الحديث عن أكلة العنبة والصمون
التي تفردت بها مدينة بغداد في ايام زمان
من الاكلات الشعبية التي كانت شائعة في ايام الخير في بغداد بين الاطفال وصغار الاولاد اكلة العمبة و صمون او الصمون و العمبة.
كنا نخرج من المدرسة و نحن احر من الجمر تحرقا اليها. لا نخرج من الباب الا و نرى بائع العمبة و صمون و معه ذلك البرميل الخشبي الصغير المليء بالعمبةالصفراء و سلة صغيرة مليئة بالصمونات الصغار. و معه سكينة صغيرة يشق بها الصمونة و ملعقة اصغر منها يدير بها شيئا من العنبة داخل الصمونة.
" عمي الله يخليك شوية جمالة."
يجيبنا الرجل فيضيف قطعة صغيرة اخرى من العمبة اذا كان كريما ، او ينهر بنا اذا كان بخيلا : " لا ابني لا. هذا كافي. هي كلها فلسين. تريد اطلعني كسر."
اكلة العمبة وصمون من الاكلات الشعبية التي تفردت بها مدينة
بغداد
العمبة موجودة في مصر و يزرعونها هناك، و لكنهم يأكلونها
كفاكهة حلوة و طرية. لم يعرف احد غير اهل بغداد اكل العمبة المخللة و المطيبة بالملح والفلفل والكاري المركز. وهي اكلة لم يعرفها اجدادنا العرب في العهد العباسي او العثماني. طالما تسائلت ، ما الذي جائنا بها و كيف تعلمنا عليها؟
اكتشفت ان من جاء بها الى العراق كان التجار اليهود العراقيون
الذين هاجروا الى الهند و استقروا في بومبي. عملوا على استيراد التمور و الخيول العربية من العراق و توريد التوابل الهندية الى الشورجة. و كانوا في الهند قد تعلموا على اكل العمبة المخللة بالكاري. صدروا عدة براميل منها الى سوق حنون في بغداد فذاقها ابناء الطائفة الموسوية و استلذوا بها و شاعت بينهم. و منهم انتقل استعمالها الى بقية سكان بغداد من مسلمين و نصارى. ارتبطت بصورة خاصة بأكل السمك المسقوف و الكبة البرغل، حتى لم يعد من الممكن ان نتصور سمكة مسقوف في شارع ابي نوآس بدون
عمبة و طماطا.
ومما يذكر ان اليهود العراقيين الذين هاجروا الى اسرائيل اخذوا معهم اكلة العمبة واشاعوها هناك. قالوا انه عندما اطلق صدام حسين صاروخا على اسرائيل سقط الصاروخ على حي اليهود العراقيين لأنه اشتم رائحة العمبة فيه فتوجه اليها.
العراقيون بصورة عامة لايحبون الكاري والفلفل الحار، ولكنهم
يهيمون بأكل العمبة حتى تعلق بها الصغار واولاد المدارس
وراح الكسبة والباعة المتجولون يدورون بها في الازقة والاسواق الشعبية وحول ملاعب الكرة و رياض الاطفال
تسمعهم ينادون بها: بفلسين، بفلسين، صمونة و عمبة بفلسين!
ايام خير يا عمي
كثيرا ما كانوا يضيفون اليها شرائح من الطماطا ايضا ليخففوا
من حدة الكاري و الفلفل. و بالطبع ، شرائح الطماطا المزروعة في
العراق ارخص من شرائح العمبة المستوردة من الهند. غير ان بعضهم اخذوا يزورون و يغشون الاولاد بأن يستبدلوا شرائح العمبة بشرائح البطاطا المسلوقة. وهكذا شاع بين الناس: اذا كنت تريد عمبة مضبوطة فروح اشتريها من اليهود في سوق حنون.
و كما اخذ اليهود العراقيون اكلة العمبة الى اسرائيل ، اخذنا نحن، ابناء العراق المغتربون اكل العمبة الى لندن و باريس. اصبح من المألوف ان ترى شيشة العمبة في اي دكان للمأكولات الشرقية في اوربا. و انا اكتب هذا الحديث بعد عودتي من المخزن التعاوني العراقي في رتشموند ، محملا بالخبز العراقي ، و طبعا شيشة العمبة.
و عندما استذكر كل ذلك و ايام بياعي العمبة و صمون في بغداد
اتذكر كيف ان كل هذه الشعبية التي احتلتها العمبة في المطبخ العراقي تعود لأؤلئك الرواد من التجار اليهود الذين رحلوا من البصرة و بغداد الى بومبي و كراتشي ، في يوم آخر من ايام
الخير.