الامام المهدي عليه السلام
وُلد الإمام الثاني عشر في 15 شعبان سنة 255 هجرية وبولادته أشرق أمل المعذبين والمقهورين في الدنيا.
أبوه : الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) . وأمّه : امرأة طاهرة تدعى "نرجس" من ذرّية " شمعون الصفا " أحد حواريّي المسيح (عليه السلام).
والمهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو آخر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ، وقد بشَّر به جدُّهُ محمد (صلى الله عليه وآله) في أحاديث متواترة بأنّه : يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
اسمه : محمد ، ولقبه : المهدي ، وكنيته : " أبو القاسم " ، فهو يحمل اسم سيدنا محمد وكنيته ، كما يحمل رسالة جدّه العظيم .
وهو الوليد الذي صدر الأمر بإلقاء القبض عليه قبل ولادته ، وكان الجواسيس يراقبون كل شاردة و واردة عن مولده ، ولكن الله نجّاه كما نجّى نبي الله موسى (عليه السلام) من فرعون ، وكما نجّى رسول الله إبراهيم (عليه السلام) من قبضة النمرود.
كان العباسيون في غاية القلق ، فوضعوا منزل الإمام الحسن العسكري تحت مراقبة شديدة ، واقتُحم المنزل بعد وفاة الإمام ، ولم يعثر الجواسيس والجلاوزة على شيء .
لقد اتّخذ الإمام كافّة الاحتياطات اللازمة ، وأحاط مولده المبارك بسرّية تامّة خفيت على الجميع باستثناء من يثق بهم الإمام العسكري ( عليه السلام ) ، وكان يأخذ منهم المواثيق والعهود بعدم تسرّب ذلك .
توفّي والده الإمام الحسن العسكري 260 هجرية وله من العمر 5 سنوات ، فكان إماماً صبياً ، كما أراد الله ليحيى (عليه السلام) النبوة وآتاه الله " الحكم صبيا " وكما أراد الله ذلك لعيسى ، وهو ما يزال في المهد.
لم يتحمّل الخليفة العباسي وجودَ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) فدّس إليه السمّ فمضى إلى ربّه شهيداً .
وقد بهرته عظمة الإمام ، إذ تعطّلت أسواق سامرّاء وهبّت الجموع لتشييع جثمانه الطاهر بقلوب حزينة وعيون باكية.
كان الجواسيس يراقبون كل شيء، لعلهم يرون أثراً للإمام المهدي . . لكن دون جدوى .
وكانت هذه فرصة لـ" جعفر الكذاب " لكي يُعلن نفسه إماماً.
لقد أشرفت الحكومة العباسية على تقسيم ميراث الإمام الشهيد ، وتعمّدت إسقاط المهدي من الحساب لمجّرد الاستفزاز والتأكد ، كما ظهر جعفر الكذاب وادعى الإمامة ، وتقدَّم للصلاة على أخيه الإمام للاستفادة من هذه الفرصة.
ولكن الصبي المبارك أحبط هذه المؤامرات ، وظهر فجأة ، فنحّى عمّه عن الصلاة على أبيه وتقدّم للصلاة لتسجيل وجوده أمام الناس ، ومن ثم الاختفاء بسرعة مدهشة حيّرت الحكومة في وقتها.
مولد الأمل :
زارت " حكيمة " ابن أخيها الإمام الحسن العسكري و مكثت عنده مدّة فلما أرادت مغادرة المنزل ، طلب الإمام من عمّته البقاء ، وأخبرها بأنّ " نرجس " ستلد الليلة وليدها المبارك.
تعجّبت حكيمة ، لأنها لم تجد على نرجس آثاراً تدلّ على الحمل.
فقال لها الإمام :
- إذا كان وقت الفجر ظهر الحمل لأنّ مثَلها مثَلَ أم موسى لم يظهر عليها الحمل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها ، لأن فرعون كان يشق بطون الحبالى في البحث عن موسى ، وابني هذا نظير موسى.
كانت حكيمة تراقب طوال الليل زوجة ابن أخيها .
وقبل أن يطلّ الفجر ، انتبهت نرجس ، وظهرت عليها آثار الإعياء ، وتمت الولادة على يد حكيمة.
وأمر الإمامُ (أبا عمر عثمان بن سعيد) أن يعقّ عن المولود المبارك عدداً من الشياه ، وأن يشتري كمية كبيرة من الخبز ويوزّعها مع اللحم على الفقراء والمساكين.
نرجس :
فتاة من الروم ، وكانت من بنات القياصرة . أمّها من ذرّية " شمعون الصفا " . أراد جدّها القيصر أن يزوِّجها من ابن أخيه.
وخلال مراسم الزواج ، انهارت الصلبان ، فتشاءم القيصر وأُلغي الزواج.
وصادف أن اشتعلت الحرب بين الروم والمسلمين ، فوقعت في الأسر وجيء بها إلى بغداد ، وعُرضت مع الجواري .
انطلق بشر الأنصاري من سامراء إلى بغداد بأمر الإمام الهادي ( عليه السلام ) ليشتري جارية كان الإمام قد حدّد له مواصفاتها.
وبعد أن استعرض " بشر " الجواري ، رأى ( نرجس ) أكثر الجواري شبهاً بالصفات التي حدّدها له سيّده .
وفي الطريق كشفتْ نرجس عن هويتها ، فإذا بها حفيدة القيصر ، وتحدّثت عن الملابسات التي أدّت إلى وقوعها في الأسر.
وبعد مدّة زوّج الهادي (عليه السلام) نرجس من ابنه الحسن.
وهكذا قُدِّر لهذه الفتاة أن تحمل في بطنها صبياً بشّرت بميلاده الأنبياء.
حياة الإمام المهدي ( عليه السلام ) :
تنقسم حياة الإمام إلى ثلاث مراحل :
الأولى : في عهد والده (الإمام الحسن العسكري) و تبلغ مدّتها 5 سنوات أي من حين ولادته سنة 255 هجرية . وحتى استشهاد والده الإمام العسكري (عليه السلام) . وخلال هذه المدّة كان الإمام يحافظ على ابنه ، فلا يراه أحد سوى بعض أصحابه والمقرّبين إليه . . خوفاً من تسرّب الأخبار إلى العباسيين وجواسيسهم الذين كانوا يراقبون منزل الإمام بدقّة.
المرحلة الثانية : تبدأ من استشهاد أبيه (عليه السلام) . . ظهر فيها فجأة فصلّى على جثمان والده ، ليثبت وجوده في حين أراد عمّه " جعفر " الاستفادة من هذه الفرصة ليعلن نفسه الإمام بعد وفاة أخيه.
وتمتدّ هذه الفترة سبعين سنة ، كان الإمام يتّصل خلالها بالناس عن طريق سفير يعيّنه ، وقد تعاقب على السفارة بين الإمام والناس أربعة سفراء هم كل من :
عثمان بن سعيد .
محمد بن عثمان .
الحسين بن روح .
علي بن محمد السمري .
وانتهت هذه المرحلة التي تُعرف بـ (الغيبة الصغرى) بوفاة السفير الأخير سنة 329 هجرية وقد أعلن قبل وفاته انتهاء السفارة ودخول الإمام المهدي مرحلة جديدة من حياته هي الغيبة الكبرى.
المرحلة الثالثة : وتبدأ سنة 329 وتعرف بـ (الغيبة الكبرى) وما تزال مستمرة حتى الآن حتى يأذن الله بظهور الإمام لينهض برسالته في تطبيق العدالة التي تنتظرها البشرية بفارغ الصبر. وعندها ستنتهي الحروب والشرور، ويعمّ الخير في أنحاء الأرض.
وخلال هذه الفترة الطويلة حدثت لقاءات عديدة بين الإمام والكثير من الناس ، منهم علماء عباقرة ومنم ناس بسطاء.
وقد سجّل التاريخ كثيراً من هذه اللقاءات التي لا يمكن لأحد أن يشكّ فيها .
نسمع كثيراً بالصحون الطائرة ، وكثير من البلدان أنشأت مؤسسات لدراسة هذه الظاهرة المحيّرة.
كثير من الناس رأى ذات ليلة صافية جسماً مضيئاً متألّقاً ينتقل بخفة ثم يختفي بسرعة بعد أن يترك آثاراً عجيبة.
درس العلماء هذه الظاهرة واستمعوا إلى إفادات وتقارير الشهود بينهم طلبة متعلمون ، وفلاحون بسطاء وعلماء ومهندسون.
وانتهى العلماء إلى نتيجة أن هناك أجساماً غريبة تأتي إلى الأرض من كواكب أخرى أو من أماكن مجهولة في كوكبنا وأنه لا يمكن إنكارها أبداً.
ونحن اليوم أمام ظاهرة أخرى أقوى بكثير من الصحون الطائرة ألا وهي ظاهرة المهدي الموعود الذي بشَّر به سيدُنا محمد (صلى الله عليه وآله) ، وملفّ الإمام لا يمكن قياسه أبداً بملفّ الصحون الطائرة.
فهناك وثائق تاريخية كثيرة تشير إلى ولادته ، وهناك أناس لا يمكن إنكار شهادتهم في رؤيته.
وفي عصرنا الحاضر سجل بعض الناس مشاهدتهم للإمام ولقاءهم به ، وهم علماء كبار جداً ، ولم يكن لهم في ذلك مصلحة ما ، وقد أشاروا إلى ذلك بعد أن انتقلوا إلى رحمة الله.
أما في زمن العباسيين ، فإن أيّ ادّعاء من هذا القبيل كان يعرِّض صاحبه للإعدام ، ومع ذلك صمَد السفراء على مدى سبعين سنة على مواقفهم ، رغم المخاطر التي تترتّب على ذلك.
واليوم ، عندما نطَّلع على ملفّ الإمام المهدي نجد شهادات كثيرة لا يمكن إنكارها تشير إلى وجود الإمام المهدي وأنه يحيا حياة عادية ولكنه يخفي هويته إلى أن يحين الوقت المناسب للظهور والنهوض بمهمته الإلهية الكبرى في تحقيق العدالة الإنسانية في الأرض.
الإنتظار :
يُطلق شيعةُ أهل البيت (عليهم السلام) على الإمام المهدي " المنتظَر " أي الرجل الذي ينتظر الناسُ ظهوره.
المسلمون يؤمنون بظهور المهدي (عجل الله فرجه) لأنّ سيدنا محمّداً بشّر بظهوره ، فقد روى كثير من الصحابة أنّهم سمعوا النبي (صلى الله عليه وآله) يقول : يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه اسمي و كنيته كنيتي يملأ الأرض عدلاً.
كما سمعوه يقول : المهدي من عترتي ومن ولد فاطمة.
صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وشيعة أهل البيت (عليهم السلام) يهتمّون بأخبار سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله) وأخبار وصيّه عليّ (عليه السلام) والأئمة من ولد فاطمة ، وهم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، لهذا سجّلوا تاريخ ولادته وهي سنة 255 هجرية وسجّلوا الوثائق التي تؤيّد وجوده ، وتحقَّق لديهم صدق سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله) الذي أشار إلى أن الأئمة اثنا عشر كلّهم منهم قريش ، فاتباع مذهب أهل البيت هم وحدهم يفسِّرون حديث رسول الله ، في حين بقيت المذاهب الأخرى حائرة فلا هم يستطيعون إنكار حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا هم يستطيعون أن يفسّروه التفسير المقنع والمناسب.
عمر الإمام :
يبلغ عمر الإمام المهدي اليوم 1160 سنة . السؤال هنا : كيف يعيش الإنسان كل هذه السنين ؟
الجواب : إن الله قادر على كل شيء . . . لقد عاش سيدنا نوح ( عليه السلام ) مدّة طويلة . وقد ذكر القرآن انه بقي يدعو قومه إلى دين الله 950 سنة ، غير العمر الذي سبق الدعوة والعمر الذي قضاه النبي (عليه السلام) بعد حادثة الطوفان . وعندما نقرأ القرآن نجد قصة نبي الله يونس الذي ابتلعه الحوت قال الله سبحانه : ولولا أن كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون أي إلى يوم القيامة . وقصة سيدنا المسيح (عليه السلام) عندما أراد اليهود قتله ، فرفعه الله إليه ، فصلبوا شخصاً آخر اشتبهوا في أنه المسيح كما ورد ذلك في القرآن الكريم.
ظهور المهدي :
ليس المسلمون وحدهم ينتظرون ظهور المهدي ، لينشر العدل والخير ، ويقضي على الظلم والشر.
فالاعتقاد بظهور مخلّص للبشرية سائد في الديانات القديمة.
اليهود يعتقدون ويبشِّرون بظهور المسيح الذي ينقذ البشرية مما تعانيه ، وعندما ظهر المسيح (عيسى بن مريم) أنكروه ، وسعوا إلى قتله ، أما اليوم فإن الكثير منهم ينتظر المسيح الذي سيظهر في آخر الزمان.
والمسيحيون ينتظرون اليوم عودة المسيح لإنقاذ العالم من الظلم والشرور ، كما يؤمن اتباع زرادشت بظهور مخلّص من ذرية زرادشت.
لقد بشّر النبي موسى (عليه السلام) في التوراة بظهور السيد المسيح (عليه السلام) وعندما ظهر المسيح أنكره اليهود.
وقد بشرَّ المسيح (عليه السلام) في الإنجيل بظهور سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله) فلما ظهر كذبه اليهود وأنكره بعض المسيحيين.
وقد بشر سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله ) بظهور المهدي ( عجل الله فرجه ) في آخر الزمان وعلى هذا يجب أن نؤمن بظهوره ونصدّقه ولا نكون مثل اليهود والنصارى.
قصة من التاريخ :
جاء وفد من مدينة قم إلى سامراء ، ومع أفراد الوفد أموال ، يريدون تسليمها إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) . وعندما وصلوا اكتشفوا أن الإمام الحسن قد توفي ، فقالوا : من نعزّي ؟ فأشار الناس إلى أخيه جعفر، فدخلوا عليه وعزّوه وهنّأوه بالإمامة، وقالوا له : إن معنا أموالاً ورسائل ، فإن أخبرتنا عن أصحابها دفعناها إليك.
فنهض غاضباً ، وقال : تريدون مني أن أعلم الغيب.
فخرجوا حائرين . وإذا برجل يلحقهم ، ويدعوهم من قِبل الإمام المهدي ، فعادوا والتقوا الإمام الذي أشار إلى علاماتٍ جعلتهم يؤمنون به ويسلّمونه الأموال.
فأوصاهم بأن لا يحملوا الأموال إلى سامراء وأن يتصلوا بوكلائه في بغداد.
وقد حاول " جعفر الكذاب " أن يأخذ الأموال بالقوّة عن طريق الخليفة ، فألقي القبض على أمّ الإمام ، فأنكرت كلَّ شيء.
وفي الأثناء توفي الوزير " ابن خاقان " واشتعلت ثورة الزنج فانصرف العباسيون لحلّ مشاكلهم.
المعتضد العباسي :
شعر الخليفة المعتضد بأنّ شيئاً ما يدور في الخفاء ، وقد حاول عدّة مرّات القبض على الإمام ، وفي كل مرّة كان يواجه الفشل ، وكان الله سبحانه يحوط الإمام برعايته ، وظلّ الإمام يتّصل باتباعه ممن يمكن الوثوق بهم والاعتماد عليهم.
وشيئاً فشيئاً خفّت تلك الاتصالات بعد أن أثبت الإمام المهدي وجوده ، وتعوَّد الناس على الاتصال به من خلال أشخاص معدودين كسفراء ووكلاء.
العدالة :
الأرض مليئة بالخيرات ، خلقها الله سبحانه ووفّر فيها كل شيء لسعادة الإنسان.
أرضنا مليئة بالنعم ، مليئة بالجمال ، المطر يهطل كل عام ، فتزدهر الأرض خضرة ، وتدور الفراشات فرحة بعودة الربيع ، ولكن الإنسان وعندما يصغي إلى الشيطان و يتّبع خطاه يحيل كل شيء إلى خرائب . . تشتعل الحقول الخضراء و تتحول إلى رماد بسبب شرور الحرب ، والأطفال يُقتلون دون سبب وهم أجمل من الطيور والفراشات ، والناس يجوعون ، وأتباع الشيطان يرمون القمح في البحر لأنه يفيض عن حاجة السوق ويؤثر على الأسعار.
والعلماء ينفقون عمرهم ليصنعوا قنابل جرثومية تنشر المرض وتقتل الأبرياء.
العالم مليء بالفساد والظلم والقهر ، والناس ينتظرون من يخلّصهم من الظلم ، وينقذهم من الفساد والإنحراف ، ويوفّر لهم الحياة الكريمة المفعمة بالسعادة والفرح والأمل.
أسئلة :
لماذا أُحيطت ولادة الإمام بالسرية ؟
هل هناك تشابه بين الإمام المهدي ( عجل الله فرجه ) وسيدنا نوح ( عليه السلام ) ، اذكر وجه التشابه ؟
ما هي الغيبة الصغرى ، وكم تبلغ مدتها ؟
اذكر حديثاً لسيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله ) يشير فيه إلى ظهور المهدي (عجل الله فرجه) ؟
هوية الإمام :
الاسم : محمّد .
اللقب : المهدي .
الكنية : أبو القاسم .
اسم الأب : الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) .
اسم الأم : نرجس .
تاريخ الولادة : 15 / شعبان / 255 هجري .
وُلد الإمام الثاني عشر في 15 شعبان سنة 255 هجرية وبولادته أشرق أمل المعذبين والمقهورين في الدنيا.
أبوه : الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) . وأمّه : امرأة طاهرة تدعى "نرجس" من ذرّية " شمعون الصفا " أحد حواريّي المسيح (عليه السلام).
والمهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو آخر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ، وقد بشَّر به جدُّهُ محمد (صلى الله عليه وآله) في أحاديث متواترة بأنّه : يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
اسمه : محمد ، ولقبه : المهدي ، وكنيته : " أبو القاسم " ، فهو يحمل اسم سيدنا محمد وكنيته ، كما يحمل رسالة جدّه العظيم .
وهو الوليد الذي صدر الأمر بإلقاء القبض عليه قبل ولادته ، وكان الجواسيس يراقبون كل شاردة و واردة عن مولده ، ولكن الله نجّاه كما نجّى نبي الله موسى (عليه السلام) من فرعون ، وكما نجّى رسول الله إبراهيم (عليه السلام) من قبضة النمرود.
كان العباسيون في غاية القلق ، فوضعوا منزل الإمام الحسن العسكري تحت مراقبة شديدة ، واقتُحم المنزل بعد وفاة الإمام ، ولم يعثر الجواسيس والجلاوزة على شيء .
لقد اتّخذ الإمام كافّة الاحتياطات اللازمة ، وأحاط مولده المبارك بسرّية تامّة خفيت على الجميع باستثناء من يثق بهم الإمام العسكري ( عليه السلام ) ، وكان يأخذ منهم المواثيق والعهود بعدم تسرّب ذلك .
توفّي والده الإمام الحسن العسكري 260 هجرية وله من العمر 5 سنوات ، فكان إماماً صبياً ، كما أراد الله ليحيى (عليه السلام) النبوة وآتاه الله " الحكم صبيا " وكما أراد الله ذلك لعيسى ، وهو ما يزال في المهد.
لم يتحمّل الخليفة العباسي وجودَ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) فدّس إليه السمّ فمضى إلى ربّه شهيداً .
وقد بهرته عظمة الإمام ، إذ تعطّلت أسواق سامرّاء وهبّت الجموع لتشييع جثمانه الطاهر بقلوب حزينة وعيون باكية.
كان الجواسيس يراقبون كل شيء، لعلهم يرون أثراً للإمام المهدي . . لكن دون جدوى .
وكانت هذه فرصة لـ" جعفر الكذاب " لكي يُعلن نفسه إماماً.
لقد أشرفت الحكومة العباسية على تقسيم ميراث الإمام الشهيد ، وتعمّدت إسقاط المهدي من الحساب لمجّرد الاستفزاز والتأكد ، كما ظهر جعفر الكذاب وادعى الإمامة ، وتقدَّم للصلاة على أخيه الإمام للاستفادة من هذه الفرصة.
ولكن الصبي المبارك أحبط هذه المؤامرات ، وظهر فجأة ، فنحّى عمّه عن الصلاة على أبيه وتقدّم للصلاة لتسجيل وجوده أمام الناس ، ومن ثم الاختفاء بسرعة مدهشة حيّرت الحكومة في وقتها.
مولد الأمل :
زارت " حكيمة " ابن أخيها الإمام الحسن العسكري و مكثت عنده مدّة فلما أرادت مغادرة المنزل ، طلب الإمام من عمّته البقاء ، وأخبرها بأنّ " نرجس " ستلد الليلة وليدها المبارك.
تعجّبت حكيمة ، لأنها لم تجد على نرجس آثاراً تدلّ على الحمل.
فقال لها الإمام :
- إذا كان وقت الفجر ظهر الحمل لأنّ مثَلها مثَلَ أم موسى لم يظهر عليها الحمل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها ، لأن فرعون كان يشق بطون الحبالى في البحث عن موسى ، وابني هذا نظير موسى.
كانت حكيمة تراقب طوال الليل زوجة ابن أخيها .
وقبل أن يطلّ الفجر ، انتبهت نرجس ، وظهرت عليها آثار الإعياء ، وتمت الولادة على يد حكيمة.
وأمر الإمامُ (أبا عمر عثمان بن سعيد) أن يعقّ عن المولود المبارك عدداً من الشياه ، وأن يشتري كمية كبيرة من الخبز ويوزّعها مع اللحم على الفقراء والمساكين.
نرجس :
فتاة من الروم ، وكانت من بنات القياصرة . أمّها من ذرّية " شمعون الصفا " . أراد جدّها القيصر أن يزوِّجها من ابن أخيه.
وخلال مراسم الزواج ، انهارت الصلبان ، فتشاءم القيصر وأُلغي الزواج.
وصادف أن اشتعلت الحرب بين الروم والمسلمين ، فوقعت في الأسر وجيء بها إلى بغداد ، وعُرضت مع الجواري .
انطلق بشر الأنصاري من سامراء إلى بغداد بأمر الإمام الهادي ( عليه السلام ) ليشتري جارية كان الإمام قد حدّد له مواصفاتها.
وبعد أن استعرض " بشر " الجواري ، رأى ( نرجس ) أكثر الجواري شبهاً بالصفات التي حدّدها له سيّده .
وفي الطريق كشفتْ نرجس عن هويتها ، فإذا بها حفيدة القيصر ، وتحدّثت عن الملابسات التي أدّت إلى وقوعها في الأسر.
وبعد مدّة زوّج الهادي (عليه السلام) نرجس من ابنه الحسن.
وهكذا قُدِّر لهذه الفتاة أن تحمل في بطنها صبياً بشّرت بميلاده الأنبياء.
حياة الإمام المهدي ( عليه السلام ) :
تنقسم حياة الإمام إلى ثلاث مراحل :
الأولى : في عهد والده (الإمام الحسن العسكري) و تبلغ مدّتها 5 سنوات أي من حين ولادته سنة 255 هجرية . وحتى استشهاد والده الإمام العسكري (عليه السلام) . وخلال هذه المدّة كان الإمام يحافظ على ابنه ، فلا يراه أحد سوى بعض أصحابه والمقرّبين إليه . . خوفاً من تسرّب الأخبار إلى العباسيين وجواسيسهم الذين كانوا يراقبون منزل الإمام بدقّة.
المرحلة الثانية : تبدأ من استشهاد أبيه (عليه السلام) . . ظهر فيها فجأة فصلّى على جثمان والده ، ليثبت وجوده في حين أراد عمّه " جعفر " الاستفادة من هذه الفرصة ليعلن نفسه الإمام بعد وفاة أخيه.
وتمتدّ هذه الفترة سبعين سنة ، كان الإمام يتّصل خلالها بالناس عن طريق سفير يعيّنه ، وقد تعاقب على السفارة بين الإمام والناس أربعة سفراء هم كل من :
عثمان بن سعيد .
محمد بن عثمان .
الحسين بن روح .
علي بن محمد السمري .
وانتهت هذه المرحلة التي تُعرف بـ (الغيبة الصغرى) بوفاة السفير الأخير سنة 329 هجرية وقد أعلن قبل وفاته انتهاء السفارة ودخول الإمام المهدي مرحلة جديدة من حياته هي الغيبة الكبرى.
المرحلة الثالثة : وتبدأ سنة 329 وتعرف بـ (الغيبة الكبرى) وما تزال مستمرة حتى الآن حتى يأذن الله بظهور الإمام لينهض برسالته في تطبيق العدالة التي تنتظرها البشرية بفارغ الصبر. وعندها ستنتهي الحروب والشرور، ويعمّ الخير في أنحاء الأرض.
وخلال هذه الفترة الطويلة حدثت لقاءات عديدة بين الإمام والكثير من الناس ، منهم علماء عباقرة ومنم ناس بسطاء.
وقد سجّل التاريخ كثيراً من هذه اللقاءات التي لا يمكن لأحد أن يشكّ فيها .
نسمع كثيراً بالصحون الطائرة ، وكثير من البلدان أنشأت مؤسسات لدراسة هذه الظاهرة المحيّرة.
كثير من الناس رأى ذات ليلة صافية جسماً مضيئاً متألّقاً ينتقل بخفة ثم يختفي بسرعة بعد أن يترك آثاراً عجيبة.
درس العلماء هذه الظاهرة واستمعوا إلى إفادات وتقارير الشهود بينهم طلبة متعلمون ، وفلاحون بسطاء وعلماء ومهندسون.
وانتهى العلماء إلى نتيجة أن هناك أجساماً غريبة تأتي إلى الأرض من كواكب أخرى أو من أماكن مجهولة في كوكبنا وأنه لا يمكن إنكارها أبداً.
ونحن اليوم أمام ظاهرة أخرى أقوى بكثير من الصحون الطائرة ألا وهي ظاهرة المهدي الموعود الذي بشَّر به سيدُنا محمد (صلى الله عليه وآله) ، وملفّ الإمام لا يمكن قياسه أبداً بملفّ الصحون الطائرة.
فهناك وثائق تاريخية كثيرة تشير إلى ولادته ، وهناك أناس لا يمكن إنكار شهادتهم في رؤيته.
وفي عصرنا الحاضر سجل بعض الناس مشاهدتهم للإمام ولقاءهم به ، وهم علماء كبار جداً ، ولم يكن لهم في ذلك مصلحة ما ، وقد أشاروا إلى ذلك بعد أن انتقلوا إلى رحمة الله.
أما في زمن العباسيين ، فإن أيّ ادّعاء من هذا القبيل كان يعرِّض صاحبه للإعدام ، ومع ذلك صمَد السفراء على مدى سبعين سنة على مواقفهم ، رغم المخاطر التي تترتّب على ذلك.
واليوم ، عندما نطَّلع على ملفّ الإمام المهدي نجد شهادات كثيرة لا يمكن إنكارها تشير إلى وجود الإمام المهدي وأنه يحيا حياة عادية ولكنه يخفي هويته إلى أن يحين الوقت المناسب للظهور والنهوض بمهمته الإلهية الكبرى في تحقيق العدالة الإنسانية في الأرض.
الإنتظار :
يُطلق شيعةُ أهل البيت (عليهم السلام) على الإمام المهدي " المنتظَر " أي الرجل الذي ينتظر الناسُ ظهوره.
المسلمون يؤمنون بظهور المهدي (عجل الله فرجه) لأنّ سيدنا محمّداً بشّر بظهوره ، فقد روى كثير من الصحابة أنّهم سمعوا النبي (صلى الله عليه وآله) يقول : يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه اسمي و كنيته كنيتي يملأ الأرض عدلاً.
كما سمعوه يقول : المهدي من عترتي ومن ولد فاطمة.
صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وشيعة أهل البيت (عليهم السلام) يهتمّون بأخبار سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله) وأخبار وصيّه عليّ (عليه السلام) والأئمة من ولد فاطمة ، وهم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، لهذا سجّلوا تاريخ ولادته وهي سنة 255 هجرية وسجّلوا الوثائق التي تؤيّد وجوده ، وتحقَّق لديهم صدق سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله) الذي أشار إلى أن الأئمة اثنا عشر كلّهم منهم قريش ، فاتباع مذهب أهل البيت هم وحدهم يفسِّرون حديث رسول الله ، في حين بقيت المذاهب الأخرى حائرة فلا هم يستطيعون إنكار حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا هم يستطيعون أن يفسّروه التفسير المقنع والمناسب.
عمر الإمام :
يبلغ عمر الإمام المهدي اليوم 1160 سنة . السؤال هنا : كيف يعيش الإنسان كل هذه السنين ؟
الجواب : إن الله قادر على كل شيء . . . لقد عاش سيدنا نوح ( عليه السلام ) مدّة طويلة . وقد ذكر القرآن انه بقي يدعو قومه إلى دين الله 950 سنة ، غير العمر الذي سبق الدعوة والعمر الذي قضاه النبي (عليه السلام) بعد حادثة الطوفان . وعندما نقرأ القرآن نجد قصة نبي الله يونس الذي ابتلعه الحوت قال الله سبحانه : ولولا أن كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون أي إلى يوم القيامة . وقصة سيدنا المسيح (عليه السلام) عندما أراد اليهود قتله ، فرفعه الله إليه ، فصلبوا شخصاً آخر اشتبهوا في أنه المسيح كما ورد ذلك في القرآن الكريم.
ظهور المهدي :
ليس المسلمون وحدهم ينتظرون ظهور المهدي ، لينشر العدل والخير ، ويقضي على الظلم والشر.
فالاعتقاد بظهور مخلّص للبشرية سائد في الديانات القديمة.
اليهود يعتقدون ويبشِّرون بظهور المسيح الذي ينقذ البشرية مما تعانيه ، وعندما ظهر المسيح (عيسى بن مريم) أنكروه ، وسعوا إلى قتله ، أما اليوم فإن الكثير منهم ينتظر المسيح الذي سيظهر في آخر الزمان.
والمسيحيون ينتظرون اليوم عودة المسيح لإنقاذ العالم من الظلم والشرور ، كما يؤمن اتباع زرادشت بظهور مخلّص من ذرية زرادشت.
لقد بشّر النبي موسى (عليه السلام) في التوراة بظهور السيد المسيح (عليه السلام) وعندما ظهر المسيح أنكره اليهود.
وقد بشرَّ المسيح (عليه السلام) في الإنجيل بظهور سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله) فلما ظهر كذبه اليهود وأنكره بعض المسيحيين.
وقد بشر سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله ) بظهور المهدي ( عجل الله فرجه ) في آخر الزمان وعلى هذا يجب أن نؤمن بظهوره ونصدّقه ولا نكون مثل اليهود والنصارى.
قصة من التاريخ :
جاء وفد من مدينة قم إلى سامراء ، ومع أفراد الوفد أموال ، يريدون تسليمها إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) . وعندما وصلوا اكتشفوا أن الإمام الحسن قد توفي ، فقالوا : من نعزّي ؟ فأشار الناس إلى أخيه جعفر، فدخلوا عليه وعزّوه وهنّأوه بالإمامة، وقالوا له : إن معنا أموالاً ورسائل ، فإن أخبرتنا عن أصحابها دفعناها إليك.
فنهض غاضباً ، وقال : تريدون مني أن أعلم الغيب.
فخرجوا حائرين . وإذا برجل يلحقهم ، ويدعوهم من قِبل الإمام المهدي ، فعادوا والتقوا الإمام الذي أشار إلى علاماتٍ جعلتهم يؤمنون به ويسلّمونه الأموال.
فأوصاهم بأن لا يحملوا الأموال إلى سامراء وأن يتصلوا بوكلائه في بغداد.
وقد حاول " جعفر الكذاب " أن يأخذ الأموال بالقوّة عن طريق الخليفة ، فألقي القبض على أمّ الإمام ، فأنكرت كلَّ شيء.
وفي الأثناء توفي الوزير " ابن خاقان " واشتعلت ثورة الزنج فانصرف العباسيون لحلّ مشاكلهم.
المعتضد العباسي :
شعر الخليفة المعتضد بأنّ شيئاً ما يدور في الخفاء ، وقد حاول عدّة مرّات القبض على الإمام ، وفي كل مرّة كان يواجه الفشل ، وكان الله سبحانه يحوط الإمام برعايته ، وظلّ الإمام يتّصل باتباعه ممن يمكن الوثوق بهم والاعتماد عليهم.
وشيئاً فشيئاً خفّت تلك الاتصالات بعد أن أثبت الإمام المهدي وجوده ، وتعوَّد الناس على الاتصال به من خلال أشخاص معدودين كسفراء ووكلاء.
العدالة :
الأرض مليئة بالخيرات ، خلقها الله سبحانه ووفّر فيها كل شيء لسعادة الإنسان.
أرضنا مليئة بالنعم ، مليئة بالجمال ، المطر يهطل كل عام ، فتزدهر الأرض خضرة ، وتدور الفراشات فرحة بعودة الربيع ، ولكن الإنسان وعندما يصغي إلى الشيطان و يتّبع خطاه يحيل كل شيء إلى خرائب . . تشتعل الحقول الخضراء و تتحول إلى رماد بسبب شرور الحرب ، والأطفال يُقتلون دون سبب وهم أجمل من الطيور والفراشات ، والناس يجوعون ، وأتباع الشيطان يرمون القمح في البحر لأنه يفيض عن حاجة السوق ويؤثر على الأسعار.
والعلماء ينفقون عمرهم ليصنعوا قنابل جرثومية تنشر المرض وتقتل الأبرياء.
العالم مليء بالفساد والظلم والقهر ، والناس ينتظرون من يخلّصهم من الظلم ، وينقذهم من الفساد والإنحراف ، ويوفّر لهم الحياة الكريمة المفعمة بالسعادة والفرح والأمل.
أسئلة :
لماذا أُحيطت ولادة الإمام بالسرية ؟
هل هناك تشابه بين الإمام المهدي ( عجل الله فرجه ) وسيدنا نوح ( عليه السلام ) ، اذكر وجه التشابه ؟
ما هي الغيبة الصغرى ، وكم تبلغ مدتها ؟
اذكر حديثاً لسيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله ) يشير فيه إلى ظهور المهدي (عجل الله فرجه) ؟
هوية الإمام :
الاسم : محمّد .
اللقب : المهدي .
الكنية : أبو القاسم .
اسم الأب : الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) .
اسم الأم : نرجس .
تاريخ الولادة : 15 / شعبان / 255 هجري .