قصر سعدة في هيت يروي أسطورة الحب بين الأنبار والبصرة
في قرية العطاعط على ضفاف الفرات بقضاء هيت في محافظة الأنبار، نحو 180 كم غرب بغداد، يقوم قصر سعدة بنت الأحمد الذي شيد في العصر العباسي الثاني ليروي حكاية الفتاة الأنبارية الجميلة وما جرى لها مع الأمير الثري في منطقة الأبلّة في البصرة.
وإذ تتباين آراء المهتمين بالتراث والتاريخ حول قصة عشق الأمير البصري للجميلة الأنبارية فإن اتفاقا عاما يبرز بينهم إزاء الخطوط العريضة لتلك الحكاية التي أكدت انتماء سعدة بنت الأحمد لبلدتها وحنينها الجارف إليها الأمر الذي دفعها الى هجرة الأمير والعودة الى هيت حيث المياه والنواعير وأناشيد الحب الأزلية.
ثمن الحب
تقول الحكاية إن أحد أمراء البصرة المقيم في قرية المشراق بمنطقة الأبلّة تقدم لطلب يد سعدة، الفتاة الأنبارية فائقة الجمال. فرفضت في بادئ الأمر لكنها وافقت في ما بعد بشرط أن يقوم الأمير بكري وادي نهر قديم يمتد من هيت بالأنبار حتى البصرة، ويبلغ طوله مئات الكيلومترات فوافق الأمير على الشرط رغم صعوبة المهمة.
يقول الشاعر والروائي شاكر المشهداني في حديثه لـ"نيوزماتيك" إن "الأمير البصري، الذي نجهل اسمه، امتثل لطلب أهل العروس بأن يكري النهر من هيت إلى البصرة. كان طلباً تعجيزياً إذ لم يتعود سكان أعالي الفرات مصاهرة أهل الجنوب العراقي لبعد المنطقة وصعوبة تبادل الزيارات ونقل الأخبار".
ويستشهد المشهداني بكتاب "نهر مهر الهيتاوية" للباحث رشاد الخطيب الهيتي الذي يورد قصة مهر سعدة وهو كري النهر الذي عرف باللهجة المحلية بـ"كري سعدة" أو "جري سعدة".
ويقارن المشهداني بين حب الأمير البصري لسعدة بقصة نبوخذ نصر فيقول "مثلما خضع الملك نبوخذ نصر لشروط أهل أوميت حبيبته الجبلية المنشأ، والتي أراد أن يتخذها زوجة له فبنى لها الجنائن المعلقة حتى غدت واحدة من عجائب الدنيا السبع القديمة وذلك كي يرضي أهلها وكي لا تشعر بالغربة عن أرض ميديا دار وموقعها الآن في الجبال الممتدة بين إيران وشمال العراق في إقليم كردستان".
ويوضح المشهداني أن "الأمير البصري قام بكري نهر مندثر، وأجرى فيه الماء من الفرات إلى البصرة"، مضيفاً أن "ما يعزز هذه المعلومة هو أن النهر المستحدث يحمل ذات التسمية في كل من هيت وكربلاء والنجف والديوانية نزولا إلى منطقة الأبلّة في البصرة".
زفاف في النهريقول عضو جمعية التراث والثقافة في هيت نجاح ساسون، 60 سنة، في حديثه لـ"نيوزماتيك" إن "الروايات التاريخية تشير إلى أن الملك سابور الثاني هو من قام بكري النهر ليكون خندقاً دفاعيا ضد هجمات العرب على ملكه من جهة الصحراء". ويضيف "نستطيع القول أن سعدة زفت عبر هذا النهر إلى البصرة، وبذا تكون الرواية أكثر واقعية".
ويتابع نجاح ساسون "سعدة الأحمد لم تستطع المكوث في البصرة طويلاً لأنها تربت على الخضرة وأصوات النواعير، فأضناها الحنين وعادت الى ديار الأهل في قريتها غرب هيت".
ويوضح عضو جمعية التراث والثقافة في هيت أن "الروايات والأثر المنقول ترى أن سعدة نذرت أن تهدي خلخالها إلى صاحب أول ناعور ماء يصادفها في طريق عودتها إلى هيت، وقالت شعراً جاء فيه:
ما طاب لي في المشراق مصباحي ومبيتي يطيب لي ناعور يسقي نخل هيتِ".
ويعزز عضو المنتدى الأدبي في هيت الشاعر صلاح محيسن فرضية وجود النهر قبل قصة سعدى وعشق الأمير البصري لها فيقول لـ"نيوزماتيك" إن "النهر الذي حفره شابور أو سابور أو شاهبور الثاني وجد ليكون حاجزاً مائيا لحماية مدن غرب العراق ومنها هيت من هجمات قبائل الجزيرة، ويمتد من منطقة الحسنية حتى مدينة الأبلّة"ويضيف محيسن أن "المؤرخ العراقي المعروف حسين أمين تطرق الى هذه القصة فقال إنه مشى في بعض مناطق كري سعدة في منطقة الأبلّة بالبصرة والنجف، فوجد بعض القناطر التي بناها سابور الثاني على النهر. وبسبب الأمواج وخوفاً على مواكب العرس من الغرق زفت سعدة الى زوجها الأمير عبر النهر إلى منطقة الأبلّة في البصرة".
العروس تهدي خلخالها
ويتابع محيسن أن "العروسة لم تمكث في بيت الزوجية سوى شهرين إذ لم تستطع العيش هناك، فكان أن عادت وأهدت خلخالها الى صاحب أول ناعور صادفته في طريقها. خلعته وعلقتها على الناعور عند تخوم الديار في منقطة قرية الدرستانية".
وبعد عودة سعدة الى ديارها بنى لها والدها الشيخ الأحمد قصرا على ضفة الفرات مباشرة بشكل رباعي الأضلاع وبتصميم جميل، وعلى مساحة تبلغ 200 كم مربع. يتكون القصر من ثلاثة طوابق تشمل الأسس والسراديب وطبقتين علويتين أخريين. أما المواد المستعملة فهي النورة أو "الجير المطفأ" والحجر الصلب المقاوم للماء، أما داخله فيضم
نقوشا تعود الى الحقبة العباسية".
وينقل ساسون عن خميس عطيوي، أحد مؤرخي مدينة هيت قوله إن "قصر سعدة ظل مسكوناً حتى عام 1965 من قبل أسر من عشيرة باني لكن الفيضانات غمرته عام 1968.
واليوم يشكو سكان قرية العطاعط من الإهمال الذي يعانيه القصر. فيقول خضر الأسلمي إن "هيئة الآثار العراقية لم تتفقد قصر سعدة، ولم يلتفت إليه احد".
ويضيف أن "نيوزماتيك قد تكون أول الجهات الإعلامية تولي اهتماماً لهذا الموقع الأثري وتكشف قصته للعالم"، متمنياً أن "تكون هذه الزيارة مذكرة لدوائر الآثار والسياحة في العراق كي تبدي اهتماماً بالمواقع السياحية والأثرية".
في قرية العطاعط على ضفاف الفرات بقضاء هيت في محافظة الأنبار، نحو 180 كم غرب بغداد، يقوم قصر سعدة بنت الأحمد الذي شيد في العصر العباسي الثاني ليروي حكاية الفتاة الأنبارية الجميلة وما جرى لها مع الأمير الثري في منطقة الأبلّة في البصرة.
وإذ تتباين آراء المهتمين بالتراث والتاريخ حول قصة عشق الأمير البصري للجميلة الأنبارية فإن اتفاقا عاما يبرز بينهم إزاء الخطوط العريضة لتلك الحكاية التي أكدت انتماء سعدة بنت الأحمد لبلدتها وحنينها الجارف إليها الأمر الذي دفعها الى هجرة الأمير والعودة الى هيت حيث المياه والنواعير وأناشيد الحب الأزلية.
ثمن الحب
تقول الحكاية إن أحد أمراء البصرة المقيم في قرية المشراق بمنطقة الأبلّة تقدم لطلب يد سعدة، الفتاة الأنبارية فائقة الجمال. فرفضت في بادئ الأمر لكنها وافقت في ما بعد بشرط أن يقوم الأمير بكري وادي نهر قديم يمتد من هيت بالأنبار حتى البصرة، ويبلغ طوله مئات الكيلومترات فوافق الأمير على الشرط رغم صعوبة المهمة.
يقول الشاعر والروائي شاكر المشهداني في حديثه لـ"نيوزماتيك" إن "الأمير البصري، الذي نجهل اسمه، امتثل لطلب أهل العروس بأن يكري النهر من هيت إلى البصرة. كان طلباً تعجيزياً إذ لم يتعود سكان أعالي الفرات مصاهرة أهل الجنوب العراقي لبعد المنطقة وصعوبة تبادل الزيارات ونقل الأخبار".
ويستشهد المشهداني بكتاب "نهر مهر الهيتاوية" للباحث رشاد الخطيب الهيتي الذي يورد قصة مهر سعدة وهو كري النهر الذي عرف باللهجة المحلية بـ"كري سعدة" أو "جري سعدة".
ويقارن المشهداني بين حب الأمير البصري لسعدة بقصة نبوخذ نصر فيقول "مثلما خضع الملك نبوخذ نصر لشروط أهل أوميت حبيبته الجبلية المنشأ، والتي أراد أن يتخذها زوجة له فبنى لها الجنائن المعلقة حتى غدت واحدة من عجائب الدنيا السبع القديمة وذلك كي يرضي أهلها وكي لا تشعر بالغربة عن أرض ميديا دار وموقعها الآن في الجبال الممتدة بين إيران وشمال العراق في إقليم كردستان".
ويوضح المشهداني أن "الأمير البصري قام بكري نهر مندثر، وأجرى فيه الماء من الفرات إلى البصرة"، مضيفاً أن "ما يعزز هذه المعلومة هو أن النهر المستحدث يحمل ذات التسمية في كل من هيت وكربلاء والنجف والديوانية نزولا إلى منطقة الأبلّة في البصرة".
زفاف في النهريقول عضو جمعية التراث والثقافة في هيت نجاح ساسون، 60 سنة، في حديثه لـ"نيوزماتيك" إن "الروايات التاريخية تشير إلى أن الملك سابور الثاني هو من قام بكري النهر ليكون خندقاً دفاعيا ضد هجمات العرب على ملكه من جهة الصحراء". ويضيف "نستطيع القول أن سعدة زفت عبر هذا النهر إلى البصرة، وبذا تكون الرواية أكثر واقعية".
ويتابع نجاح ساسون "سعدة الأحمد لم تستطع المكوث في البصرة طويلاً لأنها تربت على الخضرة وأصوات النواعير، فأضناها الحنين وعادت الى ديار الأهل في قريتها غرب هيت".
ويوضح عضو جمعية التراث والثقافة في هيت أن "الروايات والأثر المنقول ترى أن سعدة نذرت أن تهدي خلخالها إلى صاحب أول ناعور ماء يصادفها في طريق عودتها إلى هيت، وقالت شعراً جاء فيه:
ما طاب لي في المشراق مصباحي ومبيتي يطيب لي ناعور يسقي نخل هيتِ".
ويعزز عضو المنتدى الأدبي في هيت الشاعر صلاح محيسن فرضية وجود النهر قبل قصة سعدى وعشق الأمير البصري لها فيقول لـ"نيوزماتيك" إن "النهر الذي حفره شابور أو سابور أو شاهبور الثاني وجد ليكون حاجزاً مائيا لحماية مدن غرب العراق ومنها هيت من هجمات قبائل الجزيرة، ويمتد من منطقة الحسنية حتى مدينة الأبلّة"ويضيف محيسن أن "المؤرخ العراقي المعروف حسين أمين تطرق الى هذه القصة فقال إنه مشى في بعض مناطق كري سعدة في منطقة الأبلّة بالبصرة والنجف، فوجد بعض القناطر التي بناها سابور الثاني على النهر. وبسبب الأمواج وخوفاً على مواكب العرس من الغرق زفت سعدة الى زوجها الأمير عبر النهر إلى منطقة الأبلّة في البصرة".
العروس تهدي خلخالها
ويتابع محيسن أن "العروسة لم تمكث في بيت الزوجية سوى شهرين إذ لم تستطع العيش هناك، فكان أن عادت وأهدت خلخالها الى صاحب أول ناعور صادفته في طريقها. خلعته وعلقتها على الناعور عند تخوم الديار في منقطة قرية الدرستانية".
وبعد عودة سعدة الى ديارها بنى لها والدها الشيخ الأحمد قصرا على ضفة الفرات مباشرة بشكل رباعي الأضلاع وبتصميم جميل، وعلى مساحة تبلغ 200 كم مربع. يتكون القصر من ثلاثة طوابق تشمل الأسس والسراديب وطبقتين علويتين أخريين. أما المواد المستعملة فهي النورة أو "الجير المطفأ" والحجر الصلب المقاوم للماء، أما داخله فيضم
نقوشا تعود الى الحقبة العباسية".
وينقل ساسون عن خميس عطيوي، أحد مؤرخي مدينة هيت قوله إن "قصر سعدة ظل مسكوناً حتى عام 1965 من قبل أسر من عشيرة باني لكن الفيضانات غمرته عام 1968.
واليوم يشكو سكان قرية العطاعط من الإهمال الذي يعانيه القصر. فيقول خضر الأسلمي إن "هيئة الآثار العراقية لم تتفقد قصر سعدة، ولم يلتفت إليه احد".
ويضيف أن "نيوزماتيك قد تكون أول الجهات الإعلامية تولي اهتماماً لهذا الموقع الأثري وتكشف قصته للعالم"، متمنياً أن "تكون هذه الزيارة مذكرة لدوائر الآثار والسياحة في العراق كي تبدي اهتماماً بالمواقع السياحية والأثرية".