حكيم الحكُام.. من قاسم إلى صدام
منقول
كُتب مذكرات الأطباء لها نكهة وميزة خاصة كونها تحتوي الكثير من الاسرار والخفايا والمفارقات ونذكر منها على سبيل المثال مذكرات الدكتور كمال السامرائي التي صدرت بأجزاءها الأربعة وكانت جزءاً من تاريخ العراق المعاصر واليوم نقرأ مذكرات لأحد أطباء الروؤساء والحكام الذي لاتزال سيرته محفورة في الذاكرة العراقية ،كطبيب له إنجازات كبيرة في مجاله التخصصي.. في الكتاب الصادر حديثاً عن دار المدى"حكيم الحكام من قاسم إلى صدام "للدكتور فرحان باقرالتي ستبقى مادّة لقراءة تاريخ العراق المعاصر،قدم الكتاب الدكتور عبد الهادي الخليلي الذي اعتبر د. فرحان باقر ساهم مساهمات متميزة في الجمعية الطبية العراقية في ستينيات القرن العشرين ، وفي مجال الخدمات الطبية في العيادات الخاصة كان له قصب السبق في إرساء قيم جديدة على المجتمع الطبي العراقي في الممارسة الطبية غير الحكومية.
الزعيم مع مجموعة من نساء العراق
يذكر الخليلي ان كتاب «حكيم الحكام « إضافة مهمة للمكتبة العربية والعراقية تفيد الأطباء والمؤرخين كمصدر تجرية وتوثيق، وان المذكرات اتصفت بالريادة الطبية والأكاديمية وخدمة المجتمع بكل ما يستطيع.. يخبرنا الدكتور فرحان ان ولادته عام 1926 في مدينة الكاظمية من أبوين عراقيين ، والتحق بمدرسة المفيد الابتدائية وكان متميزاً في الدراسة ثم انتقل الى مدرسة الكاظمية المتوسطة للبنين وبعدها الى المدرسة الثانوية المركزية في الفرع العلمي ، كان رغبته ملحة في الطب الباطني حيث طلبه أستاذ الجراحة الدكتور روجرز أكثر من مرة لي ليكون أحد أعضاء فريقه الجديد للجراحة ، وقد أضطر الى الأنتماء لشعبة علوم وظائف الأعضاء _على مضض_ كمعيد لساعدة طلبة الصفوف النهائية حيث لم يكن الفارق بالعمر بينه وبين الطلاب كثيراً، وبقى د. باقر يصارع رغبته القديمة في الطب الباطني من خلال ممارسته الطب السريري.. يذكر صاحب المذكرات انه كان ثالث عراقي يحصل على عضوية كلية الأطباء بعد الأستاذ الدكتور محمود الجليلي والاستاذ الدكتور عبد الجبار العماري وكان الرابع هو الدكتور إبراهيم الحيالي الذي تأخرت عودته الى العراق وقام عبد الامير علاوي وزير الصحة آنذاك بإصدار قرار بتعين د. باقر فرحان في المستشفى الملكي والمستشفى التعليمي بكلية الطب .. يصل المؤلف الى ثورة 14 تموز عام 1958 الثورة التي يجد د. باقر فرحان صعوبة في وصفها أو وضع اسم مناسب لها بعد ان عايش تلك المرحلة ، ويذكر د.. فرحان ان تصادف وجوده في موسكو مع وجود المرحوم كامل الجادرجي رئيس الحزب الوطني الديمقراطي في نفس المصحة وقد زاره متمنياً الشفاء للجادرجي وقال له الجادرجي مازحاً معه : انظر يادكتور كيف تعاملنا الشيوعية!. حيث كان لكل منهما شقة فخمة التأثيث ملفتة للنظر ذات ثلاث غرف، وأردف قائلاً : أهذه هي الاشتراكية أم الأرستقراطية!.
في هذا المكان ( شارع الرشيد ) وفي نفس السيارة تعرض الزعيم لمحاولة أغتيال
ومن ذكريات د. فرحان عن الزعيم قاسم انه تعرف به بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها الزعيم يوم 16 تشرين الاول 1959 حيث كانت أول فرصة لإسداء الخدمات الطبية لأول «حكام» العراق في العهد الجمهوري ، وقد تم استدعاء د. فرحان لفحص الزعيم وبالفعل قام بفحص صدره ورئتيه ووجدهما سالمتان ولم يتعرضا الى اصابة بالإطلاق الناري ، وقد كان عدد من أسرة الزعيم من مرضى الدكتور فرحان شقيقته وزوجها وحرم السيد حامد قاسم وهو أخو الزعيم ، يصف د. فرحان شخصية الزعيم انه كان حاد الذكاء ، وله إلمام واسع بالمجتمع العراقي ، وكان وطنياً صادقاً ، لم يطمع بمال او مكسب ولم يكن شيوعيا وكان بعيدا عن الطائفية واواد ان يزيل الفجوة بين الطوائف ، وكان مخلصاً للفقراء ، وللأنصاف يذكر ان عبد الكريم قاسم كان الشخص المحبب والاقرب إلى نفوس الجماهير العراقية على الاطلاق . اما عن فترة مابعد الزعيم فيذكر د. فرحان ان من بين المراجعين لعيادته تلك الفترة كان احمد حسن البكر ولم يكن لصاحب المذكرت اية صلة مهنية مع عبد السلام عارف لنصيحة ألقاها احد زملائه في مسامعه أدت الى استبعاده وكان يجهل السبب برغم ان د. فرحان كان طبيبا لاخيه اللواء عبد الرحمن عارف وعائلته ومدير الامن العام..
الرئيس الراحل عبدالرحمن محمد عارف
يصف صاحب المذكرت عبد الرحمن عارف انه كان رجلا متوازنا هادئ الطبع بسيطا متواضعا دمث الأخلاق ، ومن الذين عالجهم د. فرحان الاستاذ عبد الرحمن البزاز والضابط سعيد صليبي والعديد من الشخصيات السياسية العسكرية .. يصف انقلاب تموز 1968 بشكله الهزيل انه اقرب الى لعب اطفال صغار ، بضع مدرعات بسيطة وقديمة وطلقات معدودة وبعدها عرض احمد حسن البكر عرضه على د. فرحان بأن يكون الطبيب الخاص للقصر الجمهوري لكن فرحان اعتذر وبعدها صدر امر رسمي وهو الامر الوحيد بطبابة القصرالجمهوري ، وبعدها توطدت علاقة د. فرحان بالبكر وكان يصحبه الى الغداء في القصر الجمهوري اكثر من مرة حيث يجلس على يساره وعلى يمينه يجلس حردان التكريتي وعدد من المسؤولين وكان هناك .
صدام حسين، حردان التكريتي ، مصطفى برزاني
في ركن بعيد من القاعة شاب أسمر رشيق برتبة ملازم عرفه د. باقر فيما بعد انه صدام التكريتي الذي تطورت علاقته وتقاربه واصبح طبيبه الخاص وكان صدام يزور عيادة د.. فرحان مرات عديدة وبعد تسلم صدام السلطة وبعد مايقارب الأربعة أشهر من أقالة البكر فوجئت الاوساط الطبية بقرار فوري من مجلس قيادة الثورة _برئاسة صدام_ بإحالة 48 أستاذا من جامعة بغداد وكبار اطباء وزارة الصحة على التقاعد وكانوا من خيرة اطباء العراق وقد كانت القائمة التي احيلت على التقاعد تشكل العمود الفقري لكلية الطب العراقية .
صدام حسين ومام جلال..منتصف الثمانينيات في بغداد
وفي تموز عام 1981 خرج د. فرحان من العراق .. في الكتاب الكثير من المواقف والآراء للدكتور فرحان تستحق التقدير وسوف تبقى علامات استفهام في تاريخ العراق المعاصر
منقول