بعد 400 سنة الموريسكيون "يعودون" إلى الأندلس
آخر تحديث: السبت, 17 أكتوبر/ تشرين الأول, 2009, 18:44 GMT
منذ بداية هذه السنة خرج الموريسكيون من دائرة الاهتمام الأكاديمي على احتشام ليلجوا دائرة الإعلام صحفه وقنواته التلفزيونية، خاصة في إسبانيا.
السبب في ذلك هو مرور أربعة قرون على صدور قرار طردهم جماعيا ونهائيا من جميع ممالك وأقاليم إسبانيا، وبداية تطبيقه بمملكة بلنسية في الثاني والعشرين من شهر سبتمبر/ أيلول من العام 1609.
كبرياء جريحة
يقول الباحث الإسباني إن الموريسكي "ابتدع"
ليصير حمال أوجه هواجس المجتمع الإسباني
ليصير حمال أوجه هواجس المجتمع الإسباني
في نفس اليوم الذي قررت فيه السلطات الإسبانية طرد الموريسكيين، أي في التاسع من أبريل نيسان 1609، وُقعت هدنة مع ثوار فلاندريا (الأقاليم المتحدة أوهولندا)، إيذانا بنهاية صراع دام لبضعة عقود.
ويجهل ما إذا كانت الهدنة هي التي شجعت السلطات الإسبانية على اتخاذ إجراء الطرد أم أنها وقعت الهدنة من أجل التفرغ لإجلاء ما يفوق 300 ألف نسمة؛ لكن ما بدأ يبدو جليا للمؤرخين هو أن الوهن الذي كان يدب في بدن هذه القوة العظمى قد يفسر القرار، كما أن شخصية فيليبي الثالث "الضعيفة" وقلة خبرته مهدا السبيل لاتخاذ تدابير الطرد الجماعي.
ويعتقد العديد من المؤرخين الإسبان منهم وغير الإسبان أن طرد الموريسكيين "حماقة" لم يكن لها من مسوغ معقول لا من الناحية الأمنية ولا من الناحية الاقتصادية.
ويرى جوزيب ماريا برسفال -الأستاذ في كلية علوم الاتصال بجامعة برشلونة- أن القرار ينم عن "انتهازية" السلطات الإسبانية آنذاك التي سعت إلى تحويل الانتباه عن مشاكلها والظهور بمظهر القوي والانتقام لكبريائها الجريحة؛ فقررت "التنكيل بطائفة من رعيتها لا حول لها ولا قوة".
لكن برسفال -وعلى عكس أستاذه المؤرخ الفرنسي المتخصص في المجال الموريسكي برنار فانسآن- يعتقد أن عملية الطرد هذه لم تستأصل الموريسكيين من إسبانيا.
ويميل الباحث -المهتم بتتبع صورة الآخر في الثقافة الإسبانية- إلى أطروحة المؤرخ البريطاني تريفور دادسون التي تقول إن سياسة الطرد اعترتها ثغرات كبيرة، وأنها لم تنه الوجود الموريسكي في إسبانيا.
ولا ينفي المؤرخون بقاء نسبة من الموريسكيين أو عودتهم إلى إسبانيا.
ويعتقد الباحث الفرنسي فانسآن أن هذه النسبة ضئيلة جدا قد لا تتجاوز العشرة في المئة؛ وهو هامش خطإ مقبول ودليل على نجاح السلطات الإسبانية في مهمتها.
لكن التوجه الجديد في الدراسات الموريسكية يدعو إلى تجاوز الأرشيف الرسمي "الذي يُعتبر امتدادا للكتابات الدعائية".
إسبانيا تتذكر "موريسكييها"
أشرفت كاسا أرابي (الدار العربية)
بمساهمة العديد من المؤسسات الإسبانية
على إنتاج فيلم وثائقي وروائي يروي قصة
تهجير موريسكيي قرية الموناسيد (المنقذ) بأراغون
بمساهمة العديد من المؤسسات الإسبانية
على إنتاج فيلم وثائقي وروائي يروي قصة
تهجير موريسكيي قرية الموناسيد (المنقذ) بأراغون
يكشف هذا الجدل القائم بين هاتين المقاربتين لعملية الطرد بصفة خاصة وللمسألة الموريسكية على العموم، عن الطابع السجالي للموضوع، حتى بين المؤرخين، ناهيك عن الأدباء والمفكرين الإسبان منهم والأجانب.
وقد تمخض التاريخ الإسباني عن المسألة في ظروف كانت المشاعر فيها متأججة وسقوط غرناطة –أو استعادتها- لا يزال عالقا في الأذهان.
ويبدو أنها احتفظت بهذا "العيب الخلقي" منذ ذلك الحين. ولعل من المثير أن تجد في الثقافة الإسبانية نوعا من الانفصام عندما يتعلق الأمر بالموريسكيين.
ولعل هذا الموقف المتباين يتجلى في إحياء الذكرى الأربعمئة لطرد الموريسكيين.
ويقول فانسآن إن هذه السنة كانت ثرية من الناحية الأكاديمية في إسبانيا. فقد نظم أثناءها عدد من المؤتمرات العلمية والمعارض في مختلف ربوع إسبانيا.
وقد عُهد بالإشراف على إحياء الذكرى إلى مؤسسة تابعة للدولة مديرتها تحظى بمرتبة وزير، وهو أمر له أهميته كما يقول فانسآن.
وفي بلنسية التي كان ثلث سكانها موريسكيون -أكثر من 150 ألفا- نظمت الجامعة معرضا في الصيف الماضي قال أحد المشرفين عليه أستاذ التاريخ الإسباني الحديث المتخصص في الشأن الموريسكي، رافاييل بينيتث سانتشيس بلانكو إنه "عرف إقبالا كبير".
وقد صدر بعد المعرض كتاب يعلق على المعروضات ويستعرض في الوقت ذاته تاريخ المسألة الموريسكية.
لكن الحكومة المحلية في بلنسية سحبت دعمها للمعرض -الذي كان مصرف بانكاخا من بين أهم مموليه- فنظم في حاضرة إقليم بلنسية وكان مقررا أن ينظم في العاصمة الإسبانية مدريد.
ويقول سانتشيس بلانكو إن التراجع كان "لأسباب سياسية" لم يفصل فيها.
ومن الناحية الإعلامية أعدت مؤسسة "كاسا أرابي" ("الدار العربية" وهي مؤسسة تابعة لوزراة الخارجية الإسبانية) سلسة أفلام وثائقية وروائية مدتها الإجمالية ثلاث ساعات، سعت فيها إلى التعريف بهذه الأقلية الإسبانية المندثرة.
"لن يمروا"
ويبدو أن إسبانيا -مقارنة مثلا مع باقي البلدان المعنية- لم تتأخر عن إحياء ذكرى مسألة مثيرة للحرج والجدل.
تحي إسبانيا الذكرى الأربعمئة لتهجير الموريسكيين
في غمرة الأزمة الاقتصادية وتنامي الهجرة
في غمرة الأزمة الاقتصادية وتنامي الهجرة
غير أن إحياء الذكرى شيء والطريقة التي تمت بها شيء آخر.
ويرى برسفال في هذا الصدد أن تظاهرات هذه السنة شابها نوع من الفتور وتمت في دوائر بعيدة عن الجمهور، الذي ما زال يحتاج إلى توعية في هذا المجال.
ويقول الباحث الإسباني -الذي أعد صفحة على موقعه بمناسبة الذكرى الأربعمئة للتهجير- إنه تلقى بسبب اهتمامه بالموريسكيين رسائل إلكترونية تقطر "كراهية للأجانب."
وقالت شريفة بن حسين رئيسة جمعية النور والعضو في المركز الثقافي الإسلامي لبلنسية -الذي يستعد لتنظيم مؤتمر عن الموريسكيين بهذه المناسبة- إن المركز تعرض لحملة شنتها الصحافة المحلية في بلنسية بعد أن أعلن نيته في بداية هذه السنة تخليد الذكرى الألفية لقيام أول إمارة في بلنسية.
ويحس أحفاد الموريسكيين –أو من يزعمون أنهم كذلك- أن إحياء الذكرى بهذه الطريقة لا يعدو أن يكون نوعا من "ذر الرماد على العيون".
وقد تناقلت الصحف العربية نبأ استياء منظمي مؤتمر عُقد بهذه المناسبة في تونس، ووجهت الدعوة لحضوره إلى العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس، أملا في أن يقدم اعتذار الدولة الإسبانية، أسوة بما فعله مع أحفاد اليهود السفارديم.
ولم يحضر العاهل الإسباني، وفضل إيفاد من قرأ عنه رسالة قال فيها "إن إسبانيا تغيرت" حسبما أوردته صحيفة "الحياة".
ويقول علي الريسوني المهتم بتاريخ مدينته شفشاون شمال غربي المغرب حيث لجأت جاليات أندلسية (ضمت عددا من اليهود) و موريسكية، إن "ما نريده هو الإنصاف".
ويتساءل الريسوني عن السبب الذي يمنع الدولة الإسبانية من تقديم اعتذار لما فعلته بالموريسكيين، "علما بأن العاهل الإسباني اعتذر للسفارديم مرتين".
وبينما يرفض برنار فانسآن فكرة الاعتذار لأنها ستفتح بابا يصعب إغلاقه، يقول خوسي ماريا برسفال إن اعتذار الملك يحتاج إلى إجراءات ومراسم لا تتم عادة إلا بين الدول.
ولا يرى سانتشيس بلانكو بأسا في أن تقدم الدولة الإسبانية "اعتذارا" معنويا عما "اقترفته" قبل أربعمئة سنة.
وتقول بن حسين إن الوقت لم يحن بعد لتقديم مثل هذه المطالب فلا يزال الإسبان يعتقدون أن المسلمين يريدون "استرجاع الأندلس". وقد لا يخفف من هذا الشعور دعوات بعض الجمعيات الإسلامية في إقليم الأندلس وموجة الهجرة القادمة من المغرب أو عبر المغرب.
ولعل من سخريات التاريخ أو صدفه أن حلول ذكرى نفي الموريسكيين يتزامن مع ذكرى أكثر إيلاما بالنسبة للإسبان.
فقبل سبعين سنة انتهت الحرب الأهلية الدامية التي خلفت مقتل عشرات الآلاف إسبانا وأجانب، ونظاما ديكتاتوريا عمر قرابة أربعة عقود.
وبغض النظر عما قد تكون عليه الحقيقة التاريخية -وإضافة إلى أحداث السنوات الأخيرة في إسبانيا التي اتهم عدد من المواطنين العرب والمغاربة بالضلوع فيها- فقد تسرب إلى المخيلة الجمعية للكثير من الإسبان أن فرانكو جاء إلى الحكم محمولا على أكتاف جنوده المغاربة.
ومن المثير أن يبدأ نشيد الجمهوريين NO PASARAN (لن يمروا)–الذي صار عنوانه فيما بعد شعارا للحركات المناهضة للفاشية والإرهاب- ببيت يقول: "الموروس الذين جاء بهم فرانكو، لن يمروا..."
http://www.bbc.co.uk/arabic/artandculture/2009/10/091017_mek_moriscos_400th_commemoration_tc2.shtml