قصص قصيرة
هشام بن الشاوي
*عيد كئيب :
تستيقظ متأخرا،
تبقى في فراشك محتفلا بوحدتك.
من خلف الباب المتجهم تنداح كلمات التهاني،
ومن أعماقك يلح عليك صوت ما أن لا تبرح حجرتك،
وألا تشاركهم تمثيليتهم السخيفة..
قبل أن تغادر فراشك، تذرف سماء عينيك دمعات،
أحببت ألا يراه أحد
مصلوبة
على جفنيك
في هذا الصباح الاحتفالي!
تغادر زنزانتك الأثيرة،
ترد على تحايا الأهل ببرود،
والصغار يرفلون في حللهم الجديدة مبتهجين.
يسألك أحدهم عن عينيك المحتقنتين.
اللعنة! كيف لم تنتبه إلى أنهما ستفضحانك؟!
تلوذ بحصن صمتك.
يرد عليه الأب بلهجة كالسياط : " يا الله فاق !!".
تلوذ بحصن صمتك الصاخب،
ويذبح قلبك الحنين إلى طفولة قديمة رحلت مبكرا إلى مرافئ الشجن،
وأنت لا تعرف لم يزورك طيف هذا الحزن الغامض
كل عيد...
*عزلة فاخرة :
حاول أن يغفو، كل شيء موصد في حجرته.. صخب الجيران يحتل عزلته.. يتمرغ فوق فراشه، يحس بالاختناق، تنتابه رغبة في الصراخ في وجه العالم، يخترق أذنيه صوت صبي بجوار البيت متلفظا بكلمة نابية، يتخيل العالم حاوية أزبال، يستفزه منظرها، فيركلها..
تتدحرج متمايلة، ويخرج من جوفها كهل بثياب مهترئة وفردة حذاء بئيسة.. يسب كل ماحوله، يواصل طريقه مترنحا، محتضنا زجاجة كحول .
*استراحة :
تمدد فوق ألواح طلبا للراحة، فكر في أن يضحي بفترة الغذاء.. إلحاح زميليه في أن يأكل معهما جعل النوم يخاصم جفنيه.. بنبرة ندم تكلم كبيرهم سنا عن حياتهم التي لا معنى لها، والعذاب الذي ينتظرهم لأنهم لا يصلون ..
فكر في معادلة العذاب في الدنيا والآخرة.. في العمل الشاق،الذي لا تكفي نقوده ليسدد كل احتياجاته. أعاد طرح السؤال عليه : حين كنا في الجوهرة لم تكن صلاة الجمعة تفوتني.. أنت واعٍ و متعلم، فلم لا تصلي؟
- الله يرحم ابّاك إلا ما هنينا ...
- أش غادي تقول ليه مين يدفنوك ويجي عندك ؟..
- غاذي نقول ليه الله يرحم باك إلا ما هنينا .. جيتي حتى انت.. سير خلينا نتسراحوا.
أغرقوا في الضحك، وصوت خطيب الجمعة يتناهى إليهم من بعيد معلنا في وقار: ومن لغا فلا جمعة له .
*إلى: محمد فاهي .. قريبا من بداوتي:
تجهم وجهه المرأة الأربعيينة وطلبت من محدثها أن يقوم من أمامها.. ماسكة الـ"بلغة" ملوحة بها في الهواء في حنق،وهو يسألها - الابن الشاب - إن كانت تنجب ...
تأففوا من مشقة الطريق والصهد في هذه القرية النائية البعيدة،التي جاؤوها باحثين عن زوجة لأبيهم.
همس مرافقهم في أذن أحد أبنائه باسما: لازلت عذراء وتتصرف بغرابة كلما سئلت – بحسن نية - عن أبنائها، وهي الوحيدة في كوخها.. لكن أخاك يتصرف دائما بغباء !
في قرارته لعن " لعميم" أبناءه الذين يرفضون أن يتزوج امرأة أصغر منه سنا، وهو في سن الخمسين .
يتغاضون عنه وهو يتطوح من فوق دراجته المتهالكة في الطريق إلى المدينة.. كل أهالي القرية يعرفون أين يقضي نهاره.. في طريقه يصادف الأطفال الرعاة، ويعلق أحدهم ضاحكا: لعميم غادي لدار القوادة ... كيف كل جمعة !
*طاقية حمراء:
لاحت له من نافذته العلوية، تسور إيروس أعماقه القائظة، أشار إليها بيده إشارة استفزتها كامرأة محترمة ..
خلع طاقيته الحمراء وقميصه الأزرق، طلب من زميله أن يرتديهم، ويعيره ثيابه..
في منتصف درج الورش صادف ثلاثة رجال بوجوه محتقنة وخطى متلاهثة ..
تنفس الصعداء، حين تجاوز بوابة العمارة .
لمحوه ممددا فوق أكياس الإسمنت الفارغة، أيقظوه، وبلا مقدمات، انهالوا عليه ضربا.. استفسرهم عن السبب، أجابه أحدهم :
- كل جيران العمارات المجاورة يشتكون من البناء صاحب الطاقية الحمراء …
* إفطار:
استقبلته زوجته متهللة الوجه كعروس، راحت تحضر ما لذ وطاب فرحة بعودته .
يغيب العطار عن بيته متجولا بين الدواوير برفقة حماره وبضاعته ..
صباحا، كانت متجهمة مثل فراشها المعطل.. صبت جام غضبها في كل ما اعترض طريقها من حيوانات ودواجن .
طالبها بإحضار وجبة الإفطار ..
غابت دقائق، ووضعت أمامه علافة الحمار .
*السطل :
يرن هاتفها الخلوي طويلا، ونحن نرتدي ثيابنا. تترجاني أن لا أتكلم..
- آلو...
-....
- انتظرني.. أنا في الطريق إليك!
-....
- لقد كنت في الحمام !!
من نبرتها المتبرمة خمنت أن صديقنا عاتبها على تأخرها في الرد على المكالمة.. ترمي بالجهاز الصغير- على الفراش - لاعنة كل الرجال.. تذكرت أني كنت مكان ذلك السطل أكثر من مرة.. حين تتأخر في الرد على مكالماتي، ودوما تجد كذبة تليق بأنثى تؤجج نيران اشتهائي لها.. دوما !!
تلاطفني " فوزية "معبرة عن فرحتها الطفولية بكرمي العاهر.. ألوذ بصمتي، والقلب يبكي..!!
من خارج غرفتنا، أسمع صوت "فاطمة".. تساوم صديقي "ع" :
- أنا لاأملك غير عشرة دراهم..
- لا ياعزيزي، لا.. نقودك لا تكفي حتى لحلق عانتي ..!!
*عالة :
يفترقون في الهزيع الأخير.. الليل زمنهم الحقيقي..
يحس "عزري الدوار" الخمسيني بألا رغبة له في أن يخرج ليسرق لأتانه من زرع الآخرين. فلتمت جوعا.. لا أرض ولا عرض، وحتى "اعويشة، البغلة العاقرة" لم تتسلل من فراش زوجها الليلة.
- لو يعرف القـ(...) التي...
يمني نفسه بنعسة عميقة.
يضع رأسه على الوسادة.. يرتفع صوت جاره عبد الله متحشرجا: "الصلاة خير من النوم".
لو أذن "دعاوي البلاء" بصوته الذي يغيب سامعيه عن الوعي، لتاب كل الشياطين ....
مزحة يرددها ظرفاء القرية، مع كل آذان فجر، ويضحك لها كل صبح.
يغادر فراشه.. يزأر: كل ليييلة مصدعني ..كل لللللللللللليلة!! وفي سورة غضبه يسدد قطعة صبار متعفة إلى وجه زوج اعويشة.
هشام بن الشاوي
*عيد كئيب :
تستيقظ متأخرا،
تبقى في فراشك محتفلا بوحدتك.
من خلف الباب المتجهم تنداح كلمات التهاني،
ومن أعماقك يلح عليك صوت ما أن لا تبرح حجرتك،
وألا تشاركهم تمثيليتهم السخيفة..
قبل أن تغادر فراشك، تذرف سماء عينيك دمعات،
أحببت ألا يراه أحد
مصلوبة
على جفنيك
في هذا الصباح الاحتفالي!
تغادر زنزانتك الأثيرة،
ترد على تحايا الأهل ببرود،
والصغار يرفلون في حللهم الجديدة مبتهجين.
يسألك أحدهم عن عينيك المحتقنتين.
اللعنة! كيف لم تنتبه إلى أنهما ستفضحانك؟!
تلوذ بحصن صمتك.
يرد عليه الأب بلهجة كالسياط : " يا الله فاق !!".
تلوذ بحصن صمتك الصاخب،
ويذبح قلبك الحنين إلى طفولة قديمة رحلت مبكرا إلى مرافئ الشجن،
وأنت لا تعرف لم يزورك طيف هذا الحزن الغامض
كل عيد...
*عزلة فاخرة :
حاول أن يغفو، كل شيء موصد في حجرته.. صخب الجيران يحتل عزلته.. يتمرغ فوق فراشه، يحس بالاختناق، تنتابه رغبة في الصراخ في وجه العالم، يخترق أذنيه صوت صبي بجوار البيت متلفظا بكلمة نابية، يتخيل العالم حاوية أزبال، يستفزه منظرها، فيركلها..
تتدحرج متمايلة، ويخرج من جوفها كهل بثياب مهترئة وفردة حذاء بئيسة.. يسب كل ماحوله، يواصل طريقه مترنحا، محتضنا زجاجة كحول .
*استراحة :
تمدد فوق ألواح طلبا للراحة، فكر في أن يضحي بفترة الغذاء.. إلحاح زميليه في أن يأكل معهما جعل النوم يخاصم جفنيه.. بنبرة ندم تكلم كبيرهم سنا عن حياتهم التي لا معنى لها، والعذاب الذي ينتظرهم لأنهم لا يصلون ..
فكر في معادلة العذاب في الدنيا والآخرة.. في العمل الشاق،الذي لا تكفي نقوده ليسدد كل احتياجاته. أعاد طرح السؤال عليه : حين كنا في الجوهرة لم تكن صلاة الجمعة تفوتني.. أنت واعٍ و متعلم، فلم لا تصلي؟
- الله يرحم ابّاك إلا ما هنينا ...
- أش غادي تقول ليه مين يدفنوك ويجي عندك ؟..
- غاذي نقول ليه الله يرحم باك إلا ما هنينا .. جيتي حتى انت.. سير خلينا نتسراحوا.
أغرقوا في الضحك، وصوت خطيب الجمعة يتناهى إليهم من بعيد معلنا في وقار: ومن لغا فلا جمعة له .
*إلى: محمد فاهي .. قريبا من بداوتي:
تجهم وجهه المرأة الأربعيينة وطلبت من محدثها أن يقوم من أمامها.. ماسكة الـ"بلغة" ملوحة بها في الهواء في حنق،وهو يسألها - الابن الشاب - إن كانت تنجب ...
تأففوا من مشقة الطريق والصهد في هذه القرية النائية البعيدة،التي جاؤوها باحثين عن زوجة لأبيهم.
همس مرافقهم في أذن أحد أبنائه باسما: لازلت عذراء وتتصرف بغرابة كلما سئلت – بحسن نية - عن أبنائها، وهي الوحيدة في كوخها.. لكن أخاك يتصرف دائما بغباء !
في قرارته لعن " لعميم" أبناءه الذين يرفضون أن يتزوج امرأة أصغر منه سنا، وهو في سن الخمسين .
يتغاضون عنه وهو يتطوح من فوق دراجته المتهالكة في الطريق إلى المدينة.. كل أهالي القرية يعرفون أين يقضي نهاره.. في طريقه يصادف الأطفال الرعاة، ويعلق أحدهم ضاحكا: لعميم غادي لدار القوادة ... كيف كل جمعة !
*طاقية حمراء:
لاحت له من نافذته العلوية، تسور إيروس أعماقه القائظة، أشار إليها بيده إشارة استفزتها كامرأة محترمة ..
خلع طاقيته الحمراء وقميصه الأزرق، طلب من زميله أن يرتديهم، ويعيره ثيابه..
في منتصف درج الورش صادف ثلاثة رجال بوجوه محتقنة وخطى متلاهثة ..
تنفس الصعداء، حين تجاوز بوابة العمارة .
لمحوه ممددا فوق أكياس الإسمنت الفارغة، أيقظوه، وبلا مقدمات، انهالوا عليه ضربا.. استفسرهم عن السبب، أجابه أحدهم :
- كل جيران العمارات المجاورة يشتكون من البناء صاحب الطاقية الحمراء …
* إفطار:
استقبلته زوجته متهللة الوجه كعروس، راحت تحضر ما لذ وطاب فرحة بعودته .
يغيب العطار عن بيته متجولا بين الدواوير برفقة حماره وبضاعته ..
صباحا، كانت متجهمة مثل فراشها المعطل.. صبت جام غضبها في كل ما اعترض طريقها من حيوانات ودواجن .
طالبها بإحضار وجبة الإفطار ..
غابت دقائق، ووضعت أمامه علافة الحمار .
*السطل :
يرن هاتفها الخلوي طويلا، ونحن نرتدي ثيابنا. تترجاني أن لا أتكلم..
- آلو...
-....
- انتظرني.. أنا في الطريق إليك!
-....
- لقد كنت في الحمام !!
من نبرتها المتبرمة خمنت أن صديقنا عاتبها على تأخرها في الرد على المكالمة.. ترمي بالجهاز الصغير- على الفراش - لاعنة كل الرجال.. تذكرت أني كنت مكان ذلك السطل أكثر من مرة.. حين تتأخر في الرد على مكالماتي، ودوما تجد كذبة تليق بأنثى تؤجج نيران اشتهائي لها.. دوما !!
تلاطفني " فوزية "معبرة عن فرحتها الطفولية بكرمي العاهر.. ألوذ بصمتي، والقلب يبكي..!!
من خارج غرفتنا، أسمع صوت "فاطمة".. تساوم صديقي "ع" :
- أنا لاأملك غير عشرة دراهم..
- لا ياعزيزي، لا.. نقودك لا تكفي حتى لحلق عانتي ..!!
*عالة :
يفترقون في الهزيع الأخير.. الليل زمنهم الحقيقي..
يحس "عزري الدوار" الخمسيني بألا رغبة له في أن يخرج ليسرق لأتانه من زرع الآخرين. فلتمت جوعا.. لا أرض ولا عرض، وحتى "اعويشة، البغلة العاقرة" لم تتسلل من فراش زوجها الليلة.
- لو يعرف القـ(...) التي...
يمني نفسه بنعسة عميقة.
يضع رأسه على الوسادة.. يرتفع صوت جاره عبد الله متحشرجا: "الصلاة خير من النوم".
لو أذن "دعاوي البلاء" بصوته الذي يغيب سامعيه عن الوعي، لتاب كل الشياطين ....
مزحة يرددها ظرفاء القرية، مع كل آذان فجر، ويضحك لها كل صبح.
يغادر فراشه.. يزأر: كل ليييلة مصدعني ..كل لللللللللللليلة!! وفي سورة غضبه يسدد قطعة صبار متعفة إلى وجه زوج اعويشة.