المرأة في التوراة
د. آمال كاشف الغطاء
[1] المرأة في التوراة
ادم وحواء
تظهر المرأة إلى الوجود في سفر التكوين كضرورة لا بد منها عندما خلق الله ادم من تراب(1). وأمره أن لا يأكل من شجرة المعرفة و لم يكن له نظير من الحيوانات فقد كان عاجزا عن مغالبة وحدته فأوقع الله عليه سباتا واخذ ضلع من أضلاعه وجعله امرأة واحضرها إلى ادم وهكذا ظهرت أول امرأة إلى الوجود(2).
في الإصحاح الثالث يظهر هناك أمرين هما الحيلة والشك اللذان من خلالهما استطاعت الحية أن تنفذ إلى حواء ويدور بينهما أول حوار مدون في التاريخ فتقول لها(( أيقينا قال الله لا تأكلا من جميع شجر الجنة)) ( 3) لقد أثارت نزعة الشك
لماذا تستثنى هذه الشجرة؟
ولماذا تسلم حواء بأن الأكل منها يؤدي إلى الموت ؟
ودار التساؤل مع الرغبة في أكل الثمرة في نفس حواء وهنا تحاصرها الحية بالسبب والنتيجة فعندما يأكلان يصيران آلهة والآلهة تعرف ما هو يصب في مصلحة الإنسان وما لا يصب ، والله يعرف ذلك ولا يريده وهنا أوضحت الحبة أن مصلحة الإنسان لا تتفق مع إرادة الله (إنما الله عالم إنكما في يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتصيران كآلهة عارفي الخير والشر) أحست حواء إن كيانها عاجز عن الفعل فشجرة المعرفة في وسط الجنة تثير التساؤل والحرمان وعدم الأكل منها يجعل الإرادة مبتورة بعد أن دخل الشك في إنهما لن يموتا وتراجع العقل أمام العاطفة يجر بأذياله السبب والنتيجة والامتناع عن أكل الشجرة لم يكن أيمان بالقوى الغيبية وإنما الخوف ولكن كما قالت حواء(لا تمساه لئلا تموتا) (4 ). لقد وضعت حواء بحوارها مع الحية النقاط الأولى للفلسفة، واستطاعت الحية أن توزع بذرة الطموح الأولى لدى المرأة بالسمو إلى مرتبة الله والتنافس مع الخالق في التوافق مع الوجود وتفاعلت هذه العوامل في أعماق المرأة لتمنحها القوة الكافية لمد يدها وتتناول الثمرة المحرمة وبذلك وضعت البادرة الأولى لتمرد المخلوق على الخالق.
أين كان ادم؟
هل كان يغط في سباب عميق؟ في الوقت الذي كان الطموح والرغبة يفتحان باب العزيزة في مجاهل النفس الإنسانية. اتصف ادم بسلبيه مطلقه فلا معارضة ولا نقاش ولا أمر ولا نهي لقد ترك لحواء أن تكون المحرك الأول للأحداث وتنصل ادم من المسؤولية قائلا أن المرأة التي معي هي التي أعطتني فأكلت. انه تابع لها يقوم بكل ما تقوم به ويحمل حواء وزر الخطيئة. لقد أوصاه الرب قبل أن تكون المرأة في الوجود( 5). وبذلك برهن أن البراءة حلم راود الإنسان منذ الأزل وعرف أن الأحداث تقع في تسلسل وان ما كان لا يمكن أن لا يكون وبذلك دخل الإنسان في دائرة الزمان.
وتعترف المرأة بطبيعتها الإنسانية التي جعلتها تخضع لإغراء الحية واستسلامها إلى القوى الغامضة التي تضطرم في الأعماق لتردم الهوة بين المسموح والممنوع والحلال والحرام والخير والشر
ونتساءل لماذا حاورت حواء الحية هل أرادت أن تقفز فوق الحدود المرسومة لها وتخرج من الفردوس وكونها ضلع من ادم الذي هو احد أركان الفردوس؟
ولكن ما تحقق هو سلب السيادة منها بالحمل والولادة وأعطيت إلى الرجل وأصبحت بذلك حواء بدل من المرأة لأنها أم كل حي (6). وغادر الإنسان جنة عدن حاملا مع المعرفة ديمومة الوجود واركا خلفه شجرة الحياة.
أصبحت حواء أما عندما ولدت قايين وقالت(اقتنيت رجلا من عند الرب) (7 ).ثم ولدت هابيل وأصبح الفردوس المفقود لا يعنى لها شيئا طالما حصلت على مباركة من عند الرب وأخذت تمارس الحمل والولادة لتعوض عن موت هابيل. هنا تتجلى أرادة المرأة القوية في مواجهة النكبات فلديها البديل الحمل والولادة يعوضان عن فعل الموت لقد خسرت القاتل والمقتول إن شيت عوض عن هابيل. وواجهت هذه الحقيقة التي لا مفر منها فالمعرفة لها ثمن وهذا ما أوعده الرب عند أكل الثمرة يأتي الموت. كما إنها تؤكد بأن أعمال الشر تصدر من عند البشر وأما الخير فمن الله فهو الذي أعطاها نسلا. وقايين قتل هابيل. إنها تضع تفسيرا واقعيا للأحداث وتسلسل زمني لها. ووضعت بداية الفكر الفلسفي في التاريخ وبذلك تختم سيرة حواء في الكتاب المقدس ونتساءل هل هذا يرتبط بعصر الأمومة الذي استمر ردحا من الزمن.
تكاد الفترة التي تلت حواء ولحين ظهور سارة امرأة النبي إبراهيم(ع) فترة تولد وتكاثر وتحدى الطبيعة الجائرة بما يمثله الطوفان من تدمير وتخريب والاتجاه من ثم لبناء المدن والأبراج فهناك عزيزة عمياء تقود الجميع للحفاظ على الجنس البشري
إبراهيم وسارة
برزت سارة امرأة النبي(ع) كزوجة تشاركه تجواله من أور الكلدانيين إلى ارض كنعان وللجوع الذي كان في ارض كنعان ذهب إلى مصر وعلى الرغم من القحط الذي كان يعم الأرض والارتحال المتوالي فسارة كما قال لها النبي إبراهيم(ع) امرأة جميله (. إن جمالها صمد أمام ضنك العيش وقسوة الحياة.
ان الآية(فيكون إذا رآك المصريون إنهم يقولون هذه امرأته فيقتلوني ويستبقونك) . وهذا يدل على أمرين الأول إن الزواج بالأخت غير مسموح به والثاني إن الانفصال بين الزوج والزوجة لا يحصل إلا بالموت ليحل زوج آخر محله. ثم يطلب منها أن تدعى إنها أخته ففي ذلك حياته (9).إنها محور الأحداث فمصير إبراهيم(ع) مرتبط بها وميزان القوة بيدها وعليها عدة ادوار الزوجة الوفية. وحماية إبراهيم(ع) من القتل وان تكون أخته لتجلب له البركة.
إن العلاقة بين القصر الفرعوني وعامة الشعب ليست هرمية الشكل فعندما دخل النبي إبراهيم(ع) إلى مصر اختلط بالمصريين وعمال فرعون واخذ إبراهيم وسارة إلى القصر الفرعوني( 10)، و أصبحت العلاقة وطيدة بين النبي إبراهيم(ع) وفرعون، ويذكر وول ديورانت أن النبي إبراهيم علم المصرين علم الحساب وقد يكون بروزه ككاهن من خلال ممارسة دوره أثناء وجوده في أور الكلدانيين وفلسطين والكهانة لها مكانة سامية لدى الفراعنة فهو قبل ذهابه إلى مصر بني مذبحا للرب في بيت أيل.
إن الذي يثير الشك والريبة فيما تنقله التوراة والذي لا يمكن تفسيره إن النبي إبراهيم(ع) تغاضى عن علاقة الفرعون بسارة وانه جني من وراء ذلك أموال عظيمة وهذا ما لا يتفق مع شخصية النبي إبراهيم(ع) (11). إن الأحداث ربما جرت بأن سارة كانت موقع ازدراء وحقد من فتيات القصر عند دخولها القصر الفرعوني والبعض يحسدها على حضوتها لدى الفرعون ولكنها أوضحت أنها في موقف لا تحسد عليه ولن يغريها كل ما يحيط بفرعون من أبهة والهة.
هل مهدت لمجئ اخناتون بزرع عقيدة التوحيد سرا ورفض عبادة الفرد؟ ولكنها كيف تصرفت مع الفرعون؟ بحيث قال لإبراهيم(والآن هو ذا امرأتك خذها واذهب) (12) لا نستطيع أن تحكم بأنها من زرعت روح التمرد في القصر ورفض عبادة الفرد لان مصيرها سيكون القتل ربما استعملت الكياسة والحكمة لتجعل الفرعون يقول لإبراهيم لماذا لم تخبرني بأنها امرأتك. لقد عادت سارة إلى إبراهيم بدون حصان طروادة.
تتجلى قوة شخصية سارة عندما وعد الرب النبي إبراهيم(ع) أن يعطيه نسلا بعدد نجوم السماء ويبرم معه ميثاقا بإعطائه ارض كنعان (13) .(على حد ما جاء بالتوراة)وربما هذا السبب هو الذي دفع سارة لتعطى جاريتها هاجر إلى النبي إبراهيم ليرزق منها بولد لقد ضحت من اجل العائلة على حساب حقوقها الزوجية بالسماح لامرأة أن تشاركها الفراش كان تصرفها فوق النزعات الفردية والأنانية والتملك وعندما حملت هاجر كانت الحقيقة أقوى مما تحملتها بكل جوانبها فهاجر تحمل وريث الأرض الموعودة ولم تعد جارية وبدأ التوازن يختل داخل العائلة مما جعلها تثأر لكرامتها التي أهدرها الجنين النامي في رحم جاريتها ويصل الموقف إلى حد لا يحتمل أنصاف الحلول فأما هي أو هاجر وكما قدمت حواء الثمرة إلى ادم فأكلها كذلك طلبت سارة حرية التصرف بهاجر فأستجاب لها النبي إبراهيم(ع)(فقال إبراهيم لساري هو ذا جاريتك في يدك أفعلي بها ما يحسن في عينيك) (14).
رفضت سارة هذا الإذلال فهي لم تعد الجارية طالما حملت الوريث الشرعي للنبي إبراهيم(ع) فهربت هاجر وتوحدت في صحراء لا حدود لها فتراءى لها الرب لتعود من حيث أتت تحمل بين جنبيها همومها فخير ما تقدمه للوليد هو الأب الشرعي وأمه عظيمه كما وعدها الرب. لقد سخرت هاجر كرامتها قربانا للعائلة وعاشت من اجل هدف وغاية تعلمهما على وجه التحديد طالما هي المرأة الوحيدة التي تراءى لها الرب في التوراة.
مرت الأيام وعاشت هاجر مع سارة وكبر إسماعيل واختتن وعمره ثلاث عشر سنة ورغم وجود إسماعيل فسارة الأثيرة لدى النبي إبراهيم(ع) ويمنى نفسه بولد منها وهي العجوز ويقول(هل تلد سارة وهي بنت تسعين سنة) (15). وبين اليأس والأمل والحيرة والخيبة أتى وعد الرب لتلد ولدا. إن سارة امرأة واقعية لا تخادع نفسها فهي بلغت التسعين (16).
حملت سارة بعد اختتان إسماعيل بسنة وينتقل النبي إبراهيم(ع) إلى ارض الجنوب ويسكن هناك وتضحك سارة من الأمر وتقول(أيقينا ألد وقد شخت)(17).
لقد تسرب الشك إلى سارة كما تسرب الشك إلى حواء وعندما سألت هل ضحكت أنكرت الأمر لأنها خافت. إن الموقف اكبر من أن تتحمله لقد احتملت فرعون مصر ولكن الموقف هنا أصعب فهي بمواجهة تغيير الواقع
إن بيت إبراهيم(ع) كما جاء في التوراة لا يمتلك حنان بيت النبوة ولا قيمها كان يجب أن نراه مثلا أعلى في التعامل ولكن نجد الغيرة والعنف والقسوة تتحكم في هذا البيت وحق الأمومة الذي أعطي لسارة جعلها غير أهل لتحمل المسؤولية فهي لا تتردد من جعل هاجر تنشرد نتيجة القسوة التي عوملت بها لتعطي صورة أخرى لزوجة الأب غير ما اعتدنا عليه في زوجات النبي (ص) وأم البنين. عوملت هاجر بقسوة لأنها جارية وأعطيت إلى النبي إبراهيم لتلد له ولدا دون أن يكون لها رأي أو حق ومن ثم تضطهد هي وابنها.
هناك أمر أخر هو تركيز النظرة الدونية للمرأة فالمواقف السيئة التي تتصف بالعاطفة مثل أكل الفاكهة المحرمة والغيرة والحسد تلصق بالمرأة ويقف الرجل بشكل سلبي منها.
لوط وابنتاه
واكب النبي إبراهيم ما تعرضت له عمورة وسدوم حيث ذهب النبي لوط(ع) إلى مغارة في الجبل مع ابنتاه ولم تستطع البنتان تحمل الوحدة (18)فقالت الكبرى للصغرى تعالي نسقي أبانا خمرا ونضاجعه لننجب منه نسلا ونفذت الفتاتان بليلتين متتاليتين ما عقدتا العزم عليه وحملت كلتا الفتاتين بولد احدهما سمي مؤاب والثاني ينعي ومن الأول المؤابيين ومن الثاني انعمونيين إن هذا الأمر لم يحدث في قصور الفراعنة ولا السومريين ولا الاخيين. هل أن كراهية العبرانيين للعمونيين والمؤابيين دعتهم لإعطاء أصل غير شرعي؟ ولماذا ينسب إلى النبي لوط(ع)؟ وهل أن القداسة توجه إلى إبراهيم ومن ثم إسحاق .
ان الابنتان يعتبرن بأن أباهن رجل كبير فكيف حصل هذا. إن سفر التكوين يظهر المرأة وكأنها وضعت الحمل والولادة بديلا عن الفردوس فسارة بعد صراعها الطويل مع الزمن منحها الرب إسحاق فالأمومة هي مساهمة المرأة وهدف وجودها والركن الأساسي في بناء العائلة وهاجر كافحت من اجل حياة ابنها إسماعيل وهذا الشعور الخفي دعا ابنتا لوط إلى مضاجعة أبيهما. كل هذا لإعطاء نسل غير مقدس للعمونيين والمؤابيين.
هل إبراهيم أخ لسارة؟
وتصر التوراة بان سارة لا تزال رغم بلوغها التسعين قادرة على كسب إعجاب الملوك ويعاد نفس الدور الذي حصل في مصر حيث كانت شابة وذلك عندما نزح النبي إبراهيم(ع) إلى جرار وهي أيضا أخت إبراهيم الذي يحصل على ألف من الفضة ويؤنب الملك إبراهيم لأنه لم يخبره بأنها زوجته فيرد إبراهيم بأنها أخته من أبيه وليس من أمه وانه اشترط عليها أينما تذهب أن تقول أخي إن الملك يذكر لإبراهيم إنه كاد يتسبب بخطيئة فالدنو من زوجة رجل آخر خطيئة عظيمة لا يغتفرها الرب. والآن يوجد أشكال هل أن إبراهيم متزوج من أخته ؟
في فصل السادس والعشرين من سفر التكوين (19). جاء ما يلي(وحدث أن طالت الأيام هناك أن ايمالك ملك الفلسطينيين اشرف من الكوة ونظر وإذا اسحق يلاعب رفقه امرأته فدعا ايمالك اسحق وقال إنما هي امرأتك فكيف قلت هي أختي) وهذا يدل على إن الزواج بالمحرمات غير مسموح به منذ تلك الأزمنة وفي الإصحاح التاسع والعشرين(20). (قال لابان ليعقوب إلا انك أخي تخدمني مجانا)ولابان خال النبي يعقوب اخو أمه رفقه فهو يطلق كلمة أخي على ابن أخته.
ويقول يعقوب للابان عندما يقرر الالتحاق بأرض أبيه كنعان (انك حسبت جميع أثاث بيتي ماذا وجدت من جميع أثاث بيتك ضعه ها هنا قدام أخوتي وأخوتك فلينصفوا بيننا الاثنين) (21). إن يعقوب ليس له سوى أخ واحد اسمه عيسوه وهو في ارض بعيده .
من نفس الفصل يقول يعقوب لأخوته(التقطوا حجارة) و أقام يعقوب نصبا يكون حكم بينه وبين لابان ويطلق يعقوب كلمة أخوه على أفراد وليسوا بأخوة له والأخوة هناك تطلق على درجات واسعة من القرابة فالألفاظ التي توضح درجة القرابة لم تحدد بعد فكل درجة قرابة خارج الأب والأم يطلق عليها أخ.
كما إن يعقوب يخبر راحيل ابنة لابان عندما جاء إلى أراضي الحيثيين بأنه اخو أبيها وانه ابن رفقة(22). وفي الحقيقة انه ابن عمة راحيل ومن الممكن أن إبراهيم عندما أطلق على سارة لفظ أختي لم يكن يعني الأخت غير الشقيقة وذكر كلمة الأب ليجدد اتجاه القرابة.
لا يمكن إن يكون هذا هو إبراهيم الذي يدرك العلاقات بين الأشياء ويدرك التغيير ويتعرض إلى الحرق كيف أصبحت حياته ثمينة وفوق كل شئ علما أن التوراة لا تذكر انه تعرض إلى الحرق.
هاجر وسارة
أصيب بيت النبي إبراهيم(ع) بهزة قوية فسارة لم تعد تحتمل وجود إسماعيل ليرث مع ابنها فتطلب منه أن يطردهم ويأمره الله أن يمتثل لأمر سارة وفي اليوم الثاني أعطى هاجر قربه ماء وخبز وإسماعيل وصرفها فتاهت في برية بئر سبع إن سارة التي انحنى أمامها الملوك تتضاءل أمام امرأة تعتبرها ليست ندا لها ولن تسمح لمتطلبات الواقع أن تقف معها على قدم المساواة بعد أن اكتملت بإسحاق فالموقف لا يتطلب أنصاف الحلول كما إنها جلبت الخير للأسرة واحتملت التجوال والترحال ولذا لن يرث احد مع ابنها مهما كانت الأسباب يدعمها في ذلك أن لها سيطرة على النبي إبراهيم(ع) لا حد لها، وتبدو قاسية متحجرة القلب لا يهمها ما يحل بهاجر وابنها عندما أمرت بطردهما من البيت إنها تهدم وتبني وفقا لرغباتها عندما قالت لإبراهيم(ع) اطرد هذه الجارية وابنها حتى لا يرث مع ابني إسحاق(23). لقد وضعت حدود للخير والشر حسب وجهه نظرها ورغباتها فالولد بن هاجر وليس بن إبراهيم وبذلك ولدت أمتين صنعتها الأولى قوة سارة وغطرستها والثانية إرادة هاجر وبعد نظرها
واجهت هاجر في الصحراء متطلبات الجسد وقسوة الطبيعة فقد حملت أحزانها وخبر وقربة ماء مع ولد يافع لتتيه في برية بئر سبع إنها تفوق روبنسون كروز في الأدب الانكليزي وفيلوكتيت في الأدب اليوناني.
هل يمكن لإبراهيم الذي وضع أسس البيت الحرام أن يترك زوجته وابنه يتيهون في الصحراء ؟ لقد أراد بناء البيت الحرام بعيدا عن العمونيين والمؤابيين والكنعانيين ولم تكن سارة مؤهلة لتحمل المسؤولية لكبر سنها وألقيت على كاهل هاجر وابنها الذي كان بتجاوز العاشرة ولا نعزوه للجانب المظلم من النفس الإنسانية الذي نواجهه لدى المرأة في التوراة.
أقامت هاجر مع ابنها قرب البيت الحرام واستطاعت هذه المرأة بصلابتها وصبرها أن تحافظ على بيت الله وتنشئ علاقات مع القبائل المجاورة ليصبح نسل إسماعيل كما أوعده الله أمه عظيمة. تحملت العطش والغربة والوحدة لتعيش مع ابنها(24) ، ولم تجلس لتنتظر بصبر نافذ موت وليدها بعد أن جردت من كل حقوقها (على ما جاء بالتوراة) تركها إبراهيم مع ابنها تواجه قدرا غامضا ولكنها المرأة الوحيدة في التوراة كلمها الله مرتين واوعدها أن يكثر نسلها(25) كان لديها الكثير من الخيارات ولكنها قدرت الأمومة أقواها جميعا فتنازلت عن كل رغباتها من اجل ابنها إسماعيل ولم تنسى إنها مصرية ولذا زوجته من امرأة مصرية(26). إنها النزعة القومية تظل برأسها من أقصى بداية من التاريخ.
رفقة ويعقوب
عندما ماتت سارة فرغ بيت إبراهيم من بنات الآراميين فحلف إبراهيم أن لا يزوج إسحاق من بنات الكنعانيين المقيم بين ظهرانيهم فأرسل عبده إلى أخيه ناحور من أرام النهرين ليأخذ رفقة حفيدة ناحور وكانت الفتاة جميلة وعذراء (27) . وهذا يعني أن العذرية كان يشار لها في زمن كانت الفتيات تقدم عذريتها على مذبح الآلهة وكان الاخيين يقومون بحفلات في موسم معين من السنة لغرض الإخصاب وعودة الحياة.
ان الغرض من هذا الزواج لإعادة وشائج القربى مع الأهل الذين هجرهم في بلاد آرام من جهة ومن جهة أخرى لم ينسجم النبي إبراهيم(ع) مع الكنعانيين بالرغم من معيشته بين ظهرانيهم وقد تبين إن الخيار موقفا فرفقة ليست أسيرة الخباء وثقتها بنفسها واضحة فقد سقت العبد وأبله وأخذت منه سوارين ودعته إلى بيت أبيها ولم يقرر أبوها تزويجها إلا بعد اخذ موافقتها(28). وقبلت أن تذهب معه. إن الإباء والشرف يتجلى واضحا فقد سارت مع العبد من ارض آرام إلى فلسطين دون أن يخدش حيائها وحلت رفقة محل سارة بعد أن أصبحت زوجة لإسحاق وما حصل مع سارة يعاد مع رفقة فقد نزل جوع بالأرض ونزل في جرار وقال هي أختي خوفا من أن يقتل وان ملك الفلسطينيين ابيمالك اطلع من طاق ورأى إسحاق يلاعب أخته و لام إسحاق لأنه ادعى ذلك وكاد القوم أن يضاجعها ؟
لماذا هذا الإصرار على جمال الإسرائيليات؟ وكيف كان سكن إسحاق قريب جدا من ملك الفلسطينيين؟ هل كان إبراهيم وإسحاق يحددان الهدف ولا يهمهما الموقف. ثم إن رفقة لها ولدان يعقوب وعيسوه واحدهما يمارس الرعي والآخر الزراعة فهي ليست صغيرة السن لتصبح مطمع للآخرين.
أراد إسحاق إعطاء البركة إلى ابنه البكر عيسوه ورفقة لا تريد ذلك وتقرر إعطاءها إلى يعقوب وقد يكون لرأي رفقة مبرراته فلا يمكن أن تذهب البركة الإلهية إلى من لا يستحقها فعيسوه إنسان الصيد والبرية(29). وباع بكوريته بالرغم من أهميتها إلى يعقوب من اجل لقمة طعام فهو إنسان همجي متبربر لا يفكر سوى في الحاضر المتمثل في الصيد ولقمة الطعام وإسحاق يحب عيسوه لأنه يجلب الصيد ويوفر العيش الذي أصبح عاجزا عنه إسحاق ومما زاد من كره رفقة له انه اتخذ زوجتين من الحثيين كانتا مصدر إزعاج لها ولإسحاق(30).
إنها امتداد لسارة وتأكيد لوجودها وهؤلاء الفتيات لن يأخذا محلها ولذا وضعت كل آمالها في يعقوب الإنسان الكامل ساكن الخيام (31). المخطط المفكر الذي يمثل الاطمئنان والهدوء وحياة الدعة والاستقرار ولم يتسرع بالزواج من بنات الحثيين لذا قررت رفقة أن تذهب بركة إسحاق إلى يعقوب بدلا من عيسوه خططت رفقة لذلك بمكر ودهاء كاملين ولم يثنى خوف يعقوب من انه أملس و أخيه اشعر فأعطته بكل صلابة ثياب عيسوه ليلبسها واكست عنقه ويديه جلد معز ليكون له ملمس عيسوه وأرسلت معه الأطعمة إلى أبيه الذي يعاني من ضعف في بصره ونال يعقوب البركة كما أرادت رفقة بعد أن أكد لأبيه انه عيسوه وليس يعقوب وهكذا بني التاريخ الإسرائيلي على كذبة كبيرة.
نفذت رفقة خطتها وسارت بها حتى الشوط الأخير ولم تبالي بارتعاد اسحق وقوله لعيسوه أن أخيك قد جاء بمكر واخذ بركتك(35). ولا بصراخ عيسوه عندما سمع أن أبيه أعطى البركة ليعقوب. تحملت المسؤولية بكاملها وتقبلت اللعنة عندما خشي يعقوب أن يكشف أمره وتحل عليه اللعنة وكان ردها أن يسمع قولها(33). لقد مسكت تاريخ بني إسرائيل بين يديها بعزيمة وإرادة امتزجتا بحب يعقوب ورسمت طريقا غير الطريق الذي أراده إسحاق إنها حواء الأخرى الأكثر فراسة من إسحاق بأولادها فجردت إنسان البرية وأعطت الإنسان الكامل حق قيادة شعب إسرائيل ووضعت مبدأ إن نجاح الفعل يكسبه الشرعية.
هدد عيسوه بأن يقتل يعقوب وهكذا عاد قابيل وهابيل من جديد ولا تريد رفقة ان تكون حواء لذا تقوم بتحذير يعقوب وللمرة الثانية تأمره أن يسمع قولها(34). ويهرب إلى أخيها لابان في حاران ولم يستطيع يعقوب أن يرفض فقد أوضحت إنها لا تريد أن تخسر كلاهما في يوم واحد. لقد كان بيت إسحاق يضم جحيم سارتر.
عيسوه يتدبر أمر الوجود بالقوة واليأس يمتلك نزعة شهوانية تتمثل في تعدد الزوجات اقترن اسمه بالبطش والقتل.
يعقوب الإنسان الواثق من نفسه يوازن بين العقل والأهواء بتدبير أمر الحياة بالحكمة فهو يتردد ويتنافس قبل الإقدام على عمل.
رفقة المرأة المهاجرة عليها أن تقيس الأمور ومصيرها مرتبط بولديها وإذا كانت تركت أهلها ومالها فعليها أن تتعامل مع الأحداث بدقة إسحاق الحاجز الذي يقف بين هؤلاء لمنع الاحتكاك والتآكل بينهم.
لم تستطع رفقة أن تندمج مع بنات الكنعانيين مع إنها عاشت بينهم قرابة أربعين عام ولذا أشارت على إسحاق بأن يأمر يعقوب بالزواج من بنات لابان الآرامي وهكذا استطاعت رفقة أن تضع حجر الأساس لبني إسرائيل.
ان الأحداث تشير إلى أن بيت إبراهيم وإسحاق ليس بيت نبوة بموجب سفر التكوين وإنهم على غرار الديانة الأثينية التي بفعل الأرباب في جبل الاولمبي ما يحلو لهم والفرق إن البيت التوراتي يتميز بوجود هدف وغاية وإنهم إغراب وسط أقوام قوية ماديا وعسكريا وعليهم التصرف بما تقتضيه المصلحة متذرعين بأن الرب هو الذي أمرهم.
يعقوب وزوجاته
بعد أن اختفت رفقة من على مسرح التاريخ الإسرائيلي تظهر لينه وراحيل بنات لابان الآرامي اخو رفقة كلاهما تزوج يعقوب ليتحول إلى أداة إنجاب فحين التقى يعقوب براحيل عند البئر التي يستقى منها الآراميون أحبها لأنها حسنة الوجه واعتملت من قلب يعقوب فكرة الحب والقرابة والزواج من أراميه فتقدم للخدمة مجانا للابان سبع سنين مقابل الزواج براحيل الابنة الصغرى وراقت الفكرة في عيني لابان ومن الممكن هذه بداية صداقة المرأة في التاريخ وهو الأول في التوراة (35).
وعندما انقضت المدة وفى لابان بوعده ولكن بدلا من ان يعطي راحيل أعطى لينه التي كانت لا تضارع راحيل في جمالها وفي الصباح أحس يعقوب بالخدعة بعد فوات الأوان إن الرغبة والظلام والحرمان جعلت يعقوب يستيقظ في الصباح ليرى إن زوجته لينه وليست راحيل (36).
لقد تنحى الحب جانبا واعتملت الرغبة البهيمة لتجد طريقها وسط الظلام ويبدو انه ليس هناك عقود زواج تلزم الرجل بالزواج من امرأة معينة والاتفاق على زواجه من راحيل له قيمة معينة والاتفاق على زواجه من راحيل له قيمة معنوية واجتماعية ولكنه لا يملك أي صيغة دينية بحيث تجعل زواجه من لينه غير شرعي وفى تلك العصور الموغلة تكررت الكثير من الحوادث الفردية مما دعا إلى إبرام عقود الزواج لكي تمنع كلا الطرفين من الإخلال بها كما أن الطلاق لا ذكر له على الرغم من إن لينه مكروهة عند يعقوب(39). ولم ترد إشارة إلى إن يعقوب حاول التخلص منها.ونشبت الغيرة بين الأختين خاصة وان لينه تتمكن من إنجاب الأطفال أما راحيل فلا والإنجاب فعل إرادة وكينونة وعندما تجد راحيل نفسها عاجزة عن الإنجاب تمنح جاريتها إلى يعقوب فالانجاب هو حياة وجاريتها تستطيع أن تقوم مقامها وهكذا الماضي يكرر نفسه فسارة تظهر مرة أخرى في شخص راحيل ولينه، والأخيرة عندما تتوقف عن الإنجاب تعطى جاريتها أيضا إلى يعقوب الذي لا هم له سوى إخصاب النسوة الأربعة والمرأة تستطيع أن تجعل زوجها يضطجع مع من تشاء وكأنه لا خيار له من ذلك فراحيل تؤجر يعقوب إلى لينه ليضاجعها من اجل لقاح أتى به أبن لينه(38).
لقد لعبت الغيرة والحسد اللذان اججا الصراع بين الأختين للظفر بيعقوب إلى إنجاب أثنى عشر ولدا ليكونوا في النهاية الأسباط الأنثى عشر الذين قدر لهم أن يدخلوا مصر. عملت المرأة بوعي أو لا وعي يخامرها هدف لا تعرفه على وجه الدقة أن تجعل من هذا الإنسان امة كاملة وكان لها ما أرادت لقد وحدت بين إرادتها والشعور الذي كان يخامرها عن إرادة الله كما ورد في التوراة.
قرر يعقوب أن يغادر ارض الآراميين (39)ولا يستطيع أن يقرر بدون راحيل وليئه فكل البركة من أموال ومواشي وعبيد بسبهن ولا يعنى شيئا لو انه غادر بلاد آرام بمفرده وكان لراحيل وليئه موقف موحد بأن أبانا باعنا وقيض ثمننا وان ما لديه من مال وغنى هو لنا ولأولادنا وعليك يا يعقوب أن تفعل ما أمرك الله به(40) والانفصال يتضمن مساومه أخرى لا تقل عن الأولى عندما باعهن بعمل يعقوب الذي أصيح أداة انتقام من الأب الجائر .لقد خضعن للأب والزمن بصبر نافذ يصاحبه تمرد في الأعماق وكان يعقوب أداة لإعادة الحق فكل ما كسبه لابان سيخسره بطريقه أخرى.
خرج يعقوب مع نسائه وأولاده وأمواله في غفلة عن لابان الذي اخذ يتودد إليه ووقفن البنات موقف المتفرج بعد أن نالت كل منهما ما تريد وأحكمت قبضتها على الموقف دون مراعاة لعواطف الأب وأعذار يعقوب المختلقة .
سرقت راحيل أصنام أبيها عن تعمد وإصرار ولم تبالي بابيها الذي طالب يعقوب بآلهته (41) ولم يستطع الأب العثور عليها لأنها أخفتهن بالجلوس فوقها.إنها المرأة التي تعمل حسب ما تقتضيه مصلحتها وربما سرقت الأصنام لأنها تنزع إلى الماضي والى أبناء جلدتها وتقاليدهم وعاداتهم ولا تريد ان تحرم منها ،أو أن الركب لا يصح أن يسير بدون صتم فتحل به لعنه.
هل راحيل تحب أباها والأصنام رمز له؟ وإنها ستتركه إلى غير رجعه؟ وهي التي لم تعترض ولم تستعمل دهائها وقدرتها على المناورة عندما زوج لابان ليئه بدلا عنها فقد استسلمت وامتحنت صدق عواطف الرجل الذي يسعى ليكون زوجا لها .وقفت الشريعة الموسوية موقفا حازما من آلهة الأقوام الأخرى وأصنام راحيل زرعت نواة الشك والريبة والتمرد الذي يشتعل أواره بين آونة وآخري وتبرير لكل التناقضات التي كانت تحصل داخل شعب إسرائيل (التمرد الذي حصل في صحراء سيناء). لقد زرعت هذه النواة في قلب الإيمان والتوحيد الذي كان في طوره الجنيني.
تعرض يعقوب وأولاده إلى محته خلال رحلتهم فعندما حل بين بني حمور تغرض احد أبناء حمور إلى ابنته لينه فضاجعها وأذلها ثم طلب يدها من أبيها فاشترط الأخوة تزويجها على أن تختن العائلة كلها وفى اليوم التالي دخل أشقائها شمعون ولاوي ليقتلا كل ذكر من بني حمور بحد السيف واخذوا أختهم دينه ودخل أولاد يعقوب فسبوا النساء والأطفال ونهبوا الثروات(42).
تغيرت الأمور وأصبح للمال والقوه العددية شأنا فالاعتداء على ابنة يعقوب جريمة ينتقم لها أولاد يعقوب.
ذهب زمان إبراهيم وإسحاق عندما كانا يتخفيان تحت الإخوة لحفظ حياتهما وكسب الأموال ولكن يعقوب لا يزال يحمل بذرة الخوف وتجاهل الأمور فيغضب من شمعون ولاوى ويعبر عن ذلك حتى قبل مماته. ويخشى مغبة فعلهما لأنه قليل العدد والقوه وبين أقوام لا ينتمي لهم(43) ولكن أولاد يعقوب كان لهم رأى آخر فإسرائيل يجب ان تكون مهابة الجانب بحماية شرف بناتها وزمن إسحاق وإبراهيم ولى ، وبظهور أولاد يعقوب تقلص دور المرأة في البيت الإسرائيلي .
ماتت راحيل اثر موت بنيامين ودفنت في بيت لحم وفرغ البيت من ليئه وراحيل مما جعل راؤبين بن بليئه يستغل غياب أبيه ليضاجع بلهه امة راحيل وسرية أبيه ولم يصدر أي رد فعل صارم من يعقوب أو أبناء بلهه ولكن الشريعة الموسوية حرمت ولعنت من يقترب من زوجة أبيه.
ثامار
هناك أمور تبدو وكأنها شائعة في تلك الأيام فئامار كنة يهوذا مات عنها ابنيه الأول والثاني وليس لها ولد فقال لها يهوذا اذهبي إلى بيت أبيك ويكبر أبنى الثالث ويكون لك ولد منه ولكن الزمن طال فجلست على طريق يهوذا كبغي فضاجعها يهوذا بعد أن أخذت منه رهن(44) وتتضح الأمور التالية:
•1- الزنا عاقبته الرجم لان ثامار بان عليها الحمل واتهمت بالزنا.
•2- ليس هناك تحريم لزواج الرجل من زوجة ابنه. موضوع تكثير النسل ضروري لهذه العائلة المشردة.
•3- ان الرهن لدا ثامار يشكل إحراج ليهوذا.
اذا كان يهوذا مارس الزنا فان يوسف لم يخضع لإغراء زوجة العزيز وفضل السجن على ارتكاب الخطيئة وسلوكه أكثر التزام ممن قبله ولا يختلف كثيرا عما في الكتاب الكريم ووقفت الشريعة الموسوية موقفا حازما من زنا المحارم، وتقوض دور المرأة وبدأت الأعراف تأخذ دورها لتصبح شريعة ويرد نص صريح لا لبس فيه لا تزني .لا تشته امرأة قريب.
ام موسى
أحس الفراعنة بالخطر من تكاثر العبرانيين وإنهم يشكلون خطرا بانضمامهم إلى أي جيش يغزو مصر وهذا ما حدث في بابل فأمر الفرعون بقتل كل صبى يولد ليحد من تكاثرهم وعندما ولد موسى كانت الأم أمام خيارين أما أن تضع الطفل في سفط على بردى وترميه في النهر أو يقتله الفرعون وآثرت الخيار الأول وقفت الأخت تراقب مصير الوليد الذي اخذ ليتربى في البيت الفرعوني وهذه الأخت كان نصيبها أن تتحول إلى برصاء وتحجز سبعة أيام خارج ألمحله لأنها رفضت زواج موسى من حبشيه مما يؤكد تضائل دور المرأة وتحول المجتمع إلى مجتمع ذكوري كما ورد (45).
لعبت نساء بني إسرائيل دورا في الخروج من مصر فقد شاركن الرجل في سلب الحلي من فضه وذهب من جاراتهن ونزيلات بيوتهن وربما كان الإحساس بان هذه الحلي هي نتاج عبوديتهم (46)
في سفر التكوين كانت المرأة تحمى الرجل كما في سارة وإبراهيم ورفقه ويعقوب وفي نهايات سفر التكوين أصبحت في موضع دفاع كما في دينه وأخوتها أما في سفر الخروج فيتدهور دورها فهي تتلقى الأوامر كما في سلب الحلي ومن ثم لا يحق لها إبداء رأيها
الشريعة
ترد الشريعة في سفر الخروج والعدد والأحبار وثنية الاشتراع
الزنا
يرد في الأسفار أعلاه تحذير لزواج الإسرائيلي من الأقوام المجاورة لأنهم يفجرون في أتباع ألهتهم وهذا يعنى شيوع الزنا واللواط(47)
المرأة الحامل
المرأة بعد ولادتها نجسه ولا يجوز ان تلامس الأقداس أو تدخل المذبح والتطهر في حالة الولد اقل من البنت ولا تقل كثيرا عن الحيوان الميت والأبرص وبعد تطهرها تقدم ذبيحة إلى الكاهن.(48)
إن الرجل في حالاته الخاصة والمرأة في حالة الطمث إذا جلس أي منهما على فراش أصبح نجس ولا يجوز لهما لمس الأقداس أو دخول المذبح(49)
المحارم
الأب وإلام لا يطلع على سؤتهما وكذلك زوجة الأب والأخت من الأم أو الأب وبنت الابن وبنت البنت
وامرأة العم وزوجة الابن وزوجة الأخ ولا يجوز الجمع بين الأختين ولا تقرب أمراه في طمثها وزوجة الصاحب لا يقترب منها. ويتوعد بالقتل من ضاجع زوجة أبيه كما فعل راؤبين فيقتل كلاهما ومن ضاجع كنته يقتل كلاهما كما فعل يهوذا. وان ضاجع رجل أمرآة وأمها يقتل كلاهما(50)
ابنة الكاهن إذا بذلت نفسها للفجور تحرق(51)
الكاهن لا يتزوج إلا فتاة بكر(52)
الخيانة
لم تتعرض التوراة إلى خيانة الرجل ولكن خيانة المرأة لها طقوس معينه
يقوم بتا الكاهن فهي تشرب ماء يوضع فيه من تراب المعبد ويحلف عليه يمين اللعنة فإذا ورمت بطنها تكون ملعونة في بني إسرائيل وبخلاف ذلك فهي بريئة (53)
النذر
إذا نذرت المرأة المتزوجة ولم يعترض زوجها فقد ثبت عليها النذر وكذلك البنت إن لم يعترض أبوها يثبت عليها النذر أما الأرملة والمطلقة فثابت النذر عليها وإذا سكت الزوج ومن ثم اعترض على النذر فقد حمل وزرها(54).
الميراث
يجب أن تتزوج الأرملة من عشيرة سبط أبيها حتى لا يخرج الميراث إلى السبط الذي تتزوج منه(55)
الزواج
إذا تزوج الرجل فتاة ليست عذراء فعلى الأب أن يبرز براءة ابنته إلى شيوخ المدينة وتكون له زوجه ولا يستطيع تطليقها وان لم تثبت براءتها فيرجمها أهل المدينة حتى الموت وإذا تزوج الرحل سبيه فلها الحق أن تبكى أباها شهر ثم تكون زوجة وإذا لم يردها فيطلقها حرة(56)
وإذا تزوج رجل امرأتين إحداهما مكروهة والأخرى محبوبة فالابن البكر من نصيب الأولى(57).
من حق الرجل أن يطلق المرأة إذا أنكر عليها شيئا وإذا تزوجت رجل آخر وطلقها لا يجوز أن تعود إلى الأول (58) وإذا تزوج الرجل لا يخرج إلى الجيش إلا بعد سنه ويتفرغ لبيته (59)
عندما يموت الزوج وليس للمرأة ولد منه لا يحق لها أن تتزوج بأجنبي بل تتزوج أخيه وكون ولدهما البكر باسم المتوفى حتى لا ينقرض نسله وإذا رفض الزواج من امرأة أخيه يستدعيه شيوخ المدينة وتتقدم له امرأة أخيه وتخلع نعله وتبصق في وجهه ويلقب خالع النعل (60) وإذا تشاجر رجلان وتقدمت زوجة احدهما لتخلص زوجها وأمسكت بسؤته فيجب أن تقطع كفها(61)
استطاعت هذه العائلة بطقوسها أن تحافظ على نفسها من الضياع وسط الأمم الأخرى فاستعملت الدين كقوة وسند لتحقيق أهدافها.
.
الهوامش
1- سفر التكوين ،فصل2،آية 7.
2- سفر التكوين ،فصل2،آية 21-23.
3- سفر التكوين ،فصل 3ية 1
4- سفر التكوين ،فصل3.آية 3
5- سفر التكوين ،فصل 2آية 17
6- سفر التكوين ،فصل 3آية 20
7- سفر التكوين ،فصل 4آية 1
8- سفر التكوين ،فصل 12آية 11
9- سفر التكوين ،فصل 12 ا ية 12
10- سفر التكوين ،فصل 12آية 15
11- سفر التكوين ،فصل 12 اية 16
12- سفر التكوين ،فصل12 ايه19-20
13- سفر التكوين ، فصل 13اية15 وفصل15 ايه18
14- سفر التكوين ، فصل 16 اية 6
15- سفر التكوين ،فصل 17اية 17
16- سفر التكوين ،فصل 17اية 17
17- سفر التكوين ،فصل 18 ايه 13
18- التكوين ،فصل 19اية 31-38
19- سفر التكوين ،فصل 26 اية 9
20- سفر التكوين ،فصل 29 اية 15
21- سفر التكوين ،فصل 31 اية 37
22- سفر التكوين ،فصل 29اية 12
23- سفر التكوين ،فصل 21اية 10
24- سفر التكوين ،فصل21 اية16
25- سفر التكوين فصل 21ايه15و16و18و17 وفصل16 ايه8
26- سفر التكوين فصل21 ايه 21
27- سفر التكوين ،فصل24ايه 16
28- سفر التكوين ،فصل 25 اية 57و58
29- سفر التكوين ،فصل27اية 3
30- سفر التكوين ،فصل 26اية 35
31- سفر التكوين فصل 25 آية 27
32- سفر التكوين فصل27 آية 35
33- سفر التكوين فصل 27 آية 12و13
34- سفر التكوين فصل 27 اية 43
35- سفر التكوين فصل 29 آية 19
36- سفر التكوين فصل 29 آيه 25
37- سفر التكوين فصل 29 اية 31
38- سفر التكوين فصل 30 اية 16
39- سفر التكوين فصل 31 آية 3
40- سفر التكوين فصل 31 آيه 14 و15 و16
41- تكوين فصل 31 ايه 33و34و35
42- تكوين فصل34 ايه 1-29
43- تكوين فصل 34 ايه 30
44- الخروج فصل 2ايه 1-6
45- الخروج فصل3 ايه 22 وفصل 12 ايه2
47- الخروج فصل 64 ايه 6
48- سفر الاحبار فصل 12
49- سفر الاحبار فصل15
50 - الاحبار فصل18
51- الاحبار فصل 21 ايه9
52- الاحبار فصل 21 ايه 14
53- العدد فصل 5 ايه12-28
54-العدد فصل 30- ايه3-16
55- العدد فصل 36
56- ثنية الاشتراع فصل 22 ايه14-12
57- ثنية الاشتراع فصل21 أيه 15-16
58- ثنية الاشتراع فصل24 ايه 1-4
59- ثنية الاشتراع فصل24 ايه5
60- ثنية الاشتراع فصل25 ايه 11-12
61-ثنية الاشتراع فصل25 ايه 5-10
د. آمال كاشف الغطا
د. آمال كاشف الغطاء
[1] المرأة في التوراة
ادم وحواء
تظهر المرأة إلى الوجود في سفر التكوين كضرورة لا بد منها عندما خلق الله ادم من تراب(1). وأمره أن لا يأكل من شجرة المعرفة و لم يكن له نظير من الحيوانات فقد كان عاجزا عن مغالبة وحدته فأوقع الله عليه سباتا واخذ ضلع من أضلاعه وجعله امرأة واحضرها إلى ادم وهكذا ظهرت أول امرأة إلى الوجود(2).
في الإصحاح الثالث يظهر هناك أمرين هما الحيلة والشك اللذان من خلالهما استطاعت الحية أن تنفذ إلى حواء ويدور بينهما أول حوار مدون في التاريخ فتقول لها(( أيقينا قال الله لا تأكلا من جميع شجر الجنة)) ( 3) لقد أثارت نزعة الشك
لماذا تستثنى هذه الشجرة؟
ولماذا تسلم حواء بأن الأكل منها يؤدي إلى الموت ؟
ودار التساؤل مع الرغبة في أكل الثمرة في نفس حواء وهنا تحاصرها الحية بالسبب والنتيجة فعندما يأكلان يصيران آلهة والآلهة تعرف ما هو يصب في مصلحة الإنسان وما لا يصب ، والله يعرف ذلك ولا يريده وهنا أوضحت الحبة أن مصلحة الإنسان لا تتفق مع إرادة الله (إنما الله عالم إنكما في يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتصيران كآلهة عارفي الخير والشر) أحست حواء إن كيانها عاجز عن الفعل فشجرة المعرفة في وسط الجنة تثير التساؤل والحرمان وعدم الأكل منها يجعل الإرادة مبتورة بعد أن دخل الشك في إنهما لن يموتا وتراجع العقل أمام العاطفة يجر بأذياله السبب والنتيجة والامتناع عن أكل الشجرة لم يكن أيمان بالقوى الغيبية وإنما الخوف ولكن كما قالت حواء(لا تمساه لئلا تموتا) (4 ). لقد وضعت حواء بحوارها مع الحية النقاط الأولى للفلسفة، واستطاعت الحية أن توزع بذرة الطموح الأولى لدى المرأة بالسمو إلى مرتبة الله والتنافس مع الخالق في التوافق مع الوجود وتفاعلت هذه العوامل في أعماق المرأة لتمنحها القوة الكافية لمد يدها وتتناول الثمرة المحرمة وبذلك وضعت البادرة الأولى لتمرد المخلوق على الخالق.
أين كان ادم؟
هل كان يغط في سباب عميق؟ في الوقت الذي كان الطموح والرغبة يفتحان باب العزيزة في مجاهل النفس الإنسانية. اتصف ادم بسلبيه مطلقه فلا معارضة ولا نقاش ولا أمر ولا نهي لقد ترك لحواء أن تكون المحرك الأول للأحداث وتنصل ادم من المسؤولية قائلا أن المرأة التي معي هي التي أعطتني فأكلت. انه تابع لها يقوم بكل ما تقوم به ويحمل حواء وزر الخطيئة. لقد أوصاه الرب قبل أن تكون المرأة في الوجود( 5). وبذلك برهن أن البراءة حلم راود الإنسان منذ الأزل وعرف أن الأحداث تقع في تسلسل وان ما كان لا يمكن أن لا يكون وبذلك دخل الإنسان في دائرة الزمان.
وتعترف المرأة بطبيعتها الإنسانية التي جعلتها تخضع لإغراء الحية واستسلامها إلى القوى الغامضة التي تضطرم في الأعماق لتردم الهوة بين المسموح والممنوع والحلال والحرام والخير والشر
ونتساءل لماذا حاورت حواء الحية هل أرادت أن تقفز فوق الحدود المرسومة لها وتخرج من الفردوس وكونها ضلع من ادم الذي هو احد أركان الفردوس؟
ولكن ما تحقق هو سلب السيادة منها بالحمل والولادة وأعطيت إلى الرجل وأصبحت بذلك حواء بدل من المرأة لأنها أم كل حي (6). وغادر الإنسان جنة عدن حاملا مع المعرفة ديمومة الوجود واركا خلفه شجرة الحياة.
أصبحت حواء أما عندما ولدت قايين وقالت(اقتنيت رجلا من عند الرب) (7 ).ثم ولدت هابيل وأصبح الفردوس المفقود لا يعنى لها شيئا طالما حصلت على مباركة من عند الرب وأخذت تمارس الحمل والولادة لتعوض عن موت هابيل. هنا تتجلى أرادة المرأة القوية في مواجهة النكبات فلديها البديل الحمل والولادة يعوضان عن فعل الموت لقد خسرت القاتل والمقتول إن شيت عوض عن هابيل. وواجهت هذه الحقيقة التي لا مفر منها فالمعرفة لها ثمن وهذا ما أوعده الرب عند أكل الثمرة يأتي الموت. كما إنها تؤكد بأن أعمال الشر تصدر من عند البشر وأما الخير فمن الله فهو الذي أعطاها نسلا. وقايين قتل هابيل. إنها تضع تفسيرا واقعيا للأحداث وتسلسل زمني لها. ووضعت بداية الفكر الفلسفي في التاريخ وبذلك تختم سيرة حواء في الكتاب المقدس ونتساءل هل هذا يرتبط بعصر الأمومة الذي استمر ردحا من الزمن.
تكاد الفترة التي تلت حواء ولحين ظهور سارة امرأة النبي إبراهيم(ع) فترة تولد وتكاثر وتحدى الطبيعة الجائرة بما يمثله الطوفان من تدمير وتخريب والاتجاه من ثم لبناء المدن والأبراج فهناك عزيزة عمياء تقود الجميع للحفاظ على الجنس البشري
إبراهيم وسارة
برزت سارة امرأة النبي(ع) كزوجة تشاركه تجواله من أور الكلدانيين إلى ارض كنعان وللجوع الذي كان في ارض كنعان ذهب إلى مصر وعلى الرغم من القحط الذي كان يعم الأرض والارتحال المتوالي فسارة كما قال لها النبي إبراهيم(ع) امرأة جميله (. إن جمالها صمد أمام ضنك العيش وقسوة الحياة.
ان الآية(فيكون إذا رآك المصريون إنهم يقولون هذه امرأته فيقتلوني ويستبقونك) . وهذا يدل على أمرين الأول إن الزواج بالأخت غير مسموح به والثاني إن الانفصال بين الزوج والزوجة لا يحصل إلا بالموت ليحل زوج آخر محله. ثم يطلب منها أن تدعى إنها أخته ففي ذلك حياته (9).إنها محور الأحداث فمصير إبراهيم(ع) مرتبط بها وميزان القوة بيدها وعليها عدة ادوار الزوجة الوفية. وحماية إبراهيم(ع) من القتل وان تكون أخته لتجلب له البركة.
إن العلاقة بين القصر الفرعوني وعامة الشعب ليست هرمية الشكل فعندما دخل النبي إبراهيم(ع) إلى مصر اختلط بالمصريين وعمال فرعون واخذ إبراهيم وسارة إلى القصر الفرعوني( 10)، و أصبحت العلاقة وطيدة بين النبي إبراهيم(ع) وفرعون، ويذكر وول ديورانت أن النبي إبراهيم علم المصرين علم الحساب وقد يكون بروزه ككاهن من خلال ممارسة دوره أثناء وجوده في أور الكلدانيين وفلسطين والكهانة لها مكانة سامية لدى الفراعنة فهو قبل ذهابه إلى مصر بني مذبحا للرب في بيت أيل.
إن الذي يثير الشك والريبة فيما تنقله التوراة والذي لا يمكن تفسيره إن النبي إبراهيم(ع) تغاضى عن علاقة الفرعون بسارة وانه جني من وراء ذلك أموال عظيمة وهذا ما لا يتفق مع شخصية النبي إبراهيم(ع) (11). إن الأحداث ربما جرت بأن سارة كانت موقع ازدراء وحقد من فتيات القصر عند دخولها القصر الفرعوني والبعض يحسدها على حضوتها لدى الفرعون ولكنها أوضحت أنها في موقف لا تحسد عليه ولن يغريها كل ما يحيط بفرعون من أبهة والهة.
هل مهدت لمجئ اخناتون بزرع عقيدة التوحيد سرا ورفض عبادة الفرد؟ ولكنها كيف تصرفت مع الفرعون؟ بحيث قال لإبراهيم(والآن هو ذا امرأتك خذها واذهب) (12) لا نستطيع أن تحكم بأنها من زرعت روح التمرد في القصر ورفض عبادة الفرد لان مصيرها سيكون القتل ربما استعملت الكياسة والحكمة لتجعل الفرعون يقول لإبراهيم لماذا لم تخبرني بأنها امرأتك. لقد عادت سارة إلى إبراهيم بدون حصان طروادة.
تتجلى قوة شخصية سارة عندما وعد الرب النبي إبراهيم(ع) أن يعطيه نسلا بعدد نجوم السماء ويبرم معه ميثاقا بإعطائه ارض كنعان (13) .(على حد ما جاء بالتوراة)وربما هذا السبب هو الذي دفع سارة لتعطى جاريتها هاجر إلى النبي إبراهيم ليرزق منها بولد لقد ضحت من اجل العائلة على حساب حقوقها الزوجية بالسماح لامرأة أن تشاركها الفراش كان تصرفها فوق النزعات الفردية والأنانية والتملك وعندما حملت هاجر كانت الحقيقة أقوى مما تحملتها بكل جوانبها فهاجر تحمل وريث الأرض الموعودة ولم تعد جارية وبدأ التوازن يختل داخل العائلة مما جعلها تثأر لكرامتها التي أهدرها الجنين النامي في رحم جاريتها ويصل الموقف إلى حد لا يحتمل أنصاف الحلول فأما هي أو هاجر وكما قدمت حواء الثمرة إلى ادم فأكلها كذلك طلبت سارة حرية التصرف بهاجر فأستجاب لها النبي إبراهيم(ع)(فقال إبراهيم لساري هو ذا جاريتك في يدك أفعلي بها ما يحسن في عينيك) (14).
رفضت سارة هذا الإذلال فهي لم تعد الجارية طالما حملت الوريث الشرعي للنبي إبراهيم(ع) فهربت هاجر وتوحدت في صحراء لا حدود لها فتراءى لها الرب لتعود من حيث أتت تحمل بين جنبيها همومها فخير ما تقدمه للوليد هو الأب الشرعي وأمه عظيمه كما وعدها الرب. لقد سخرت هاجر كرامتها قربانا للعائلة وعاشت من اجل هدف وغاية تعلمهما على وجه التحديد طالما هي المرأة الوحيدة التي تراءى لها الرب في التوراة.
مرت الأيام وعاشت هاجر مع سارة وكبر إسماعيل واختتن وعمره ثلاث عشر سنة ورغم وجود إسماعيل فسارة الأثيرة لدى النبي إبراهيم(ع) ويمنى نفسه بولد منها وهي العجوز ويقول(هل تلد سارة وهي بنت تسعين سنة) (15). وبين اليأس والأمل والحيرة والخيبة أتى وعد الرب لتلد ولدا. إن سارة امرأة واقعية لا تخادع نفسها فهي بلغت التسعين (16).
حملت سارة بعد اختتان إسماعيل بسنة وينتقل النبي إبراهيم(ع) إلى ارض الجنوب ويسكن هناك وتضحك سارة من الأمر وتقول(أيقينا ألد وقد شخت)(17).
لقد تسرب الشك إلى سارة كما تسرب الشك إلى حواء وعندما سألت هل ضحكت أنكرت الأمر لأنها خافت. إن الموقف اكبر من أن تتحمله لقد احتملت فرعون مصر ولكن الموقف هنا أصعب فهي بمواجهة تغيير الواقع
إن بيت إبراهيم(ع) كما جاء في التوراة لا يمتلك حنان بيت النبوة ولا قيمها كان يجب أن نراه مثلا أعلى في التعامل ولكن نجد الغيرة والعنف والقسوة تتحكم في هذا البيت وحق الأمومة الذي أعطي لسارة جعلها غير أهل لتحمل المسؤولية فهي لا تتردد من جعل هاجر تنشرد نتيجة القسوة التي عوملت بها لتعطي صورة أخرى لزوجة الأب غير ما اعتدنا عليه في زوجات النبي (ص) وأم البنين. عوملت هاجر بقسوة لأنها جارية وأعطيت إلى النبي إبراهيم لتلد له ولدا دون أن يكون لها رأي أو حق ومن ثم تضطهد هي وابنها.
هناك أمر أخر هو تركيز النظرة الدونية للمرأة فالمواقف السيئة التي تتصف بالعاطفة مثل أكل الفاكهة المحرمة والغيرة والحسد تلصق بالمرأة ويقف الرجل بشكل سلبي منها.
لوط وابنتاه
واكب النبي إبراهيم ما تعرضت له عمورة وسدوم حيث ذهب النبي لوط(ع) إلى مغارة في الجبل مع ابنتاه ولم تستطع البنتان تحمل الوحدة (18)فقالت الكبرى للصغرى تعالي نسقي أبانا خمرا ونضاجعه لننجب منه نسلا ونفذت الفتاتان بليلتين متتاليتين ما عقدتا العزم عليه وحملت كلتا الفتاتين بولد احدهما سمي مؤاب والثاني ينعي ومن الأول المؤابيين ومن الثاني انعمونيين إن هذا الأمر لم يحدث في قصور الفراعنة ولا السومريين ولا الاخيين. هل أن كراهية العبرانيين للعمونيين والمؤابيين دعتهم لإعطاء أصل غير شرعي؟ ولماذا ينسب إلى النبي لوط(ع)؟ وهل أن القداسة توجه إلى إبراهيم ومن ثم إسحاق .
ان الابنتان يعتبرن بأن أباهن رجل كبير فكيف حصل هذا. إن سفر التكوين يظهر المرأة وكأنها وضعت الحمل والولادة بديلا عن الفردوس فسارة بعد صراعها الطويل مع الزمن منحها الرب إسحاق فالأمومة هي مساهمة المرأة وهدف وجودها والركن الأساسي في بناء العائلة وهاجر كافحت من اجل حياة ابنها إسماعيل وهذا الشعور الخفي دعا ابنتا لوط إلى مضاجعة أبيهما. كل هذا لإعطاء نسل غير مقدس للعمونيين والمؤابيين.
هل إبراهيم أخ لسارة؟
وتصر التوراة بان سارة لا تزال رغم بلوغها التسعين قادرة على كسب إعجاب الملوك ويعاد نفس الدور الذي حصل في مصر حيث كانت شابة وذلك عندما نزح النبي إبراهيم(ع) إلى جرار وهي أيضا أخت إبراهيم الذي يحصل على ألف من الفضة ويؤنب الملك إبراهيم لأنه لم يخبره بأنها زوجته فيرد إبراهيم بأنها أخته من أبيه وليس من أمه وانه اشترط عليها أينما تذهب أن تقول أخي إن الملك يذكر لإبراهيم إنه كاد يتسبب بخطيئة فالدنو من زوجة رجل آخر خطيئة عظيمة لا يغتفرها الرب. والآن يوجد أشكال هل أن إبراهيم متزوج من أخته ؟
في فصل السادس والعشرين من سفر التكوين (19). جاء ما يلي(وحدث أن طالت الأيام هناك أن ايمالك ملك الفلسطينيين اشرف من الكوة ونظر وإذا اسحق يلاعب رفقه امرأته فدعا ايمالك اسحق وقال إنما هي امرأتك فكيف قلت هي أختي) وهذا يدل على إن الزواج بالمحرمات غير مسموح به منذ تلك الأزمنة وفي الإصحاح التاسع والعشرين(20). (قال لابان ليعقوب إلا انك أخي تخدمني مجانا)ولابان خال النبي يعقوب اخو أمه رفقه فهو يطلق كلمة أخي على ابن أخته.
ويقول يعقوب للابان عندما يقرر الالتحاق بأرض أبيه كنعان (انك حسبت جميع أثاث بيتي ماذا وجدت من جميع أثاث بيتك ضعه ها هنا قدام أخوتي وأخوتك فلينصفوا بيننا الاثنين) (21). إن يعقوب ليس له سوى أخ واحد اسمه عيسوه وهو في ارض بعيده .
من نفس الفصل يقول يعقوب لأخوته(التقطوا حجارة) و أقام يعقوب نصبا يكون حكم بينه وبين لابان ويطلق يعقوب كلمة أخوه على أفراد وليسوا بأخوة له والأخوة هناك تطلق على درجات واسعة من القرابة فالألفاظ التي توضح درجة القرابة لم تحدد بعد فكل درجة قرابة خارج الأب والأم يطلق عليها أخ.
كما إن يعقوب يخبر راحيل ابنة لابان عندما جاء إلى أراضي الحيثيين بأنه اخو أبيها وانه ابن رفقة(22). وفي الحقيقة انه ابن عمة راحيل ومن الممكن أن إبراهيم عندما أطلق على سارة لفظ أختي لم يكن يعني الأخت غير الشقيقة وذكر كلمة الأب ليجدد اتجاه القرابة.
لا يمكن إن يكون هذا هو إبراهيم الذي يدرك العلاقات بين الأشياء ويدرك التغيير ويتعرض إلى الحرق كيف أصبحت حياته ثمينة وفوق كل شئ علما أن التوراة لا تذكر انه تعرض إلى الحرق.
هاجر وسارة
أصيب بيت النبي إبراهيم(ع) بهزة قوية فسارة لم تعد تحتمل وجود إسماعيل ليرث مع ابنها فتطلب منه أن يطردهم ويأمره الله أن يمتثل لأمر سارة وفي اليوم الثاني أعطى هاجر قربه ماء وخبز وإسماعيل وصرفها فتاهت في برية بئر سبع إن سارة التي انحنى أمامها الملوك تتضاءل أمام امرأة تعتبرها ليست ندا لها ولن تسمح لمتطلبات الواقع أن تقف معها على قدم المساواة بعد أن اكتملت بإسحاق فالموقف لا يتطلب أنصاف الحلول كما إنها جلبت الخير للأسرة واحتملت التجوال والترحال ولذا لن يرث احد مع ابنها مهما كانت الأسباب يدعمها في ذلك أن لها سيطرة على النبي إبراهيم(ع) لا حد لها، وتبدو قاسية متحجرة القلب لا يهمها ما يحل بهاجر وابنها عندما أمرت بطردهما من البيت إنها تهدم وتبني وفقا لرغباتها عندما قالت لإبراهيم(ع) اطرد هذه الجارية وابنها حتى لا يرث مع ابني إسحاق(23). لقد وضعت حدود للخير والشر حسب وجهه نظرها ورغباتها فالولد بن هاجر وليس بن إبراهيم وبذلك ولدت أمتين صنعتها الأولى قوة سارة وغطرستها والثانية إرادة هاجر وبعد نظرها
واجهت هاجر في الصحراء متطلبات الجسد وقسوة الطبيعة فقد حملت أحزانها وخبر وقربة ماء مع ولد يافع لتتيه في برية بئر سبع إنها تفوق روبنسون كروز في الأدب الانكليزي وفيلوكتيت في الأدب اليوناني.
هل يمكن لإبراهيم الذي وضع أسس البيت الحرام أن يترك زوجته وابنه يتيهون في الصحراء ؟ لقد أراد بناء البيت الحرام بعيدا عن العمونيين والمؤابيين والكنعانيين ولم تكن سارة مؤهلة لتحمل المسؤولية لكبر سنها وألقيت على كاهل هاجر وابنها الذي كان بتجاوز العاشرة ولا نعزوه للجانب المظلم من النفس الإنسانية الذي نواجهه لدى المرأة في التوراة.
أقامت هاجر مع ابنها قرب البيت الحرام واستطاعت هذه المرأة بصلابتها وصبرها أن تحافظ على بيت الله وتنشئ علاقات مع القبائل المجاورة ليصبح نسل إسماعيل كما أوعده الله أمه عظيمة. تحملت العطش والغربة والوحدة لتعيش مع ابنها(24) ، ولم تجلس لتنتظر بصبر نافذ موت وليدها بعد أن جردت من كل حقوقها (على ما جاء بالتوراة) تركها إبراهيم مع ابنها تواجه قدرا غامضا ولكنها المرأة الوحيدة في التوراة كلمها الله مرتين واوعدها أن يكثر نسلها(25) كان لديها الكثير من الخيارات ولكنها قدرت الأمومة أقواها جميعا فتنازلت عن كل رغباتها من اجل ابنها إسماعيل ولم تنسى إنها مصرية ولذا زوجته من امرأة مصرية(26). إنها النزعة القومية تظل برأسها من أقصى بداية من التاريخ.
رفقة ويعقوب
عندما ماتت سارة فرغ بيت إبراهيم من بنات الآراميين فحلف إبراهيم أن لا يزوج إسحاق من بنات الكنعانيين المقيم بين ظهرانيهم فأرسل عبده إلى أخيه ناحور من أرام النهرين ليأخذ رفقة حفيدة ناحور وكانت الفتاة جميلة وعذراء (27) . وهذا يعني أن العذرية كان يشار لها في زمن كانت الفتيات تقدم عذريتها على مذبح الآلهة وكان الاخيين يقومون بحفلات في موسم معين من السنة لغرض الإخصاب وعودة الحياة.
ان الغرض من هذا الزواج لإعادة وشائج القربى مع الأهل الذين هجرهم في بلاد آرام من جهة ومن جهة أخرى لم ينسجم النبي إبراهيم(ع) مع الكنعانيين بالرغم من معيشته بين ظهرانيهم وقد تبين إن الخيار موقفا فرفقة ليست أسيرة الخباء وثقتها بنفسها واضحة فقد سقت العبد وأبله وأخذت منه سوارين ودعته إلى بيت أبيها ولم يقرر أبوها تزويجها إلا بعد اخذ موافقتها(28). وقبلت أن تذهب معه. إن الإباء والشرف يتجلى واضحا فقد سارت مع العبد من ارض آرام إلى فلسطين دون أن يخدش حيائها وحلت رفقة محل سارة بعد أن أصبحت زوجة لإسحاق وما حصل مع سارة يعاد مع رفقة فقد نزل جوع بالأرض ونزل في جرار وقال هي أختي خوفا من أن يقتل وان ملك الفلسطينيين ابيمالك اطلع من طاق ورأى إسحاق يلاعب أخته و لام إسحاق لأنه ادعى ذلك وكاد القوم أن يضاجعها ؟
لماذا هذا الإصرار على جمال الإسرائيليات؟ وكيف كان سكن إسحاق قريب جدا من ملك الفلسطينيين؟ هل كان إبراهيم وإسحاق يحددان الهدف ولا يهمهما الموقف. ثم إن رفقة لها ولدان يعقوب وعيسوه واحدهما يمارس الرعي والآخر الزراعة فهي ليست صغيرة السن لتصبح مطمع للآخرين.
أراد إسحاق إعطاء البركة إلى ابنه البكر عيسوه ورفقة لا تريد ذلك وتقرر إعطاءها إلى يعقوب وقد يكون لرأي رفقة مبرراته فلا يمكن أن تذهب البركة الإلهية إلى من لا يستحقها فعيسوه إنسان الصيد والبرية(29). وباع بكوريته بالرغم من أهميتها إلى يعقوب من اجل لقمة طعام فهو إنسان همجي متبربر لا يفكر سوى في الحاضر المتمثل في الصيد ولقمة الطعام وإسحاق يحب عيسوه لأنه يجلب الصيد ويوفر العيش الذي أصبح عاجزا عنه إسحاق ومما زاد من كره رفقة له انه اتخذ زوجتين من الحثيين كانتا مصدر إزعاج لها ولإسحاق(30).
إنها امتداد لسارة وتأكيد لوجودها وهؤلاء الفتيات لن يأخذا محلها ولذا وضعت كل آمالها في يعقوب الإنسان الكامل ساكن الخيام (31). المخطط المفكر الذي يمثل الاطمئنان والهدوء وحياة الدعة والاستقرار ولم يتسرع بالزواج من بنات الحثيين لذا قررت رفقة أن تذهب بركة إسحاق إلى يعقوب بدلا من عيسوه خططت رفقة لذلك بمكر ودهاء كاملين ولم يثنى خوف يعقوب من انه أملس و أخيه اشعر فأعطته بكل صلابة ثياب عيسوه ليلبسها واكست عنقه ويديه جلد معز ليكون له ملمس عيسوه وأرسلت معه الأطعمة إلى أبيه الذي يعاني من ضعف في بصره ونال يعقوب البركة كما أرادت رفقة بعد أن أكد لأبيه انه عيسوه وليس يعقوب وهكذا بني التاريخ الإسرائيلي على كذبة كبيرة.
نفذت رفقة خطتها وسارت بها حتى الشوط الأخير ولم تبالي بارتعاد اسحق وقوله لعيسوه أن أخيك قد جاء بمكر واخذ بركتك(35). ولا بصراخ عيسوه عندما سمع أن أبيه أعطى البركة ليعقوب. تحملت المسؤولية بكاملها وتقبلت اللعنة عندما خشي يعقوب أن يكشف أمره وتحل عليه اللعنة وكان ردها أن يسمع قولها(33). لقد مسكت تاريخ بني إسرائيل بين يديها بعزيمة وإرادة امتزجتا بحب يعقوب ورسمت طريقا غير الطريق الذي أراده إسحاق إنها حواء الأخرى الأكثر فراسة من إسحاق بأولادها فجردت إنسان البرية وأعطت الإنسان الكامل حق قيادة شعب إسرائيل ووضعت مبدأ إن نجاح الفعل يكسبه الشرعية.
هدد عيسوه بأن يقتل يعقوب وهكذا عاد قابيل وهابيل من جديد ولا تريد رفقة ان تكون حواء لذا تقوم بتحذير يعقوب وللمرة الثانية تأمره أن يسمع قولها(34). ويهرب إلى أخيها لابان في حاران ولم يستطيع يعقوب أن يرفض فقد أوضحت إنها لا تريد أن تخسر كلاهما في يوم واحد. لقد كان بيت إسحاق يضم جحيم سارتر.
عيسوه يتدبر أمر الوجود بالقوة واليأس يمتلك نزعة شهوانية تتمثل في تعدد الزوجات اقترن اسمه بالبطش والقتل.
يعقوب الإنسان الواثق من نفسه يوازن بين العقل والأهواء بتدبير أمر الحياة بالحكمة فهو يتردد ويتنافس قبل الإقدام على عمل.
رفقة المرأة المهاجرة عليها أن تقيس الأمور ومصيرها مرتبط بولديها وإذا كانت تركت أهلها ومالها فعليها أن تتعامل مع الأحداث بدقة إسحاق الحاجز الذي يقف بين هؤلاء لمنع الاحتكاك والتآكل بينهم.
لم تستطع رفقة أن تندمج مع بنات الكنعانيين مع إنها عاشت بينهم قرابة أربعين عام ولذا أشارت على إسحاق بأن يأمر يعقوب بالزواج من بنات لابان الآرامي وهكذا استطاعت رفقة أن تضع حجر الأساس لبني إسرائيل.
ان الأحداث تشير إلى أن بيت إبراهيم وإسحاق ليس بيت نبوة بموجب سفر التكوين وإنهم على غرار الديانة الأثينية التي بفعل الأرباب في جبل الاولمبي ما يحلو لهم والفرق إن البيت التوراتي يتميز بوجود هدف وغاية وإنهم إغراب وسط أقوام قوية ماديا وعسكريا وعليهم التصرف بما تقتضيه المصلحة متذرعين بأن الرب هو الذي أمرهم.
يعقوب وزوجاته
بعد أن اختفت رفقة من على مسرح التاريخ الإسرائيلي تظهر لينه وراحيل بنات لابان الآرامي اخو رفقة كلاهما تزوج يعقوب ليتحول إلى أداة إنجاب فحين التقى يعقوب براحيل عند البئر التي يستقى منها الآراميون أحبها لأنها حسنة الوجه واعتملت من قلب يعقوب فكرة الحب والقرابة والزواج من أراميه فتقدم للخدمة مجانا للابان سبع سنين مقابل الزواج براحيل الابنة الصغرى وراقت الفكرة في عيني لابان ومن الممكن هذه بداية صداقة المرأة في التاريخ وهو الأول في التوراة (35).
وعندما انقضت المدة وفى لابان بوعده ولكن بدلا من ان يعطي راحيل أعطى لينه التي كانت لا تضارع راحيل في جمالها وفي الصباح أحس يعقوب بالخدعة بعد فوات الأوان إن الرغبة والظلام والحرمان جعلت يعقوب يستيقظ في الصباح ليرى إن زوجته لينه وليست راحيل (36).
لقد تنحى الحب جانبا واعتملت الرغبة البهيمة لتجد طريقها وسط الظلام ويبدو انه ليس هناك عقود زواج تلزم الرجل بالزواج من امرأة معينة والاتفاق على زواجه من راحيل له قيمة معينة والاتفاق على زواجه من راحيل له قيمة معنوية واجتماعية ولكنه لا يملك أي صيغة دينية بحيث تجعل زواجه من لينه غير شرعي وفى تلك العصور الموغلة تكررت الكثير من الحوادث الفردية مما دعا إلى إبرام عقود الزواج لكي تمنع كلا الطرفين من الإخلال بها كما أن الطلاق لا ذكر له على الرغم من إن لينه مكروهة عند يعقوب(39). ولم ترد إشارة إلى إن يعقوب حاول التخلص منها.ونشبت الغيرة بين الأختين خاصة وان لينه تتمكن من إنجاب الأطفال أما راحيل فلا والإنجاب فعل إرادة وكينونة وعندما تجد راحيل نفسها عاجزة عن الإنجاب تمنح جاريتها إلى يعقوب فالانجاب هو حياة وجاريتها تستطيع أن تقوم مقامها وهكذا الماضي يكرر نفسه فسارة تظهر مرة أخرى في شخص راحيل ولينه، والأخيرة عندما تتوقف عن الإنجاب تعطى جاريتها أيضا إلى يعقوب الذي لا هم له سوى إخصاب النسوة الأربعة والمرأة تستطيع أن تجعل زوجها يضطجع مع من تشاء وكأنه لا خيار له من ذلك فراحيل تؤجر يعقوب إلى لينه ليضاجعها من اجل لقاح أتى به أبن لينه(38).
لقد لعبت الغيرة والحسد اللذان اججا الصراع بين الأختين للظفر بيعقوب إلى إنجاب أثنى عشر ولدا ليكونوا في النهاية الأسباط الأنثى عشر الذين قدر لهم أن يدخلوا مصر. عملت المرأة بوعي أو لا وعي يخامرها هدف لا تعرفه على وجه الدقة أن تجعل من هذا الإنسان امة كاملة وكان لها ما أرادت لقد وحدت بين إرادتها والشعور الذي كان يخامرها عن إرادة الله كما ورد في التوراة.
قرر يعقوب أن يغادر ارض الآراميين (39)ولا يستطيع أن يقرر بدون راحيل وليئه فكل البركة من أموال ومواشي وعبيد بسبهن ولا يعنى شيئا لو انه غادر بلاد آرام بمفرده وكان لراحيل وليئه موقف موحد بأن أبانا باعنا وقيض ثمننا وان ما لديه من مال وغنى هو لنا ولأولادنا وعليك يا يعقوب أن تفعل ما أمرك الله به(40) والانفصال يتضمن مساومه أخرى لا تقل عن الأولى عندما باعهن بعمل يعقوب الذي أصيح أداة انتقام من الأب الجائر .لقد خضعن للأب والزمن بصبر نافذ يصاحبه تمرد في الأعماق وكان يعقوب أداة لإعادة الحق فكل ما كسبه لابان سيخسره بطريقه أخرى.
خرج يعقوب مع نسائه وأولاده وأمواله في غفلة عن لابان الذي اخذ يتودد إليه ووقفن البنات موقف المتفرج بعد أن نالت كل منهما ما تريد وأحكمت قبضتها على الموقف دون مراعاة لعواطف الأب وأعذار يعقوب المختلقة .
سرقت راحيل أصنام أبيها عن تعمد وإصرار ولم تبالي بابيها الذي طالب يعقوب بآلهته (41) ولم يستطع الأب العثور عليها لأنها أخفتهن بالجلوس فوقها.إنها المرأة التي تعمل حسب ما تقتضيه مصلحتها وربما سرقت الأصنام لأنها تنزع إلى الماضي والى أبناء جلدتها وتقاليدهم وعاداتهم ولا تريد ان تحرم منها ،أو أن الركب لا يصح أن يسير بدون صتم فتحل به لعنه.
هل راحيل تحب أباها والأصنام رمز له؟ وإنها ستتركه إلى غير رجعه؟ وهي التي لم تعترض ولم تستعمل دهائها وقدرتها على المناورة عندما زوج لابان ليئه بدلا عنها فقد استسلمت وامتحنت صدق عواطف الرجل الذي يسعى ليكون زوجا لها .وقفت الشريعة الموسوية موقفا حازما من آلهة الأقوام الأخرى وأصنام راحيل زرعت نواة الشك والريبة والتمرد الذي يشتعل أواره بين آونة وآخري وتبرير لكل التناقضات التي كانت تحصل داخل شعب إسرائيل (التمرد الذي حصل في صحراء سيناء). لقد زرعت هذه النواة في قلب الإيمان والتوحيد الذي كان في طوره الجنيني.
تعرض يعقوب وأولاده إلى محته خلال رحلتهم فعندما حل بين بني حمور تغرض احد أبناء حمور إلى ابنته لينه فضاجعها وأذلها ثم طلب يدها من أبيها فاشترط الأخوة تزويجها على أن تختن العائلة كلها وفى اليوم التالي دخل أشقائها شمعون ولاوي ليقتلا كل ذكر من بني حمور بحد السيف واخذوا أختهم دينه ودخل أولاد يعقوب فسبوا النساء والأطفال ونهبوا الثروات(42).
تغيرت الأمور وأصبح للمال والقوه العددية شأنا فالاعتداء على ابنة يعقوب جريمة ينتقم لها أولاد يعقوب.
ذهب زمان إبراهيم وإسحاق عندما كانا يتخفيان تحت الإخوة لحفظ حياتهما وكسب الأموال ولكن يعقوب لا يزال يحمل بذرة الخوف وتجاهل الأمور فيغضب من شمعون ولاوى ويعبر عن ذلك حتى قبل مماته. ويخشى مغبة فعلهما لأنه قليل العدد والقوه وبين أقوام لا ينتمي لهم(43) ولكن أولاد يعقوب كان لهم رأى آخر فإسرائيل يجب ان تكون مهابة الجانب بحماية شرف بناتها وزمن إسحاق وإبراهيم ولى ، وبظهور أولاد يعقوب تقلص دور المرأة في البيت الإسرائيلي .
ماتت راحيل اثر موت بنيامين ودفنت في بيت لحم وفرغ البيت من ليئه وراحيل مما جعل راؤبين بن بليئه يستغل غياب أبيه ليضاجع بلهه امة راحيل وسرية أبيه ولم يصدر أي رد فعل صارم من يعقوب أو أبناء بلهه ولكن الشريعة الموسوية حرمت ولعنت من يقترب من زوجة أبيه.
ثامار
هناك أمور تبدو وكأنها شائعة في تلك الأيام فئامار كنة يهوذا مات عنها ابنيه الأول والثاني وليس لها ولد فقال لها يهوذا اذهبي إلى بيت أبيك ويكبر أبنى الثالث ويكون لك ولد منه ولكن الزمن طال فجلست على طريق يهوذا كبغي فضاجعها يهوذا بعد أن أخذت منه رهن(44) وتتضح الأمور التالية:
•1- الزنا عاقبته الرجم لان ثامار بان عليها الحمل واتهمت بالزنا.
•2- ليس هناك تحريم لزواج الرجل من زوجة ابنه. موضوع تكثير النسل ضروري لهذه العائلة المشردة.
•3- ان الرهن لدا ثامار يشكل إحراج ليهوذا.
اذا كان يهوذا مارس الزنا فان يوسف لم يخضع لإغراء زوجة العزيز وفضل السجن على ارتكاب الخطيئة وسلوكه أكثر التزام ممن قبله ولا يختلف كثيرا عما في الكتاب الكريم ووقفت الشريعة الموسوية موقفا حازما من زنا المحارم، وتقوض دور المرأة وبدأت الأعراف تأخذ دورها لتصبح شريعة ويرد نص صريح لا لبس فيه لا تزني .لا تشته امرأة قريب.
ام موسى
أحس الفراعنة بالخطر من تكاثر العبرانيين وإنهم يشكلون خطرا بانضمامهم إلى أي جيش يغزو مصر وهذا ما حدث في بابل فأمر الفرعون بقتل كل صبى يولد ليحد من تكاثرهم وعندما ولد موسى كانت الأم أمام خيارين أما أن تضع الطفل في سفط على بردى وترميه في النهر أو يقتله الفرعون وآثرت الخيار الأول وقفت الأخت تراقب مصير الوليد الذي اخذ ليتربى في البيت الفرعوني وهذه الأخت كان نصيبها أن تتحول إلى برصاء وتحجز سبعة أيام خارج ألمحله لأنها رفضت زواج موسى من حبشيه مما يؤكد تضائل دور المرأة وتحول المجتمع إلى مجتمع ذكوري كما ورد (45).
لعبت نساء بني إسرائيل دورا في الخروج من مصر فقد شاركن الرجل في سلب الحلي من فضه وذهب من جاراتهن ونزيلات بيوتهن وربما كان الإحساس بان هذه الحلي هي نتاج عبوديتهم (46)
في سفر التكوين كانت المرأة تحمى الرجل كما في سارة وإبراهيم ورفقه ويعقوب وفي نهايات سفر التكوين أصبحت في موضع دفاع كما في دينه وأخوتها أما في سفر الخروج فيتدهور دورها فهي تتلقى الأوامر كما في سلب الحلي ومن ثم لا يحق لها إبداء رأيها
الشريعة
ترد الشريعة في سفر الخروج والعدد والأحبار وثنية الاشتراع
الزنا
يرد في الأسفار أعلاه تحذير لزواج الإسرائيلي من الأقوام المجاورة لأنهم يفجرون في أتباع ألهتهم وهذا يعنى شيوع الزنا واللواط(47)
المرأة الحامل
المرأة بعد ولادتها نجسه ولا يجوز ان تلامس الأقداس أو تدخل المذبح والتطهر في حالة الولد اقل من البنت ولا تقل كثيرا عن الحيوان الميت والأبرص وبعد تطهرها تقدم ذبيحة إلى الكاهن.(48)
إن الرجل في حالاته الخاصة والمرأة في حالة الطمث إذا جلس أي منهما على فراش أصبح نجس ولا يجوز لهما لمس الأقداس أو دخول المذبح(49)
المحارم
الأب وإلام لا يطلع على سؤتهما وكذلك زوجة الأب والأخت من الأم أو الأب وبنت الابن وبنت البنت
وامرأة العم وزوجة الابن وزوجة الأخ ولا يجوز الجمع بين الأختين ولا تقرب أمراه في طمثها وزوجة الصاحب لا يقترب منها. ويتوعد بالقتل من ضاجع زوجة أبيه كما فعل راؤبين فيقتل كلاهما ومن ضاجع كنته يقتل كلاهما كما فعل يهوذا. وان ضاجع رجل أمرآة وأمها يقتل كلاهما(50)
ابنة الكاهن إذا بذلت نفسها للفجور تحرق(51)
الكاهن لا يتزوج إلا فتاة بكر(52)
الخيانة
لم تتعرض التوراة إلى خيانة الرجل ولكن خيانة المرأة لها طقوس معينه
يقوم بتا الكاهن فهي تشرب ماء يوضع فيه من تراب المعبد ويحلف عليه يمين اللعنة فإذا ورمت بطنها تكون ملعونة في بني إسرائيل وبخلاف ذلك فهي بريئة (53)
النذر
إذا نذرت المرأة المتزوجة ولم يعترض زوجها فقد ثبت عليها النذر وكذلك البنت إن لم يعترض أبوها يثبت عليها النذر أما الأرملة والمطلقة فثابت النذر عليها وإذا سكت الزوج ومن ثم اعترض على النذر فقد حمل وزرها(54).
الميراث
يجب أن تتزوج الأرملة من عشيرة سبط أبيها حتى لا يخرج الميراث إلى السبط الذي تتزوج منه(55)
الزواج
إذا تزوج الرجل فتاة ليست عذراء فعلى الأب أن يبرز براءة ابنته إلى شيوخ المدينة وتكون له زوجه ولا يستطيع تطليقها وان لم تثبت براءتها فيرجمها أهل المدينة حتى الموت وإذا تزوج الرحل سبيه فلها الحق أن تبكى أباها شهر ثم تكون زوجة وإذا لم يردها فيطلقها حرة(56)
وإذا تزوج رجل امرأتين إحداهما مكروهة والأخرى محبوبة فالابن البكر من نصيب الأولى(57).
من حق الرجل أن يطلق المرأة إذا أنكر عليها شيئا وإذا تزوجت رجل آخر وطلقها لا يجوز أن تعود إلى الأول (58) وإذا تزوج الرجل لا يخرج إلى الجيش إلا بعد سنه ويتفرغ لبيته (59)
عندما يموت الزوج وليس للمرأة ولد منه لا يحق لها أن تتزوج بأجنبي بل تتزوج أخيه وكون ولدهما البكر باسم المتوفى حتى لا ينقرض نسله وإذا رفض الزواج من امرأة أخيه يستدعيه شيوخ المدينة وتتقدم له امرأة أخيه وتخلع نعله وتبصق في وجهه ويلقب خالع النعل (60) وإذا تشاجر رجلان وتقدمت زوجة احدهما لتخلص زوجها وأمسكت بسؤته فيجب أن تقطع كفها(61)
استطاعت هذه العائلة بطقوسها أن تحافظ على نفسها من الضياع وسط الأمم الأخرى فاستعملت الدين كقوة وسند لتحقيق أهدافها.
.
الهوامش
1- سفر التكوين ،فصل2،آية 7.
2- سفر التكوين ،فصل2،آية 21-23.
3- سفر التكوين ،فصل 3ية 1
4- سفر التكوين ،فصل3.آية 3
5- سفر التكوين ،فصل 2آية 17
6- سفر التكوين ،فصل 3آية 20
7- سفر التكوين ،فصل 4آية 1
8- سفر التكوين ،فصل 12آية 11
9- سفر التكوين ،فصل 12 ا ية 12
10- سفر التكوين ،فصل 12آية 15
11- سفر التكوين ،فصل 12 اية 16
12- سفر التكوين ،فصل12 ايه19-20
13- سفر التكوين ، فصل 13اية15 وفصل15 ايه18
14- سفر التكوين ، فصل 16 اية 6
15- سفر التكوين ،فصل 17اية 17
16- سفر التكوين ،فصل 17اية 17
17- سفر التكوين ،فصل 18 ايه 13
18- التكوين ،فصل 19اية 31-38
19- سفر التكوين ،فصل 26 اية 9
20- سفر التكوين ،فصل 29 اية 15
21- سفر التكوين ،فصل 31 اية 37
22- سفر التكوين ،فصل 29اية 12
23- سفر التكوين ،فصل 21اية 10
24- سفر التكوين ،فصل21 اية16
25- سفر التكوين فصل 21ايه15و16و18و17 وفصل16 ايه8
26- سفر التكوين فصل21 ايه 21
27- سفر التكوين ،فصل24ايه 16
28- سفر التكوين ،فصل 25 اية 57و58
29- سفر التكوين ،فصل27اية 3
30- سفر التكوين ،فصل 26اية 35
31- سفر التكوين فصل 25 آية 27
32- سفر التكوين فصل27 آية 35
33- سفر التكوين فصل 27 آية 12و13
34- سفر التكوين فصل 27 اية 43
35- سفر التكوين فصل 29 آية 19
36- سفر التكوين فصل 29 آيه 25
37- سفر التكوين فصل 29 اية 31
38- سفر التكوين فصل 30 اية 16
39- سفر التكوين فصل 31 آية 3
40- سفر التكوين فصل 31 آيه 14 و15 و16
41- تكوين فصل 31 ايه 33و34و35
42- تكوين فصل34 ايه 1-29
43- تكوين فصل 34 ايه 30
44- الخروج فصل 2ايه 1-6
45- الخروج فصل3 ايه 22 وفصل 12 ايه2
47- الخروج فصل 64 ايه 6
48- سفر الاحبار فصل 12
49- سفر الاحبار فصل15
50 - الاحبار فصل18
51- الاحبار فصل 21 ايه9
52- الاحبار فصل 21 ايه 14
53- العدد فصل 5 ايه12-28
54-العدد فصل 30- ايه3-16
55- العدد فصل 36
56- ثنية الاشتراع فصل 22 ايه14-12
57- ثنية الاشتراع فصل21 أيه 15-16
58- ثنية الاشتراع فصل24 ايه 1-4
59- ثنية الاشتراع فصل24 ايه5
60- ثنية الاشتراع فصل25 ايه 11-12
61-ثنية الاشتراع فصل25 ايه 5-10
د. آمال كاشف الغطا