نسبه ونسبته:
هو الإمام المصلح الفقيه الكبير المجتهد
بطل العلم والعمل والجهاد والبالغ قبل الثلاثين من عمره الشريف
المبارك ذروة منصة الاجتهاد للطائفة الأمامية سليل بيت العلم والدين والفقاهة
والمرجعية العظمى لأكثر من قرنين الشيخ علي نجل المجتهد الفقيه الأديب الشيخ محمد رضا
ابن المجتهد الحجة الشيخ هادي ابن المجتهد الشيخ عباس ابن المجتهد الشيخ علي صاحب
(الخيارات) ابن المجتهد الشيخ الأكبر الشيخ جعفر صاحب كتاب (كشف الغطاء) ابن العلامة
الشيخ خضر بن محمد بن يحيى بن مطر بن سيف الدين المالكي.
والمشهور
أنّ نسبة هذه الأسرة إلى بني مـالك ثم من
آل علي (بكسر العين المهملة) وانَّ هؤلاء من أولاد مالك بن الحارث الأشتر
النخعي صاحب مولانا الإمام أمير المؤمنين عليه
السلام.
أسرة آل كاشف الغطاء من أعرَق
الأسر
العلمية في النجف الأشرف
فقد برز منها الفقهاء المجتهدون المشار إليهم بالبنان في معرفة الأحكام وترويج شرائع الإسلام وفيهم
مَنْ تَبـَوّأ دست الزعامة الشيعية الكبرى ورجعت إليه الطائفة الإمامية في شرق الأرض
وغربـها كما كان لجدهم الأعلى الشيخ جعفر الفضل الأكبر والأثر المأثور في حفظ
النجف بل سائر مدن العراق من هجمات الطائفة (الوهّابية) على ما قرّره غير واحدٍ من المحققين ممن أَرَّخ لتلك
الحِقْبة العصيبة من تأريخ هذه الأمّة.
وما أنتجته هذه الأسرة من كتب للطائفة جديرة بأن تكون
مكتبة من مطبوعات وإما المخطوطات فهي مازالت أكثر من المطبوعات، ثم أن لهذه الأسرة
في كل حقبة مـن الزمان خدمات جُلّى للحوزة العلمية
ولو تتبعنا نـرى أن المهام الصعبة التي تمرَّ بالحوزة العلمية يتحمل الدور الكبير
لتلك المهام أشخاص من هذه الأسرة في كل فترة زمنية.
ولادته ونشأته:
ولد طَيَّبَ الله ثراه في دارهم الكبيرة
الواقعة في محلة العِمارة من مَحالّ مدينة
النجف الأشرف سنة 1331 هجرية وترعرع في بيت الزعامة الدينية الكبْرى التي كانت مُزداناً
بكواكب العِلْم وبدورِ الفضل من دوحة كاشف
الغطاء ، اعرفهم علماً يومئذ جدُّهُ الإمام آية
الله الهادي أل كاشف الغطاء والآية العظمى الشيخ محمد رضا أل كاشف الغطاء .
دراسته
وأساتذتـه:
ما إنْ بلغ سِنَّ التمييز ونشأت فيه قوَّةُ
الأخذ والتـَّلقي حتى بادر العَالمان - الهادي والرضا -إلى تخطيط المنهج
العلمي لهذا الغلام اليافع الذي بـهر أعلام ذلك العصر بذكائه الخارق
وفِطْنته المتوقّدة ونباهته النادرة فكان له منهما الظّهير الملازم والظَّل الوارف والكنف
العامر والعطف الغامر ومنْ ثمّة شرع جدّه وأبوه عليهما الرحمة والرضوان في
توجيهه نحو الهدف الأسْمى واخذا يفيضان عليه من بحر علمهما
ويدربـّانه على كافة العلوم حتى
آستدّ ساعده وصُقِلت افكاره وتفجَّرت ينابيع مواهبه.
ومنْ أشهر أساتذته الأعلام من غير أسرته العلاّمة
الفقيه الكبير الإمام المجتهد الشيخ كاظم الشيرازي الذي كان مِنْ ألّمع الأساتذة
يوم كانتْ النجف تَعجُّ بآلاف الطلبة ومئات المحصّلين وكان هذا
الشيخ ذا نظر ثاقب ورأي قدير وكان يمتاز أيضاً بقوَّة التقرير،
وجزالة التحرير والفراسة الصادقة في تمييز مواهب تلامذتـه ، حيث قدَّم الشيخ
علي (قدس) على سائر حُضّار بحثه من الطلبة ، ويلقي عليه مطالب عالية في الفقه
وأصوله على نحو الاختصاص ولم يشاركه غيره من
كبار تلاميذه في الحضور ، ثم بلغ الأمر بالشيخ الشيرازي أنْ حرَّم على الشيخ
كاشف الغطاء أنْ يحضر درس غيره من الأعلام ، والشيخ بعد لم ينـزع جلباب الشباب حتى
تبحر في علوم الفقه والأصول وارتقى المعقول والمنقول
وبلغ درجة الاجتهاد المُطْلق قبل الثلاثين من عُمُرهِ المبارك.
ومن أساتذتـه
أيضاً في المعقول العلامة السيد علي
اللكنهوي في الفلسفة والمنطق والعقائد.
تلامذتـه:
ولغزارة علمه واشتهار فضله وانتشار صيته في المحافل
العلمية القائمة يومئذ، توجه نحوه أذكياءُ الطلبة و رُوّادِ الفضيلة لكسب علومه
المترعة والاستقاء من ينابيع فضله الصافية وتلامذتُـهُ جمهور صالح من كبار العلماء
والباحثين والأدباء
واللَّغـَوييّن. وتلامذةُ درسهِ:
1- السيد جمال
الدين نجل المرجع الديني الأعلى السيد
أبو القاسم الخوئي (قدس).
2- أخوه
السيد علي نجل الإمام السيد الخوئي (قدس).
3- العلاّمة
الحجة الكاتب الإسلامي الشهير الشيخ باقر
شريف القرشي.
4- العلاّمة
الفقيه الشيخ عبد الكريم القطيفي .
5- العلاّمة
الشاعر الكبير الشيخ عبد المنعم الفرطوسي .
6- العلاّمة
الكاتب الإسلامي الشهير الشيخ أسد آل حيدر صاحب
كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة.
7- الخطيب الكبير العلاّمة الدكتور الشيخ أحمد الوائلي .
8- العلاّمة الشيخ نور الدين الجزائري .
9- العلاّمة
الدكتور مهدي المخزومي كبير علماء النحو .
10- العلاّمة
الشيخ حسين آل زاير دهام المخزومي النجفي .
أسلوبه في التقرير والتحرير:
كان شيخنا المترجم ذا أسلوب بديع
في الكتابة قلَّما يجاريه أحدٌ من الأعلام في امتلاك ناصيته فهو جزْل التركيب،
مُشرق الديباجة، مَتين العبارة، لطيف الإشارة، ناصعُ
البيان، بارعُ التبّيان.
كما
يشهد له بذلك كلٌ منْ عاشرهُ وتشّرف بخدمته: غزير المحفوظ من شعر فحول أدبـاء العربية، مملوء الحقائب
من مختارات روائع النثر الفني لأئمة البلغاء يستحضر
منها ما شاء متى شاء في خطبه العامَّة وأحاديثه الخاصَّة.
عُرِفَ عنه
وأشتهر أنـَّهُ كان لا يعدِلُ بالدرس والمطالعة شيئاً بعد
أداء الفرائض وقد يقطع من الليل أغلب ساعاته في المراجعة والبحث والتحقيق
والكتابة ولا يراهُ الرائي إلاَّ جليس كتاب ، أو مُنْشئ خِطاب، أو مُلْقى
دروس ، أو داعيـاً لتهذيب النفوس.
أحواله وأخلاقه:
كان عليه
الرحمة والرضوان أبيضَ الوجهِ مُشرَّباً بالحُمْرة وسيمَ المحُيّا، واسع العينين ،
أنيق الهندام ، مَهِيب الطلعة،لطيف المحاورة، كريم المعاشرة.
وكان يحب الفقراء ويعطف على ا لمساكين
ويحنو على البائسين وإذا رأى أحدهم في طريقه نَفَحهُ بما يراه من العطاء
ولم يكتفِ بذلك بلْ يدعوه في الغالب إلى دارهم العامرة وينظر في أمره فإنْ رآه من أهل
السَّداد والصّدق والأمانةِ كلَّفَ بعض المحسنين بإيجاد عمل له يرتفقُ منْهُ
وإلاَّ صَرَفـهُ صرْفاً جميلاً ولم يكن باب دارهِ
يُغْلقُ لا ليلاً ولا نـهاراً .
وكان يقصده المكروب وطالبُ الحاجة فلا
ينكفيءُ إلاَّ وهو مسْرورُ الفؤادِ مُنْشـرح الصَّدر حتى الأطفالُ والصبيان كانوا إذا
رأوا الشيخ مُقبلاً مع أصحابه وتلامذتـه يبادرون إليه
للسلام عليه لمـا كان
يلطفُهم به من العطاء.
وكان
رحمه الله شديد التمسك بأحكام الشريعة
مُلتزماً بأحكامها مقيماً لِسُنَنِها ، ولم يْبغِ عبادة غير الواحد الأحد ، وكان كثير التعقيب بعد صلاة
الفجر، وإذا أصابته ضائقة أو حَزَبَـهُ أمرٌ اغتسل وصعد
إلى سطح الدار فصلّـَى بعض الركعات ودعا بالمأثور من الدعوات.
نَزْعتهُ الإصلاحية ومشاريعه العلمية:
ومن مظاهر حرصه على نشر المبادئ
الإسلامية وبث العلوم الدينية ما أنشأه من المدارس والجامعات الدينية في النجف
الأشرف وبغداد وغيرهما من مدن العراق، وقد وضع لها نظاماً خاصّاً مستمداً بنودهُ
من فكرهِ النيّرِ، ورأيه الثاقب. ولو قُدّر لهاتيك المدارس البقاء لأخرجت أجيالاً
من الشباب المسلم الواعي المتزوّد زاد العلوم والمعارف الإسلامية الراقية
والذي تُعقدُ عليه الآمال الجِسام في تحقيق الحياة الإسلامية المنشودة ومواجهة
قوى الكفر والضلال الوافدة علينا من الشرق والغرب. ومما تجدر الإشارة إليه أنَّ الطلاب
المنتمين إلى تلك المدارس كانوا مشمولين بالإعفاء من الخدمة العسكرية.
كما كان قدس سره حريصاً الحِرْصَ
كُلَّهُ على إنشاء حوْزةٍ علمية دينية ولو كُتِبَ لهذه الفِكْرةِ أنْ تتحقق
لأصاب النجف الأشرف والجامعة الدينية من عطائها المثمر خيرٌ كثيرٌ:
ومن شواهد نزعته الإصلاحية هو حرصه
الشديد على رفع أسم الطائفة الشيعية وتفهيم أبناء المذاهب الأخرى بما عليه
هذه الطائفة من العقائد الحقَّة المستقاة من كتاب الله تعالى وسنة نبيّه والأئمة
الطاهرين من عترته عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتمُّ السلام ويتجسد هذا الحرص
بحضوره الدائب في المؤتمرات الإسلامية المعقودة في القاهرة ولبنان وباكستان وغيرها من
بلاد الإسلام وقد التقى بكبار الشخصيات الإسلامية وأعلام الفكر وتبادل معهم الآراء من
أجل بناء وحدة إسلامية وتوحيد كلمة أهل التوحيد والدعوة إلى تهيئة جوّ علمي
لدراسة فقه المذاهب على ضوء الأدلة العقلية والنقلية
بما يُصطلح عليه بـ (الفقه المقارن) .
كما تبادل الرأي مع كوكبة لامعة من
كبار علماء المذاهب الإسلامية في جملة من المسائل المستحدثة فضلاً عن
المسائل التي تخص الطائفة الإمامية كالقول بوجود الحجة
المهدي بن الحسن (ع) ومشروعية المتعة وغيرها.
وكانت له مع
العلامة الكبير الأستاذ الشيخ أحمد مصطفى
المراغي شيخ الجامع الأزهر في مصر مناقشاتٌ ومراجعات فيما ذكره الشيخ المراغي في مواضع
من تفسيره لو جُمِعتْ لجاء منها مُجلَّدٌ لطيفٌ يصْدُقُ أنْ يطلق عليه (بين
المراغي وكاشف الغطاء) كما ألقى سماحته في تلك المؤتمرات محاضرات وافيةً
سُداها ولَحمتُها الدعوة الجادَّة إلى إيجاد (مجمع فقهي مقارن) بين المذاهب الإسلامية
لمحاولة التقريب بين آراء الفقهاء من الفريقين وكان عليه الرحمة والرضوان من
الأعضاء العاملين في جمعية التقريب بين المذاهب الإسلامية.
إمامته للصلاة في الصحن الشريف:
بعد وفاة والده العلاّمة الكبير الشيخ
محمد رضا آل كاشف الغطاء الذي كان يقيم صلاة الجماعة في الصحن الحيدري
الشريف من جهة باب الطوسي تصدّى شيخنا المقدس أعلى الله مقامه لإشغال مكان والده في
الإمامة فآئْتَمَّ به جمهرةٌ من الصلحاء والمؤمنين وقد دأب على إمامة المصلين في
الموضع المذكور إلى ما يقارب أربعة عقود.
آثاره العلمية:
وللشيخ المترجم مصنفات قيمة في مختلف
فنون المعرفة الإسلامية من الفقه والأصول والمنطق والتراجم والمناظرات
بينه وبين كبار علماء الأمة من الفريقين ومن أشهر آثاره:
1- النور الساطع في الفقه النافع بحوث
في الاجتهاد والتقليد طبع في مجلدين.
2- نقد الآراء المنطقية. طبع في
مجلدين.
3- نهج الصواب إلى حل مشكلات الأعراب.
4- نهج الهدى في علم الكلام.
5- نظرات وتأملات وهو شذرات من
المطارحات العلمية والمناظرات الأدبية بينه وبين الدكتور فلييب حتي.
6- أسس التقوى لنيل جنة المأوى
(رسالة عملية).
7- مرشد الأنام لحج بيت الله الحرام.
8- أدوار علم الفقه وأطواره.
9- باب مدينة علم الفقه.
10- مصادر الحكم
الشرعي والقانون المدنـي (جزأين).
11- مختصر تراجم
المعصومين (ع).
12- كتاب الأحكام
في علم أصول الفقه (أربعة عشر مجلداً).
13- شرح كفاية الأصول (عشرة مجلدات).
14- شرح الرسائل (تسعة مجلدات).
15- شرح المكاسب (ثلاثة مجلدات) .
16- التعادل
والتعارض والترجيح.
17- نقد الآراء الفلسفية.
18- شرح منظومة السبزواري (مجلدان).
19- الكلم الطيب (ثمانية مجلدات).
20- إظهار الحق
مختصر من شرح كبير على حاشية الشيخ ملا عبد الله اليزدي.
21- الأحكام
الدرية في المسائل النحوية.
22- كواكب
الحكماء فيما اخترناه من كتب القدماء.
وفــاتـُـهُ:
استأثرت به (قدس) بعد مرض عُضال
ألزمه الفراش بضع سنين، ولبَّى نداء ربه بعد أنْ أكمل تكبيرة الإحرام من فريضة
العشاء وكان آخر كلامه (الله أكبر) وإنَّ من
سعادة المرء والمبّشرات له بحُسن الخاتمة أنْ
يفارق هذه الدنيا الفانية ولسانه رطْبٌ بذكْر الله تعالى .
وكان ذلك في يوم
الثلاثاء
19 رجب من عام 1411 (هـ) وقد
أعقب وفاته وفاة ثلاثة مجتهدين كانت وفياتهم على التعاقب بعد ثلاثة أيام لكل
واحد منهم ودفن في مقبرة جدّهِ الشيخ الأكبر كاشف الغطاء في محلة العمارة من
محال مدينة النجف الأشرف.
http://www.amalkashif.com/cvs/shikhali.htm