الأمريكيون ينتظرون "خليفة مبارك"
لإعلان الدولة الفلسطينية فى سيناء!
كتب محمد عبود ٢٨/ ١/ ٢٠١٠
«نجحت إسرائيل بجهود سرية خاصة فى إقناع الولايات المتحدة الأمريكية بالضغط على مصر والأردن للاشتراك فى حل إقليمى للصراع
الفلسطينى - الإسرائيلى يقوم على استمرار سيطرة إسرائيل على مساحات ضخمة من الضفة الغربية مقابل تعويض الفلسطينيين بمساحات ضخمة من شبه جزيرة سيناء لإنشاء دولة فلسطينية مستقرة وقادرة على النمو والمنافسة.
وكانت عملية الانسحاب الأحادى من غزة عام ٢٠٠٥ هى الخطوة الأولى فى هذا الاتجاه. وبمجىء الرئيس أوباما آن الأوان لتنفيذ الخطوة التالية فى المشروع . غير أن مسؤولا رفيعا ومؤثرا فى الإدارة الأمريكية سبق أن اطلع على مشروع التسوية الإسرائيلى قال للمسؤولين فى تل أبيب: «انتظروا عندما يأتى وريث مبارك»
بهذه الخلاصة أنهى مستشار الأمن القومى الإسرائيلى السابق اللواء احتياط «جيورا أيلاند» عرض المشروع الإسرائيلى المقترح لتسوية الصراع مع الفلسطينيين فى إطار دراسة خطيرة أعدها لصالح مركز
«بيجين - السادات للدراسات الاستراتيجية» نشرت منتصف هذا الشهر فى (٣٧) صفحة من القطع الكبير بعنوان:
«البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين».
وبدأ اللواء أيلاند، وهو أحد صناع القرار المؤثرين فى إسرائيل، عرض مشروع التسوية المقترح بالتأكيد على أن حل القضية الفلسطينية ليس مسؤولية إسرائيل وحدها، ولكنه مسؤولية ٢٢ دولة عربية أيضا، يجب أن تبذل جهودا إضافية لرفع معاناة الفلسطينيين.
وينبغى على مصر والأردن، بالذات، أن يشاركا بصورة فاعلة وإيجابية فى صياغة حل إقليمى متعدد الأطراف، وليس هناك منطق يقول بأن تقف الدول العربية مكتوفة الأيدى فى انتظار أن تقدم تل أبيب الحلول على طبق من ذهب أو فضة.
وأوضح «أيلاند» أن إسرائيل باتت ترفض بشكل واضح فكرة اقتسام «تلك» المساحة الضيقة من الأراضى مع الفلسطينيين لإقامة دولتين لشعبين، فهذا الحل يضرب نظرية الأمن الإسرائيلى فى مقتل من ناحية، ويتجاهل الواقع فى الضفة الغربية، من الناحية الأخرى، الذى يحول دون إخلاء ٢٩٠ ألف مستوطن من «بيوتهم» لما يترتب على ذلك من تكلفة اقتصادية باهظة، ويحرم إسرائيل من عمقها الاستراتيجى، وينتهك الخصوصية الدينية والروحية التى تمثلها الضفة بالنسبة للشعب الإسرائيلى!
وتنشر «المصرى اليوم» فى السطور التالية نص المشروع الإسرائيلى الخطير لتزويد الدولة الفلسطينية المستقبلية بظهير شاسع من الأراضى المقتطعة من شمال سيناء يصل إلى ٧٢٠ كيلومتراً مربعاً، ويبدأ من الحدود المصرية مع غزة، وحتى حدود مدينة العريش، على أن تحصل مصر على ٧٢٠ كيلومتراً مربعاً أو أقل قليلا داخل صحراء النقب الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية.
البنود الرئيسية
أولا: تتنازل مصر عن ٧٢٠ كيلومتراً مربعاً من أراضى سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة.
وهذه الأراضى عبارة عن مستطيل، ضلعه الأول ٢٤ كيلومتراً، ويمتد بطول ساحل البحر المتوسط من مدينة رفح غربا، وحتى حدود مدينة العريش، أما الضلع الثانى فيصل طوله إلى ٣٠ كيلومتراً من غرب «كرم أبوسالم»، ويمتد جنوبا بموازاة الحدود المصرية الإسرائيلية. وهذه الأراضى (٧٢٠ كيلومتراً مربعاً) التى سيتم ضمها إلى غزة تضاعف مساحة القطاع ثلاث مرات، حيث إن مساحته الحالية تبلغ ٣٦٥ كيلومتراً مربعاً فقط.
ثانيا: منطقة الـ(٧٢٠ كيلومتراً مربعاً) توازى ١٢% من مساحة الضفة الغربية. وفى مقابل هذه المنطقة التى ستُضم إلى غزة، يتنازل الفلسطينيون عن ١٢% من مساحة الضفة لتدخل ضمن الأراضى الإسرائيلية.
ثالثا: فى مقابل الأراضى التى ستتنازل عنها مصر للفلسطينيين، تحصل القاهرة على أراض من إسرائيل جنوب غربى النقب (منطقة وادى فيران). المنطقة التى ستنقلها إسرائيل لمصر يمكن أن تصل إلى ٧٢٠ كيلومتراً مربعاً (أو أقل قليلا)، لكنها تتضاءل فى مقابل كل المميزات الاقتصادية والأمنية والدولية التى ستحصل عليها القاهرة لاحقا.
المكاسب الفلسطينية
لا تقدر غزة بمساحتها الحالية على الحياة. فالقطاع لا يملك الحد الأدنى من الأراضى التى تتيح لسكانه بناء اقتصاد مستقر، والعكوف على تنمية مستدامة. ويعيش فى غزة، حاليا، ١.٥ مليون نسمة. وسيصل تعدادهم فى ٢٠٢٠ إلى ٢.٥ مليون نسمة.
ولاشك أن سكان غزة بمساحتها الأصلية لن يتمكنوا من العيش فى سعادة ورفاه على قطعة أرض محدودة لا تسمح بالتطوير والتنمية. ويستحيل بناء ميناء بحرى بحجم معقول، سواء بسبب محدودية المساحة، أو لأن قرب هذا الميناء من إسرائيل سيتسبب فى أضرار بالغة لشواطئها.
وكل من يحاول المقارنة بين غزة وسنغافورة يخطئ التقدير. فاقتصاد سنغافورة يقوم على التجارة الدولية، والتعاملات المصرفية المتقدمة، وصناعات «الهاى تكنولوجى»، أما اقتصاد غزة فيقوم على الزراعة والتكنولوجيا البسيطة. وصحيح أن مساحة دولة سنغافورة لا تؤثر سلبا على نموها الاقتصادى، لكن توسيع مساحة غزة شرط أساسى لضخ الحياة فى أوصالها.
والواقع أن «توسيع غزة» وفقا للمشروع الإسرائيلى، المقترح هنا، يمنحها ٢٤ كم إضافية من السواحل المطلة على المتوسط، بكل ما يترتب على ذلك من مزايا مثل التمتع بمياه إقليمية تصل إلى ٩ أميال بحرية، وخلق فرص وفيرة للعثور على حقول غاز طبيعى فى هذه المياه.
كما أن إضافة ٧٢٠ كم مربع لغزة تمكن الفلسطينيين من إنشاء ميناء دولى كبير (فى القطاع الغربى من غزة الكبرى)، ومطار دولى على بعد ٢٥ كم من الحدود مع إسرائيل. والأهم، بناء مدينة جديدة تستوعب مليون شخص على الأقل، وتشكل منطقة تطور ونمو طبيعى لسكان غزة والضفة، بل ويمكنها استيعاب أعداد من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين فى دول أخرى.
والفوائد الاقتصادية من هذا التوسع عظيمة الأثر، كما سيتبين لاحقا، فغزة الجديدة ستتحول إلى منطقة جذب تفيض بفرص النمو الاقتصادى، وتصير، بين عشية وضحاها، مركزاً تجارياً دولياً، لكن على الفلسطينيين، فى المقابل، أن يتنازلوا عن جزء من الضفة الغربية يشغله المستوطنون الإسرائيليون، وقواعد الجيش الإسرائيلى منذ عشرات السنين. وربما يكون هذا التنازل مؤلما، لكن لا يمكن مقارنته بحجم الفوائد والمكاسب التى ستحققها غزة فى
المكاسب المصرية
مقابل استعداد مصر للتنازل للفلسطينيين، وليس لإسرائيل، عن ٧٢٠ كم مربع من الأراضى المصرية «المقدسة»
(علامات التنصيص من المصدر) ستحقق مصر المكاسب التالية:
أولا: مبدأ الأرض مقابل الأرض. تتسلم مصر قطعة أرض من إسرائيل فى صحراء النقب. والحد الأقصى لمساحة هذه الأراضى سيكون ٧٢٠ كم مربع، لكن المكاسب الضخمة الأخرى التى ستجنيها القاهرة تستحق الأخذ والرد حول هذا المشروع.
ثانيا: مصر مقطوعة جغرافيا عن القسم الرئيسى (الشرقى) من الشرق الأوسط. فالبحر الأحمر يحدها من الشرق والجنوب، والبحر المتوسط يحاصرها من الشمال.
ولكى يحدث الترابط البرى غير المتاح، ستسمح تل أبيب للقاهرة بشق نفق يربط بين مصر والأردن. ويبلغ طول هذا النفق حوالى ١٠ كم، ويقطع الطريق من الشرق للغرب (على بعد ٥ كم من إيلات)، ويخضع للسيادة المصرية الكاملة، والحركة من مصر إلى الأردن (وبعد ذلك شرقا وجنوبا للسعودية والعراق) ستتم بدون الحاجة للحصول على إذن من إسرائيل.
ثالثا: بين الميناء الجوى الجديد فى غزة الكبرى والميناء البحرى الجديد هناك، وكلاهما على ساحل المتوسط، وحتى هذا «النفق المصرى - الأردنى» فى الجنوب، سيتم مد خط سكك حديدية، وطريق سريع، وأنبوب نفط (وتسير هذه الخطوط داخل الأراضى المصرية بمحاذاة الحدود مع إسرائيل).
وتعبر هذه الخطوط الثلاثة النفق إلى الأردن، ثم تتشعب باتجاه الشمال الشرقى لتغذى كل من الأردن والعراق، وإلى الجنوب، باتجاه السعودية، ودول الخليج.
وهذا الربط كما سيتضح هنا فى البند السابع من الخطة، له فوائد اقتصادية هائلة. فالمكاسب المصرية واضحة وضوح الشمس، لأن القاهرة ستحصل على نصيبها من الجمارك والرسوم مقابل كل «حركة» تتم بين الأردن والعراق ودول الخليج فى اتجاه ميناء غزة. وذلك لأن الطريق التجارى كما أوضحنا يمر بالأراضى المصرية.
رابعا: تعانى مصر من مشكلة مياه تتفاقم يوما بعد يوم. وهناك زيادة مطردة فى أعداد السكان، ومصادر المياه العذبة فى تناقص مستمر. وبناء على ذلك فإن الدولة التى يعتمد ٥٠% من سكانها على النشاط الزراعى لن تتمكن من الحفاظ على بقائها واستمرارها بعد جيل أو جيلين بدون إيجاد حل مبدئى لأزمة المياه.
ويتطلب الأمر، ضخ استثمارات هائلة فى مجال تحلية وتنقية المياه. ويتطلب هذا المجال الحصول على خبرات تكنولوجية متقدمة جدا، وتوفير رؤوس أموال بالمليارات. وتفتقر مصر لهذين العنصرين. لذلك، فمقابل «الكرم» المصرى، سيقرر العالم ضخ استثمارات كبرى فى مصر فى مشروعات ضخمة لتحلية وتنقية المياه، وذلك عبر البنك الدولى ومؤسسات مشابهة.
خامسا: منح اتفاق السلام المصرى الإسرائيلى الموقع سنة ١٩٧٩، لمصر ميزات كثيرة، لكنه اضطرها أيضا لقبول تقييدات قاسية فيما يتعلق بنشر قواتها العسكرية فى سيناء. وأحد المكاسب التى ستحققها مصر مقابل التنازل عن قطاع من أراضيها للفلسطينيين، هو موافقة إسرائيل على إجراء «تغييرات محددة» فى الملحق العسكرى من اتفاقية السلام.
وهذه خطوة لا غنى عنها لمساعدة القيادة السياسية المصرية فى مواجهة الرأى العام الداخلى بهذا التبرير: نحن تنازلنا، حقا، عن نسبة ١% من أراضى سيناء، لكن هذا التنازل سمح لنا، بعد ٣٠ عاما، أن نبسط سيادتنا على ٩٩% من مساحتها بصورة كاملة.
سادسا: مصر مثل دول كثيرة فى المنطقة، معنية بالحصول على القدرة النووية (لأغراض سلمية). وجزء من التعويضات التى ستحصل عليها مصر، سيتمثل فى موافقة الدول الأوروبية (خاصة فرنسا) على بناء مفاعلات نووية فى مصر لإنتاج الكهرباء.
سابعا: اتفاق السلام الذى تطرحه هذه الخطة سيضع نهاية لصراع استمر ١٠٠ عام بين إسرائيل والدول العربية. ولن يشك أحد فى أن هذا الاتفاق لم يكن ليحدث لولا مباركة الرئيس المصرى.
ومن هنا يصبح طريق الرئيس المصرى للحصول على جائزة نوبل للسلام مفروشاً بالورود، كما تحتفظ القاهرة بحقها فى الدعوة لمؤتمر سلام دولى فى مصر، وتستعيد، دفعة واحدة، مكانتها الدولية المهمة التى تمتعت بها قبل عام ١٩٦٧.
المكاسب الأردنية
الأردن هى الرابح الأكبر من هذه التسوية، كما أنها غير مطالبة بدفع أى ثمن لقاء ذلك، على الرغم من أنها قد تتذمر من إزالة الحاجز الجغرافى والسياسى الذى تمثله إسرائيل، اليوم، بوجودها الجغرافى والسياسى بين عمان والقاهرة. لكن يمكن الإشارة لمكسبين كبيرين تحققهما الأردن فى إطار هذه الخطة:
أولا: منظومة الطرق، والسكك الحديدية، وأنبوب النفط، ستربط الميناء الدولى فى غزة الكبرى عبر النفق المصرى الأردنى بدول الخليج. وهكذا تحصل الأردن، مجانا، على إطلالة مثمرة على البحر المتوسط (ميناء غزة) ومن ثم تحقق تواصلاً مازال مقطوعا مع أوروبا.
أضف إلى ذلك أن الجزء الشرقى من النفق هو «عنق الزجاجة» الذى تتجمع فيه حركة البضائع القادمة من أوروبا ومتجهة إلى العراق والخليج. الأمر الذى يمنح الأردن ميزات اقتصادية واستراتيجية عظيمة.
ثانيا: الأردن منزعجة جدا من المشكلة الديموغرافية داخل أراضيها، فأغلبية سكان المملكة من أصول فلسطينية، وأعدادهم فى تزايد مستمر. وهذه الظاهرة تستفحل طالما أن حياة الفلسطينيين فى الأردن أكثر راحة وسهولة من حياتهم فى الضفة وغزة.
لكن فى اللحظة التى ستقام فيها مدينة «غزة الكبرى»، والميناء والمطار الجديدان، ستنشأ فرص عمل وفيرة، وتنقلب الآية، ويفضل الفلسطينيون من أصول غزاوية (أعدادهم فى الأردن تصل لحوالى ٧٠ ألف نسمة) العودة إلى «بيتهم»، شأنهم شأن عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين فى الضفة والأردن نفسها.
المكاسب الإسرائيلية
عندما نقارن هذه التسوية بالحل «العادى» القائم على فكرة «دولتين لشعبين داخل الأراضى الفلسطينية» نكتشف أربع مميزات للتسوية الجديدة، يمكن عرضها كالتالى:
أولا: الأراضى التى ستحتفظ بها إسرائيل فى الضفة (حوالى ١٢%) أكبر بكثير من المساحة التى يمكن أن تحصل عليها فى الحل «العادى». والـ ١٢% هى المساحة التى وصفها ايهود باراك عندما سافر لمؤتمر كامب ديفيد ٢٠٠٠، بالمساحة الحيوية للحفاظ على المصالح الإسرائيلية.
كما أن الخطة الرئيسية لبناء الجدار العازل احتفظت لإسرائيل بـ ١٢% من أراضى الضفة. غير أن ضغوط المحكمة العليا فى إسرائيل حركت الجدار غربا، واحتفظت إسرائيل داخل الجدار بـ٨% فقط من المساحة التى تحتاجها.
والواقع أن مساحة الـ ١٢% ستسمح لإسرائيل بتقليص دراماتيكى فى أعداد المستوطنين الواجب إخلاؤهم من الضفة، فيتقلص العدد من ١٠٠ ألف مستوطن إلى ٣٠ ألفا فقط.
بالإضافة إلى أن هذه المساحة ستسمح لإسرائيل بالاحتفاظ داخل حدودها بأماكن دينية ذات أهمية تاريخية وروحانية مثل مستوطنتى عوفرا، وكريات أربع. وتضمن الاحتفاظ بمستوطنة أريئيل داخل إسرائيل، وتوفير الأمن لسكانها.
ثانيا: هذا التقسيم المتوازن للأراضى بين غزة والضفة يمنح الدولة الفلسطينية فرصاً كبيرة جدا للاستمرار والنمو، وبهذا يمكن الوصول إلى تسوية سلمية مستقرة وغير معرضة للانهيار.
ثالثا: مشاركة الدول العربية، خاصة مصر والأردن، فى الحل يمثل دلالة إيجابية، ويخلق ثقة أكبر فى الحفاظ على الاتفاقية وعدم نقضها.
رابعا: هذه التسوية الإقليمية لا تنفى ضرورة توفير «معبر آمن» بين غزة والضفة، لكنها تقلل من أهميته، وتقلص حجم الحركة فيه. فيبقى «المعبر الآمن» سبيلا للتنقل بين الضفة والقطاع، لكن غالبية حركة البشر والبضائع بين غزة والعالم العربى ستنطلق عبر منظومة الطرق ووسائل المواصلات الجديدة التى تربط غزة الكبرى بالعالم.
مكاسب الأطراف المختلفة
غالبية حجم التجارة بين أوروبا ودول الخليج والعراق والسعودية تتم عبر سفن تعبر من قناة السويس، أو عبر سفن ضخمة تضطر بسبب حجمها للدوران حول قارة أفريقيا.
وهذان الطريقان البحريان غير مفيدين، لكن بسبب عدم وجود ميناء عصرى على ساحل المتوسط، وعدم وجود شبكة مواصلات قوية وآمنة لا بديل عنهما.
وبالتالى إذا أقيم على ساحل المتوسط، وفى غزة الكبرى، ميناء عصرى مزود بتكنولوجيا مشابهة للتكنولوجيا المستخدمة فى ميناء سنغافورة.
وإذا تفرعت منه شبكة طرق جيدة، جنوبا وشرقا، وخط سكك حديدية، وتم زرع أنبوب نفط، فمن الممكن دفع حركة تجارة نشطة، وتخفيض تكلفة السلع.
ولن يأتى تمويل هذه المشروعات من الدول التى ستسير فى أراضيها هذه البنية التحتية فقط، وإنما ستشارك الدول الغربية فى التمويل أيضا.
فالعالم يدفع، اليوم، حوالى مليار دولار سنويا لإطعام الفلسطينيين، لكن وفقا لهذه الخطة فإن هذه الأموال ستستخدم فى الاستثمار الاقتصادى، وتدر أرباحا هائلة تغطى التكلفة فى بضع سنين. وتستفيد من هذا الازدهار كل من مصر والأردن بشكل مباشر، وعدة دول أخرى بشكل غير مباشر.
وعلى عكس الماضى الذى شهد حلولا ثنائية للصراع القومى على أسس سياسية وإستراتيجية، فالواقع أن المجتمع الدولى، اليوم، يبحث عن حلول متعددة الأطراف على أسس اقتصادية وربحية. ولعل إنشاء الاتحاد الأوروبى هو المثال الأبرز فى هذا الاتجاه.
ولا شك أن الحل الإقليمى المقترح فى هذه الخطة يتماشى بدقة مع الاتجاهات الجديدة السائدة فى العالم. فهذا الحل يعطى للفلسطينيين فرصة حقيقية للتحول إلى «سنغافورة الشرق الأوسط». ولا يمكن بأى شكل من الأشكال التفكير فى تحقيق إنجاز مشابه فى حدود غزة الضيقة التى نعرفها اليوم.
لإعلان الدولة الفلسطينية فى سيناء!
كتب محمد عبود ٢٨/ ١/ ٢٠١٠
«نجحت إسرائيل بجهود سرية خاصة فى إقناع الولايات المتحدة الأمريكية بالضغط على مصر والأردن للاشتراك فى حل إقليمى للصراع
الفلسطينى - الإسرائيلى يقوم على استمرار سيطرة إسرائيل على مساحات ضخمة من الضفة الغربية مقابل تعويض الفلسطينيين بمساحات ضخمة من شبه جزيرة سيناء لإنشاء دولة فلسطينية مستقرة وقادرة على النمو والمنافسة.
وكانت عملية الانسحاب الأحادى من غزة عام ٢٠٠٥ هى الخطوة الأولى فى هذا الاتجاه. وبمجىء الرئيس أوباما آن الأوان لتنفيذ الخطوة التالية فى المشروع . غير أن مسؤولا رفيعا ومؤثرا فى الإدارة الأمريكية سبق أن اطلع على مشروع التسوية الإسرائيلى قال للمسؤولين فى تل أبيب: «انتظروا عندما يأتى وريث مبارك»
بهذه الخلاصة أنهى مستشار الأمن القومى الإسرائيلى السابق اللواء احتياط «جيورا أيلاند» عرض المشروع الإسرائيلى المقترح لتسوية الصراع مع الفلسطينيين فى إطار دراسة خطيرة أعدها لصالح مركز
«بيجين - السادات للدراسات الاستراتيجية» نشرت منتصف هذا الشهر فى (٣٧) صفحة من القطع الكبير بعنوان:
«البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين».
وبدأ اللواء أيلاند، وهو أحد صناع القرار المؤثرين فى إسرائيل، عرض مشروع التسوية المقترح بالتأكيد على أن حل القضية الفلسطينية ليس مسؤولية إسرائيل وحدها، ولكنه مسؤولية ٢٢ دولة عربية أيضا، يجب أن تبذل جهودا إضافية لرفع معاناة الفلسطينيين.
وينبغى على مصر والأردن، بالذات، أن يشاركا بصورة فاعلة وإيجابية فى صياغة حل إقليمى متعدد الأطراف، وليس هناك منطق يقول بأن تقف الدول العربية مكتوفة الأيدى فى انتظار أن تقدم تل أبيب الحلول على طبق من ذهب أو فضة.
وأوضح «أيلاند» أن إسرائيل باتت ترفض بشكل واضح فكرة اقتسام «تلك» المساحة الضيقة من الأراضى مع الفلسطينيين لإقامة دولتين لشعبين، فهذا الحل يضرب نظرية الأمن الإسرائيلى فى مقتل من ناحية، ويتجاهل الواقع فى الضفة الغربية، من الناحية الأخرى، الذى يحول دون إخلاء ٢٩٠ ألف مستوطن من «بيوتهم» لما يترتب على ذلك من تكلفة اقتصادية باهظة، ويحرم إسرائيل من عمقها الاستراتيجى، وينتهك الخصوصية الدينية والروحية التى تمثلها الضفة بالنسبة للشعب الإسرائيلى!
وتنشر «المصرى اليوم» فى السطور التالية نص المشروع الإسرائيلى الخطير لتزويد الدولة الفلسطينية المستقبلية بظهير شاسع من الأراضى المقتطعة من شمال سيناء يصل إلى ٧٢٠ كيلومتراً مربعاً، ويبدأ من الحدود المصرية مع غزة، وحتى حدود مدينة العريش، على أن تحصل مصر على ٧٢٠ كيلومتراً مربعاً أو أقل قليلا داخل صحراء النقب الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية.
البنود الرئيسية
أولا: تتنازل مصر عن ٧٢٠ كيلومتراً مربعاً من أراضى سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة.
وهذه الأراضى عبارة عن مستطيل، ضلعه الأول ٢٤ كيلومتراً، ويمتد بطول ساحل البحر المتوسط من مدينة رفح غربا، وحتى حدود مدينة العريش، أما الضلع الثانى فيصل طوله إلى ٣٠ كيلومتراً من غرب «كرم أبوسالم»، ويمتد جنوبا بموازاة الحدود المصرية الإسرائيلية. وهذه الأراضى (٧٢٠ كيلومتراً مربعاً) التى سيتم ضمها إلى غزة تضاعف مساحة القطاع ثلاث مرات، حيث إن مساحته الحالية تبلغ ٣٦٥ كيلومتراً مربعاً فقط.
ثانيا: منطقة الـ(٧٢٠ كيلومتراً مربعاً) توازى ١٢% من مساحة الضفة الغربية. وفى مقابل هذه المنطقة التى ستُضم إلى غزة، يتنازل الفلسطينيون عن ١٢% من مساحة الضفة لتدخل ضمن الأراضى الإسرائيلية.
ثالثا: فى مقابل الأراضى التى ستتنازل عنها مصر للفلسطينيين، تحصل القاهرة على أراض من إسرائيل جنوب غربى النقب (منطقة وادى فيران). المنطقة التى ستنقلها إسرائيل لمصر يمكن أن تصل إلى ٧٢٠ كيلومتراً مربعاً (أو أقل قليلا)، لكنها تتضاءل فى مقابل كل المميزات الاقتصادية والأمنية والدولية التى ستحصل عليها القاهرة لاحقا.
المكاسب الفلسطينية
لا تقدر غزة بمساحتها الحالية على الحياة. فالقطاع لا يملك الحد الأدنى من الأراضى التى تتيح لسكانه بناء اقتصاد مستقر، والعكوف على تنمية مستدامة. ويعيش فى غزة، حاليا، ١.٥ مليون نسمة. وسيصل تعدادهم فى ٢٠٢٠ إلى ٢.٥ مليون نسمة.
ولاشك أن سكان غزة بمساحتها الأصلية لن يتمكنوا من العيش فى سعادة ورفاه على قطعة أرض محدودة لا تسمح بالتطوير والتنمية. ويستحيل بناء ميناء بحرى بحجم معقول، سواء بسبب محدودية المساحة، أو لأن قرب هذا الميناء من إسرائيل سيتسبب فى أضرار بالغة لشواطئها.
وكل من يحاول المقارنة بين غزة وسنغافورة يخطئ التقدير. فاقتصاد سنغافورة يقوم على التجارة الدولية، والتعاملات المصرفية المتقدمة، وصناعات «الهاى تكنولوجى»، أما اقتصاد غزة فيقوم على الزراعة والتكنولوجيا البسيطة. وصحيح أن مساحة دولة سنغافورة لا تؤثر سلبا على نموها الاقتصادى، لكن توسيع مساحة غزة شرط أساسى لضخ الحياة فى أوصالها.
والواقع أن «توسيع غزة» وفقا للمشروع الإسرائيلى، المقترح هنا، يمنحها ٢٤ كم إضافية من السواحل المطلة على المتوسط، بكل ما يترتب على ذلك من مزايا مثل التمتع بمياه إقليمية تصل إلى ٩ أميال بحرية، وخلق فرص وفيرة للعثور على حقول غاز طبيعى فى هذه المياه.
كما أن إضافة ٧٢٠ كم مربع لغزة تمكن الفلسطينيين من إنشاء ميناء دولى كبير (فى القطاع الغربى من غزة الكبرى)، ومطار دولى على بعد ٢٥ كم من الحدود مع إسرائيل. والأهم، بناء مدينة جديدة تستوعب مليون شخص على الأقل، وتشكل منطقة تطور ونمو طبيعى لسكان غزة والضفة، بل ويمكنها استيعاب أعداد من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين فى دول أخرى.
والفوائد الاقتصادية من هذا التوسع عظيمة الأثر، كما سيتبين لاحقا، فغزة الجديدة ستتحول إلى منطقة جذب تفيض بفرص النمو الاقتصادى، وتصير، بين عشية وضحاها، مركزاً تجارياً دولياً، لكن على الفلسطينيين، فى المقابل، أن يتنازلوا عن جزء من الضفة الغربية يشغله المستوطنون الإسرائيليون، وقواعد الجيش الإسرائيلى منذ عشرات السنين. وربما يكون هذا التنازل مؤلما، لكن لا يمكن مقارنته بحجم الفوائد والمكاسب التى ستحققها غزة فى
المكاسب المصرية
مقابل استعداد مصر للتنازل للفلسطينيين، وليس لإسرائيل، عن ٧٢٠ كم مربع من الأراضى المصرية «المقدسة»
(علامات التنصيص من المصدر) ستحقق مصر المكاسب التالية:
أولا: مبدأ الأرض مقابل الأرض. تتسلم مصر قطعة أرض من إسرائيل فى صحراء النقب. والحد الأقصى لمساحة هذه الأراضى سيكون ٧٢٠ كم مربع، لكن المكاسب الضخمة الأخرى التى ستجنيها القاهرة تستحق الأخذ والرد حول هذا المشروع.
ثانيا: مصر مقطوعة جغرافيا عن القسم الرئيسى (الشرقى) من الشرق الأوسط. فالبحر الأحمر يحدها من الشرق والجنوب، والبحر المتوسط يحاصرها من الشمال.
ولكى يحدث الترابط البرى غير المتاح، ستسمح تل أبيب للقاهرة بشق نفق يربط بين مصر والأردن. ويبلغ طول هذا النفق حوالى ١٠ كم، ويقطع الطريق من الشرق للغرب (على بعد ٥ كم من إيلات)، ويخضع للسيادة المصرية الكاملة، والحركة من مصر إلى الأردن (وبعد ذلك شرقا وجنوبا للسعودية والعراق) ستتم بدون الحاجة للحصول على إذن من إسرائيل.
ثالثا: بين الميناء الجوى الجديد فى غزة الكبرى والميناء البحرى الجديد هناك، وكلاهما على ساحل المتوسط، وحتى هذا «النفق المصرى - الأردنى» فى الجنوب، سيتم مد خط سكك حديدية، وطريق سريع، وأنبوب نفط (وتسير هذه الخطوط داخل الأراضى المصرية بمحاذاة الحدود مع إسرائيل).
وتعبر هذه الخطوط الثلاثة النفق إلى الأردن، ثم تتشعب باتجاه الشمال الشرقى لتغذى كل من الأردن والعراق، وإلى الجنوب، باتجاه السعودية، ودول الخليج.
وهذا الربط كما سيتضح هنا فى البند السابع من الخطة، له فوائد اقتصادية هائلة. فالمكاسب المصرية واضحة وضوح الشمس، لأن القاهرة ستحصل على نصيبها من الجمارك والرسوم مقابل كل «حركة» تتم بين الأردن والعراق ودول الخليج فى اتجاه ميناء غزة. وذلك لأن الطريق التجارى كما أوضحنا يمر بالأراضى المصرية.
رابعا: تعانى مصر من مشكلة مياه تتفاقم يوما بعد يوم. وهناك زيادة مطردة فى أعداد السكان، ومصادر المياه العذبة فى تناقص مستمر. وبناء على ذلك فإن الدولة التى يعتمد ٥٠% من سكانها على النشاط الزراعى لن تتمكن من الحفاظ على بقائها واستمرارها بعد جيل أو جيلين بدون إيجاد حل مبدئى لأزمة المياه.
ويتطلب الأمر، ضخ استثمارات هائلة فى مجال تحلية وتنقية المياه. ويتطلب هذا المجال الحصول على خبرات تكنولوجية متقدمة جدا، وتوفير رؤوس أموال بالمليارات. وتفتقر مصر لهذين العنصرين. لذلك، فمقابل «الكرم» المصرى، سيقرر العالم ضخ استثمارات كبرى فى مصر فى مشروعات ضخمة لتحلية وتنقية المياه، وذلك عبر البنك الدولى ومؤسسات مشابهة.
خامسا: منح اتفاق السلام المصرى الإسرائيلى الموقع سنة ١٩٧٩، لمصر ميزات كثيرة، لكنه اضطرها أيضا لقبول تقييدات قاسية فيما يتعلق بنشر قواتها العسكرية فى سيناء. وأحد المكاسب التى ستحققها مصر مقابل التنازل عن قطاع من أراضيها للفلسطينيين، هو موافقة إسرائيل على إجراء «تغييرات محددة» فى الملحق العسكرى من اتفاقية السلام.
وهذه خطوة لا غنى عنها لمساعدة القيادة السياسية المصرية فى مواجهة الرأى العام الداخلى بهذا التبرير: نحن تنازلنا، حقا، عن نسبة ١% من أراضى سيناء، لكن هذا التنازل سمح لنا، بعد ٣٠ عاما، أن نبسط سيادتنا على ٩٩% من مساحتها بصورة كاملة.
سادسا: مصر مثل دول كثيرة فى المنطقة، معنية بالحصول على القدرة النووية (لأغراض سلمية). وجزء من التعويضات التى ستحصل عليها مصر، سيتمثل فى موافقة الدول الأوروبية (خاصة فرنسا) على بناء مفاعلات نووية فى مصر لإنتاج الكهرباء.
سابعا: اتفاق السلام الذى تطرحه هذه الخطة سيضع نهاية لصراع استمر ١٠٠ عام بين إسرائيل والدول العربية. ولن يشك أحد فى أن هذا الاتفاق لم يكن ليحدث لولا مباركة الرئيس المصرى.
ومن هنا يصبح طريق الرئيس المصرى للحصول على جائزة نوبل للسلام مفروشاً بالورود، كما تحتفظ القاهرة بحقها فى الدعوة لمؤتمر سلام دولى فى مصر، وتستعيد، دفعة واحدة، مكانتها الدولية المهمة التى تمتعت بها قبل عام ١٩٦٧.
المكاسب الأردنية
الأردن هى الرابح الأكبر من هذه التسوية، كما أنها غير مطالبة بدفع أى ثمن لقاء ذلك، على الرغم من أنها قد تتذمر من إزالة الحاجز الجغرافى والسياسى الذى تمثله إسرائيل، اليوم، بوجودها الجغرافى والسياسى بين عمان والقاهرة. لكن يمكن الإشارة لمكسبين كبيرين تحققهما الأردن فى إطار هذه الخطة:
أولا: منظومة الطرق، والسكك الحديدية، وأنبوب النفط، ستربط الميناء الدولى فى غزة الكبرى عبر النفق المصرى الأردنى بدول الخليج. وهكذا تحصل الأردن، مجانا، على إطلالة مثمرة على البحر المتوسط (ميناء غزة) ومن ثم تحقق تواصلاً مازال مقطوعا مع أوروبا.
أضف إلى ذلك أن الجزء الشرقى من النفق هو «عنق الزجاجة» الذى تتجمع فيه حركة البضائع القادمة من أوروبا ومتجهة إلى العراق والخليج. الأمر الذى يمنح الأردن ميزات اقتصادية واستراتيجية عظيمة.
ثانيا: الأردن منزعجة جدا من المشكلة الديموغرافية داخل أراضيها، فأغلبية سكان المملكة من أصول فلسطينية، وأعدادهم فى تزايد مستمر. وهذه الظاهرة تستفحل طالما أن حياة الفلسطينيين فى الأردن أكثر راحة وسهولة من حياتهم فى الضفة وغزة.
لكن فى اللحظة التى ستقام فيها مدينة «غزة الكبرى»، والميناء والمطار الجديدان، ستنشأ فرص عمل وفيرة، وتنقلب الآية، ويفضل الفلسطينيون من أصول غزاوية (أعدادهم فى الأردن تصل لحوالى ٧٠ ألف نسمة) العودة إلى «بيتهم»، شأنهم شأن عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين فى الضفة والأردن نفسها.
المكاسب الإسرائيلية
عندما نقارن هذه التسوية بالحل «العادى» القائم على فكرة «دولتين لشعبين داخل الأراضى الفلسطينية» نكتشف أربع مميزات للتسوية الجديدة، يمكن عرضها كالتالى:
أولا: الأراضى التى ستحتفظ بها إسرائيل فى الضفة (حوالى ١٢%) أكبر بكثير من المساحة التى يمكن أن تحصل عليها فى الحل «العادى». والـ ١٢% هى المساحة التى وصفها ايهود باراك عندما سافر لمؤتمر كامب ديفيد ٢٠٠٠، بالمساحة الحيوية للحفاظ على المصالح الإسرائيلية.
كما أن الخطة الرئيسية لبناء الجدار العازل احتفظت لإسرائيل بـ ١٢% من أراضى الضفة. غير أن ضغوط المحكمة العليا فى إسرائيل حركت الجدار غربا، واحتفظت إسرائيل داخل الجدار بـ٨% فقط من المساحة التى تحتاجها.
والواقع أن مساحة الـ ١٢% ستسمح لإسرائيل بتقليص دراماتيكى فى أعداد المستوطنين الواجب إخلاؤهم من الضفة، فيتقلص العدد من ١٠٠ ألف مستوطن إلى ٣٠ ألفا فقط.
بالإضافة إلى أن هذه المساحة ستسمح لإسرائيل بالاحتفاظ داخل حدودها بأماكن دينية ذات أهمية تاريخية وروحانية مثل مستوطنتى عوفرا، وكريات أربع. وتضمن الاحتفاظ بمستوطنة أريئيل داخل إسرائيل، وتوفير الأمن لسكانها.
ثانيا: هذا التقسيم المتوازن للأراضى بين غزة والضفة يمنح الدولة الفلسطينية فرصاً كبيرة جدا للاستمرار والنمو، وبهذا يمكن الوصول إلى تسوية سلمية مستقرة وغير معرضة للانهيار.
ثالثا: مشاركة الدول العربية، خاصة مصر والأردن، فى الحل يمثل دلالة إيجابية، ويخلق ثقة أكبر فى الحفاظ على الاتفاقية وعدم نقضها.
رابعا: هذه التسوية الإقليمية لا تنفى ضرورة توفير «معبر آمن» بين غزة والضفة، لكنها تقلل من أهميته، وتقلص حجم الحركة فيه. فيبقى «المعبر الآمن» سبيلا للتنقل بين الضفة والقطاع، لكن غالبية حركة البشر والبضائع بين غزة والعالم العربى ستنطلق عبر منظومة الطرق ووسائل المواصلات الجديدة التى تربط غزة الكبرى بالعالم.
مكاسب الأطراف المختلفة
غالبية حجم التجارة بين أوروبا ودول الخليج والعراق والسعودية تتم عبر سفن تعبر من قناة السويس، أو عبر سفن ضخمة تضطر بسبب حجمها للدوران حول قارة أفريقيا.
وهذان الطريقان البحريان غير مفيدين، لكن بسبب عدم وجود ميناء عصرى على ساحل المتوسط، وعدم وجود شبكة مواصلات قوية وآمنة لا بديل عنهما.
وبالتالى إذا أقيم على ساحل المتوسط، وفى غزة الكبرى، ميناء عصرى مزود بتكنولوجيا مشابهة للتكنولوجيا المستخدمة فى ميناء سنغافورة.
وإذا تفرعت منه شبكة طرق جيدة، جنوبا وشرقا، وخط سكك حديدية، وتم زرع أنبوب نفط، فمن الممكن دفع حركة تجارة نشطة، وتخفيض تكلفة السلع.
ولن يأتى تمويل هذه المشروعات من الدول التى ستسير فى أراضيها هذه البنية التحتية فقط، وإنما ستشارك الدول الغربية فى التمويل أيضا.
فالعالم يدفع، اليوم، حوالى مليار دولار سنويا لإطعام الفلسطينيين، لكن وفقا لهذه الخطة فإن هذه الأموال ستستخدم فى الاستثمار الاقتصادى، وتدر أرباحا هائلة تغطى التكلفة فى بضع سنين. وتستفيد من هذا الازدهار كل من مصر والأردن بشكل مباشر، وعدة دول أخرى بشكل غير مباشر.
وعلى عكس الماضى الذى شهد حلولا ثنائية للصراع القومى على أسس سياسية وإستراتيجية، فالواقع أن المجتمع الدولى، اليوم، يبحث عن حلول متعددة الأطراف على أسس اقتصادية وربحية. ولعل إنشاء الاتحاد الأوروبى هو المثال الأبرز فى هذا الاتجاه.
ولا شك أن الحل الإقليمى المقترح فى هذه الخطة يتماشى بدقة مع الاتجاهات الجديدة السائدة فى العالم. فهذا الحل يعطى للفلسطينيين فرصة حقيقية للتحول إلى «سنغافورة الشرق الأوسط». ولا يمكن بأى شكل من الأشكال التفكير فى تحقيق إنجاز مشابه فى حدود غزة الضيقة التى نعرفها اليوم.