الآيمو وليس الإيمو
كاظم فنجان الحمامي
من
الأخطاء اللفظية الشائعة في عموم البلدان العربية, عدم التمييز في النطق
بين (الآيمو) بمد الألف, وبين (الإيمو) بكسر الألف, وأحيانا يستخدمون اللفظ
الثاني عند التحدث عن المنظمة البحرية العالمية, وهو وان كان يشكل فارقا
بسيطا في اللفظ والكتابة لكنه يعد من الأخطاء المهنية الفادحة, والهفوات
الثقافية المضحكة, لأنه يقلب المعنى رأسا على عقب بسبب هذا التشابه اللفظي,
وشتان بين (الآيمو)
و(الإيمو).
فالإيمو (بكسر الألف) ظاهرة أخلاقية منحرفة, ونزعة غربية جديدة يتبناها المتهتكون والفاشلون ويتعايشون معها, بدأت
في أمريكا كتيار موسيقي لهواة موسيقى (الهارد روك) في أوائل الثمانينات,
وهي من رواسب جماعات (البانكس) المنقرضة, وينتمي إليها المراهقون الذين هم
دون سم الرشد من الجنسين, ويرتدون في العادة ملابس سوداء أو قاتمة، وسراويل
ضيقة أو فضفاضة جدا، مع تغطية المعصم، وتعليق الأوسمة العسكرية
والنياشين الحربية, ويكون شعر الذكور منسدلا من الأمام على الجبهة, ونافرا
من الخلف إلى الأعلى, وتميل الفتيات إلى وضع
الكحل بكثافة حول منطقة العينين، الأمر الذي يتعذر معه تحديد المساحة
الحقيقية للعين، إضافة إلى تلطيخ الوجه بالمساحيق الكثيفة والداكنة, التي
تحيلهن إلى حالة من التوحش المريب.
يتعمد
أتباع الإيمو التظاهر بالحزن, والتشاؤم, والصمت, والاكتئاب, والمجاهرة في
التعبير عن انفعالاتهم النفسية الممزوجة بالنحيب والبكاء, ويميلون إلى
العزلة والانطواء, ويمثلون نوعا من الانسحاب عن النشاطات الاجتماعية
العامة, ولا يتعاملون معها, ويظهرون دائما رغبتهم للموت عن طريق الانتحار,
وأحيانا يؤذون أنفسهم بإحداث جروح عميقة في أجسادهم, وقد اشتق اسم الإيمو (EMO) من الكلمة الانجليزية (Emotion), وتعني الانفعال, ويراد بها الإحساس المفرط,
ويصعب التمييز بين الإيمو الأنثى والإيمو الذكر, فعندهم يختلط الحابل بالنابل ويشاع بينهم التهتك الجنسي, وهم يعشقون الزعيم النازي (أدولف هتلر) ويتعاطفون معه, ويزعمون أن العالم لم يفهم قصده,
ما اضطره إلى الانتحار, ويضعون حلقات معدنية في الشفتين أو
الأذنين، بحيث يتحول الوجه إلى معرض قبيح للمعادن المختلفة التي تخترق
الجلد، وتشتبك مع تفاصيله لتخلق حالة بشرية مقززة تستدعي التأمل والتفكير.
اما الآيمو (بمد الألف) فهي
من أكبر المنظمات البحرية العالمية, وأكثرها انتشارا ونشاطا, ويعود
تأسيسها إلى عام 1948بموجب اتفاقية دولية أعدت وقتذاك لتنظيم النشاطات
الملاحية في عرض البحر, والنهوض بمستوى عمليات البحث والإنقاذ البحري نحو
الأفضل, بيد أن هذه الاتفاقية لم تدخل حيز التطبيق إلا في عام 1958, وكانت
المنظمة في الأصل تسمى المنظمة البحرية الدولية الاستشارية بين الحكومات,
ويطلق عليها آنذاك الأمكو (IMCO), ثم تغير اسمها إلى الآيمو (IMO) في عام 1982.
وبمناسبة
الحديث عن هذه المنظمة العملاقة وإصداراتها التنظيمية الواسعة, أجد نفسي
ملزما بتقديم أسمى آيات التقدير والفخر والاعتزاز إلى أخي وأستاذي الكابتن
واللواء البحري الركن المتقاعد (كامل كاظم الخفاجي), الذي ارتبط اسمه بهذه
المنظمة العتيدة, والذي يعود له الفضل منذ سبعينيات القرن الماضي في إصدار
عدة طبعات منقحة, ومعززة بالرسوم والجداول للقواعد الدولية لمنع التصادم في
البحر, وهي القواعد التي أنارت الطريق الصحيح
للأجيال البحرية المتعاقبة, وأرست الأسس الرصينة في ضبط مسارات السفن
البحرية, وتأمين سلامتها في بحار الله الواسعة, لقد طرز هذا الرجل الكبير
اسمه بحروف لا تنسى في ذاكرة الملاحة العربية, وجاءت جهوده الخيرة امتدادا
ملاحيا وثقافيا لجهود المرشد البحري الأكبر شهاب الدين احمد بن ماجد رحمه
الله, وهو العبقري الفذ الذي عرفه العالم المتقدم من خلال كتبه الرائعة
(الفوائد في أصول علم البحر والقواعد), و(حاوية الاختصار في أصول علم
البحار). . لقد كان العرب أول الأقوام التي ركبت البحر وسبرت أغواره
السحيقة, وكانوا أول الأمم التي تعلمت الملاحة, واستدلوا على مسالكها ومساراتها عن طريق النجوم
والكواكب, اما اليوم فكثير منهم لا يفرقون في النطق بين الآيمو والإيمو
وشتان بين الخيار والكافيار. .
منقول