سماحة المرجع الديني الفقيه الشيخ قاسم الطائي (دام ظله)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
الكثير من أصحاب النفوس المريضة عندما نتكلم معهم في دور الشيخ قاسم الطائي في بناء التيار الصدري يكون جوابه- بعد العجز- بإنكارهم للحقيقة..
سؤالنا: ما هو دور سماحة الشيخ الطائي (دام ظله) في بناء التيار الصدري؟
السيد سعد المولى
لا اعتقد منصفاً لا يعرف دور الشيخ الطائي في بناء التيار الصدري ولكن الشيخ قد ابتعد بنفسه عن دائرة الاستقواء بكلمات السيد الشهيد (قده) وهي كثيرة في حقه وقد آثر أن لا يذكرها، مما ولد بعد دخول العديد من الطلبة من أهل المصالح والأهواء والمتزلفين للآخرين من غض النظر وتعمد الإغماض عن دور الشيخ، مما ولد صوراً غائبة عن دوره العظيم ومن هنا فسأذكر ما يكون حجة دامغة لا ينكرها إلا من جحد بها وهو مستيقن لها.
وتسطير ما يعزز الدور الأساسي والرئيسي للشيخ الطائي يحتاج لسفر كبير لتتضح الشمس لكل ذي عينين، ولكن سأكتفي بما سأقول تاركاً الدور الكبير لمن يتصدى من المنصفين والمؤرخين للكتابة عن التيار الصدري ودورنا في بنائه.
تبدأ علاقة الشيخ بالسيد الشهيد (قدس سره) منذ أواسط الثمانينيات من القرن الماضي حينما كنا نراجعه في الاحتياطات الوجوبية التي يُرجع بها المحقق الخوئي (قده) المكلف إلى الغير ومن هنا بدأت ترتسم ملامح العلاقة ما بين الشيخ والسيد حيث استمرت في تلك الظروف الصعبة حينما كان حبيس داره ورهن الإقامة الجبرية من السلطة البعثية مما يعني خطورة زيارته بل المجازفة فيها ولكن الأمر عندنا سهل فقد خضنا غمار أحداث أصعب واخطر من ذلك بكثير، وقد استفهمناه في اخطر المسائل التي تتعلق بمواجهة البعث، وحال الاعتقال وهل يجوز للمعتقل قتل نفسه إذا أحس بخطر أن يكشف عن الآخرين، وهل يجوز استخدام العملة المزيفة، وهل.. وهل..، وكان يجيب أحياناً ويسكت أخرى، وكانت زيارتي له متقطعة بين كل زيارة وأخرى عدة شهور عند قدومي إلى النجف الأشرف، حتى انتهت الحرب العراقية الإيرانية.
وفي أثناء الانتفاضة حصلت عدة لقاءات مع السيد واستفهمناه رأيه في ديمومة الانتفاضة وإن كان السيد الخوئي لم يجعله ضمن اللجنة التي شكلها لإدارة المدينة، وقد اعتقلته السلطات مع أبنائه والسيد كلانتر من سرداب الجامعة الدينية، وبعد إطلاق سراحه زرناه واطلعنا على بعض تفاصيل التحقيق وما حصل في أثنائه، ثم تكررت اللقاءات بعد سفره ومجموعة من رجال الدين الشيعة والسنة إلى إيران لتقريب وجهات النظر، واطلعنا على بعض تفاصيل الزيارة وغرضها، ثم أن السيد (قده) قد تصدى للمرجعية الدينية في النجف وبدأ أبحاثه الخارجية ولا زلتُ خارج دائرة الحوزة حيث اعمل بعد خروجي من الدائرة في الأعمال التجارية في بغداد، وكان أول عمل ميداني قمنا به بعد تصديه إننا قمنا بنشر رسالته العملية المسماة (الصراط القويم) في بغداد، ومع تجار الشورجة خاصة، واستمرت العلاقة وكنا على وشك الانخراط في الحوزة العلمية والاغتراف من علوم أهل البيت عليهم السلام لولا الاعتقال من قبل جهاز المخابرات العامة اثر مشاركتنا بالانتفاضة الشعبانية في النجف وسفرنا إلى إيران بعدها والالتقاء بالمعارضة العراقية هناك حيث تم اعتقالي بعد رجوعي بمدة، وحينما خرجت من السجن بعد سنة التحقت بالحوزة وقد عممني سماحته مع آخر اسمه علي حميد وقال فيما قال (لك همة عالية) عندما نظر إلى عمامتي وحجمها، واستمرت علاقتي بسماحته وكنت من المقربين والملاحقين له في الدرس وفي البراني، وفي بعض ما يخص بالحوزة، وقد تطول تفاصيل علاقتي معه، ولكن الأكثر حضوراً لدروسه هو الكاتب حيث حضر معظمها إن لم يكن كلها حضوراً وتقريراً ومناقشة، يعرف ذلك جميع الطلبة ممن ارتبط بالسيد تقليداً وحضوراً.
وكنت محل ثقته في معظم الشؤون الحوزوية فيما يتعلق بتنظيم البراني، والقيام ببعض الأعمال ومنها إعطاء مسؤولية العبادات، والإجابة على الاستفتاءات الشرعية تحريرياً، حيث يمهرها بمهره الشريف، وتنظيم صلاة الجمعة حين الشروع فيها حيث وزعنا بعض الخطباء على مناطق في بغداد، وقد طلب مني الصلاة في بغداد فاعتذرت له لشدة ارتباطي بالدرس واعتنائي به وهو (قدس سره) يحترم ذلك ولكني شخصت البعض للقيام بالصلاة في بغداد كأمثال مؤيد الخزرجي، وقد دعمت صلاته ذات مرة بالصلاة خلفه وكذا السيد حازم الاعرجي، وكنت قد كتبت له بعض الخطب، ودعمنا المرحوم علي صادق (ره) ومشاركتنا في جملة أعمال المكتب وإعادة تنظيمه مع الشيخ علي حميد والمرحوم علي صادق والشيخ محمد اليعقوبي.
ومن حضورنا لدروسه الموقرة قررنا مبحث صلاة الجمعة في حياته، وقبله، وطلب مني بتنضيده ليقدم له بعد التنضيد ولكن القدر شاء أن يستشهد سيدنا (رضوان الله تعالى عليه) قبل أن يقدم له.
هذا وقد كنت أول من شهد له بالأعلمية حينما طلب بواسطة السيد سلطان كلانتر من طلبة بحثه الخارج أن يشهدوا له، ولم يشهد له بذلك إلا أنا.
ثم لما آلت الأمور إلى سماحته (قدس سره) وانتشار مرجعيته بفتح صلاة الجمعة شهد له البعض، وقد عرضت الشهادة جريدة الهدى آنذاك، وهذه هي المحاولة الثانية، أما الأولى فلم يشهد له البعض المذكور وقد تأذى (قدس سره) من ذلك، ومن وصول بعض الأخبار إليه عن البعض، واعتقد أن الأوراق المكتوبة من قبل الطلبة تحت يد السيد مقتدى الآن وقد كنت في خلال سنين دراستي الحوزوية قبل استشهاده من أهل الخبرة المشار إليهم بقبول الرأي وتوفيق التشخيص وقد رجع معظم العراقيين إلى سماحته بالتقليد فسببه شهادتنا له بالأعلمية وهذا أمر معروف لا ينكره إلا مكابر.
وكنت حاضراً في جميع صلوات الجمعة خلفه مباشرة إلا بعضاً منها على ما ذكرته لدعم بعض أئمة الجمعة، وحين شهادته (قدس سره) لم أوفق للمشاركة في مراسيم دفنه لأنني خرجت من البراني بعد صلاة العشاء في ليل شهادته لبعض الحوائج العائلية، وفوجئت بشهادته في الدار بعد مدة من تنفيذ الجريمة، وكانت القوات الأمنية متأهبة لمنع أي شخص من الوصول إلى المستشفى، وعتبي على البعض إذ لم يكلف نفسه بإخباري الخبر لأشارك في التشييع والدفن.
وقد سألني محمد الصافي في البراني من أول يوم بعد شهادته، بالحرف هل تدرّس بعد ذلك في جامع الرأس، فقلت له نعم وسأجعله أكثر حركة ودرساً من السابق، وحصل ما ذكرته، وهذا الشخص قد حضر عندي معظم الدروس ويعرف بالضبط ما هي مقدرتي العلمية، وأنه لم يفهم اللمعة إلا عندي كما اخبرني هو، ومن حظر معه عندي اللمعة أول مرة.
وقد التزمنا على أنفسنا رعاية كل من يمت بصلة إلى سيدنا الشهيد من الدرس، والرعاية الأبوية والاجتماعية، وكان المعظم يلوذ بنا في المهمات اذكر طلبة جامعة الصدر الدينية، ومنهم بالخصوص حسين الشمري وزير العدل الحالي، ومنهم طالب ميثم، وعلي خليفة وصلاح العبودي وعدي وعبد الأمير، وقد ترك الأخيران الحوزة، وأما من لم ينتسب للجامعة فقد درسنا الجميع بلا استثناء، ومنهم الشيخ قيس الخزعلي والسيد محمد الطباطبائي، والسيد جعفر الصدر، وكل من يعمل بالمكتب الآن، ولم نبخل عليهم بشيء.
واذكر للتاريخ إني صليت بجامع الرأس وقد صلى خلفي معظم طلبة السيد (قدس سره) بما فيهم الشيخ محمد اليعقوبي، إذ لم ير الطلبة مجوزاً للصلاة خلف أي شخص لم يقلد السيد أو وقف ضد صلاة الجمعة ولم يدعمها.
وقد امتلأ جامع الرأس بالطلبة وأقيمت صلاة الظهر والعصر لمدة يومين أو أكثر، مما اضطر السيد مقتدى الصدر المجيء إلى جامع الرأس طالباً مني عدم الصلاة بدعوى اعتراض الأمن، فقلت له لو كان ثمة اعتراض لأتوا إلي لأني أنا المصلي لا لك، وبررها باني أخاف عليك، قلت له أنا أخاف على نفسي أكثر منك واعرف كيف احميها، وقد وجدت قلقه واضحاً على هذه الصلاة التي سببت مواجهات مع بعض الطلبة فيما بعد سأذكرها في تفاصيل أخرى، قررت إنهاء صلاة الجماعة وكانت فتحاً وخنجراً أمام سلطات الأمن، استجابة لطلبه وتقديراً لذكرى والده (قدس سره) إذ أنا ملزم بالحفاظ عليه وعلى مكانته في ولده.
ثم حصل ما لا ينبغي ذكره فقد ولد سمو نجم الشيخ الطائي حساسية مفرطة عند السيد وبعض المتزلفين من الطلبة، لا حاجة لذكرها، انتقلت بعدها لحضور الدروس في جامع المظفر في شارع الطوسي (قدس سره).
ومع كل ما حصل من الإخوة لم أقف مكتوف الأيدي بعد السقوط ومحاولة السيد مقتدى التصدي للوقوف ضد الاحتلال، ففي أول مظاهرة قام بها واعتصامه في مسجد الكوفة كنت أول مناصر ومؤيد للخطوة مع ستين طالباً من طلبتنا بعد أن ترك السيد مقتدى وحده في الميدان لا من ناصر حوزوي ولا اجتماعي بل كان الجميع ضده حتى من أهالي النجف أنفسهم، وادعى بعض المقربين انه لم يقابل أحداً حتى تحقيق مطالب الاعتصام ولو قابل لكنت أولهم.
وقد شايعني الشيخ قيس الخز علي إلى خارج مسجد الكوفة.
وقبل ذلك، طلب مني بعض الطلبة أن احضر مسجد الكوفة في بعض الجمع لدعم السيد مقتدى، ورأيت من الواجب الأخلاقي ولحق أبيه علينا أن احضر وقد فعلت.
وعند محاصرة منزله أو مكتب السيد الشهيد من قبل الأمريكان، كنت أول من وصل إليه وتفقد حالته، وكان معنا السيد المرحوم النوري، كما وكنت أول من زاره حين رجوعه من أول زيارة له إلى إيران، وكان قد خرج لي لوحده في دار أخيه الشهيد مؤمل (قده).
وأما في مواجهات النجف الأولى والثانية، فلم يقبل فضلاً عن أن يؤيد ما قام به السيد وعناصر مكتبه وجيشه إلا أنا، وفتوانا في التأييد والدعم واستقبال المقاتلين في مكتبنا وتشجيع بعضهم، ومداراة المعظم شاخصة معروفة، لم يتجرأ احد على الاعتراض عليها أو ردها، ورفعنا كل الشبهات التي كانت تحوم حول المقاتلين وقد قصف مكتبنا مرتين وسرقت معظم حاجياته، ولم ينقطع مكتبنا أو يغلق بابه حتى في مواجهات النجف القديمة فقد استمر ليوم الثلاثاء قبل إيقاف القتال بيوم واحد.
كما وقمنا بحماية المرقد الشريف للإمام علي عليه السلام بعد هروب الكل من أفراد الشرطة والعاملين فيه وغيرهم ولمدة واحد وعشرين يوماً تحت رعايتنا وإشرافنا ولم يذكر هذه الفعلة ذاكر.
كما لم يذكر احد الطرفين من التيار أو أئمة الجمعة في اللقاءات الصحفية موقف مكتبنا من المناصرة، بل راح البعض يتبجح بأنهم تركوا لوحدهم لم يناصرهم احد من المكاتب والعلماء، وليُسأل قيس الخزعلي عن ذلك وكيف كان يبعث البعض طالباً الاستفتاء الذي حررناه لينشره على الجدران.
ومع كل هذا وغيره كثير، فقد قمنا بما قمنا به كرامة لسيدنا الشهيد وحفظاً على خطه الجليل وإنقاذ لذكراه العطرة وحقه علينا الذي إلى الآن لم يذكر عند البعض بما يستحقه كما يذكر الشهيد الأول (قده)، ولم يكن لأحد علينا من فضل بل كان الفضل لنا على الجميع، وهو جزء من وفاء سيدنا الشهيد (قدس سره).
ولم تقف قاطرة دعمنا ودورنا للتيار عند هذا الحد فقد امتد إلى دعم فصائل عديدة من العناوين ضمن المنظور الذي نعتقد بصحته وإن كانوا مرتبطين بالسيد مقتدى إدارياً، لأنهم يرجعون إلينا في الفتوى واخذ الإذن، ومن قاتل منهم في النجف يعرف ما هو الإذن الذي أعطيناهم إياه، كمنفذ ومتنفس لهم في حصارهم آخر أيام المواجهة.
وقد كنت ذات مرة في بيت السيد الشهيد (قده) مع السيد مقتدى ومعنا ثالث، وأخبرته بكل صراحة بأن حقنا على التيار ورعايتنا له اكبر من حقه ورعايته، وامتداد علاقتنا مع السيد الشهيد تسبق عمره ما قبل البلوغ، ولم نكن نريد منه شيئاً بل كنا نريد له الخير وإبداء النصح والإرشاد وذلك من حق أبيه علينا، والإنسان يحفظ في ولده.
هذا ما ذكرته وبإمكان المعظم منه أن يجد هذه الحقيقة وستظهر عاجلاً أم آجلاً وسيعرف المعظم كم قدم الشيخ الطائي للتيار وكم كان حريصاً على أدائه حتى في المجال السياسي حينما عرض لبعض المقربين من السيد مقتدى أن يدير العملية السياسية للتيار برمتها ومن وراء الحجب شريطة أن لا يذكر اسمه ولا يعرف من يديرها، كل ذلك إكراماً لسيدنا الشهيد وتقديراً لمواقفه وأفضاله علينا انطلاقاً من النص القرآني ((هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)).
وللكلام بقية...
قاسم الطائي
16 شعبان1432هـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
الكثير من أصحاب النفوس المريضة عندما نتكلم معهم في دور الشيخ قاسم الطائي في بناء التيار الصدري يكون جوابه- بعد العجز- بإنكارهم للحقيقة..
سؤالنا: ما هو دور سماحة الشيخ الطائي (دام ظله) في بناء التيار الصدري؟
السيد سعد المولى
لا اعتقد منصفاً لا يعرف دور الشيخ الطائي في بناء التيار الصدري ولكن الشيخ قد ابتعد بنفسه عن دائرة الاستقواء بكلمات السيد الشهيد (قده) وهي كثيرة في حقه وقد آثر أن لا يذكرها، مما ولد بعد دخول العديد من الطلبة من أهل المصالح والأهواء والمتزلفين للآخرين من غض النظر وتعمد الإغماض عن دور الشيخ، مما ولد صوراً غائبة عن دوره العظيم ومن هنا فسأذكر ما يكون حجة دامغة لا ينكرها إلا من جحد بها وهو مستيقن لها.
وتسطير ما يعزز الدور الأساسي والرئيسي للشيخ الطائي يحتاج لسفر كبير لتتضح الشمس لكل ذي عينين، ولكن سأكتفي بما سأقول تاركاً الدور الكبير لمن يتصدى من المنصفين والمؤرخين للكتابة عن التيار الصدري ودورنا في بنائه.
تبدأ علاقة الشيخ بالسيد الشهيد (قدس سره) منذ أواسط الثمانينيات من القرن الماضي حينما كنا نراجعه في الاحتياطات الوجوبية التي يُرجع بها المحقق الخوئي (قده) المكلف إلى الغير ومن هنا بدأت ترتسم ملامح العلاقة ما بين الشيخ والسيد حيث استمرت في تلك الظروف الصعبة حينما كان حبيس داره ورهن الإقامة الجبرية من السلطة البعثية مما يعني خطورة زيارته بل المجازفة فيها ولكن الأمر عندنا سهل فقد خضنا غمار أحداث أصعب واخطر من ذلك بكثير، وقد استفهمناه في اخطر المسائل التي تتعلق بمواجهة البعث، وحال الاعتقال وهل يجوز للمعتقل قتل نفسه إذا أحس بخطر أن يكشف عن الآخرين، وهل يجوز استخدام العملة المزيفة، وهل.. وهل..، وكان يجيب أحياناً ويسكت أخرى، وكانت زيارتي له متقطعة بين كل زيارة وأخرى عدة شهور عند قدومي إلى النجف الأشرف، حتى انتهت الحرب العراقية الإيرانية.
وفي أثناء الانتفاضة حصلت عدة لقاءات مع السيد واستفهمناه رأيه في ديمومة الانتفاضة وإن كان السيد الخوئي لم يجعله ضمن اللجنة التي شكلها لإدارة المدينة، وقد اعتقلته السلطات مع أبنائه والسيد كلانتر من سرداب الجامعة الدينية، وبعد إطلاق سراحه زرناه واطلعنا على بعض تفاصيل التحقيق وما حصل في أثنائه، ثم تكررت اللقاءات بعد سفره ومجموعة من رجال الدين الشيعة والسنة إلى إيران لتقريب وجهات النظر، واطلعنا على بعض تفاصيل الزيارة وغرضها، ثم أن السيد (قده) قد تصدى للمرجعية الدينية في النجف وبدأ أبحاثه الخارجية ولا زلتُ خارج دائرة الحوزة حيث اعمل بعد خروجي من الدائرة في الأعمال التجارية في بغداد، وكان أول عمل ميداني قمنا به بعد تصديه إننا قمنا بنشر رسالته العملية المسماة (الصراط القويم) في بغداد، ومع تجار الشورجة خاصة، واستمرت العلاقة وكنا على وشك الانخراط في الحوزة العلمية والاغتراف من علوم أهل البيت عليهم السلام لولا الاعتقال من قبل جهاز المخابرات العامة اثر مشاركتنا بالانتفاضة الشعبانية في النجف وسفرنا إلى إيران بعدها والالتقاء بالمعارضة العراقية هناك حيث تم اعتقالي بعد رجوعي بمدة، وحينما خرجت من السجن بعد سنة التحقت بالحوزة وقد عممني سماحته مع آخر اسمه علي حميد وقال فيما قال (لك همة عالية) عندما نظر إلى عمامتي وحجمها، واستمرت علاقتي بسماحته وكنت من المقربين والملاحقين له في الدرس وفي البراني، وفي بعض ما يخص بالحوزة، وقد تطول تفاصيل علاقتي معه، ولكن الأكثر حضوراً لدروسه هو الكاتب حيث حضر معظمها إن لم يكن كلها حضوراً وتقريراً ومناقشة، يعرف ذلك جميع الطلبة ممن ارتبط بالسيد تقليداً وحضوراً.
وكنت محل ثقته في معظم الشؤون الحوزوية فيما يتعلق بتنظيم البراني، والقيام ببعض الأعمال ومنها إعطاء مسؤولية العبادات، والإجابة على الاستفتاءات الشرعية تحريرياً، حيث يمهرها بمهره الشريف، وتنظيم صلاة الجمعة حين الشروع فيها حيث وزعنا بعض الخطباء على مناطق في بغداد، وقد طلب مني الصلاة في بغداد فاعتذرت له لشدة ارتباطي بالدرس واعتنائي به وهو (قدس سره) يحترم ذلك ولكني شخصت البعض للقيام بالصلاة في بغداد كأمثال مؤيد الخزرجي، وقد دعمت صلاته ذات مرة بالصلاة خلفه وكذا السيد حازم الاعرجي، وكنت قد كتبت له بعض الخطب، ودعمنا المرحوم علي صادق (ره) ومشاركتنا في جملة أعمال المكتب وإعادة تنظيمه مع الشيخ علي حميد والمرحوم علي صادق والشيخ محمد اليعقوبي.
ومن حضورنا لدروسه الموقرة قررنا مبحث صلاة الجمعة في حياته، وقبله، وطلب مني بتنضيده ليقدم له بعد التنضيد ولكن القدر شاء أن يستشهد سيدنا (رضوان الله تعالى عليه) قبل أن يقدم له.
هذا وقد كنت أول من شهد له بالأعلمية حينما طلب بواسطة السيد سلطان كلانتر من طلبة بحثه الخارج أن يشهدوا له، ولم يشهد له بذلك إلا أنا.
ثم لما آلت الأمور إلى سماحته (قدس سره) وانتشار مرجعيته بفتح صلاة الجمعة شهد له البعض، وقد عرضت الشهادة جريدة الهدى آنذاك، وهذه هي المحاولة الثانية، أما الأولى فلم يشهد له البعض المذكور وقد تأذى (قدس سره) من ذلك، ومن وصول بعض الأخبار إليه عن البعض، واعتقد أن الأوراق المكتوبة من قبل الطلبة تحت يد السيد مقتدى الآن وقد كنت في خلال سنين دراستي الحوزوية قبل استشهاده من أهل الخبرة المشار إليهم بقبول الرأي وتوفيق التشخيص وقد رجع معظم العراقيين إلى سماحته بالتقليد فسببه شهادتنا له بالأعلمية وهذا أمر معروف لا ينكره إلا مكابر.
وكنت حاضراً في جميع صلوات الجمعة خلفه مباشرة إلا بعضاً منها على ما ذكرته لدعم بعض أئمة الجمعة، وحين شهادته (قدس سره) لم أوفق للمشاركة في مراسيم دفنه لأنني خرجت من البراني بعد صلاة العشاء في ليل شهادته لبعض الحوائج العائلية، وفوجئت بشهادته في الدار بعد مدة من تنفيذ الجريمة، وكانت القوات الأمنية متأهبة لمنع أي شخص من الوصول إلى المستشفى، وعتبي على البعض إذ لم يكلف نفسه بإخباري الخبر لأشارك في التشييع والدفن.
وقد سألني محمد الصافي في البراني من أول يوم بعد شهادته، بالحرف هل تدرّس بعد ذلك في جامع الرأس، فقلت له نعم وسأجعله أكثر حركة ودرساً من السابق، وحصل ما ذكرته، وهذا الشخص قد حضر عندي معظم الدروس ويعرف بالضبط ما هي مقدرتي العلمية، وأنه لم يفهم اللمعة إلا عندي كما اخبرني هو، ومن حظر معه عندي اللمعة أول مرة.
وقد التزمنا على أنفسنا رعاية كل من يمت بصلة إلى سيدنا الشهيد من الدرس، والرعاية الأبوية والاجتماعية، وكان المعظم يلوذ بنا في المهمات اذكر طلبة جامعة الصدر الدينية، ومنهم بالخصوص حسين الشمري وزير العدل الحالي، ومنهم طالب ميثم، وعلي خليفة وصلاح العبودي وعدي وعبد الأمير، وقد ترك الأخيران الحوزة، وأما من لم ينتسب للجامعة فقد درسنا الجميع بلا استثناء، ومنهم الشيخ قيس الخزعلي والسيد محمد الطباطبائي، والسيد جعفر الصدر، وكل من يعمل بالمكتب الآن، ولم نبخل عليهم بشيء.
واذكر للتاريخ إني صليت بجامع الرأس وقد صلى خلفي معظم طلبة السيد (قدس سره) بما فيهم الشيخ محمد اليعقوبي، إذ لم ير الطلبة مجوزاً للصلاة خلف أي شخص لم يقلد السيد أو وقف ضد صلاة الجمعة ولم يدعمها.
وقد امتلأ جامع الرأس بالطلبة وأقيمت صلاة الظهر والعصر لمدة يومين أو أكثر، مما اضطر السيد مقتدى الصدر المجيء إلى جامع الرأس طالباً مني عدم الصلاة بدعوى اعتراض الأمن، فقلت له لو كان ثمة اعتراض لأتوا إلي لأني أنا المصلي لا لك، وبررها باني أخاف عليك، قلت له أنا أخاف على نفسي أكثر منك واعرف كيف احميها، وقد وجدت قلقه واضحاً على هذه الصلاة التي سببت مواجهات مع بعض الطلبة فيما بعد سأذكرها في تفاصيل أخرى، قررت إنهاء صلاة الجماعة وكانت فتحاً وخنجراً أمام سلطات الأمن، استجابة لطلبه وتقديراً لذكرى والده (قدس سره) إذ أنا ملزم بالحفاظ عليه وعلى مكانته في ولده.
ثم حصل ما لا ينبغي ذكره فقد ولد سمو نجم الشيخ الطائي حساسية مفرطة عند السيد وبعض المتزلفين من الطلبة، لا حاجة لذكرها، انتقلت بعدها لحضور الدروس في جامع المظفر في شارع الطوسي (قدس سره).
ومع كل ما حصل من الإخوة لم أقف مكتوف الأيدي بعد السقوط ومحاولة السيد مقتدى التصدي للوقوف ضد الاحتلال، ففي أول مظاهرة قام بها واعتصامه في مسجد الكوفة كنت أول مناصر ومؤيد للخطوة مع ستين طالباً من طلبتنا بعد أن ترك السيد مقتدى وحده في الميدان لا من ناصر حوزوي ولا اجتماعي بل كان الجميع ضده حتى من أهالي النجف أنفسهم، وادعى بعض المقربين انه لم يقابل أحداً حتى تحقيق مطالب الاعتصام ولو قابل لكنت أولهم.
وقد شايعني الشيخ قيس الخز علي إلى خارج مسجد الكوفة.
وقبل ذلك، طلب مني بعض الطلبة أن احضر مسجد الكوفة في بعض الجمع لدعم السيد مقتدى، ورأيت من الواجب الأخلاقي ولحق أبيه علينا أن احضر وقد فعلت.
وعند محاصرة منزله أو مكتب السيد الشهيد من قبل الأمريكان، كنت أول من وصل إليه وتفقد حالته، وكان معنا السيد المرحوم النوري، كما وكنت أول من زاره حين رجوعه من أول زيارة له إلى إيران، وكان قد خرج لي لوحده في دار أخيه الشهيد مؤمل (قده).
وأما في مواجهات النجف الأولى والثانية، فلم يقبل فضلاً عن أن يؤيد ما قام به السيد وعناصر مكتبه وجيشه إلا أنا، وفتوانا في التأييد والدعم واستقبال المقاتلين في مكتبنا وتشجيع بعضهم، ومداراة المعظم شاخصة معروفة، لم يتجرأ احد على الاعتراض عليها أو ردها، ورفعنا كل الشبهات التي كانت تحوم حول المقاتلين وقد قصف مكتبنا مرتين وسرقت معظم حاجياته، ولم ينقطع مكتبنا أو يغلق بابه حتى في مواجهات النجف القديمة فقد استمر ليوم الثلاثاء قبل إيقاف القتال بيوم واحد.
كما وقمنا بحماية المرقد الشريف للإمام علي عليه السلام بعد هروب الكل من أفراد الشرطة والعاملين فيه وغيرهم ولمدة واحد وعشرين يوماً تحت رعايتنا وإشرافنا ولم يذكر هذه الفعلة ذاكر.
كما لم يذكر احد الطرفين من التيار أو أئمة الجمعة في اللقاءات الصحفية موقف مكتبنا من المناصرة، بل راح البعض يتبجح بأنهم تركوا لوحدهم لم يناصرهم احد من المكاتب والعلماء، وليُسأل قيس الخزعلي عن ذلك وكيف كان يبعث البعض طالباً الاستفتاء الذي حررناه لينشره على الجدران.
ومع كل هذا وغيره كثير، فقد قمنا بما قمنا به كرامة لسيدنا الشهيد وحفظاً على خطه الجليل وإنقاذ لذكراه العطرة وحقه علينا الذي إلى الآن لم يذكر عند البعض بما يستحقه كما يذكر الشهيد الأول (قده)، ولم يكن لأحد علينا من فضل بل كان الفضل لنا على الجميع، وهو جزء من وفاء سيدنا الشهيد (قدس سره).
ولم تقف قاطرة دعمنا ودورنا للتيار عند هذا الحد فقد امتد إلى دعم فصائل عديدة من العناوين ضمن المنظور الذي نعتقد بصحته وإن كانوا مرتبطين بالسيد مقتدى إدارياً، لأنهم يرجعون إلينا في الفتوى واخذ الإذن، ومن قاتل منهم في النجف يعرف ما هو الإذن الذي أعطيناهم إياه، كمنفذ ومتنفس لهم في حصارهم آخر أيام المواجهة.
وقد كنت ذات مرة في بيت السيد الشهيد (قده) مع السيد مقتدى ومعنا ثالث، وأخبرته بكل صراحة بأن حقنا على التيار ورعايتنا له اكبر من حقه ورعايته، وامتداد علاقتنا مع السيد الشهيد تسبق عمره ما قبل البلوغ، ولم نكن نريد منه شيئاً بل كنا نريد له الخير وإبداء النصح والإرشاد وذلك من حق أبيه علينا، والإنسان يحفظ في ولده.
هذا ما ذكرته وبإمكان المعظم منه أن يجد هذه الحقيقة وستظهر عاجلاً أم آجلاً وسيعرف المعظم كم قدم الشيخ الطائي للتيار وكم كان حريصاً على أدائه حتى في المجال السياسي حينما عرض لبعض المقربين من السيد مقتدى أن يدير العملية السياسية للتيار برمتها ومن وراء الحجب شريطة أن لا يذكر اسمه ولا يعرف من يديرها، كل ذلك إكراماً لسيدنا الشهيد وتقديراً لمواقفه وأفضاله علينا انطلاقاً من النص القرآني ((هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)).
وللكلام بقية...
قاسم الطائي
16 شعبان1432هـ