أيها الشكسبيريون:
هل تصدّقون أن عشيقة هاملت الطاهرة (أوفيليا)
كانت (محظية) لعمّه الملك الغاصب كلوديوس ؟!
كتب
وليد محمد الشبيـبي
بغداد 15 حزيران/ يونيو 2008
وليد محمد الشبيـبي
بغداد 15 حزيران/ يونيو 2008
كنت أطالع صباح هذا اليوم(1) في كتاب (ما الذي يحدث في هاملت)(2) وبالتحديد في الصفحة (110) من هذا المؤلَّف المُترجم ، وقد فوجئت بذكره بأن عشيقة هاملت Hamlet ، أوفيليا Ophelia (3) هي إحدى محظيات عمّه كلوديوس Claudius ملك الدانمارك وغاصب ملك والد هملت بعد قتله بطريقة خسيسة وهو نائم والزواج من أم هاملت الملكة غرترود Gertrude .
عندما كنت أكتب دراسة واسعة عن أعمال شكسبير بين عامي 2000 – 2002 أعجبت أيما أعجاب بشخصيات نسائية محددة لديه ، وقد أشرت إليهن غير مرة في مواضع عديدة من بعض المقالات ، وتلك الشخصيات النسوية :
دزديمونة Desdemona – في مأساة عطيلOthello Tragedy .
كورديليا Cordelia – في مأساة الملك لير King Lear Tragedy .
وأوفيليا Ophelia – في مأساة هاملت Hamlet Tragedy .
كورديليا Cordelia – في مأساة الملك لير King Lear Tragedy .
وأوفيليا Ophelia – في مأساة هاملت Hamlet Tragedy .
هناك أكثر من صفة تجمع بينهن ، واذا أرادت إحدى الفرق المسرحية أن تتصدّى لتمثيل تلك التراجيديا الشكسبيرية على خشبة المسرح، فمؤكد ستلعب ممثلة واحدة تلك الأدوار النسوية .
أكاد أشعر بهن وبتلك الصفات … صوت هاديء ملائكي .. روح صافية .. عشق خالص غير مدّنس بالكذب والزيف .. للحبيب والزوج والأب .. ملاك لا تعرف الخطيئة .. بريئة .. صافية كنهر عذب على سطحه تتلألأ اشعة الشمس الذهبية .. هادئة في كل الأوقات .. ثم .. طاهرة .. عفيفة .. لم تدنّس ..
هناك مشتركات في صفاتهن .. في مصائرهن .. أيضاً …
دزديمونة .. تلك العشيقة والمعشوقة بإخلاص لحبيبها (ومن حبيبها) وزوجها عطيل .. تقتل بطريقة مأساوية على يد زوجها وحبيبها عطيل .. بسبب دسائس اللئيم أياغو Iago .. الذي يلقى جزائه لكن بعد فوات الآوان !
كورديليا .. أصغر بنات الملك لير .. رغم حرمانها من كل شيء من قبل والدها بسبب غضبه عليها لعدم تملقها له و(كذبها) عليه ، وهي الملاك الذي لا يعرف إلا الصراحة والتلقائية في التعامل ولم تدنس روحها بالحقد والحسد والطمع عكس شقيقتيها (غونريل وريغن) .. أيضاً تقتل بطريقة وحشية بعد أن تركت ملكها في فرنسا (كملكة لفرنسا) لتساعد والدها رغم كل ما عمله معها !
وأوفيليا .. تلك (العاشقة والمعشوقة) الملاك .. التي رغم عشقها لحبيبها هاملت الا انها لم تدعه ينتهك عفتها ورغم حبها له الا انها صدّته اكثر من مرة .. امتثالها لابيها وسمعته ولوعدها لشقيقها المسافر لرتيس Laertes .. ذلك الملاك البريء .. الذي لم يحتمل النكبات .. من سخرية واستهزاء حبيبها هاملت بها ونعتها بالعاهرة والبغي !! .. إلى قتل والدها من قبل حبيبها هاملت .. كل ذلك لم يحتمله عقلها البريء الطاهر (البسيط) فأصيبت بالجنون وفقدت صوابها .. لتوجد بعد ذلك جثتها تطفو في مياه النهر !
وأعود للقول … هل تصدّقون ان المؤلف جون دوفر ولسون في مؤلفه هذا (4) المليء بالاستنتاجات قد ذكر ما نصّه (… والأعتقاد جازماً بسبب ما سمعه بأذنيه [أي هاملت نفسه] أن أوفيليا إحدى محظيّات عمّه)(5) !!
حقيقة ، أنا لا أتفق مطلقاً مع المؤلف في هذا الاستنتاج ، واذا كان قد بنى هذا الاستنتاج على كلام هاملت (بعد أن عرف بالمؤامرة التي دُبّرت ضد والده الملك الشرعي للدانمارك عن طريق شبح والده نفسه والذي قتل غيلة من قبل شقيقه كلوديوس) فهذا دليل غير كافي (ان هاملت نفسه مر بفترة انعدام وزن وانهيار بسبب تلك المفاجأة وصدمته بذلك اعقبتها مفاجأة أخرى سبقتها بالأحداث ، وهي صدمته بوالدته الملكة غرترود التي لم تحترم فترة الحداد على والده وأسرعت بالزواج من عمه الغاصب كلوديوس – مما كشف له انها كانت تخون والده في حياته مع عمّه رغم انها لم تشترك في مؤامرة اغتياله كما كشف له طيف والده وطلب منه الرفق بها وان الخالق سيقتص له منها) ، ما جعل أمه غرترود وحبيبته اوفيليا .. ان هما الا صورة لكل امرأة .. وأصبح يحاكمهما على هذا الأساس .. (بعد ان اعتبر ان المرأة صنو للغدر والخيانة وعدم الوفاء .. الخ من صفات مقذعة !) ، بعد ان صُدم بأقرب امرأة له – أمه ، ثم الاقرب – عشيقته أوفيليا ، اذاً ، المرأة هي رديف لتلك الصفات البذيئة (من بغي وعهر وخيانة وغدر وعدم وفاء أو إخلاص .. الخ من صفات سيئة) ، لا بل أن بعض النقّاد أرجع هذه التصرفات وذلك الكلام من قبل هاملت الى (تكتيكه) الذي اتبعه لتضليل وايهام عمّه كلوديوس وجواسيسه بأنه قد جُن لئلا يكتشف الحقيقة (والتي هي معرفة ابن اخيه بجريمته الكبرى التي ارتكبها لوحده).
أعود لأؤكد من خلال مطالعاتي المستمرّة واهتماماتي بأعمال شكسبير وكل ما يقع بيدي بخصوصه وما يُكتب عنه ، بأن أوفيليا هي من مرتبة (دزديمونة وكورديليا) ، وانها تختلف عنهما فقط بأمر واحد (مع تفاوت قوة ظهورهن ومساحتها في اعمال شكسبير) ، أقول انها تختلف عنهما ، بأن (أوفيليا) ماتت وهي (عذراء) طاهرة لم يدنّسها كذب او نفاق او زيف او حتى (مخدع) حبيبها هاملت ، ولم يعرف اي رجل الطريق الى (عفتها).
مقطع من مسرحية (مأساة هاملت) الفصل الثالث / المشهد الأول (6):
أوفيليا: سيدي العزيز،كيف كنتم في الأيام العديدة الأخيرة ؟
هاملت: أشكر لك لطفك . بخير . بخير . بخير .
أوفيليا: سيدي ، لدي هبات منك تقت منذ زمن إاى ردّها .هّلا أخذتها .
هاملت: لا , لا , لم أعطكِ شيئاً قط .
أوفيليا: سيدي المبجّل ، لقد أعطيتنيها
مرفقة بعبارات دُبّجت بشذيّ النفَسْ
فزاد قدرها. ولكن عطرها قد ضاع
فخذها ثانية. ثمين الهدايا ، للنفس الأبيّة ،
يبخس قدرها حين ينقلب مهديها .
هاك ، سيدي.
هاملت: ها , ها ! أعفيفةٌ أنتِ ؟
أوفيليا: سيدي !
هاملت: أجميلةٌ أنتِ ؟
أوفيليا: ماذا تعني يا سيدي ؟
هاملت: أعني إن كنتِ عفيفة وجميلة معاً ، وجب على عفافك ان يجعل الوصول إلى جمالك محرّماً .
أوفيليا: وهل للجمال يا سيدي ما يتعاطاه خيرٌ من العفاف ؟
هاملت: بالضبط . للجمال قدرةٌ على تحويل العفاف إلى الفجور ، أشد ما للعفاف من قدرة على قلب الجمال إلى صورته. كان هذا القول يوماً من الأضداد ، ولكن عصرنا هذا قد مدّه بالبرهان . كنت أحبك يوماً.
أوفيليا: يقيناً يا سيدي ، لقد حملتني على أعتقاد ذلك.
هاملت: كان عليك ألا تصدّقيني. فالفضيلة لا تطعّم جذعنا القديم الا ويظل فينا شيء من مذاقه . ما أحببتك قط .
أوفيليا: اذن فقد خُدعت .
هاملت: أذهبي إلى ديرٍ للراهبات (7). أتريدين أن تلدي الخُطاة ؟ أنا نفسي على قدر من العفّة ، ولكن بوسعي رغم ذلك أن أتّهم نفسي بأمور هي من الإثم ما يجعل أمي تتمنّى لو لم يكن ولدتني . اني شديد الكبرياء ، حقود الثأر ، عنيد الطموح ، ورهن اشارتي من الآثام ما يعجز فكري عن حصره ، وخيالي عن تحديد شكله ، ووقتي عن تنفيذه . فما الذي يترتّب على الذين مثلي أن يفعلوه اذ يزحفون بين السماء والأرض ؟ كلنا أنذال وأوغاد. إياك أن تصدّقي واحداً منّا . أذهبي وترهّبي . أين أبوكِ ( 8 ) ؟
أوفيليا: في البيت يا سيدي .
هاملت: فليغلق المصاريع على نفسه ، لكي لا يلعب دور الأبله المأفون إلا في بيته ، وداعاً .
أوفيليا (جانباً): أعينيه ، أيتها السماوات الخيّرة !
هاملت: ان كنت ستتزوجين ، أعطيتك مهراً هذا الوباء . لن تنجي من المذمّة ولو كنتِ عفيفة كالجليد ، نقيّة كالثلج . أذهبي إلى دير وترهّبي . أذهبي . وداعاً . أو ان كان لا بد لك من الزواج ، فتزوّجي أحد البلهاء. ان العقلاء ليعلمون تمام العلم أي بهائم تجعلن أنتنّ منهم. إلى الدير أذهبي . وأسرعي . وداعاً .
أوفيليا: يا قوى السماء ، أعيديه إلى رشده !
هاملت: لقد سمعت الكثير عن أصباغكن وطلائكن . وهبكن الله وجهاً ، وتجعلن لكنّ وجهاً آخر . ترقصن ، وتتكسرن ، وتلثغن ، وتلقبن مخلوقات الله بأسماء من عندكن ، وتجعلن للخلاعة حجة من جهلكن. عني بكنّ ، لا أريد منكن شيئاً بعد – أنه ليجنني. أتسمعين ، فلنمنع الزواج ! أما المتزوجون سابقاً ، فكلهم سيبقون على قيد الحياة الا واحداً ، ويبقى الآخرون على حالهم . عليك بالدير . أذهبي !
(يخرج هاملت)
أوفيليا: لهفي على عقل رفيع قد هوى !
من النبلاء لسانهم ، ومن الجند سيفهم ،
ومن العلماء عينهم ،
زهرة الدولة اليانعة ومطمحها ،
مرآة الذوق والأناقة ، قالب الأدب ،
ملتقى الأبصار كلها ، قد هوى وتحطّم .
وأنا ، أبأس النساء وأتعسهن ،
أنا التي رشفت العسل الذي في وعوده المنغّمة ،
أرى الآن ذلك الذهن الكريم الرفيع
يرنّ كأجراس عذبة تجلجل نشازاً منكراً ،
وذلك الشباب الفاغم الذي لا صنو لصورته
تكسر عودَه يدُ الحنون . يا ويلتاه
لما رأيت ، يا ويلتاه لما أرى !
(يدخل الملك وبولونيوس)(9)
الهوامش ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رغم تراكم الالتزامات الا ان وعكة صحية طارئة أجبرتني على ملازمة البيت وعدم الخروج هذا اليوم فرحت لعالم شكسبير و (رُبَّ ضارة نافعة) !
(2) ما الذي يحدث في هاملت ، تأليف جون دوفر ولسون، ترجمة جبرا إبراهيم جبرا ، بغداد: دار الرشيد للنشر – 1981 ، (مؤلَّف مترجم يضم 285 صفحة من القطع المتوسط).
(3) التي ماتت ميتة مأساوية بعد مقتل والدها بولونيوس Polonius رئيس الوزراء على يد عشيقها هاملت.
(4) ما الذي يحدث في هاملت ، ولسون ، ترجمة جبرا ، ص 110 .
(5) نفس المرجع ، ص 109 – 110 .
(6) مسرحية مأساة هاملت أمير الدانمارك، ترجمة جبرا إبراهيم جبرا ، بغداد: دار المأمون للترجمة والنشر – 1986 ، ص 95 – 97 .
(7) (في عهد شكسبير كان دير الراهبات يعني أيضاً ، تورية ، المبغى ، والتورية هنا ظاهرة.) (هامش من وضع المترجم الراحل جبرا إبراهيم جبرا).
( 8 ) (يُعلّق جي. بي. هاريسون على هذا بقوله: (أن هذا المشهد كله بين هاملت وأوفيليا مما يُحيّر النقاد ويقلقهم. ولعل تأويله من البساطة بمكان. عندما تصدّ اوفيليا ، بأمر من أبيها عشيقها هاملت ، من الطبيعي أن يخطر له أول ما يخطر أن رجلاً آخر يخطب ودّها ، ويبدو له أن شكّه ذلك يتحقق عندما ترد عليه هداياه . واذ يحتدم في كلامه ، يلاحظ حركة الستارة فيدرك ان وراءها من يسترق السمع إليهما . فيقول: (أين أبوكِ ؟) فتجيب أوفيليا كاذبة: (في البيت يا سيدي) أذن ، يعتقد هاملت ، ليس وراء الستارة إلا العشيق . ومن هنا تشتد مرارة خطابه: لقد أظهرت أوفيليا ، كما أظهرت أمه من قبل ، ما في طبيعة المرأة من فساد وانحلال.) (هامش من وضع المترجم الراحل جبرا إبراهيم جبرا).
(9) مسرحية هاملت ، ترجمة جبرا إبراهيم جبرا ، ص 95 – 97 .