الخميس ، 01 تموز/يوليو 2010، آخر تحديث 19:30 (GMT+0400)
الأسدي: كفرت بالثقافة العربية وسأقفل مسرح بابل
أجرى اللقاء: بارعة أحمر
من مسرحية حمام بغدادي مع الممثلين
السوريين فايز قزق ونضال سيجري
السوريين فايز قزق ونضال سيجري
بيروت، لبنان (CNN)-- كشف المخرج العراقي الكبير جواد الأسدي، عن أن تجربة مسرح بابل التي أطلقها في بيروت وصلت إلى مأزق حقيقي بعدما بذل كل جهد ممكن في هذا المشروع، ما دفعه إلى "الكفر" بالمعايير السائدة في الثقافة العربية، والتفكير في إنهاء هذه التجربة التي كان يطمح إلى أن تكون رائدة في المنطقة.
كلام الأسدي جاء في حديث خاص لموقع CNN بالعربية بمناسبة مرور ثلاث سنوات على انطلاق هذه المغامرة الحلم بالنسبة للمخرج المهاجر، الذي ينتمي عرضه المسرحي إلى المزج بين نظرية القسوة في المسرح للفرنسي انتونان ارتو وشعرية الروسي انطون تشيخوف.
وكان اختار هذا الفنان، بيروت بعد نجاحات عدة حصدها في أنحاء العالم مثال باريس وروما والسويد وايرلندا ودول عربية كثيرة احتفت بهذا الفنان الحقيقي وكرمته لطابع أعماله التي تتسم بالبحث الجمالي والقرب من نبض الناس.
إلا أن حبه لبيروت جعله يحط الرحال في قلب هذه المدينة، بشارع الحمراء، ظنا منه أن هذا المسرح سيتحول إلى نقطة جذب كبيرة لجمهور غفير.
سألته إذا ما كانت خيبته الكبيرة نتجت عن آمال كبرى كان علقها على هذه المدينة الرمز في العالم العربي لمفهوم الحرية في الثقافة، على الرغم من المجد الذي عرفه في دمشق فقال: "اختياري لبيروت جاء ظنا مني بأنها سقف حرية مفتوح وبأن البحث الجمالي والمعرفي لخصوصية عروضي المسرحية سيجد صدى واسع في نفوس الجمهور المتنوع اللبناني منه والعربي."
أضاف "بصرف النظر عن أن بيروت ما زالت حاضنة لخاصية الإنتاج الإبداعي العربي، لكن ثمة تغير جوهري يطرأ على موزاييك الحياة الاجتماعية والسياسية والإنسانية، مما ينعكس على أولويات وأجندة اللبناني في الحياة الراهنة."
ويوضح الأسدي أن الغريزة باتت المركز الأكثر قوة في خيارات اللبنانيين، والثقافة بمعناها الإشكالي والجمالي صارت بالنسبة لهم بمثابة متحف قديم، الأمر الذي يضع الحياة اللبنانية على سكة سوبرماركت جديد ينأى شيئا فشيئا عن الدور الريادي المناط ببيروت كعاصمة حضارية لإطلاق واحتواء والدفاع عن التنوع الثقافي والمعرفي."
ولم يوفر الأسدي أصحاب المصارف والشركات والمستثمرين، قائلاً إنهم "يعرضون عضلات أرباحهم المالية في الصحف اليومية بعنجهية، دون أن يضعوا في حساباتهم أي درجة من درجات الاتصال مع إمكانيات النهوض الثقافي، والدليل أن المسارح الأربعة الموجودة في بيروت باتت مهددة بالإغلاق."
وحمّل الأسدي المؤسسات الرسمية أيضاً مسؤولية تراجع الثقافة التي قال إنها تضعها في أدنى سلم برامجها وموازناتها بدليل ان موازنات وزارات الثقافة العربية هي الأكثر بؤسا وضعفا.
ورأى الأسدي أن المشهد الثقافي العربي "يسير نحو حالات تراجع كبيرة" وأن استعادة "البناء والنهوض الثقافي الإنساني يحتاج إلى وعي معرفي وتاريخي عند أصحاب القرار لاستدراك هذه الهزيمة المريعة في الثقافة العربية."
ودعا الأسدي الدول العربية إلى أن "تحذو حذو أوروبا في مجال احتضان ودعم المشاريع الثقافية الخاصة والعامة التي تؤسس للتنمية الإنسانية في مجتمع يريد أن يبني حياة مدنية قادمة."
ولدى سؤاله عن شوقه إلى بغداد قال الأسدي: "في مناخ النزاعات الأصولية السياسية والدينية وطغيان خيار المحاصصات ونهوض الفكر العشائري أتوق إلى أن يستعيد العراقيون المنصة المدنية وان يدرك حكامها وأهلها على اختلاف مرجعياتهم وأصولهم أن قدر العراق هو العودة إلى كونه بلاد الدساتير والتشريعات المدنية إلى بلاد الحضارات والملاحم الإنسانية العميقة."
وأضاف: "العراقيون الذين أسسوا مجتمعهم المدني، منذ حمورابي على امتداد السنوات وانبثقت منهم المبتكرات المعرفية والدستورية والإنسانية. جدير بهذا المجتمع أن يعود إلى منابعه الأولى. فالعراق يحتاج إلى حكماء وعقلاء يحسنون مضغ تاريخهم المشرق ويعيدون إطلاقه مرة أخرى."
وختم الأسدي بالقول: "أحن إلى شارع الرشيد بعمارته الجمالية الرائعة وإلى أروقة شوارع بغداد ومقاهيها حيث كانت الحياة تبني جسدها وكينونتها بألفة وبمؤانسة ولذة تنبع من عطش العراقيين لحياة أكثر رقيا وجمالا."
شارع الحمراء ومحيط بلس والجامعة الأمريكية في بيروت هو اليوم صدى لشوارع بغداد بالنسبة لهذا الإنسان المبدع والشفاف. يبحث في أروقتها عن ألفة بحث عنها في عواصم العالم كله ربما. هل قدر المثقف العربي أن يكون إنتاجه الإبداعي تحت رحمة التباسات السوق وخيارات أصحاب الأموال؟ هل تخذل بيروت جواد الأسدي؟
http://arabic.cnn.com/2010/entertainment/7/1/asadi.culture/index.html