الامام الحسن عليه السلام
في الخامس عشر من شهر رمضان ، ربيع القرآن ، ولد الإمام الحسن ( عليه السلام ) .
في بيت طيني صغير فتح عينيه ، وتربّى في أحضان جدّه محمّد ( صلى الله عليه وآله) وأبيه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وأمّه فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) .
كان سيدنا محمّد يحب حفيده الحسن ويقول : إنه ابني ، ويقول : إنه ريحانتي من الدنيا .
وطالما رآه المسلمون يحمل الحسنَ ( عليه السلام ) على عاتقه ويقول : إن ابني هذا سيد ولعل الله يُصلح به بين فئتين من المسلمين . ثم يدعو الله قائلاً : اللهم إني أحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه .
وكان سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه وآله ) يردد دائماً : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة .
وذات يوم كان رسول الله يصلّي في المسجد ، فجاءه الحسن وهو ساجد فصعد على ظهره ثم رقبته ، وكان الرسول يقوم برفق حتى ينزل الحسن ، فلما فرغ من صلاته قال بعض المسلمين : يا رسول الله إنك تصنع بهذا الصبي شيئاً لا تصنعه بأحد ، فقال (صلى الله عليه وآله ) : إن هذا ريحانتي وإن ابني هذا سيّد وعسى أن يصلح الله به بين فئتين من المسلمين .
أدبه :
كان الحسن مع أخيه الحسين في طريقهما إلى المسجد ، فشاهدا شيخاً يتوضأ لكنه لا يحسن الوضوء .
فكّر الحسن ( عليه السلام ) كيف يصلح وضوء الشيخ دون أن يسيء الأدب ، فتقدما إلى الشيخ وتظاهرا بالنزاع ، وكل منهما يقول : أنت لا تحسن الوضوء ، ثم قالا للشيخ : كن حكَماً بيننا ، ثم راحا يتوضأن .
كان الشيخ يراقب وضوءهما ، وأدرك هدفهما ، فقال مبتسماً :
كلاكما تحسنان الوضوء .
وأشار إلى نفسه وقال : ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لا يُحسن الوضوء ، وقد تعلّم منكما .
وشاهد أحد الصحابة رسولَ الله ( صلى الله عليه وآله ) يحمل على عاتقه الحسن والحسين . فقال الصحابي : نِعْمَ الجمل جملكما .
فقال سيدنا محمد : ونِعْمَ الراكبان هما .
تقواه :
كان الإمام الحسن ( عليه السلام ) أعبد أهل زمانه .حجّ بيت الله ماشياً خمسة وعشرين حجة .
كان إذا قام للوضوء والصلاة ، اصفرّ لونه وأخذته رجفة من خشية الله ، وكان يقول : حقّ على كل من وقف بين يدي ربّ العرش أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله .
فإذا وصل باب المسجد رفع رأسه إلى السماء ، وقال بخشوع : إلهي ضيفك ببابك ، يا محسن قد أتاك المسيء ، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك ، يا كريم .
حلمه :
كان الإمام الحسن ذات يوم في الطريق ، فصادفه رجل من أهل الشام وكان يكره أهل البيت ، فراح يسبّ ويشتم الحسن (عليه السلام) ، وظل الحسن ساكتاً لا يجيبه إلى أن انتهى . عندها ابتسم الحسن (عليه السلام) وقال بعد أن سلّم عليه : أيها الشيخ أظنّك غريباً . . . إن سألتنا أعطيناك ، و لو استرشدتنا أرشدناك ، وإن كنت جائعاً أشبعناك ، وإن كنت عرياناً كسوناك ، وإن كنت محتاجاً أغنيناك ، وإن كنت طريداً آويناك ، وإن كانت لك حاجة قضيناها لك .
فوجئ الرجل الشامي بجواب الحسن ، وأدرك – على الفور – أن معاوية كان يخدع الناس و يشيع فيهم عن علي وأولاده ما ليس بحق.
تأثّر الرجل وبكى ثم قال : أشهد أنك خليفة الله في أرضه ، وإن الله أعلم حيث يجعل رسالته ، لقد كنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ و الآن أنت أحبّ خلق الله إليّ.
ومضى الرجل مع الإمام إلى منزله ضيفاً إلى أن ارتحل.
سخاؤه وكرمه :
سأل رجل الحسن بن علي (عليه السلام) فأعطاه خمسين ألف درهم وخمسمائة دينار .
وجاء أحد الأعراب فقال (عليه السلام) : أعطوه ما في الخزانة ، فوُجد فيها عشرون ألف دينار .
كان الإمام الحسن يطوف حول الكعبة فسمع رجلاً يدعو الله أن يرزقه عشرة آلاف درهم ، فانصرف الحسن ( عليه السلام ) إلى منزله ، وبعث إليه بعشرة آلاف درهم.
وجاءه رجل فقال له : اشتريت عبداً ففرّ مني ، فأعطاه الإمام ثمَن العبد.
الخلافة :
التحق سيدنا علي (عليه السلام) بالرفيق الأعلى ليلة 21 من شهر رمضان المبارك إثر اغتياله على يد الخارجي " ابن ملجم " فخلفه ابنه الإمام الحسن (عليه السلام) في الخلافة ، وبايعه المسلمون ؛ فنهض بقيادة الأمة ومسؤولية الخلافة ، وله من العمر 27 سنة.
وفي صباح اليوم الأول صعد المنبر وألقى خطاباً تاريخياً معلِناً استمرار سياسة أبيه في العدل والمساواة والتصدي لمؤامرات المنحرفين عن الإسلام :
" لقد قُبِض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأوّلون بعمل ولم يُدركه الآخرون بعمل ، لقد كان يجاهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فيقيه بنفسه وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوجِّهَهُ برَايَته ، فيكنفه جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله ، ولا يرجع حتى يفتح الله عليه . . و لقد توفي في الليلة التي عُرج فيها بعيسى بن مريم ، والتي قُبض فيها يوشع بن نون " وصي موسى (عليه السلام) " وما خلّف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضُلت عن عطائه ، أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله ".
ثم خنقته العبرة فبكى ، وبكى الناس ، ثم قال :
أنا ابن البشير . . أنا ابن النذير . . أنا ابن الداعي إلى الله بأذنه . . أنا ابن السراج المنير . . أنا مِن أهل بيت أذهَب اللهُ عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا . . أنا من أهل بيت فرَض الله مودّتهم في كتابه فقال تعالى :
{ قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى و من يقترف حسنة نزد له فيها حسناً} 1 فالحسنة مودّتنا أهل البيت.
نهض عبد الله بن عباس ، وقال : معاشر الناس ! هذا ابن نبيكم ووصي إمامكم فبايعوه .
فاستجاب له الناس ، وقالوا : " ما أحبّه إلينا وأوجب حقه علينا " وبادروا إلى البيعة له بالخلافة.
مؤامرات معاوية :
استمر معاوية في مؤامراته ضدّ الإمام الحسن (عليه السلام) كما كان في عهد سيدنا علي (عليه السلام) ، فكانت حرب صفين ، ثم معركة النهروان بسبب تمرّده على الخلافة ومحاولته لاغتصابها من أصحابها الشرعيين.
لقد انتخب الناسُ الحسن (عليه السلام) خليفةً لرسول الله وأميراً للمؤمنين ، ولكن معاوية رفض البيعة للإمام ، وبدل أن يطيع راح يبث الجواسيس إلى الكوفة والبصرة ، ويبعث الرشاوى لبعض الناس.
لم يتساهل الحسن في مواجهة مؤامرات معاوية بل أمر بإعدام الجواسيس ثم بعث برسالة إلى معاوية يحذره فيها من الاستمرار في انحرافه :
- أما بعد فإنك دسست إلي الرجال ، كأنك تحبّ اللقاء ، لاشك في ذلك فتوقعه إن شاء الله .
الاستعداد للحرب :
وجَّه معاوية جيوشه لبثّ الذعر في قلوب المسلمين والإغارة عليهم ونهب ممتلكاتهم ، وكان على الإمام الحسن أن يتصدّى للعدوان ويستعدّ للقتال ، فخطب بالناس قائلاً :
أما بعد ؛ فإن الله كتب الجهاد على خلقه ، وسمّاه كرها ثم قال لأهل الجهاد : اصبروا إن الله مع الصابرين ، فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون إلاّ بالصبر على ما تكرهون . . . أُخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم في النخيلة .
وللأسف كان الخوف مسيطراً على الناس ، وكانت استجابتهم للقتال بطيئة.
وهنا نهض عدي بن حاتم الطائي وكان من أصحاب الإمام (عليه السلام) فنادى بالناس مستنكراً تخاذلهم :
" أنا عدي بن حاتم ، سبحان الله ما أقبح هذا المقام ! ! ! ألا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيكم ؟ ! أين خطباء المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة ، فإذا جدّ الجدّ راوغوا كالثعالب ؟ أما تخافون مقت الله ؟ ".
ثم ركب فرسه وانطلق إلى معسكر النخيلة .
وقام بعض أنصار الإمام وقادته بتشجيع الناس على الاستعداد لمواجهة معاوية ، فتألف جيش بلغ عدده اثني عشر ألفاً ، فأُسندت القيادة إلى " عبيد الله بن العباس " وكان معاوية قد قتل ولديه الصغيرين في إحدى الغارات.
كان في جيش الإمام الحسن (عليه السلام) الكثير من أهل الدنيا والأطماع ، فسَهُل على معاوية أن يشتريهم بالأموال ، فراحوا يتسلّلون إلى معسكر معاوية في الظلام.
بل أن معاوية استطاع أن يرشي قائد الجيش " عبيد الله بن العباس " بمليون درهم ، فانحاز إلى معاوية ، تاركاً الإمام والخليفة وحيداً.
وتوالت الخيانات ، وتجرأ أحدهم فأراد اغتيال الإمام الحسن ، وقد جرح (عليه السلام) في ساقه.
أدرك الإمام الحسن (عليه السلام) أن من الصعب مواجهة معاوية بجيش ضعيف يبيع جنوده أنفسهم بثمن زهيد.
وفي المقابل كان معاوية يعرض الصلح والسلام على الإمام مقابل التنازل عن الخلافة، وكان الإمام (عليه السلام) يعرف أن الاستمرار في مواجهة معاوية سوف يعرِّض أصحابه وأنصاره – وفيهم خيرة صحابة رسول الله - إلى الإبادة والموت، وسوف يحتل جيش الشام الكوفة وينتهك الأعراض ويقتل الأبرياء ، لذا آثر الإمام (عليه السلام) الصلح على سفك الدماء مقابل بعض الشروط .
الصلح :
كان الخوارج يخططون لاغتيال الحسن ، وكان معاوية يشجعهم من بعيد على ذلك لكي يضطر الإمام إلى قبول الصلح والتنازل عن الخلافة.
كان سيدنا الحسن لا يفكر إلاّ بمصلحة الإسلام والمسلمين ، وأخيراً وافق على الصلح حقناً للدماء ، وكتب شروط الصلح وعرَضها على معاوية :
أن يعمل معاوية بكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله).
أن لا يلاحق شيعة آل البيت (عليهم السلام).
أن لا يسبّ أو يشتم علياً (عليه السلام).
ليس لمعاوية الحق في نصب أحد للخلافة.
أن لا يدعو الحسن معاوية أميراً للمؤمنين.
على معاوية أن يعيد الخلافة إلى الحسن فان توفي الحسن فإلى الحسين.
معاوية يخرق الشروط :
كان سيدنا الحسن يدرك أن معاوية لن يلتزم بالشروط ، فأراد الإمام أن تعرف الأمة ألاعيب معاوية و عدم احترامه للدين والعهد.
تمّ الصلح ودخل معاوية الكوفة ، فصعد المنبر وخطب بالناس قائلاً : إني ما قاتلتكم لتصوموا أو تصلّوا ولكن لأتأمّر عليكم . . ألا وإن كل شرط شرطته للحسن فهو تحت قدمي.
عيّن معاوية " زياد بن أبيه " حاكماً على الكوفة ، فراح يطارد شيعة أهل البيت ، ويصادر بيوتهم وأموالهم ، ويعذبهم ويسجنهم.
وكان سيدنا الحسن (عليه السلام) يساعد المظلومين والمقهورين ويستنكر أعمال معاوية وظلمه وعدم التزامه بالشروط.
كان معاوية يخطط للقضاء على الإمام الحسن (عليه السلام) وتنصيب ابنه "يزيد" للخلافة ، ففكر باستخدام السمّ لاغتيال سبط رسول الله.
وقع اختيار معاوية على " جُعدة بنت الأشعث " زوجة الإمام ، وكان أبوها منافقاً ، فأغراها بالمال وبتزويجها من ابنه يزيد.
وسوس الشيطان لجعدة ، وأخذت السم الذي أرسله معاوية فوضعته في " إفطار" الإمام الحسن ، وكان صائماً.
تناول سيدنا الحسن طعام الإفطار ، فشعر بألم شديد يقطع أمعاءه ، ونظر إلى زوجته وقال : " يا عدوة الله ، قتلتيني قتلك الله ، لقد غرّك معاوية وسخر منك . يخزيك الله ويخزيه ".
سخر معاوية من " جعدة " وطردها من قصره وقال لها : إننا نحب حياة يزيد ، وهكذا خسرت تلك المرأة الدنيا و الآخرة وفازت بلقب : " مسمّمة الأزواج ".
وفي الثامن والعشرين من شهر صفر من عام 50 للهجرة ، عرجت روح الإمام إلى الرفيق الأعلى . . تشكو إلى الله ظلم بني أمية.
حُمل جثمانه إلى مقبرة البقيع ، حيث مرقده الآن.
فالسلام عليه يوم وُلد ، ويوم استشهد ، ويوم يُبعث حيا .
هوية الإمام :
الاسم : الحسن .
اللقب : المجتبى .
الكنية : أبو محمد .
اسم الأب : علي (عليه السلام).
اسم الأم : فاطمة (عليها السلام).
اسم الجد : محمد (صلى الله عليه وآله).
تاريخ الولادة : 15 رمضان عام 3 هجري.
العمر : 47 سنة .
تاريخ شهادته : 28 صفر عام 50هجري .
من كلمات المضيئة :
اللؤم أن لا تشكر النعمة .
ما تشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم.
العار أهون من النار.
القريب من قرّبته المودّة وإن بعد نسبه ، والبعيد من باعدته المودّة وإن قرب نسبه.
أسئلة :
لماذا كان سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله ) يحب حفيده الحسن ؟
كيف علَّم الحسن ( عليه السلام ) الشيخ الوضوء الصحيح ؟
لماذا صالح الحسن ( عليه السلام ) معاوية ؟
تعليقات
سورة الشورى : / 22
في الخامس عشر من شهر رمضان ، ربيع القرآن ، ولد الإمام الحسن ( عليه السلام ) .
في بيت طيني صغير فتح عينيه ، وتربّى في أحضان جدّه محمّد ( صلى الله عليه وآله) وأبيه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وأمّه فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) .
كان سيدنا محمّد يحب حفيده الحسن ويقول : إنه ابني ، ويقول : إنه ريحانتي من الدنيا .
وطالما رآه المسلمون يحمل الحسنَ ( عليه السلام ) على عاتقه ويقول : إن ابني هذا سيد ولعل الله يُصلح به بين فئتين من المسلمين . ثم يدعو الله قائلاً : اللهم إني أحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه .
وكان سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه وآله ) يردد دائماً : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة .
وذات يوم كان رسول الله يصلّي في المسجد ، فجاءه الحسن وهو ساجد فصعد على ظهره ثم رقبته ، وكان الرسول يقوم برفق حتى ينزل الحسن ، فلما فرغ من صلاته قال بعض المسلمين : يا رسول الله إنك تصنع بهذا الصبي شيئاً لا تصنعه بأحد ، فقال (صلى الله عليه وآله ) : إن هذا ريحانتي وإن ابني هذا سيّد وعسى أن يصلح الله به بين فئتين من المسلمين .
أدبه :
كان الحسن مع أخيه الحسين في طريقهما إلى المسجد ، فشاهدا شيخاً يتوضأ لكنه لا يحسن الوضوء .
فكّر الحسن ( عليه السلام ) كيف يصلح وضوء الشيخ دون أن يسيء الأدب ، فتقدما إلى الشيخ وتظاهرا بالنزاع ، وكل منهما يقول : أنت لا تحسن الوضوء ، ثم قالا للشيخ : كن حكَماً بيننا ، ثم راحا يتوضأن .
كان الشيخ يراقب وضوءهما ، وأدرك هدفهما ، فقال مبتسماً :
كلاكما تحسنان الوضوء .
وأشار إلى نفسه وقال : ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لا يُحسن الوضوء ، وقد تعلّم منكما .
وشاهد أحد الصحابة رسولَ الله ( صلى الله عليه وآله ) يحمل على عاتقه الحسن والحسين . فقال الصحابي : نِعْمَ الجمل جملكما .
فقال سيدنا محمد : ونِعْمَ الراكبان هما .
تقواه :
كان الإمام الحسن ( عليه السلام ) أعبد أهل زمانه .حجّ بيت الله ماشياً خمسة وعشرين حجة .
كان إذا قام للوضوء والصلاة ، اصفرّ لونه وأخذته رجفة من خشية الله ، وكان يقول : حقّ على كل من وقف بين يدي ربّ العرش أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله .
فإذا وصل باب المسجد رفع رأسه إلى السماء ، وقال بخشوع : إلهي ضيفك ببابك ، يا محسن قد أتاك المسيء ، فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك ، يا كريم .
حلمه :
كان الإمام الحسن ذات يوم في الطريق ، فصادفه رجل من أهل الشام وكان يكره أهل البيت ، فراح يسبّ ويشتم الحسن (عليه السلام) ، وظل الحسن ساكتاً لا يجيبه إلى أن انتهى . عندها ابتسم الحسن (عليه السلام) وقال بعد أن سلّم عليه : أيها الشيخ أظنّك غريباً . . . إن سألتنا أعطيناك ، و لو استرشدتنا أرشدناك ، وإن كنت جائعاً أشبعناك ، وإن كنت عرياناً كسوناك ، وإن كنت محتاجاً أغنيناك ، وإن كنت طريداً آويناك ، وإن كانت لك حاجة قضيناها لك .
فوجئ الرجل الشامي بجواب الحسن ، وأدرك – على الفور – أن معاوية كان يخدع الناس و يشيع فيهم عن علي وأولاده ما ليس بحق.
تأثّر الرجل وبكى ثم قال : أشهد أنك خليفة الله في أرضه ، وإن الله أعلم حيث يجعل رسالته ، لقد كنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ و الآن أنت أحبّ خلق الله إليّ.
ومضى الرجل مع الإمام إلى منزله ضيفاً إلى أن ارتحل.
سخاؤه وكرمه :
سأل رجل الحسن بن علي (عليه السلام) فأعطاه خمسين ألف درهم وخمسمائة دينار .
وجاء أحد الأعراب فقال (عليه السلام) : أعطوه ما في الخزانة ، فوُجد فيها عشرون ألف دينار .
كان الإمام الحسن يطوف حول الكعبة فسمع رجلاً يدعو الله أن يرزقه عشرة آلاف درهم ، فانصرف الحسن ( عليه السلام ) إلى منزله ، وبعث إليه بعشرة آلاف درهم.
وجاءه رجل فقال له : اشتريت عبداً ففرّ مني ، فأعطاه الإمام ثمَن العبد.
الخلافة :
التحق سيدنا علي (عليه السلام) بالرفيق الأعلى ليلة 21 من شهر رمضان المبارك إثر اغتياله على يد الخارجي " ابن ملجم " فخلفه ابنه الإمام الحسن (عليه السلام) في الخلافة ، وبايعه المسلمون ؛ فنهض بقيادة الأمة ومسؤولية الخلافة ، وله من العمر 27 سنة.
وفي صباح اليوم الأول صعد المنبر وألقى خطاباً تاريخياً معلِناً استمرار سياسة أبيه في العدل والمساواة والتصدي لمؤامرات المنحرفين عن الإسلام :
" لقد قُبِض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأوّلون بعمل ولم يُدركه الآخرون بعمل ، لقد كان يجاهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فيقيه بنفسه وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوجِّهَهُ برَايَته ، فيكنفه جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله ، ولا يرجع حتى يفتح الله عليه . . و لقد توفي في الليلة التي عُرج فيها بعيسى بن مريم ، والتي قُبض فيها يوشع بن نون " وصي موسى (عليه السلام) " وما خلّف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضُلت عن عطائه ، أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله ".
ثم خنقته العبرة فبكى ، وبكى الناس ، ثم قال :
أنا ابن البشير . . أنا ابن النذير . . أنا ابن الداعي إلى الله بأذنه . . أنا ابن السراج المنير . . أنا مِن أهل بيت أذهَب اللهُ عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا . . أنا من أهل بيت فرَض الله مودّتهم في كتابه فقال تعالى :
{ قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى و من يقترف حسنة نزد له فيها حسناً} 1 فالحسنة مودّتنا أهل البيت.
نهض عبد الله بن عباس ، وقال : معاشر الناس ! هذا ابن نبيكم ووصي إمامكم فبايعوه .
فاستجاب له الناس ، وقالوا : " ما أحبّه إلينا وأوجب حقه علينا " وبادروا إلى البيعة له بالخلافة.
مؤامرات معاوية :
استمر معاوية في مؤامراته ضدّ الإمام الحسن (عليه السلام) كما كان في عهد سيدنا علي (عليه السلام) ، فكانت حرب صفين ، ثم معركة النهروان بسبب تمرّده على الخلافة ومحاولته لاغتصابها من أصحابها الشرعيين.
لقد انتخب الناسُ الحسن (عليه السلام) خليفةً لرسول الله وأميراً للمؤمنين ، ولكن معاوية رفض البيعة للإمام ، وبدل أن يطيع راح يبث الجواسيس إلى الكوفة والبصرة ، ويبعث الرشاوى لبعض الناس.
لم يتساهل الحسن في مواجهة مؤامرات معاوية بل أمر بإعدام الجواسيس ثم بعث برسالة إلى معاوية يحذره فيها من الاستمرار في انحرافه :
- أما بعد فإنك دسست إلي الرجال ، كأنك تحبّ اللقاء ، لاشك في ذلك فتوقعه إن شاء الله .
الاستعداد للحرب :
وجَّه معاوية جيوشه لبثّ الذعر في قلوب المسلمين والإغارة عليهم ونهب ممتلكاتهم ، وكان على الإمام الحسن أن يتصدّى للعدوان ويستعدّ للقتال ، فخطب بالناس قائلاً :
أما بعد ؛ فإن الله كتب الجهاد على خلقه ، وسمّاه كرها ثم قال لأهل الجهاد : اصبروا إن الله مع الصابرين ، فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون إلاّ بالصبر على ما تكرهون . . . أُخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم في النخيلة .
وللأسف كان الخوف مسيطراً على الناس ، وكانت استجابتهم للقتال بطيئة.
وهنا نهض عدي بن حاتم الطائي وكان من أصحاب الإمام (عليه السلام) فنادى بالناس مستنكراً تخاذلهم :
" أنا عدي بن حاتم ، سبحان الله ما أقبح هذا المقام ! ! ! ألا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيكم ؟ ! أين خطباء المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة ، فإذا جدّ الجدّ راوغوا كالثعالب ؟ أما تخافون مقت الله ؟ ".
ثم ركب فرسه وانطلق إلى معسكر النخيلة .
وقام بعض أنصار الإمام وقادته بتشجيع الناس على الاستعداد لمواجهة معاوية ، فتألف جيش بلغ عدده اثني عشر ألفاً ، فأُسندت القيادة إلى " عبيد الله بن العباس " وكان معاوية قد قتل ولديه الصغيرين في إحدى الغارات.
كان في جيش الإمام الحسن (عليه السلام) الكثير من أهل الدنيا والأطماع ، فسَهُل على معاوية أن يشتريهم بالأموال ، فراحوا يتسلّلون إلى معسكر معاوية في الظلام.
بل أن معاوية استطاع أن يرشي قائد الجيش " عبيد الله بن العباس " بمليون درهم ، فانحاز إلى معاوية ، تاركاً الإمام والخليفة وحيداً.
وتوالت الخيانات ، وتجرأ أحدهم فأراد اغتيال الإمام الحسن ، وقد جرح (عليه السلام) في ساقه.
أدرك الإمام الحسن (عليه السلام) أن من الصعب مواجهة معاوية بجيش ضعيف يبيع جنوده أنفسهم بثمن زهيد.
وفي المقابل كان معاوية يعرض الصلح والسلام على الإمام مقابل التنازل عن الخلافة، وكان الإمام (عليه السلام) يعرف أن الاستمرار في مواجهة معاوية سوف يعرِّض أصحابه وأنصاره – وفيهم خيرة صحابة رسول الله - إلى الإبادة والموت، وسوف يحتل جيش الشام الكوفة وينتهك الأعراض ويقتل الأبرياء ، لذا آثر الإمام (عليه السلام) الصلح على سفك الدماء مقابل بعض الشروط .
الصلح :
كان الخوارج يخططون لاغتيال الحسن ، وكان معاوية يشجعهم من بعيد على ذلك لكي يضطر الإمام إلى قبول الصلح والتنازل عن الخلافة.
كان سيدنا الحسن لا يفكر إلاّ بمصلحة الإسلام والمسلمين ، وأخيراً وافق على الصلح حقناً للدماء ، وكتب شروط الصلح وعرَضها على معاوية :
أن يعمل معاوية بكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله).
أن لا يلاحق شيعة آل البيت (عليهم السلام).
أن لا يسبّ أو يشتم علياً (عليه السلام).
ليس لمعاوية الحق في نصب أحد للخلافة.
أن لا يدعو الحسن معاوية أميراً للمؤمنين.
على معاوية أن يعيد الخلافة إلى الحسن فان توفي الحسن فإلى الحسين.
معاوية يخرق الشروط :
كان سيدنا الحسن يدرك أن معاوية لن يلتزم بالشروط ، فأراد الإمام أن تعرف الأمة ألاعيب معاوية و عدم احترامه للدين والعهد.
تمّ الصلح ودخل معاوية الكوفة ، فصعد المنبر وخطب بالناس قائلاً : إني ما قاتلتكم لتصوموا أو تصلّوا ولكن لأتأمّر عليكم . . ألا وإن كل شرط شرطته للحسن فهو تحت قدمي.
عيّن معاوية " زياد بن أبيه " حاكماً على الكوفة ، فراح يطارد شيعة أهل البيت ، ويصادر بيوتهم وأموالهم ، ويعذبهم ويسجنهم.
وكان سيدنا الحسن (عليه السلام) يساعد المظلومين والمقهورين ويستنكر أعمال معاوية وظلمه وعدم التزامه بالشروط.
كان معاوية يخطط للقضاء على الإمام الحسن (عليه السلام) وتنصيب ابنه "يزيد" للخلافة ، ففكر باستخدام السمّ لاغتيال سبط رسول الله.
وقع اختيار معاوية على " جُعدة بنت الأشعث " زوجة الإمام ، وكان أبوها منافقاً ، فأغراها بالمال وبتزويجها من ابنه يزيد.
وسوس الشيطان لجعدة ، وأخذت السم الذي أرسله معاوية فوضعته في " إفطار" الإمام الحسن ، وكان صائماً.
تناول سيدنا الحسن طعام الإفطار ، فشعر بألم شديد يقطع أمعاءه ، ونظر إلى زوجته وقال : " يا عدوة الله ، قتلتيني قتلك الله ، لقد غرّك معاوية وسخر منك . يخزيك الله ويخزيه ".
سخر معاوية من " جعدة " وطردها من قصره وقال لها : إننا نحب حياة يزيد ، وهكذا خسرت تلك المرأة الدنيا و الآخرة وفازت بلقب : " مسمّمة الأزواج ".
وفي الثامن والعشرين من شهر صفر من عام 50 للهجرة ، عرجت روح الإمام إلى الرفيق الأعلى . . تشكو إلى الله ظلم بني أمية.
حُمل جثمانه إلى مقبرة البقيع ، حيث مرقده الآن.
فالسلام عليه يوم وُلد ، ويوم استشهد ، ويوم يُبعث حيا .
هوية الإمام :
الاسم : الحسن .
اللقب : المجتبى .
الكنية : أبو محمد .
اسم الأب : علي (عليه السلام).
اسم الأم : فاطمة (عليها السلام).
اسم الجد : محمد (صلى الله عليه وآله).
تاريخ الولادة : 15 رمضان عام 3 هجري.
العمر : 47 سنة .
تاريخ شهادته : 28 صفر عام 50هجري .
من كلمات المضيئة :
اللؤم أن لا تشكر النعمة .
ما تشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم.
العار أهون من النار.
القريب من قرّبته المودّة وإن بعد نسبه ، والبعيد من باعدته المودّة وإن قرب نسبه.
أسئلة :
لماذا كان سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله ) يحب حفيده الحسن ؟
كيف علَّم الحسن ( عليه السلام ) الشيخ الوضوء الصحيح ؟
لماذا صالح الحسن ( عليه السلام ) معاوية ؟
تعليقات
سورة الشورى : / 22