لماذا يخافون عاشوراء؟
نـــــــــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM
لماذا ترتعد فرائص البعض فرقا كلما مرت ذكرى عاشوراء؟.
لماذا يخافون التاريخ؟ فيحاولون، مثلا، تغيير مسار الحديث كلما جرى عن مقطع مفصلي من مقاطعه الحساسة؟.
لماذا لا يحاولون قراءة التاريخ بشكل سليم؟ فتراهم يشوهون ويغيرون ويحرفون ويزيفون الوقائع كلما مروا على قصص التاريخ واحداثه؟.
يقولون ان (التاريخ) يفرق الامة ولا يجمع كلمتها.
ويدعون بانه يثير الحساسيات والنعرات الطائفية وغيرها، ولذلك يتجنبونه باي شكل من الاشكال.
ويدعون بان التاريخ سبب من اسباب تخلف الامة، وعامل من عوامل تقهقرها وعدم تقدمها او تطورها.
انهم يقولون بان الامة التي تريد ان تتقدم، عليها ان لا تنظر الى الوراء، بل يجب عليها ان تنظر الى الامام فقط.
ويقولون بان الامة التي تنشد، بتشديد الدال، الى الماضي لا تعيش الحاضر ولا تعرف معنى المستقبل.
ويقولون، كذلك، بان الامة التي يأسرها الماضي تموت، ان عاجلا ام آجلا.
فهل صحيح كل ذلك؟.
ان الحديث عن التاريخ (الحاضر) امر ليس بالهين، ولذلك تعال معي، عزيزي القارئ، ندرس الامر خطوة فخطوة، بلا استعجال او تجني او تبسيط كما يفعل الكثير، ممن ينطلق من جهل او حقد او رد فعل.
ولاننا ضربنا (عاشوراء) مثلا في عنوان المقال، لذلك دعني ابدا منه كما يلي في حوار هادئ، وان كانت القضية ساخنة جدا.
اولا: هل صحيح ان (عاشوراء) تثير الطائفية والحقد والكراهية وروح الانتقام عند من يستذكرها كل عام وبهذا الشكل المهول الذي يثير انتباه العالم اجمع؟.
الجواب: لا اعتقد ذلك ابدا، ودليلي هو الواقع الذي نعيشه كل عام في ذكرى عاشوراء، فنحن وغيرنا لم نسمع في يوم من الايام ابدا ان (شيعيا) طعن (سنيا) في موكب من مواكب العزاء، وهو في اشد حالات التفاعل والغضب على سيد شباب اهل الجنة، بحجة انه يتحمل مسؤولية قتل السبط، في محاولة منه لنصرته عليه السلام.
كما لم نسمع ابدا ان عائلة (شيعية) اعتدت على جيرانها (السنة) في ايام عاشوراء، مندفعة الى ذلك بدافع الكراهية او روح الانتقام او ما اشبه، ابدا.
بل العكس هو الصحيح، فنحن وكل العالم، نسمع في ايام الذكرى انباءا متكررة عن استهداف عشاق الحسين عليه السلام من قبل (الاخر) بالقتل والتفجير والذبح والاغتيال، ما يعني ان (الاخر) هو المشحون بالكراهية والحقد والبغضاء وروح الانتقام، والذي توارثه كابرا عن كابر.
ان الذكرى تحمل لنا في كل عام صور التعايش السلمي والاستذكار المشترك، ليس بين الشيعة والسنة فحسب، وانما بين المسلمين وغيرهم من ابناء الملل والنحل.
طائفة واحدة فقط هي التي لا تقدر على تحمل الذكرى، وتكرهها اشد الكراهية فتتمنى لو تموت ولا تراها في كل عام، الا وهم الامويون الذين يتجددون في كل عام مع تجدد الذكرى، فهؤلاء هم الذين يقتلون ويذبحون ويفجرون، ولذلك فان ضحاياهم من كل الملل والنحل، بالضبط كما كانوا ضحاياهم من كل الملل والنحل في عاشوراء في كربلاء عام 61 للهجرة، فكانت آخر جرائمهم محاولة تفجير (عمر) للطائرة المدنية فوق سماء ولاية ميشيغن الاميركية، والتي كانت تحمل على متنها عدد من الركاب جلهم من المسلمين.
ان الذكرى لا تثير مثل هذه الروح في نفوس اهلها لسبب بسيط ومهم في آن، وهو ان اتباع مدرسة عاشوراء يعتبرون ان المسلمين على نوعين، الاول هم ضحايا الارهاب الاموي الذي لازال ممتدا الى اليوم، بصور واشكال شتى، وهؤلاء هم الشيعة، والثاني هم ضحايا التضليل الاموي والذي لازال ممتدا الى اليوم كذلك، بصور واشكال شتى، وهؤلاء هم غيرهم.
انهم يعتقدون بان الارهابي الذي يفجر نفسه في مواكب العزاء ضحية التضليل الاعلامي الذي لازال يبذل كل ما في وسعه من اجل غسل ادمغة الناس من خلال التضليل وقلب الحقائق وتحريف الكلم عن مواضعها.
انه ضحية التضليل قبل ان يصيب بحقده وكراهيته ضحايا ارهابه.
ولو سنحت الفرصة لامثاله ان يعيدوا قراءة التاريخ بشكل صحيح وسليم لما غسلت دماغه ماكينة التضليل الاعلامي الطائفي الحاقد، ولغير، بتشديد الياء، من طريقة تفكيره.
ولذلك بكى الحسين السبط عليه السلام قاتليه في العاشر من المحرم، فبينما كان هو ضحية الارهاب الاموي كان قاتلوه ضحايا التضليل الاموي، طبعا من دون ان يسقط، بضم الياء، هذا الموقف المسؤولية عنهم، ابدا.
من هذا المنطلق تحديدا يسعى احرار العالم الى استذكار التاريخ الحقيقي والصحيح لعاشوراء في كل عام من اجل مساعدة امثال هؤلاء على اعادة قراءة التاريخ بشكل صحيح وسليم، وتاليا مساعدتهم على اخراجهم من فخ التضليل الذي نصبه لهم اعداء البشرية.
ان عاشوراء رحمة للعالمين، ورحمة لامثال هؤلاء تحديدا، فلولا عاشوراء لبقي المسلمون مضللين لا يعرفون الحق من الباطل، ولا يميزون العدل من الظلم، ولذلك فان استذكار عاشوراء هو محاولة جادة من قبل (الحسينيين) لمثل هؤلاء لاعادة النظر في متبنياتهم وثوابتهم، ودعوة مخلصة لهم لمساعدتهم على قراءة (الدين) بشكل صحيح بعيدا عن التضليل والتزييف والخداع.
والحمد لله فان هذا المسعى اثبت نجاحه بشكل كبير جدا، اذ ان هناك الالاف المؤلفة من (الاحرار) الذين يستجيبون له فيغيرون واقعهم ويبدلون طريقة تفكيرهم فينأون بانفسهم عن الارهاب، بعد ان يعيدوا النظر بكل ما يقرؤونه ويسمعونه من دجل وكذب وتضليل تمارسه اجهزة التضليل الاموي.
ولقد اثبت الواقع ان عاشوراء سبب مهم من اسباب تقليص مساحة (الطائفية) البغيضة في الامة، ولذلك يستذكرها الاحرار كل عام، لتقريب وجهات النظر على اعتبارها مناسبة لقراءة التاريخ من جديد وللوقوف على حقائق الماضي بشكل سليم، وبعودة سريعة الى كتابات الاحرار، من غير اتباع مدرسة اهل البيت عليهم السلام، التي تتجدد كل عام في ذكرى عاشوراء، نلحظ متى تاثير الاستذكار في اعادة صياغة طريقة تفكيرهم.
ثانيا: هل صحيح ان عاشوراء تفرق الامة؟ وتمزق وحدتها؟
الجواب: ابدا، ودليلي على ذلك هو الواقع المعاش كذلك، كيف؟.
في هذا العام خاصة فان الامة اجتمعت على عاشوراء، في العراق تحديدا، مهد الذكرى، ليس المسلمون فقط وانما كل الاديان والطوائف والملل والنحل، فلقد سمع العالم قصص الوحدة والاتحاد بين العراقيين في عاشوراء هذا العام بما ادهشهم، وان كان الاعلام الاموي لم يتطرق الى مثل هذه الصور الوطنية الرائعة، لانها جاءت بعكس ما يتمنونه، فهم يتمنون ان تتحول عاشوراء الى مجازر دموية رهيبة كتلك التي شهدتها كربلاء في العاشر من المحرم عام 61 للهجرة.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فلنفترض ان عاشوراء تفرق الامة، حسنا، فلماذا لا تتحد البلاد (العربية) على الاقل؟ هل فرقتها عاشوراء لنلوم الذكرى؟ ام ماذا؟.
لماذا لم يتحد الفلسطينيون مثلا؟ لماذا تفرقوا الى طرائق قددا، وهم الذين يواجهون عدوا واحدا ويعيشون مصيرا واحدا؟ ام ان عاشوراء هي الاخرى فرقتهم ومزقتهم وذهبت بريحهم؟.
ولماذا لم يتحد المصريون والجزائريون الذين ضحكت عليهم الامم بسبب لعبة كرة قدم فاز فيها فريق وخسر آخر؟ ام ان عاشوراء هي التي فرقت بينهم ومزقت اوصالهم؟.
شخصيا، لم اسمع الرئيس المصري يتحدث عن كرامة المواطن المصري طوال عمري، بالرغم من الدنس الذي اصابه جراء التطبيع (العربي- الصهيوني) وبسبب تدني الحالة المعيشية التي يعيشها المصريون والتي ذهبت بكرامتهم، ولكنني سمعته يتحدث عنها بعيد احداث الشغب التي شهدتها الملاعب الرياضية، وكانه يريد القول بانه سينتزع كرامة المواطن المصري من المواطن الجزائري الذي انتهكها في الملاعب، لماذا؟ ألانه استذكر عاشوراء ام ماذا؟.
لماذا لم يتحد المصريون والفلسطينيون؟ فتتمزق اوصالهم لدرجة ان المصريين يبنون جدارا عازلا وانفاقا وسواتر للفصل بينهم وبين الفلسطينيين؟ ألانهم يخافون ان تهب عليهم رياح عاشوراء من فلسطين؟ ام ماذا؟.
ان عاشوراء لا يمكن ان تكون في يوم من الايام سببا لتمزيق الامة ابدا، بل على العكس من ذلك.
انها عامل وحدة واتحاد، بامكانها ان تجمع الامة على الحق والحرية والخير والعمل الصالح، ضد الظلم والظالمين والعتاة المردة من الانظمة البوليسية الشمولية التي تحكم بلاد المسلمين بالحديد والنار، ولذلك يخشاها الحكام والظالمين.
واذا كانت حقائق عاشوراء تثير حفيظة البعض، فان عليهم ان يلوموا مصادرهم التاريخية حصرا والتي نقلت الحدث بهذا الشكل المهيب، ولا ذنب على من يستذكرها ابدا.
ثالثا: لماذا عاشوراء تحديدا؟.
لانها من اكثر فصول التاريخ التي تفضحهم وتفضح سياساتهم ونهجهم، وتميط اللثام عن الحقائق المغيبة.
ان المتتبع لهجمات (الاخر) على التاريخ وذكرياته، يلحظ انه يستهدف لون خاص من التاريخ وليس كل التاريخ، انه يستهدف بحملته الظالمة كل مقطع من التاريخ يهدد شرعيته ويطعن بسلطته ويوجه سهام النقد والتساؤل ضد ممارساته المنحرفة، وهل غير عاشوراء من يفعل بهم كل ذلك واكثر؟.
انه يخشى التاريخ الذي يثير عقل الانسان فيدفع به الى التفكير الصحيح، ولكنه في نفس الوقت يطرب للتاريخ الذي يبرر له سلطته الغاشمة وطريقة وصوله الى الحكم بغير ارادة الامة، كان تكون بالوراثة مثلا او بالانقلاب العسكري او بالقتل والفتك وما اشبه، ولذلك ترى الفضائيات العربية تحديدا دون غيرها من الفضائيات، تعج بالمسلسلات التاريخية التي تواصل عملية التضليل للعقل الجمعي للامة، لتبرير الواقع المزري الذي تعيشه الشعوب المغلوب على امرها.
ان نسبة كبيرة جدا من هذه المسلسلات التاريخية تصور حياة الظلم والترف واللهو والمجون والخلاعة والعدوان والتحلل التي عاشها (خلفاء) بني امية وبني العباس، وهي دعوة في اللاوعي للامة لتتقمص شخصية هذا النوع من التاريخ، ولقد تركت اثرها وللاسف، ولذلك نجد الامة تبرر ظلم الحكام وتصفق للصوص والمعتدين من زعماء وملوك ومن لف لفهم.
اننا نستذكر في عاشوراء صور الثبات على الحق ومقارعة الباطل والظلم، وصور الكرامة والحرية والرجولة والبطولة والايثار والمواساة، وكل قيم السماء ومناقب الاخلاق التي ضحى من اجلها الحسين السبط عليه السلام والثلة المؤمنة من اهل بيته والصفوة الطاهرة من اصحابه الميامين.
اما الاخر، فلا يستذكر من التاريخ الا صور الف ليلة وليلة، وصور المجون والسكر والعربدة والخمرة والفساد والانحراف والظلم واقتتال العائلة الواحدة من اجل السلطة، وذبح الاب لابنه والاخ لاخيه من اجل السلطان.
اننا نستذكر من التاريخ كل ما يساهم في صناعة رجولة الامة، اما الاخر فلا يستذكر من التاريخ الا كل ما يساهم في اذلال الامة واستحضار عوامل ابقاءها خاضعة خانعة متخلفة.
انهم يكذبون عندما يقولون مالنا والتاريخ؟ ولا يصدقون عندما يدعوننا الى ترك الماضي وراء ظهورنا.
انهم مثلنا، يستذكرون التاريخ ويعشقون فصوله ويحنون الى الماضي، الا ان الفرق فيما بيننا وبينهم هو اننا نستحضر التاريخ السليم الذي ينتهي بنا الى حاضر افضل والى مستقبل واعد جديد، اما هم فلا يستذكرون الا التاريخ الذي يبرر سلطتهم الظالمة.
بمعنى آخر، انهم يفرضون على الامة لون خاص من التاريخ، ذلك الذي يخدرها ولا يدعها تنتفض على واقعها المريض، ولذلك يخشون عاشوراء لانها فرصة الامة في ان تنفض عن نفسها وواقعها غبار الخضوع والخنوع والاستسلام.
اتدرون لماذا يخشى الشرقيون عموما التاريخ، ولا يخشونه الغربيون؟.
لان الشرقيين لا يريدون ان يعترفوا باخطاء الماضي، وفي نفس الوقت فانهم اعجز من ان يغيروا حقائقه، ولذلك لا يقدرون على استذكار حقائقه، فيعمدون الى استحضار المزيف منه فقط، لماذا؟ من اجل ان يظلل سلطانهم المنحرف بظلال الشرعية، اما الغربيون فيعترفون بالخطا التاريخي ويسعون الى اصلاحه، فهم لا يغمضون عيونهم عن التاريخ، ابدا، لان الانسان ابن تاريخه وهو نتاج ماضيه شاء ام ابى، ومهما كانت هويته، ولذلك فهم يستحضرون كل الماضي من اجل اصلاح الواقع على ضوئه اذا كان خطا او تكراره اذا كان صحيحا وسليما.
اجزم، لو كانت عاشوراء حاضرة في واقع الامة، لما توارث الابناء السلطة من آبائهم، ولما حكم الامة ظالم وجبار ومستبد، ولما سكتت الامة على الضيم وهضم حقوقها وسحق كرامتها.
لو كانت عاشوراء حاضرة في وعي الامة، لاقامت النظام السياسي الديمقراطي القائم على اساس ارادة الامة وحسن خيارها وحرية ابناءها على قاعدة {ان لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا احرارا في دنياكم}.
ان نصف المجتمع العربي لا يقرا ولا يكتب، امي، لماذا؟ لان الحاكم اراد ذلك لرعيته، من اجل ان تبقى جاهلة لا تميز بين الناقة والجمل، على طريقة النهج الاموي الذي استحكم في الشام.
لقد فرض معاوية، وبمساعدة فقهاء السوء، حصارا ثقافيا واعلاميا ومعرفيا على اهل الشام، فلم يكن لهم الحق في ان يختاروا ما يقراوه او يسمعوه الا بعد ان يمر على الرقابة ، فليس من حقهم ان يختاروا، فان السلطة الاموية هي التي تحملت هذه المسؤولية عنهم، فهي التي تختار لهم ماذا يحق لهم ان يقرأوا وماذا يحق لهم ان يسمعوا، لماذا؟ من اجل تجهيلهم والاستخفاف بعقولهم ليسهل على الحاكم حكمهم والتسلط عليهم واتخاذهم خولا، عبيد واماء.
ولذلك فان سياسة التجهيل التي تمارسها الانظمة الحاكمة اليوم بحق الامة، هو من اجل تسهيل مهمة التسلط عليها، لان الامة الواعية لا يسهل على كائن من كان حكمها، ولذلك فانهم يخافون عاشوراء، لانها فرصة ثمينة لتوعية الامة ولايقاظها من سباتها وغفوتها، وهذا ما تخشاه الانظمة الجاهلية التي تحكم اليوم بلاد المسلمين والعرب خاصة.
انها فرصة لاطلاع الامة على علوم اهل البيت عليهم السلام، والتي لو اطلعت عليها لغيرت عقليتهم وحياتهم وطريقة تفكريهم نحو الافضل، وكل هذا تخشاه السلطات ولذلك يحاربون عاشوراء تحديدا.
لقد بذل الامويون جهود مضنية من اجل طمس علوم اهل البيت عليهم السلام، وتحديدا علوم امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، وكلنا قرا او سمع عن الجهود الكبيرة التي بذلها الطليق معاوية بن ابي سفيان من اجل اخفاء عهد امير المؤمنين عليه السلام الى مالك الاشتر.
فعندما اغتال صاحب خراج القلزم، مالك الاشتر رضوان الله تعالى عليه، وهو في طريقه الى مصر عندما ولاه امير المؤمنين عليه السلام عليها، وذلك بتحريض من معاوية، ارسل الى الاخير كتابا طويلا وجده في متاع الاشتر، كما كان قد ارسل اليه عمرو بن العاص من قبل، كل ما وجده عند محمد بن ابي بكر رضوان الله تعالى عليه بعد اغتياله.
فلما نظر معاوية في هذه الكتب جميعا وجد فيها علما غزيرا، فابدى اعجابه بها وحرص عليها، وبصفة خاصة عهد الامام الى الاشتر.
فاقترح عليه الوليد بن عقبة ان يحرق هذه الكتب جميعا، فقال معاوية: مه (مهلا) لا راي لك، فقال الوليد: امن الراي ان يعلم الناس ان احاديث ابي تراب (يعني علي امير المؤمنين) عندك تتعلم منها؟ فقال معاوية: ويحك، اتامرني ان احرق علما مثل هذا؟ والله ما سمعت بعلم هو اجمع منه ولا احكم، فقال الوليد: ان كنت تعجب من علمه وقضائه فعلام قاتلته؟.
فتانى معاوية ولم يبادر بالاجابة، وبعد ان اعمل فكره، قال للوليد ومن معه من الخلصاء: انا لا نقول ان هذه من كتب علي بن ابي طالب، ولكن نقول هذه من كتب ابي بكر الصديق، كانت عند ابنه محمد، فنحن ننظر فيها وناخذ منها.
ان عاشوراء فرصة ذهبية لتوعية الامة بالحقيقة والحق والعدل والكرامة، كما انها فرصة لتعريف الامة بالطريقة الفضلى لاخذ حقها من الحاكم، خاصة اذا كان ظالما.
كما ان عاشوراء فرصة ذهبية لاثارة روح التحدي في نفوس الامة، فلو كانت عاشوراء حاضرة في واقع الامة لما استطاعت اسرائيل ان تذلها وتقلقها وتستنزفها، ولما استطاعت ان تحول الانظمة الحاكمة في البلاد العربية، خاصة في مصر والاردن والسعودية، الى سواتر متقدمة لحمايتها من شباب الامة وطاقاتها الخلاقة.
فلو سال شاب في مقتبل العمر احدنا عن ماهية عاشوراء، فماذا عساه ان يجيبه؟.
انه امام ثلاثة خيارات لا رابع لها، فاما ان يسكته في الحال ويمنعه من تكرار مثل هذه الاسئلة، بحجة انها اكبر من حجمه وعمره، وبذلك سيزرع في وعيه رد فعل لا يحمد عقباه، لانه سيظل يلح على السؤال حتى يعرف حقيقة الجواب.
او انه يرد عليه بجواب كذب، سيكتشف حقيقته الشاب ان عاجلا ام آجلا، وبذلك سيسقط اعتبار الرجل في عينيه بعد حين.
او يخبره بالحقيقة، وهذا هو الخيار الذي يختاره العقلاء، لان الحقيقة قد يحجبها التضليل فترة من الزمن، ولكن ليس للابد ابدا.
وهذا هو ما يفعله الاحرار في كل عام، فلماذا تلوموهم؟.
رابعا: وهل صحيح ان عاشوراء فتنة؟ واذا كانت كذلك فلماذا نستذكرها اذن؟.
الجواب، نعم ان عاشوراء فتنة، بل انها اعظم فتنة، ولذلك نستذكرها ونستحضرها في كل عام، بل وفي كل يوم.
لقد ابتلانا الله تعالى بالتاريخ، وامتحننا بالماضي، ليميز منا العاقل من غيره، والواعي من غيره، ولذلك كرر القرآن الكريم قصص الامم الماضية مرات وكرات، وبطرق مختلفة وسور متعددة واساليب متنوعة، وكل ذلك من اجل ان يبتلي الانسان فيميز العاقل من غيره.
حتى (الاخر) يعتبر ان التاريخ جزء من كيانه الحاضر وجزء لا يتجزا عن مستقبله، والا فلماذا يدرسون الطلاب مادة التاريخ في كل مراحل التعليم؟.
ولماذا تكتض المكتبة العربية، مثلا، بكتب التاريخ؟.
انهم لو يصدقون بدعواهم، فلماذا لا يحرقوا ويتلفوا كل كتب التاريخ فلا يبقوا لها اثرا؟.
على العكس من ذلك، فانهم يجددون طباعة كتب التاريخ كلما نفدت نسخها من المكتبات، لماذا؟ اوليس من اجل ان نقراها ونتادولها ونتحادث فيها، ام ماذا؟ ام تريدوننا ان نقرا التاريخ على طريقتطم السيئة التي خلاصتها ان سيدنا زيد قتل سيدنا عمرو وان المبشر بالجنة (أ) قتل المبشر بالجنة (ب).
هل تريدوننا ان نستخف بعقولنا فنقرا التاريخ على طريقتكم؟ ام تريدوننا ان نقبل بكل التاريخ على علاته؟ ام تريدوننا ان نضحك على انفسنا وعلى عقولنا فنصدق بكل ما يقوله التاريخ وان كان متناقضا؟.
ان من حقكم ان تضحكوا على انفسكم وعلى عقولكم، فهذا شانكم، اما نحن فلا نقبل بذلك ابدا، لاننا، وبكل بساطة، نحترم انفسنا ونحترم عقولنا ونحترم وعينا، ولا نقبل ان يضحك علينا وعلى عقولنا احد.
انهم يكتبون التاريخ بالشكل الذي يستهويهم، وبالتفاصيل التي تخدمهم ويفسرونه بالمعنى الذي يخدم مآربهم ومشاريعهم السلطوية، ولكننا لسنا على استعداد لان ننصاع الى ما يريدونه منا.
انهم يعرفون اهمية التاريخ ولذلك لا يقدرون على الغائه من حياة الامة، لان:
الدين..تاريخ.
والقرآن..تاريخ.
والسنة..تاريخ.
فكيف يمكن لاحد ان يلغي التاريخ من حياة الامة؟.
ولانهم لا يقدرون على ذلك، تراهم احتالوا عليه، فما يخدمهم من التاريخ يضخمونه ويستحضرونه ليل نهار، اما التاريخ الذي يرعبهم ويطعن في شرعيتهم ويوجه سهام النقد والمساءلة لسياساتهم، فتراهم يتجاهلونه، واذا اضطروا له وتمكنوا منه حرفوه وغيروه وبدلوه، وهي الطريقة التي سار عليها الامويون منذ عهد معاوية بن ابي سفيان، الذي بذل الكثير من بيت مال المسلمين من اجل ان يضع له الوضاعون من وعاظ السلاطين وفقهاء البلاط الاحاديث المكذوبة عن رسول الله (ص) او على الاقل تحريفها وتغييرها وتبديلها، ولذلك فليس غريبا ان يتساءل اهل الشام عن علة مقتل (الخليفة الرابع) امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام في محراب الصلاة وهو الذي لا يصلي؟ بقولهم متسائلين بدهشة غريبة عندما وصلهم خبر مقتل الامام في محراب الصلاة {اويصلي علي بن ابي طالب}؟.
لا احد ينسى التاريخ، ولا احد يسعى لالغائه، بل ان كل انسان يحاول ان يستذكر التاريخ، ولكن كل بطريقته وعلى شاكلته، ولاغراضه، فبينما تستذكر طائفة من الناس التاريخ كدروس وعبر من اجل الاصلاح وتحقيق الاحسن وانجاز الافضل، نرى طائفة اخرى من الناس تستذكر التاريخ للطعن والتشويه والتزوير والتحريف، وتاليا لتجهيل الامة وتخديرها والاستخفاف بعقولها وبتفكيرها لتدجينها، خدمة لاغراضها السياسية الباطلة، كما هو حال الانظمة الشمولية التي تحكم شعوبها بالحديد والنار، الا انها في نفس الوقت تتلفع بالشرعية التي تستجديها من التاريخ المزيف.
انهم يريدوننا ان ننسى التاريخ الذي يفضحهم فقط والذي يعري شرعيتهم، اما التاريخ المتحلل من اي التزام، والذي لا يؤثر عليهم بشئ ولا يعلم الناس درسا او عبرة، فلا باس به، وليكرره الناس ليل نهار، لانه تاريخ عديم الطعم واللون والرائحة.
انهم يتعاملون مع التاريخ على طريقة ذاك الجنرال البريطاني الذي كان يسير في احد طرقات بغداد ايام الاحتلال البريطاني الاول للعراق في العام 1917 للميلاد، فسمع الاذان يصدع من احدى مآذن مساجد بغداد، فسال، ماذا يقول هذا الصوت؟ قيل له انه يؤذن فيقول الله اكبر الله اكبر، فرد قائلا: لم اقصد ذلك انما قصدت هل انه يتعرض لسياسات حكومة صاحب الجلالة ملك بريطانيا العظمى في العراق؟ فقيل له لا انه لم يفعل ذلك، فاجابهم: اذن دعوه وشانه.
انهم يشجعون ويشيعون التاريخ الذي بلا معنى، وهم لا يتحاشون ولا يبتعدون الا عن التاريخ الذي يضع الامة على المحك، والذي يميز بين الحق والباطل ويفرق بين الصح والخطا.
ماذا نفعل اذا كان تاريخنا بهذا الشكل، يخجل منه المرء، ولا يفتخر به عاقل؟ ماذا نفعل بالتاريخ الذي كتب لنا ان امة قتلت ابن بنت نبيها بعد نصف قرن من رحيله الى الملأ الاعلى؟ وهو (ص) الذي اوصاهم به خيرا بامر السماء الذي ورد في القران الكريم بقوله عز وجل {قل لا اسالكم عليه اجرا الا المودة في القربى}؟.
ماذا نعمل بالتاريخ الذي نقل لنا تفاصيل الجريمة المروعة، وقال لنا بانها ارتكبت باسم الدين وباسم القران وباسم الخلافة الاسلامية؟.
ماذا نفعل وقد اخبرنا التاريخ ان (خليفة المسلمين) السكير القاتل والمتحلل قتل السيد المحجبا سبط الرسول الكريم (ص) بتلك الصورة البشعة ثم حز اتباعه راس الشهيد ليحملوه معهم الى قصر الامارة لينكته (الخليفة) بمخصرته، وهو يقرا شعرا، قائلا:
ليت اشياخـــي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل
لاهلوا واستهلوا فرحــــــــا ثم قالوا يا يزيد لا تشــــــــــل
قد قتلنا القرم مـــن ساداتهم وعدلناه ببدر فاعتـــــــــــــدل
لعبت هاشم بالملك فــــــــلا خبر جاء ولا وحــــــــي نزل
لست من خندف ان لم انتقم من بني احمـــــد ما كان فعل
ما يشير الى ان (خليفة المسلمين) لم يكن يعترف بوحي ولا نبوة ولا باليوم الآخر، فيما كان يحكم باسم الاسلام وباسم الرسول الكريم وباسم السماء.
ان من يدعونا الى نسيان الماضي وترك التاريخ جانبا، هو من اكثر الناس الذين يستذكرون هذا التاريخ ولكن بطريقتهم الخاصة، فمثلا، اذا اخطا (شيعي) في اي مكان في هذا العالم تراهم يستذكرون كل التاريخ بغثه وسمينه، فتراهم يستحضرون عبد الله بن سبا وابو لؤلؤة وابن العلقمي، وغيرهم، وهو الامر الذي يتكرر كل يوم في الاعلام سواء في الفضائيات الطائفية او في مواقع الانترنيت او في الاذاعات او في غيرها من وسائل الاعلام الاخرى.
فلماذا يحق لكم ان تستحضروا (التاريخ) وان كان مزيفا، ولا يحق لنا ذلك، وهو التاريخ الصحيح؟.
والظريف في الامر، هو انهم جميعا يفعلون ذلك، سواء اكانوا (اسلاميين) او (علمانيين) فعند مثل هذه الامور تراهم جميعا (طائفيون) بامتياز، يجمعهم ويوحدهم الحقد الاموي على عاشوراء واهلها.
حسنا، تعالوا الى كلمة سواء فيما بيننا وبينكم، فاذا اردتم ان ننسى الماضي ونترك التاريخ جانبا، فان عليكم اولا:
حرق كل كتب التاريخ ومنها الصحاح وكل تراث ابن تيمية وشيوخه وتلامذته لانها كفرت اهل القبلة.
حرق كل الافلام والوثائق والمسلسلات التاريخية، لانها تاريخ في تاريخ.
حذف كل الايات القرانية التي تتحدث عن التاريخ وعن قصص الانبياء والامم، كما اراد ان يفعل ذلك الرئيس المصري المقبور انور السادات عندما دعا علماء الازهر الى حذف مثل هذه الايات خاصة التي تذكر اليهود بسوء وذلك بعد زيارته الى اسرائيل والقائه ذلك الخطاب (التاريخي) المذل في الكنيست الاسرائيلي، بحجة ان مثل هذه الايات لا تساعد العرب على تحقيق التطبيع مع ابناء عمومتهم اليهود.
الغاء مادة التاريخ من المدارس، والغاء قسم التاريخ من جميع كليات الحقوق وامثالها في كل الجامعات.
كذلك، عليكم ان تبادروا الى الغاء كل النصوص التاريخية التي لا تساعد في تهدئة الاوضاع العالمية وتحقيق السلام العالمي، فلا تتحدثون من الان فصاعدا عن شئ اسمه وعد بلفور، فتقولوا بانه القاعدة التاريخية التي انتهت بقيام اسرائيل، ولا تتحدثوا عن صلاح الدين الايوبي، لانه تاريخ يثير الفتنة بين عرب فلسطين ويهودها، وعليكم ان تقبلوا من الاميركيين طريقتكم (المثلى) لحل مشكلة الشرق الاوسط واعني بها (القضية الفلسطينية) والتي تقوم على اساس الامر الواقع، من دون الاخذ بنظر الاعتبار البعد التاريخي لهذه القضية، فلا تقولوا للاميركان بانكم لا تقدروا على استيعاب اي حل لا ياخذ بنظر الاعتبار البعد التاريخي لها.
ولا تطالبوا باعادة الفلسطينيين المهجرين الى بلادهم، لان هذا من التاريخ.
ولا تطالبوا بتحرير الارض العربية التي وهبها (ابطال) الامة الى اليهود في اسرائيل بعد حروب استعراضية، لان ذلك من التاريخ.
اخيرا، عليكم ان تنسوا الطاغية الذليل صدام حسين، زميلكم التاريخي، وتقبلوا بالامر الواقع الذي يعيشه العراق اليوم، فلا تقولوا نريد ان نعود الى الماضي لاننا لا يمكن ان نتجاوز عما حصل للنظام البائد، فتظلوا تقتلوا العراقيين وتفجروهم وتدمرون البنى التحتية بحجة السعي للعودة بالعراق الى تاريخ عريق حكمت فيه الاقلية طوال اكثر من الف عام.
فهل ستقبلون بكل ذلك؟ بالتاكيد لا، لان كل هذا لا يهمكم بشئ، انما الذي يهمكم هو عاشوراء فحسب، ولكن هيهات.
اخيرا:
دعوني اقول لكم ما يلي:
ان التاريخ، وحدة واحدة لا يمكن تجزئتها، انما يمكن فقط تمحيصه، وهذا الامر لا يمكن ان يتحقق الا اذا خلعنا عن انفسنا ثوب التعصب واعترفنا بالحقائق، اما الخلط والقبول بالغث والسمين، او محاولة البعض في التزوير والتحريف، فهذا ما لا يقبله عاقل.
اعرف ان ذلك شئ صعب جدا، لانه سيمس بالكثير من الثوابت ويطعن بالمقدسات، كونه سيميط اللثام عن حقيقة هذا الرمز او تلك المفردة المقدسة، ولكنه الطريق الاسلم والصحيح ولا طريق غيره، فلا تتعبوا انفسكم، فاذا كنتم لا تقبلون برفض خزعبلات التاريخ، فكيف تريدوننا ان نرفض حقائقه؟ خاصة ما يتعلق باهل بيت رسول الله (ص) الذين اذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، بنص الاية المباركة {انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا}؟.
ان عاشوراء من اشد مقاطع التاريخ التصاقا بواقع الامة في كل آن، ومن اكثرها تاثيرا عليه، ولذلك خلدتها السماء بالمعجزة، كما خلد القران الكريم قصة قابيل وهابيل، لماذا؟ لانهما قصة الصراع الازلي بين الحق والباطل، بين الظالم والمظلوم، ولذلك خلدت عاشوراء مهما تجدد الزمن، والى هذا المعنى يشير الشاعر بقوله:
كذب الموت فالحسين مخلد كلما اخلق الزمان تجـــدد
ان عاشوراء معجزة، فلا تستعدوها، فلقد حاول ذلك من كان قبلكم، فماذا حصدوا غير الخسران المبين في الدنيا والاخرة، ولكم في الطاغية الذليل خير عبرة، فهل من معتبر؟.
اولم يعلمكم التاريخ ان عاشوراء تزداد القا وشعاعا وانتشارا وتاثيرا في العالم، كلما نصب لها الطغاة عداءا؟ وذلك هو المصداق الواضح لقول عقيلة الهاشميين زينب الكبرى بنت امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهم السلام، تحدث فيه ابن اخيها الامام السجاد علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب زين العابدين عليهم السلام {ينصبون لهذا الطف علما لقبر ابيك سيد الشهداء، لا يدرس اثره، ولا يمحى رسمه، على كرور الليالي والايام، وليجتهدن ائمة الكفر واتباع الضلال في محوه وتطميسه، فلا يزداد اثره الا ظهورا وامره الا علوا}.
فلكم جميعا اقول:
اما ان تقولوا خيرا في عاشوراء او دعوه لاهله والا {فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا يرحض عنك عارها، وهل رايك الا فند وايامك الا عدد وجمعك الا بدد، يوم ينادي المنادي، الا لعنة الله على الظالمين}.
اذا اردتم ان لا تساهموا في توسيع رقعة الذكرى في العالم، فاوقفوا حربكم الضروس ضد العاشورائيين.