اخوانى الاعزاء ..تحياتى واحترامى ..استأذن سيادتكم فى الاشتراك ببعض انتاجى القصصى راجيا ان انال القبول ان شاء الله ولكم تحياتى ..محمد عباس على
1-انهيار حائط صد
1- ظلمة
جلست ايمان وحدهاو الظلمة ، وصمت يعشش فى الاركان ،وجسد امها على السرير المجاور يطويه السكون ..الحجرة جزء من ردهة واسعة تتراص فيها الحجرات ..وسطها مكتب صغير يشكوطول العمر وتعب المفاصل..سطحه المتهرأ يبدو للعيان محزونا لسبب غير متدارك ..تجلس خلفه امرأة صغيرة الوجه ، متجهمة لتفكيرها المتأجج طوال وقت الوردية المنصرم فيما فعله زوجها بعد طول معاشرة معها ،وزواجه من طفلة اصغر من صغرى بناته ، و اصراره على ان مافعله هو من صميم حقوقه..تجلس خلف المكتب ..تبثه شكواها ،بينما الطبيب فى حجرته ، بعد موعد مروره الاخير الذى سهى عنه ، يقطع الوقت فى محادثة هاتفية مع ممرضة شابة شاكيا لها وحدته وطول انتظاره .
داخل الحجرة تجلس ايمان و حدها و الظلمة..عيناها تبحران عبر اللحظات ..تقطعان دروبها المتوالية بدموع ابرية الملمس..تمضى بطيئة ،ثقيلة الخطو عبر اخاديد الوجه فى طريقها المرسوم
.يصرخ جرس الهاتف بجوارها ..يدق الباب فى ذات اللحظة ..تسمع نعيق طيور سوداء تحوم فى المكان ..تدور الحدقات وسط جمود الظلمة حولها ..الحرارة على السرير المجاور انطفأت ..دفء القلب مضى ..لم يعد هناك الا صقيع يغلف جسدا لاروح فيه ..يفتح باب الحجرة ..يتدفق الظلام من الخارج الى عينيها ..تيدو اللمبة المضاءة وسط الصالة وهى تضخ سوادا ..يقف جسد امامها
تراه من خلف غلالة دموعها بتكوينه البشرى ، ولاتحدد ماهيته ..تسيل الكلمات منه.
- مطلوب مبلغ كبير لاجراء العملية فى اسرع وقت
.يزداد تدفق الدموع سرعة،ولاتبالى بالرد .
2-
بالبيت قبل المجىء رفضت امها مبارحة فرشتها
..لاول مرة يحدث هذا .. اتى الطبيب الى البيت ..كشف عليها رغم ارادتها ..تركهاو وواجه ايمان..الامر عاجل ..لابد من نقلها فورا الى المستشفى..اصرت على الرفض
احتدت عليها صارخة ان الدكتور امر بهذا ،اشاحت بيدها ..اسكتى انت .. قررت استدعاء اخوتها ..امكم تموت .!
.الالم كهدير الموج لايهدأ ..حركاته صعودا وهبوطا بطول جسدها تؤلمها ، وفى ذات الوقت لاتملك حراكا ، هى التى كانت لاتستقر فى مكان ..اليوم تسمع وترى وهذا كل شىء ..اولادها كل فى طريق ..وايمان لأنها لم تتزوج بعد ماتزال معها ..تحمل جزءا من المها ..اما هم فالهاتف يغنى عن المجىء ،وان جاء احدهم فلكى يقال انه جاء !
تراهم امامها ..تنظر الى الوجوه .. برودة الملامح تهزها ..تسمع الكلمات ..تشعر بغرابة ماتسمع .. اصابتها حالة من زهد جعلتها ترفض العلاج .
تتجه ايمان عبر دموعها الى الجسد المنغمس فى لجة السكون ..تعبير الالم زال ولم يبق هناك الا
براح سكينة تغلف القسمات ،والجسد البشرى هناك امام الباب يحيط به السواد ، مايزال ممسكا بتلابيب كلماته منتظرا المال لاجراء العملية باسرع وقت .
3-
حينما اتى اخوتها تباينت الاراء ..حسين الكبير جلس فى مقعد المرحوم ابيه واضعا ساقا على الاخرى ونظر الى الوجوه حوله ..تجارته علمته التريث ..النظر طويلا وتقدير الامور ..شرط عدم ضياع الوقت فيما لايفيد ..قال : -
- ارى انها شيخوخة .اعضاء تهالكت ولن يفلح معها علاج ..قد يطول الامر قليلا ..لكن الافضل تركها فى مكانها ولانعذبها .
ونظر الى ساعته . تطايرت الكلمات من حوله ..رفع انفه عاليا ولم يرد .
سميحة الوسطى تركت اولادها بالمنزل وهرولت الى امها ..قلقة لأنها لم تقل لسعيد انها ستخرج ..عراكه معها لاينتهى ..خصامه يطول ، وشكواه زادت مما لايقدر عليه من اعباء كما يقول ..تريد انهاء الموقف سريعا ..تصر على نقل امها للمستشفى.. تشرق عيناها بالدموع
- لن اتركها ماحييت ..سأنقلها فورا للمستشفى .
يقول حسين بسرعة ..اذن تحملى وحدك الامر .
تفهم ايمان مايعنى ..التكاليف ..تنظر الى عينى امها.. تراها تحدق فى السقف بضيق وهى مطوية تحت جناح الصمت ، تقهرها دموع تترقرق على سطح مقلتيها ..طوال عمرها هى التى تريد وتقرر ..اما الآن !
تحتضنها ايمان وتصرخ : - مالك ؟
يفتح باب الحجرة ويدخلون ..ترى من خلال دموعها وجوها مهزوزة ،متميعةالملامح..تشيح بيدهاهامسة : - اخرجوا ..لا أريد احدا
4-
حينما تركوها معها ومضى كل منهم الى سبيل شعرت بصمت يجتث منابع الالم من داخلها ..هدوء ينسل ويتغلغل فى صدرها ..شىء كالمخدر يسرى فى الشرايين ..يجعلها تتشرنق حول مشاعرها ..تخبىء افكارها وتتوارى وراء هدوء لاتدرى نهايته ..حياتها معلقة بانفاس تضعف وربما تغيب ترقبها وتتابع صعودها وهبوطها ..تتامل الوجه المقنع بقناع الشحوب..ويصبح كل املها ان تبقى ..لاتتركها وحدها ..هى تعرف ..بعدها سيظلم الكون .. تدور بها دوائر القلق ..ترصد حركة صدرها متسائلة..هل صحيح ستفعلها وتمضى ،تتركها للمجهول ؟
..تهز رأسها بقوة ..هى تعرفها .. طوال عمرها تمتلك عزيمة..لن تلين لمرض ..ستقاوم وتفلت منه .. تدور بنظراتها المقيدة بجدائل الدموع على الجدران والمقاعد والاسرة وفى يقينها ان المرض هذه المرة اقوى .
يقف ذا ت الطبيب على الباب بعد ان انهى محادثته بالهاتف منتظرا مبلغا من المال لاجراء العملية فورا.تقبل المرأة الصغيرةالوجه،المتجهمة لتفكيرها فيما فعله زوجها معها بعد طول معاشرته لها ،ترى الجسد النابض برنين السكون هناك ..تقترب منه ..تعود الى ايمان ..تأخذها بين ذراعيها وتبكيان معا .
2- خيط دم
.........
نظر الى الجسد المعلق من قدميه ،واثار الجلد على نصفه العلوى العارى ،ويديه متدليتين كقطعتى قماش مشبعتين بالماء ،ووجهه مغطى بالكدمات ،لايظهر منه الا عينان نظراتهما باهتة لا تكاد تنظر او تحدد شيئا ..رغم تعوده شبه اليومى على هذا الا انه امسك بعنق اللحظة رافضا ان تمر دون ان ترى كيف يتفجر الماء من قنواته الدمعية المتحجرة منذ سنين ،هو الذى كان قبل لحظات يعيش اوج فرحته ،يجلس الى مكتبه فاردا صدره ،ناظرا الى الورقة الصغيرة بين يديه الغليظتين ،مداعبا الحروف ومحادثا الكلمات بعبارات لايعرف من اين واتته ،عيناه تحت حاجبيه الكثين تومضان ببريق الفوز وهو يبعد الورقة عن عينيه ويقربها ،يقرأ الكلمات حروفا و عبارات ، يشكل منها الجمل مرات وينطق بها فرحا ..نهنئك بالترقية ..شاعرا ان هذا تتويج لاخلاص دام سنينا وتفانى فى اداء عمله ،وتجارب مريرة خاضها ، حتى اصبح اليوم اكفأمن ملك زمام هذا المكان ..مكتب التحقيقات ..استطاع وحده التعامل مع كل انواع البشر التى وردت اليه ..انتزع منهم مايريد ..جعل اسمه قرين الرعب لديهم..فما ان يسمع احدهم به حتى ينهار ، ومن لايفعل يضطره لاستخدام وسائله معه ، وابسطها ان تقيد يداه من خلاف وتغطى عيناه ويترك بين يدى اربعة من المحترفين من رجاله ،فأن نطق والا فهناك مراحل اخرى
وللحق فان الشىء الذى ظل يؤرقه منذ عمل بهذا المكتب هو خشيته من ظلم برىء ، فهو رغم كل مايقال عنه يحذر من الظلم ، لذا يحمد الله انه لم يقابل بريئا حتى الآن ..كل من يأتى الى هنا اما مجرم قديم او مبتدىء .النوع الاول يحتاج الى طرق مبتكرة تطلق لسانه رغما عنه ، وتمنعه من محاولة الدخول فى لعبة ذكاء معه ..اما النوع الثانى فانه من الضغطة الاولى ينطق ،وهذا فى رأيه منتهى الرحمة ،اذ ان التعذيب وسيلة وليس غاية ،هو اساسا لايميل الى المبالغة فى هذا ،تقوم فلسفته منذ جاء الى هنا على سياسة الخطوة خطوه،يسير مع المتهم كما يشاء ،فاذا تجاوب معه كان بها ، والا فالخطوات كثيرة ومفعولها لايخيب ،وقد ادرك البعيد قبل القريب هذا ،لذا جرت سفينة وسط ريح هينة توجتها هذه الترقية اليوم .. سعد بها ..شعر انها رسالة شكر من ادارته ..مؤكد فى البيت سيضجون بالفرح ويطلب كل منهم هديته ،لكنه قوّس حاجبيه وهو يتذكر محمود ابنه ..سيرفض كعادته حتى ان يقول له مبروك ..العالم كله اعترف به وشهد له وسجل بعض العمليات باسمه ..المجرمون انفسهم يتحاكون به وباساليبه الا محمود ابنه ..الولد منذ دخل الكلية صار شخصا آخر ..لايكاد يحادثه او حتى يتعامل معه ..مصروفه نفسه يرفضه قائلا انه يعمل بجانب دراسته ..التحريات التى طلبها حوله قالت ان بعضهم استطاع ان يؤثر عليه بشعارات تافهة مما يتداولونها هذه الايام ..الغريب انهم يقولون انه يشبهه ..الوحيد بين اخوته الذى يحمل ملامحه ..هو ايضا يحبه ،لذا جلس اليه ..حذره ..فوجىء به يقول كلمات مجنونة مثله : -
- لا اريد مالا ..لا اريد جاه ..طريقنا
- مختلف
صرخ فيه ..توعده ..جابهه الولد بقوة ..:-
- لا اريد ان اكون مثلك ، ولن اكون
ضغط اسنانه .كاد ان يحطمها ..عادته كلما غضب..ارتفع صراخ الهاتف بجواره ..عاد من سراديب افكاره ضيق الصدر ..القى ورقة الترقية جانبا و استدار بمقعده الى الهاتف ..رفع السماعة فى تكاسل سائلا :- نعم
- مجرم يافندم من الجماعات اياها
- تصرفوا معه
- رفض الكلام
- نعم !!
ورمى السماعة جانبا ..كثيرون هم الذين ادعّوا البطولة امامه و دفعوا الثمن..هب من جلسته متحمسا لمجابهة هذا المجرم الجديد ..ارتدى غطاء الرأس الاسود ..لم يبد منه الا عيناه ينطلق منهما شرر النظرات ..فتح الباب وانطلق ..دخل غرفة التحقيق متوعدا: -
- اين البطل الجديد ؟
كان الجسد معلقا وسط الحجرة ..نحيل القوام ..غض العود ..مرفوعا من قدميه واثار الجلد على نصفه العلوى ..يداه متدليتان ووجهه مغطى بالكدمات ..نظر اليه ..تلاقت النظرات ..اتسعت عيناه .. صارتا بحرين من وهن وارتد الى الخلف وهو يضغط اسنانه ..يحطمها .فتح فمه ليتكلم ..ضاعت الحروف ولم يبد الا خيط دم ينسل من زاوية فمه ..اشار بيده اشارت مبهمة ورأى من حوله للمرة الاولى قنواته الدمعية المتحجرة منذ سنين يتفج الماء وهو يهمس اخيرا بحروف متقطعة ..م..ح..مو.....د !!!
1-انهيار حائط صد
1- ظلمة
جلست ايمان وحدهاو الظلمة ، وصمت يعشش فى الاركان ،وجسد امها على السرير المجاور يطويه السكون ..الحجرة جزء من ردهة واسعة تتراص فيها الحجرات ..وسطها مكتب صغير يشكوطول العمر وتعب المفاصل..سطحه المتهرأ يبدو للعيان محزونا لسبب غير متدارك ..تجلس خلفه امرأة صغيرة الوجه ، متجهمة لتفكيرها المتأجج طوال وقت الوردية المنصرم فيما فعله زوجها بعد طول معاشرة معها ،وزواجه من طفلة اصغر من صغرى بناته ، و اصراره على ان مافعله هو من صميم حقوقه..تجلس خلف المكتب ..تبثه شكواها ،بينما الطبيب فى حجرته ، بعد موعد مروره الاخير الذى سهى عنه ، يقطع الوقت فى محادثة هاتفية مع ممرضة شابة شاكيا لها وحدته وطول انتظاره .
داخل الحجرة تجلس ايمان و حدها و الظلمة..عيناها تبحران عبر اللحظات ..تقطعان دروبها المتوالية بدموع ابرية الملمس..تمضى بطيئة ،ثقيلة الخطو عبر اخاديد الوجه فى طريقها المرسوم
.يصرخ جرس الهاتف بجوارها ..يدق الباب فى ذات اللحظة ..تسمع نعيق طيور سوداء تحوم فى المكان ..تدور الحدقات وسط جمود الظلمة حولها ..الحرارة على السرير المجاور انطفأت ..دفء القلب مضى ..لم يعد هناك الا صقيع يغلف جسدا لاروح فيه ..يفتح باب الحجرة ..يتدفق الظلام من الخارج الى عينيها ..تيدو اللمبة المضاءة وسط الصالة وهى تضخ سوادا ..يقف جسد امامها
تراه من خلف غلالة دموعها بتكوينه البشرى ، ولاتحدد ماهيته ..تسيل الكلمات منه.
- مطلوب مبلغ كبير لاجراء العملية فى اسرع وقت
.يزداد تدفق الدموع سرعة،ولاتبالى بالرد .
2-
بالبيت قبل المجىء رفضت امها مبارحة فرشتها
..لاول مرة يحدث هذا .. اتى الطبيب الى البيت ..كشف عليها رغم ارادتها ..تركهاو وواجه ايمان..الامر عاجل ..لابد من نقلها فورا الى المستشفى..اصرت على الرفض
احتدت عليها صارخة ان الدكتور امر بهذا ،اشاحت بيدها ..اسكتى انت .. قررت استدعاء اخوتها ..امكم تموت .!
.الالم كهدير الموج لايهدأ ..حركاته صعودا وهبوطا بطول جسدها تؤلمها ، وفى ذات الوقت لاتملك حراكا ، هى التى كانت لاتستقر فى مكان ..اليوم تسمع وترى وهذا كل شىء ..اولادها كل فى طريق ..وايمان لأنها لم تتزوج بعد ماتزال معها ..تحمل جزءا من المها ..اما هم فالهاتف يغنى عن المجىء ،وان جاء احدهم فلكى يقال انه جاء !
تراهم امامها ..تنظر الى الوجوه .. برودة الملامح تهزها ..تسمع الكلمات ..تشعر بغرابة ماتسمع .. اصابتها حالة من زهد جعلتها ترفض العلاج .
تتجه ايمان عبر دموعها الى الجسد المنغمس فى لجة السكون ..تعبير الالم زال ولم يبق هناك الا
براح سكينة تغلف القسمات ،والجسد البشرى هناك امام الباب يحيط به السواد ، مايزال ممسكا بتلابيب كلماته منتظرا المال لاجراء العملية باسرع وقت .
3-
حينما اتى اخوتها تباينت الاراء ..حسين الكبير جلس فى مقعد المرحوم ابيه واضعا ساقا على الاخرى ونظر الى الوجوه حوله ..تجارته علمته التريث ..النظر طويلا وتقدير الامور ..شرط عدم ضياع الوقت فيما لايفيد ..قال : -
- ارى انها شيخوخة .اعضاء تهالكت ولن يفلح معها علاج ..قد يطول الامر قليلا ..لكن الافضل تركها فى مكانها ولانعذبها .
ونظر الى ساعته . تطايرت الكلمات من حوله ..رفع انفه عاليا ولم يرد .
سميحة الوسطى تركت اولادها بالمنزل وهرولت الى امها ..قلقة لأنها لم تقل لسعيد انها ستخرج ..عراكه معها لاينتهى ..خصامه يطول ، وشكواه زادت مما لايقدر عليه من اعباء كما يقول ..تريد انهاء الموقف سريعا ..تصر على نقل امها للمستشفى.. تشرق عيناها بالدموع
- لن اتركها ماحييت ..سأنقلها فورا للمستشفى .
يقول حسين بسرعة ..اذن تحملى وحدك الامر .
تفهم ايمان مايعنى ..التكاليف ..تنظر الى عينى امها.. تراها تحدق فى السقف بضيق وهى مطوية تحت جناح الصمت ، تقهرها دموع تترقرق على سطح مقلتيها ..طوال عمرها هى التى تريد وتقرر ..اما الآن !
تحتضنها ايمان وتصرخ : - مالك ؟
يفتح باب الحجرة ويدخلون ..ترى من خلال دموعها وجوها مهزوزة ،متميعةالملامح..تشيح بيدهاهامسة : - اخرجوا ..لا أريد احدا
4-
حينما تركوها معها ومضى كل منهم الى سبيل شعرت بصمت يجتث منابع الالم من داخلها ..هدوء ينسل ويتغلغل فى صدرها ..شىء كالمخدر يسرى فى الشرايين ..يجعلها تتشرنق حول مشاعرها ..تخبىء افكارها وتتوارى وراء هدوء لاتدرى نهايته ..حياتها معلقة بانفاس تضعف وربما تغيب ترقبها وتتابع صعودها وهبوطها ..تتامل الوجه المقنع بقناع الشحوب..ويصبح كل املها ان تبقى ..لاتتركها وحدها ..هى تعرف ..بعدها سيظلم الكون .. تدور بها دوائر القلق ..ترصد حركة صدرها متسائلة..هل صحيح ستفعلها وتمضى ،تتركها للمجهول ؟
..تهز رأسها بقوة ..هى تعرفها .. طوال عمرها تمتلك عزيمة..لن تلين لمرض ..ستقاوم وتفلت منه .. تدور بنظراتها المقيدة بجدائل الدموع على الجدران والمقاعد والاسرة وفى يقينها ان المرض هذه المرة اقوى .
يقف ذا ت الطبيب على الباب بعد ان انهى محادثته بالهاتف منتظرا مبلغا من المال لاجراء العملية فورا.تقبل المرأة الصغيرةالوجه،المتجهمة لتفكيرها فيما فعله زوجها معها بعد طول معاشرته لها ،ترى الجسد النابض برنين السكون هناك ..تقترب منه ..تعود الى ايمان ..تأخذها بين ذراعيها وتبكيان معا .
2- خيط دم
.........
نظر الى الجسد المعلق من قدميه ،واثار الجلد على نصفه العلوى العارى ،ويديه متدليتين كقطعتى قماش مشبعتين بالماء ،ووجهه مغطى بالكدمات ،لايظهر منه الا عينان نظراتهما باهتة لا تكاد تنظر او تحدد شيئا ..رغم تعوده شبه اليومى على هذا الا انه امسك بعنق اللحظة رافضا ان تمر دون ان ترى كيف يتفجر الماء من قنواته الدمعية المتحجرة منذ سنين ،هو الذى كان قبل لحظات يعيش اوج فرحته ،يجلس الى مكتبه فاردا صدره ،ناظرا الى الورقة الصغيرة بين يديه الغليظتين ،مداعبا الحروف ومحادثا الكلمات بعبارات لايعرف من اين واتته ،عيناه تحت حاجبيه الكثين تومضان ببريق الفوز وهو يبعد الورقة عن عينيه ويقربها ،يقرأ الكلمات حروفا و عبارات ، يشكل منها الجمل مرات وينطق بها فرحا ..نهنئك بالترقية ..شاعرا ان هذا تتويج لاخلاص دام سنينا وتفانى فى اداء عمله ،وتجارب مريرة خاضها ، حتى اصبح اليوم اكفأمن ملك زمام هذا المكان ..مكتب التحقيقات ..استطاع وحده التعامل مع كل انواع البشر التى وردت اليه ..انتزع منهم مايريد ..جعل اسمه قرين الرعب لديهم..فما ان يسمع احدهم به حتى ينهار ، ومن لايفعل يضطره لاستخدام وسائله معه ، وابسطها ان تقيد يداه من خلاف وتغطى عيناه ويترك بين يدى اربعة من المحترفين من رجاله ،فأن نطق والا فهناك مراحل اخرى
وللحق فان الشىء الذى ظل يؤرقه منذ عمل بهذا المكتب هو خشيته من ظلم برىء ، فهو رغم كل مايقال عنه يحذر من الظلم ، لذا يحمد الله انه لم يقابل بريئا حتى الآن ..كل من يأتى الى هنا اما مجرم قديم او مبتدىء .النوع الاول يحتاج الى طرق مبتكرة تطلق لسانه رغما عنه ، وتمنعه من محاولة الدخول فى لعبة ذكاء معه ..اما النوع الثانى فانه من الضغطة الاولى ينطق ،وهذا فى رأيه منتهى الرحمة ،اذ ان التعذيب وسيلة وليس غاية ،هو اساسا لايميل الى المبالغة فى هذا ،تقوم فلسفته منذ جاء الى هنا على سياسة الخطوة خطوه،يسير مع المتهم كما يشاء ،فاذا تجاوب معه كان بها ، والا فالخطوات كثيرة ومفعولها لايخيب ،وقد ادرك البعيد قبل القريب هذا ،لذا جرت سفينة وسط ريح هينة توجتها هذه الترقية اليوم .. سعد بها ..شعر انها رسالة شكر من ادارته ..مؤكد فى البيت سيضجون بالفرح ويطلب كل منهم هديته ،لكنه قوّس حاجبيه وهو يتذكر محمود ابنه ..سيرفض كعادته حتى ان يقول له مبروك ..العالم كله اعترف به وشهد له وسجل بعض العمليات باسمه ..المجرمون انفسهم يتحاكون به وباساليبه الا محمود ابنه ..الولد منذ دخل الكلية صار شخصا آخر ..لايكاد يحادثه او حتى يتعامل معه ..مصروفه نفسه يرفضه قائلا انه يعمل بجانب دراسته ..التحريات التى طلبها حوله قالت ان بعضهم استطاع ان يؤثر عليه بشعارات تافهة مما يتداولونها هذه الايام ..الغريب انهم يقولون انه يشبهه ..الوحيد بين اخوته الذى يحمل ملامحه ..هو ايضا يحبه ،لذا جلس اليه ..حذره ..فوجىء به يقول كلمات مجنونة مثله : -
- لا اريد مالا ..لا اريد جاه ..طريقنا
- مختلف
صرخ فيه ..توعده ..جابهه الولد بقوة ..:-
- لا اريد ان اكون مثلك ، ولن اكون
ضغط اسنانه .كاد ان يحطمها ..عادته كلما غضب..ارتفع صراخ الهاتف بجواره ..عاد من سراديب افكاره ضيق الصدر ..القى ورقة الترقية جانبا و استدار بمقعده الى الهاتف ..رفع السماعة فى تكاسل سائلا :- نعم
- مجرم يافندم من الجماعات اياها
- تصرفوا معه
- رفض الكلام
- نعم !!
ورمى السماعة جانبا ..كثيرون هم الذين ادعّوا البطولة امامه و دفعوا الثمن..هب من جلسته متحمسا لمجابهة هذا المجرم الجديد ..ارتدى غطاء الرأس الاسود ..لم يبد منه الا عيناه ينطلق منهما شرر النظرات ..فتح الباب وانطلق ..دخل غرفة التحقيق متوعدا: -
- اين البطل الجديد ؟
كان الجسد معلقا وسط الحجرة ..نحيل القوام ..غض العود ..مرفوعا من قدميه واثار الجلد على نصفه العلوى ..يداه متدليتان ووجهه مغطى بالكدمات ..نظر اليه ..تلاقت النظرات ..اتسعت عيناه .. صارتا بحرين من وهن وارتد الى الخلف وهو يضغط اسنانه ..يحطمها .فتح فمه ليتكلم ..ضاعت الحروف ولم يبد الا خيط دم ينسل من زاوية فمه ..اشار بيده اشارت مبهمة ورأى من حوله للمرة الاولى قنواته الدمعية المتحجرة منذ سنين يتفج الماء وهو يهمس اخيرا بحروف متقطعة ..م..ح..مو.....د !!!