القانون العراقي وحق المتهم في الدفاع عن نفسه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القاضي سالم روضان الموسوي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القاضي سالم روضان الموسوي
المنظومة القانونية العراقية ابتداء من قمة هرمها المتمثل بالدستور النافذ وتدرجا بالتشريعات والنصوص التي تتعامل مع حرية المواطن , كانت تولي أهمية كبرى لحماية الفرد فسعت إلى تنظيمها بموجب قوانين وقرارات ملزمة لكل السلطات ذات العلاقة سواء كانت تتصل بالتحقيق أم بغيره وتؤكد على مراعاة حق المواطن في الدفاع عن نفسه تجاه ما يتقدم به الغير عليه من اتهام أو شكوى .
وقانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (22) لسنة 1971 المعدل يعد الأساس الذي تسير عليه جميع الإجراءات المتعلقة بالجانب الجنائي من قبل كل السلطات التحقيق في جمهورية العراق وهى مختلف صورها واوصافها الا ما استثني منه بنص خاص يصدر على وفق احكام الدستور النافذ , ونرى فيه ان المشرع اعطى المواطن الحق في الدفاع عن نفسه من خلال تمكينه من الاجابة على ما وجه إليه من اتهام , وكذلك منح الفرصة باستخدام كل الطرق والوسائل المشروعة في تقديم ادلة برائته , ومنها حقه في توكيل محام للدفاع عنه , عملا بمفهوم حصر العمل بالاختصاص افضل من التخبط في سبل القانون الشائكة على من يفهمها كما ان المشرع قد التفت إلى نقطة مهمة تتمثل في الحال التي يكون عليها بعض المتهمين بتهم جنائية تصل عقوباتها إلى حدود قاسية جدا فاوجب على محكمة الجنايات انتداب محام للدفاع عن ذلك المتهم الذي اهمل حقه في توكيل محام له على وفق احكام المادة , وهذا بين مدى حرص المشرع على ضمان حق المواطنة في الدفاع عن نفسه ,وهذا التاكيد جاء نتيجة تقدير المشرع إلى الحالة التي يكون عليها المتهم عند مثوله امام المحكمة المختصة , حيث الاصل في ذلك ان المتهم له الحق والخيار في توكيل محام له أو المباشرة في الدفاع عن نفسه بذاته .
يتعرض المواطن احيانا إلى الاتهام ولا يتمكن من المثول امام الجهة التحقيقة التي وجهت إليه الاتهام بناء على شكوى مقامة من قبل أي مشتكي يملك الحق في ذلك بموجب الق. وفي هذه الحالة نرى وجهات نظر متباينة بين القضاء بين القضاة بشان قبول وكالة المحامي عن ذلك المواطن قبل مثوله امام السلطة التي استقدمته . اذ يرى بعضهم عدم وجود نص في القانون يجيز ذلك .عملا بحكم المادة (145) من قانون اصول المحاكمات الجزائية حيث نصت على (حضور وكيل المتهم لا يغني عن حضور المتهم ذاته )وهذا يعني عدم جواز توكل محامي والمباشرة في الدعوى عن المتهم الا بعد حضوره امام الجهة التحقيقية وهناك راي اخر يرى خلاف ذلك يتمثل بجواز قبول توكل المحامي عن المتهم والمباشرة في الدعوى قبل حضوره أو مثوله امام الجهة التحقيقية ونحن نرى صواب هذا الراي للاسباب التالية :-
أ- ان الاصل في الاشياء الاباحة والقيود التي ترد تكون على سبيل الاستثناء الذي لا يجوز التوسع فيه حيث نص الدستور النافذ على ان ( حق الدفاع مقدس ) وان قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة (1971 ) المعدل لم يرد فيه نص يمنع ذلك بشكل صريح , وان اصحاب الراي المخالف يفترضونه افتراضا غير صحيح وغير مبرر .
ب- من خلال قراءة احكام قانون اصول المحاكمات الجزائية قراءة معمقة سنرى ان المشرع سعى إلى تاكيد ذلك الحق من خلال الزام المحكمة باتنداب محام للمتهم ان هو رفض ممارسة حقه في ذلك ,كما ان نص المادة 145 اصولية المشار اليها اعلاه لم نر فيها ما يمنع التوكيل بل اجاز له الحضور الا انه لا يكفي وحده الا بحضور المتهم لان ذلك اجراء اجراءات المحاكمة وليس دور التحقيق , والفرق واضح بين ما يمنع من ممارسة حقه في التوكيل وبين ان لا يغني حضور وكيله عنه .
ت- بعد حضور المتهم واخلاء سبيله من التوقيف بكفالة أو حتى حالة توقيفه نرى ان للمحامي حق ممارسة الدفاع عن المتهم بدون حضوره امام سلطة التحقيق ويتقدم بطلبات ويناقش اجراءات المحكمة والشهادات المدونة ويحضر كل مراحل التحقيق وبدون حضور المتهم , مما يعني ان الاصل , له الحق الكامل في ان يمارس حقه في الدفاع عن موكله سواء كان حاضرا ام غائبا وتقديمه لدفوعه ولوائحه قبل حضوره ابتداء أو بعدها , ولا يؤثر ذلك في مركزه القانوني .
لذلك نرى ان حق الدفاع الذي اضفى عليه المشرع العراقي القدسية يملي على السلطات التحقيقية قبول وكالة المحامي عن المتهم في اية مرحلة تكون عليها القضية , وله ذلك حتى فبل مثول المتهم امام سلطة التحقيق , ولغرض حسم هذا الموضوع الذي يدور الجدل حوله باجتهادات متباينة قد تؤثر احيانا في حق المواطن الذي كفله الدستور نرى ان يتم التدخل تشريعيا بتاكيد ذلك الامر بنص صريح ينهي ذلك الاجتهاد القضائي والفقهي .