياته.
ثم إن مشهد هاملت مع أمه في الفصل الثالث لا يمكن تفسيره إلا اذا كان لدى الأبن ما يتهم به أمه غير الزواج المستعجل . وهو لا يتهمها بالخيانة الزوجية بكلمات صريحة ، غير ان كلماته التالية تشير بجلاء إلى الفكرة التي تعتمل في ذهنه – ولكانت فائضة عن الحد بكثير لو لم يقصد بها إلاّ زواجها :
فعلاً يُفسد على الطهر الحشمة والحياء ،
ويدعو الفضيلة نفاقاً ، ويأخذ الحب البريء
لينزع الوردة من وضّاء جبينه
ويزرع فيه دمّلة من الصديد ، ويجعل من عهود الزواج
أكاذيب كأيمان المقامرين . أنها فعلة
تجتث الروح من بدن القران
وتجعل العذب من شعائر الدين
الفاظاً جوفاء لا غير .
ترى الملكة انه يعرف كل شيء ، وإذ تكون في حالة من الندم السهل ، تعترف ضمناً بذنبها . وفضلاً عن ذلك ، فان الكلمة التي يُحجم هاملت عن نطقها أمامها ، لا يتورّع عن نطقها مع هوراشيو فيما بعد ، حين يُعلن ان كلوديوس (مومس) أمه . كما أن هوراشيو نفسه ، عندما يسرد خلاصة احداث المسرحية لفرتنبراس المنذهل ، يوجز تاريخ كلوديوس في سطر واحد :
... أفعال ملؤها الفجور والقتل والشذوذ ،
حيث يقوم (القتل) بين الزنى وانتهاك المحارم بشكل يلفت النظر . فالخيانة الزوجية ، كمواضيع كثيرة غيرها في (هاملت) ، قد لا تذكر بصراحة ، غير أننا لا نشك أبداً في أنها مضمرة ومقصودة(*).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) نرى الكاتب قد أسهب وأطنب بخصوص خيانة غرترود لزوجها الملك هاملت في حياته وهل كانت مشتركة في جريمة القتل مع شقيقه القاتل كلوديوس أم لا ؟ الامر اصبح واضحاً لكل من يهتم بشكسبير وبالأخص مسرحيته المعنية هنا (هاملت) ، نعم غرترود كانت تقيم علاقة آثمة في حياة زوجها الملك هاملت مع شقيقه كلوديوس ، ولا يجب ان ننهك تفكيرنا عن سبب هذه العلاقة ودافعها بالنسبة (للمرأة) غرترود ! فالجاه والمال في حوزتها عن طريق زوجها الملك الشرعي للدنمارك هاملت أما شقيقه كلوديوس فليس سوى شخص عادي يسير في ظل شقيقه الملك ويستمد قوته وبريقه وجاهه وثرائه منه ، أما غريزتها (كامرأة) ولماذا عشقت كلوديوس وماذا وجدت فيه وهو غير موجود في زوجها رغم ان عشيقها (صعلوكٍ مواهبه الطبيعية/ لا تقاس بمواهبي في شيء.) على حد تعبير شبح الملك وهو ينبيء أبنه هاملت بهذه الجريمة والعلاقة الآثمة ، أقول ، أما عن كل ذلك ، فأرجو ان لا نتعب أنفسنا في التقصي عن ذلك لأنه (السر) يكمن في قرارة نفس (المرأة) غرترود وليس (الملكة) ! وفي اعماقها ! وهذا ما لم يسبر غوره شكسبير لانه لا يحتاج سوى ما أظهره لنا الشبح ! ومع ذلك فنحن لا نفاجأ بهكذا اختيار وبهكذا علاقة وبهكذا (أنحراف) فالعالم مليء بها ومترع بالغريب ، وسيبقى (هاملت) ما دام هناك (طمع) و(شهوة) و(شذوذ) و(طموح) ، وقبل هذا وذاك ، ما دام هناك (امرأة) و(رجل) ! إذاً ، غرترود خانت زوجها مع أخيه وأقامت علاقة محرّمة وغير شرعية معه وارتكب الاثنان (زنى المحارم) لكنها قطعاً لم تشترك معه في قتل زوجها غيلة بالسم ولا حتى لديها مجرّد علم بما كان سيقوم به عشيقها الغاصب ، الذي لم يسرق من شقيقه التاج فقط ، بل حياته وزوجته معه ! (المُعد).
عدل سابقا من قبل وليد محمد الشبيبي في الخميس 05 مايو 2011, 12:30 pm عدل 1 مرات