من طرائف القضاء والمحاماة
محام مسن يكتب في لائحته (بيت العز يا بيتنا)
لتأكيد أهمية البيت لموكلته !
الوقت : صيف عام 2008
المكان : بغداد - محكمة أستئناف الكرخ / الكائنة بين منطقة الحرية وحي العدل
كانت لدي مرافعة لموكلتي المريضة ضد طبيبة عراقية وهي استاذة جامعية في كلية الطب أيضاً ، كنت أقف منتظراً تشكيل محكمة استئناف الكرخ بقضاتها الثلاثة (القاضي لطيف جبار علي والقاضي مثنى أحمد والقاضي سلمان الحديثي) .
كنت اتحدث مع المحاميين اللذان توكلا عن الطبيبة المذكورة ، فلاحظت ان هناك محام مسن جداً يجلس قرب المحاميين اللذان اتحدث معهما كان يتحدث ايضاً معنا عن دعواه ولاحظت انه كبير جداً وان مهنة المحاماة أصبحت شاقة عليه وبالفعل لم يسبق لي أن رأيته في المحاكم البغدادية المختلفة سابقاً مما يدل على (انحسار مد الموكلين عن شواطيء مكتبه) ! وان عصره الذهبي كمحام قد رحل منذ عقود من السنين وأخال ان أوج عمله وصعود نجمه كان في عقدي الستينات والسبعينات من القرن المنصرم وان تمسكه بالمهنة وعدم تقاعده هو بسبب بخس الراتب التقاعدي الذي لن يغني أو يسمن من جوع أو ربما توكل بهذه الدعوى لانها تخص قريب أو صديق له والله تعالى أعلم ، المهم سمعت من احد المحاميين من ينصحه بعدم تقديم لائحة قد كتبها ويزمع تقديمها للمحكمة ولكن يبدو ان المحامي المسن لم يقتنع ومصّر على تقديمها !!!
الآن بدأت المحاكمات بعد تشكيل المحكمة
نادى المنادي : فلان أبن فلان
وهكذا جاء دور صاحبنا المحامي المسن الذي بالكاد يستطيع الوقوف أمام المحكمة فكيف وهو يتكلم بصوت جهوري ؟!!
سأله رئيس المحكمة المعروف بجديته وعصبيته القاضي لطيف جبار علي :
(موجهاً كلامه للقاضي مسن) تفضل أستاذ ما هو ردك على الدعوى وكان المحامي المسن يقف على يمين هيئة المحكمة وهذا يعني في العرف القضائي أنه (وكيل المستأنف) والمحامي المسن هنا هو وكيل المستأنفة (المستأنف هو الطرف الذي يخسر الدعوى في المرحلة البدائية للدعوى أو قد يكسب الدعوى ولكن ليس كل ما أدعى وطالب به أمام محكمة البداءة) ومحامينا المسن هذا كان يدافع عن حق موكلته في النزاع حول عقار (بيت) ما ، وكي يكون دفاعه مثالياً فقد أبرز المحامي المسن لائحة تحريرية ووضعها أمام القاضي !
........ نظر القاضي لطيف للائحة وبدأ بالمطالعة ثم أمتقع وجهه وبدت على ملامحه علامات الغضب والتعجب ثم توقف عن المطالعة ونظر للمحامي المسن قائلاً بتعجب وعصبية :
– ما هذا يا أستاذ ! هل هذه لائحة أم ماذا ؟ كيف تكتب : (... أن البيت مهم وعزيز على موكلتي وانه كما قالت خالدة الذكر فائزة أحمد في أغنيتها الجميلة ... بيت العز يا بيتنا ... للدلالة على اهمية البيت الذي تربت فيه منذ طفولتها) !!! هل هذا كلام يكتب في لائحة ويقدم للمحكمة يا أستاذ ! (سكت المحامي المسن ولم ينبس ببنت شفة !) (القاضي وهو يواصل كلامه ...) هل تقصد أهانة وتحقير المحكمة بهذا القول : ... بيت العز يا بيتنا ... هل تغني امام المحكمة ! وهل يجوز ان تقول عن مطربة (خالدة الذكر) !! هل تعرف من هو خالد الذكر عندنا كمسلمين ؟!
... أستاذ أحذف هذه العبارات المسيئة للمحكمة في لائحتك والا سأعتبرك تتعمّد أهانة وتحقير المحكمة ...
نظرت للمحامي المسن وهو لا يعرف ماذا يفعل وقد حاول تبرير ما كتبه بأن البيت مهم وعزيز على موكلته ... كنا كحضور في قاعة المحكمة من محامين ومواطنين مستغربين وغير مصدقين لما فعله هذا المحامي المسن بل البعض كان يضحك من هذه المزحة غير المقصودة !!! نظرت للمحامي الذي كان يتحدث معه قبيل المرافعة فقال لي : قد حذرته من تقديم هذه اللائحة للمحكمة لكنه أصرّ على تقديمها !!
أليس هذا طريفاً حقاً !