الداموس - قصة : إسماعيل غربي
المطر..وحده المطر , لاشيء غيره...لازلت حتى الآن اعشق هذا الساقط من السماء.رغم انه لم يعد يبعث الرائحة التي كنت اشتمها فيه . كلما سقط مطر المدينة يأتي موحلا .كأحلامنا المتعبة ...
كأن السماء تبكي وحدتي وتحدث صمتي .أضواء الشوارع المعتمة تحاول كسر هذا الليل الجاثم على الصدور ..وكنت أرقب عجزها ..
كنت كما كنت تعرفين أحرق الليل بسجائري المتسابقة إلى شفتي ..المتسابق دخانها إلى صدري .لأتعلم لعبة القتل .
طعم اليتم من الذات أكل أفراحنا ..الوقت هو الوحيد الذي استطيع قتله ..حتى هذه الكتابة تحولت مع الأيام وسيلة لقتل الوقت ولاشيء أكثر.
أيها الليل المتقارب على الانتهاء تمدد.. ففي صدري وقت لم تغشه..تمدد لأفك لغز القول, أمسك سري ,أكتشف ذاتي أتملى وجهي قليلا وجهتي المقبلة
كأن السماء تبكي , أذكر الرمل الذي طوق الخطى .وبقى غصة القدم المتعبة ..أذكر الرمل والمطر ..كان للمطر رائحة الكبريت ..كنت أجري خلف أسراب السنونوات .التي تمضي بخيوطنا المعطرة إلى الجنة , هي تحجز لنا مكانا في الجنة ..هكذا تقول أمي .. - هكذا كنت أقول –
كان للمطر رائحة سرقتها المدينة من أنفي ..المدينة عجزت عن سرقة سمرتي..لكنها غيرتني حين تكشفت أمامي , غلقت الأبواب , قميصي لم يقد من دبر فقط قلبي قد من كل الجهات......
- آه ما أبهى المدينة .
لم أتغير . سمرتي لم تفارق وجهي القمحي . خجلي مازال مرابضا داخلي ..يتمدد بأعماقي. .
يا أسوار خجلي العالية السمرة والخجل أول المكاشفة..
أنت شكل آخر شيء جديد على هذا الطقس
بحثت عنك كثيرا ..ولم...أسوار خجلي عالية ويدي تخون
ألا تعرف كيف تكون حين أقول احبك
أسواري العالية , سمرتي ستذكرني انك بيضاء كالزّبده وأنا لا أحسن قطف الورود بيدي الخشنة
سمرتك..صوتك..عيونك البريئة كيف خبأتها .. كيف حافظت على بياضها في هذا لدنس
مازال المطر عاجزا عن إزالة سمرتي ...سمتي الباقية مني على ما أذكر .
- كتبي , أوراقي المتخمة بالوجع والخواء ..الأوراق بفوضاها قلبتني ..كيف تصير كلمة وأوراق مجموعة تقود انقلابا ترميني في وجه المدينة تبعدني عن وجوه أهلي وتقطع حبل الأحبة عني .
- لقد أغريتني ..لاشيء أكثر.
كيف سمحت بأن تقودني أشيائي إلى هذه الوحدة .وهذا المصير الغامض.أي لحظة تدلى فيها الحبل من سقف الغرفة التي حين فتحت بابها أوصدت باب حياتي الماضية , شيء واحد بقي يدور في الرأس ..سأعود صوتا كاسرا لصمت شوارعنا البخيلة أحرقت كل الماضي المتكاثر والمتنامي في العمق كالشعر فينا ..كما احرق سجائري ..سأشتري قصتي ألف مرة كل يوم مع كل علبة سجائر .أحرقها من جديد مع كل سيجارة . إن بقيت هنا أموت
- أضواء المدينة جرجرتني . بريقها أغوى العين . ما معنى حياتي في هذا المدى . الرمل أسر خطاي . والنخل لم يحتضني مذ عرفت طريقا إلى حضنك .
- إنك تجري لاصطياد الوهم هكذا حدثت لحظة هاربة .
- حيرتي تتقدم , ناقوس يدق , ستبقى غريبا , أسكن في الشك ناموسا يحط فوق القلق ستخسر إن عدت يا ولدي كل شيء , الناس والبوصلة , ستخسر ذاتك , هكذا حدثت لحظة خائفة
- كم من الموت يلزمنا للحياة .
- فانوس القلق - لن أكون غريبا و أنا معها-
طقس ثان
غرفتي..زنزانتي بهذه المدينة ..ترى ما الفرق بين المدينة وكل السجون..للسجن أسواره العالية , للسجن حراس وكلاب هكذا أجابت طفلة كنت أسالها
المدينة سجن كبير لك حرية المشي فيه , ما أصعب أن يموت الإنسان في سجن قضبانه أيدي المحبين ..نحن سجناء يا صديقي ..هكذا حدث أحد الأصدقاء القدامى ومضى في صمت المكان . مدينتنا هذه سجن كبير يكبس عن الأنفاس .أبناء المدينة كلاب لاهثة .جريمتي أني لم يمسسني دنس المدينة .ولم يدجني أسمنتها المتنامي فوق السنابل العطشى وأحلام البسطاء
لهذا أحببتك ولأن وجهك لا يبخل ولا يعطي انطباعا واحدا كشارعنا الرتيب الذي علقوا على رأسه شهيدا ومضوا يكملون البقية ,سأذكرك في كل الفصول ,احبك أكثر كل عيد
طقس ثالث
حفظت القصة يا ولدي , لقد أذنبت فيك كثيرا
لا يا شيخ عبد الله ..المدينة وحدها أسكرتني وأنا الآن لا أعيد لك تفاصيل الحكاية لأن الديك صاح ألف مرة ومضى يستريح من تعب الليالي الألف, أنا كل مرة أعيد ترتيب الفجيعة ..البس المواقف أحاسيسها الهاربة من اللحظة ..لحظة وقوع الفعل رهيبة ومفاجئة لا تمكننا من القبض على كل الأحاسيس في الحين .
سأضعك أمامي أقرب من كل شيء لقد صرتِ حبل وريد بل أشد قربا .أنت فقط تركت ليدك حرية العبث بجيبي ..جيبي لي ويدي هي الوحيدة التي لها حق الدخول إليه لماذا سمحت ليدك أن تعبث بي .لماذا تركتك ترتبين دقات قلبي على وقع مواعيدك وساعات الانتظار .
طقس أخير
سيبقى هذا الوادي السوف المؤجلة إلى أول أنثى تخترق العادة وتحرق المألوف.
وستظل هجرة الماء ويبقى الرمل زمنا مثار سؤال ..الأول الذي وضع الحجرة الأولى , النخلة الأولى بين كل السيوف (بين الرمال واد متهوم بالمال ياسر يبقى مراكض للخيل وكل من ربح فيه خاسر ) هذه ديار تفنى قبل كل المدن بأربعين عاما ..
- وعلاش ياعمي عبد الله
- حكمة ربي
سأبقى احبك حكمتي أنا وسأظل فيك عصة القلب الجريح .وسيظل هذا العابث بدقات قلبك دينصورا لا ينقرض وعاهة عشق مستديمة لا تفنى وسرطانا ينخر السكينة فيك وسيبقى رملي يزحف إلى عينيك رغم سدودك المختلفة الألوان وسيبقى هذا الداموس يتسع بيننا
_____________
اضواء على النص
الداموس : النفق المظلم الحالك الظلمة
وادي سوف : أو الوادي , مدينة في جنوب الجزائر
السيوف: كثبان الرمال
مقولة : (بين الرمال واد متهوم بالمال ياسر يبقى مراكض للخيل وكل من ربح فيه خاسر ) قول يردده أهل الوادي ويقال بأنه نبؤة لأحد الأولياء الصالحين
متهوم : متهم
ياسر : كثير
وعلاش: لماذا باللهجة الجزائرية
المطر..وحده المطر , لاشيء غيره...لازلت حتى الآن اعشق هذا الساقط من السماء.رغم انه لم يعد يبعث الرائحة التي كنت اشتمها فيه . كلما سقط مطر المدينة يأتي موحلا .كأحلامنا المتعبة ...
كأن السماء تبكي وحدتي وتحدث صمتي .أضواء الشوارع المعتمة تحاول كسر هذا الليل الجاثم على الصدور ..وكنت أرقب عجزها ..
كنت كما كنت تعرفين أحرق الليل بسجائري المتسابقة إلى شفتي ..المتسابق دخانها إلى صدري .لأتعلم لعبة القتل .
طعم اليتم من الذات أكل أفراحنا ..الوقت هو الوحيد الذي استطيع قتله ..حتى هذه الكتابة تحولت مع الأيام وسيلة لقتل الوقت ولاشيء أكثر.
أيها الليل المتقارب على الانتهاء تمدد.. ففي صدري وقت لم تغشه..تمدد لأفك لغز القول, أمسك سري ,أكتشف ذاتي أتملى وجهي قليلا وجهتي المقبلة
كأن السماء تبكي , أذكر الرمل الذي طوق الخطى .وبقى غصة القدم المتعبة ..أذكر الرمل والمطر ..كان للمطر رائحة الكبريت ..كنت أجري خلف أسراب السنونوات .التي تمضي بخيوطنا المعطرة إلى الجنة , هي تحجز لنا مكانا في الجنة ..هكذا تقول أمي .. - هكذا كنت أقول –
كان للمطر رائحة سرقتها المدينة من أنفي ..المدينة عجزت عن سرقة سمرتي..لكنها غيرتني حين تكشفت أمامي , غلقت الأبواب , قميصي لم يقد من دبر فقط قلبي قد من كل الجهات......
- آه ما أبهى المدينة .
لم أتغير . سمرتي لم تفارق وجهي القمحي . خجلي مازال مرابضا داخلي ..يتمدد بأعماقي. .
يا أسوار خجلي العالية السمرة والخجل أول المكاشفة..
أنت شكل آخر شيء جديد على هذا الطقس
بحثت عنك كثيرا ..ولم...أسوار خجلي عالية ويدي تخون
ألا تعرف كيف تكون حين أقول احبك
أسواري العالية , سمرتي ستذكرني انك بيضاء كالزّبده وأنا لا أحسن قطف الورود بيدي الخشنة
سمرتك..صوتك..عيونك البريئة كيف خبأتها .. كيف حافظت على بياضها في هذا لدنس
مازال المطر عاجزا عن إزالة سمرتي ...سمتي الباقية مني على ما أذكر .
- كتبي , أوراقي المتخمة بالوجع والخواء ..الأوراق بفوضاها قلبتني ..كيف تصير كلمة وأوراق مجموعة تقود انقلابا ترميني في وجه المدينة تبعدني عن وجوه أهلي وتقطع حبل الأحبة عني .
- لقد أغريتني ..لاشيء أكثر.
كيف سمحت بأن تقودني أشيائي إلى هذه الوحدة .وهذا المصير الغامض.أي لحظة تدلى فيها الحبل من سقف الغرفة التي حين فتحت بابها أوصدت باب حياتي الماضية , شيء واحد بقي يدور في الرأس ..سأعود صوتا كاسرا لصمت شوارعنا البخيلة أحرقت كل الماضي المتكاثر والمتنامي في العمق كالشعر فينا ..كما احرق سجائري ..سأشتري قصتي ألف مرة كل يوم مع كل علبة سجائر .أحرقها من جديد مع كل سيجارة . إن بقيت هنا أموت
- أضواء المدينة جرجرتني . بريقها أغوى العين . ما معنى حياتي في هذا المدى . الرمل أسر خطاي . والنخل لم يحتضني مذ عرفت طريقا إلى حضنك .
- إنك تجري لاصطياد الوهم هكذا حدثت لحظة هاربة .
- حيرتي تتقدم , ناقوس يدق , ستبقى غريبا , أسكن في الشك ناموسا يحط فوق القلق ستخسر إن عدت يا ولدي كل شيء , الناس والبوصلة , ستخسر ذاتك , هكذا حدثت لحظة خائفة
- كم من الموت يلزمنا للحياة .
- فانوس القلق - لن أكون غريبا و أنا معها-
طقس ثان
غرفتي..زنزانتي بهذه المدينة ..ترى ما الفرق بين المدينة وكل السجون..للسجن أسواره العالية , للسجن حراس وكلاب هكذا أجابت طفلة كنت أسالها
المدينة سجن كبير لك حرية المشي فيه , ما أصعب أن يموت الإنسان في سجن قضبانه أيدي المحبين ..نحن سجناء يا صديقي ..هكذا حدث أحد الأصدقاء القدامى ومضى في صمت المكان . مدينتنا هذه سجن كبير يكبس عن الأنفاس .أبناء المدينة كلاب لاهثة .جريمتي أني لم يمسسني دنس المدينة .ولم يدجني أسمنتها المتنامي فوق السنابل العطشى وأحلام البسطاء
لهذا أحببتك ولأن وجهك لا يبخل ولا يعطي انطباعا واحدا كشارعنا الرتيب الذي علقوا على رأسه شهيدا ومضوا يكملون البقية ,سأذكرك في كل الفصول ,احبك أكثر كل عيد
طقس ثالث
حفظت القصة يا ولدي , لقد أذنبت فيك كثيرا
لا يا شيخ عبد الله ..المدينة وحدها أسكرتني وأنا الآن لا أعيد لك تفاصيل الحكاية لأن الديك صاح ألف مرة ومضى يستريح من تعب الليالي الألف, أنا كل مرة أعيد ترتيب الفجيعة ..البس المواقف أحاسيسها الهاربة من اللحظة ..لحظة وقوع الفعل رهيبة ومفاجئة لا تمكننا من القبض على كل الأحاسيس في الحين .
سأضعك أمامي أقرب من كل شيء لقد صرتِ حبل وريد بل أشد قربا .أنت فقط تركت ليدك حرية العبث بجيبي ..جيبي لي ويدي هي الوحيدة التي لها حق الدخول إليه لماذا سمحت ليدك أن تعبث بي .لماذا تركتك ترتبين دقات قلبي على وقع مواعيدك وساعات الانتظار .
طقس أخير
سيبقى هذا الوادي السوف المؤجلة إلى أول أنثى تخترق العادة وتحرق المألوف.
وستظل هجرة الماء ويبقى الرمل زمنا مثار سؤال ..الأول الذي وضع الحجرة الأولى , النخلة الأولى بين كل السيوف (بين الرمال واد متهوم بالمال ياسر يبقى مراكض للخيل وكل من ربح فيه خاسر ) هذه ديار تفنى قبل كل المدن بأربعين عاما ..
- وعلاش ياعمي عبد الله
- حكمة ربي
سأبقى احبك حكمتي أنا وسأظل فيك عصة القلب الجريح .وسيظل هذا العابث بدقات قلبك دينصورا لا ينقرض وعاهة عشق مستديمة لا تفنى وسرطانا ينخر السكينة فيك وسيبقى رملي يزحف إلى عينيك رغم سدودك المختلفة الألوان وسيبقى هذا الداموس يتسع بيننا
_____________
اضواء على النص
الداموس : النفق المظلم الحالك الظلمة
وادي سوف : أو الوادي , مدينة في جنوب الجزائر
السيوف: كثبان الرمال
مقولة : (بين الرمال واد متهوم بالمال ياسر يبقى مراكض للخيل وكل من ربح فيه خاسر ) قول يردده أهل الوادي ويقال بأنه نبؤة لأحد الأولياء الصالحين
متهوم : متهم
ياسر : كثير
وعلاش: لماذا باللهجة الجزائرية