رؤى قد تكون نقدية
ينتظم في عالمنا الفكري الإبداعي نمط للرؤيا يأتي من استلهام فعل معين ، وهذا الفعل تحقيق لرؤيا فنية في ذهنية المبدع ، لأن الفنون الأدبية سواء كانت تعبيرية إنشائية ، أم تعبيرية برمز ما ، فهي تحرك فينا قوى خفية ندرك من خلالها قيمة أعمالنا والأعمال التي حولنا .
فإذن نتيجة ذلك ترتسم في حقيقة الأمر من خلال إدراك ماهية العمل الفني أو الأدبي . والعمل الفني أو الأدبي هو محرك لقوى الإدراك تلك وعن طريق هذا الإدراك نعي عالمنا ونصنع لوحة جميلة مرة بالكلمات ، وأخرى بالفرشاة .
والحركة الأدبية يأتي رقيّها وتجديدها من خلال إدراك المعنى المتجدد لكل فن .
لهذا فإن النقد الأدبي ينبني على ذوق ، وقاعدة ؛ ذوق الإنسان ــ الناقد ــ الذي وضع في حسابه إدراك جمالية التعبير بشتى أشكاله ، وقاعدة فكرية مبنية على أسس معينة مأخوذة من روح العمل الفني أو الأدبي الرفيع .
وكل عمل فني هو عمل أدبي ، كما أن العمل الأدبي هو فني ، والصورة الجميلة المعبرة هي مَن تدفع الإيحاء والتصوّر داخل الذات ، فيبنى من ذلك تعبير رفيع يُنقى ما في الصورة الجميلة من تعبير ، ويضع أسسها الجمالية على سطح المرآة كي ينظرها الجميع ، فيقرأ كل إنسان ويفهم أهمية الجمال وروحه ، من خلال ما رسمه الناقد الفني لمعاني النص وروحه المتجددة . وعليه فإن الفنون كلها طاقة تعبيرية متجددة ترسم لغة جديدة في كل نفس .
فالقصيدة لا تُدرك صورها الفنية ، والبديعية ما لم يقف إزائها ناقد متذوق لرؤيا الفعل المتحقق من كلمات وموسيقى تلك القصيدة ، وبعد ذاك يبدأ الناقد يرسم بفرشاة أخرى لوحة تفوح منها عطوراً جميلة من إبداع النص ، لوحة نفهم من خلالها جمالية وروح الأدب المنظوم في تلك القصيدة .
ومن ينظر لوحة أو تمثالاً منحوتاً ، ويقف متأملاً دون أن يعي ما وراء جمالية هذا الفن ورمزه ، إن لم يكن متذوق مَرَس الإلهام من وراء الفعل الحقيقي للغة الرسم والنحت ، فبضع الموازين ، ويحدد معاييرها ، ويصنع التعبير الذي يجعل هذا العمل الفني أكثر وضوحاً لمن هو أبعد إدراكاً من روح العمل الفني .
لذا فالإبداع الفكري ، وتجسيد تعبيري في رؤيا الفعل وتصوره ، ولا يكون هذا الفعل حقيقة إن لم يقترن بزمن الرؤيا ، وهنا تكمن صورة الإبداع المتجدد لفنون أمتنا .
هذه رؤيا نقدية لفكرة ما رأيت أن أبثها هنا عسى أن أكون موفقاً فيما أطرح .