23.11.2012
19:13
مصير سورية لم يعد في أيدي السوريين
مصير سورية لم يعد في أيدي السوريين
سنتان من الزمن، الا قليلا ، باعدت ما بين تظاهرات سلمية خجولة ،
ونزيف دم متواصل بات يعم غاليبية محافظات القطر السوري . فترة زمنية قصيرة،
لكنها مختلفة من حيث الشكل ومن حيث المضمون .
ثوار سورية المدججون
بالسلاح على خطوط النار اليوم ، ليسوا هم الثوار الذين اطلقوا الهتافات
المنادية بإصلاح النظام والمطالبة بالحرية واسقاط الرئيس خلال تظاهرات
الامس في زواريب الأحياء الدمشقية القديمة ، وقادة الأمة السورية المنشقون
عن انفسهم يوما بعد آخر ، ليسوا هم قادة الامس الذين كانوا يضبطون بقرارات
من قصر المهاجرين ايقاع السياسة والامن والاقتصاد بقبضة من حديد في كافة
أنحاء البلاد ، ولا الظروف ولا الاحداث والأزمات الداخلية والإقليمية
والدولية هي نفسها ، فكل ما يدور في الفلك السوري تغير، وربما من النقيض
إلى النقيض .
عقدت قمة عربية لمساعدة السوريين في الخروج من الأزمة ،
واجتمع مجلس الأمن الدولي مرات عدة للغرض نفسه ، والتأمت الجمعية العامة
للأمم أيضاً مرات عدة وعلى رأس جدول أولوياتها وقف المواجهات الدموية في
سورية . اجتمع أصدقاء الشعب السوري في تونس وباريس ونيويورك وغيرها من
العواصم لدعم الشعب السوري ، وجنيف استضافت أصحاب القرار في العالم لمناقشة
المعضلة السورية ، ولكن وعلى الرغم من كل التظاهرات الاستعراضية الدولية
والإقليمية ، فان جهة واحدة لم تتمكن من إصدار قرار يضع حدا للعنف في
البلاد ، لا بل ان كل ما نتج عن الاجتماعات الأممية والعربية لم يتعد مبدأ
التوصيات ، وتمديد المهل ، وتبديل المبعوثين الامميين وإعلان الدعم لخططهم
وبرامجهم غير القابلة للصرف في الداخل السوري .
ومن خلال متابعة
دقيقة للحراك الدولي في الفلك السوري ، فان كل المؤشرات تدل على ان مصير
سورية لم يعد في ايدي السوريين ، وان كل قرارات وبيانات القيادة السورية ،
من أعلى هرم السلطة إلى أسفله ، لا تتعدى عتبة الحفاظ على سلطة تحاول ترتيب
هيكليتها لكي تكون ورقة رابحة في ايدي حلفائها الخارجيين . وعلى المقلب
الاخر فان جرعات الدعم التي تسعى اليها المعارضة السورية بكافة اطيافها لا
تخرج عن اطار تظهير صورتها كقوة مؤثرة في الداخل السوري ، لكي يتمكن ايضا
حلفاؤها من استخدامها كورقة فاعلة على طاولة المفاوضات الدولية .إذا أطراف
النزاع من السوريين هم خارج معادلة التسويات المنتظرة ، وحلفاؤهم في الخارج
ليسوا على عجلة من أمرهم لإيجاد تسوية تضمن الحد الأدنى من عدم انزلاق
سورية إلى حرب أهلية، حتما ستأتي في المحصلة على الأخضر واليابس ، بعد ان
أتت خلال الفترة الماضية على كل مقومات الدولة السورية . وعلى الرغم من ذلك
فان المواقف الدولية والعربية والداخلية لا تزال تراوح مكانها ، فلا حلفاء
النظام قادرون على مساعدته لوقف تمدد نشاط المعارضة ، ولا حلفاء المعارضة
قادرون على مدها بما يلزم لحسم المعركة وإسقاط النظام .
عربيا العجز
واضح في لعب دور فاعل في الأزمة السورية ، وذلك يعود إلى ان عرب اليوم هم
ليسوا عرب الأمس ، وعرب الأمس ليسوا عرب الأول من امس ، ويختصر الدور
العربي بسلسلة مواقف تفتقر للجرأة ، وتدور في حلقة مفرغة .
ولكن يبرز
سؤال عن أسباب العجز الأممي في اتخاذ قرارات واقعية تتلائم مع تطور
الأحداث الميدانية والسياسية في سورية ؟ فهل فعلا بات المجتمع الدولي بين
ليلة وضحاها عاجزا عن إيجاد لغة مشتركة في هذا الملف، أم ان هناك توافقا
دوليا وإقليميا وعربيا ما لتمديد عمر الأزمة السورية ، توافق غير معلن
وغير مبرر ، لان تجربة الحروب الأهلية التي خضعت لتدخلات وإملاءات خارجية ،
أثبتت ان الدول الفاعلة ليست مؤسسات خيرية ، هدفها تقديم الدعم للخروج من
الأزمات ، لا بل أنها تدافع عن مصالحها وعن مناطق نفوذها ، دون ان تعير
انتباها للدمار والدم . فمتى سيدرك السوريون معارضة وموالاة أنهم هم وحدهم
المعنيون في هذه الأزمة ، وان عليهم أخذ زمام المبادرة واتخاذ مواقف جريئة
لإنقاذ بلادهم .
عمر الصلح
المواضيع المنشورة في منتدى روسيا اليوم لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر إدارتي موقع وقناة "روسيا اليوم".
المزيد من مقالات عمر الصلح على مدونة روسيا اليوم.
http://arabic.rt.com/news_all_news/news/600599/
19:13
مصير سورية لم يعد في أيدي السوريين
مصير سورية لم يعد في أيدي السوريين
سنتان من الزمن، الا قليلا ، باعدت ما بين تظاهرات سلمية خجولة ،
ونزيف دم متواصل بات يعم غاليبية محافظات القطر السوري . فترة زمنية قصيرة،
لكنها مختلفة من حيث الشكل ومن حيث المضمون .
ثوار سورية المدججون
بالسلاح على خطوط النار اليوم ، ليسوا هم الثوار الذين اطلقوا الهتافات
المنادية بإصلاح النظام والمطالبة بالحرية واسقاط الرئيس خلال تظاهرات
الامس في زواريب الأحياء الدمشقية القديمة ، وقادة الأمة السورية المنشقون
عن انفسهم يوما بعد آخر ، ليسوا هم قادة الامس الذين كانوا يضبطون بقرارات
من قصر المهاجرين ايقاع السياسة والامن والاقتصاد بقبضة من حديد في كافة
أنحاء البلاد ، ولا الظروف ولا الاحداث والأزمات الداخلية والإقليمية
والدولية هي نفسها ، فكل ما يدور في الفلك السوري تغير، وربما من النقيض
إلى النقيض .
عقدت قمة عربية لمساعدة السوريين في الخروج من الأزمة ،
واجتمع مجلس الأمن الدولي مرات عدة للغرض نفسه ، والتأمت الجمعية العامة
للأمم أيضاً مرات عدة وعلى رأس جدول أولوياتها وقف المواجهات الدموية في
سورية . اجتمع أصدقاء الشعب السوري في تونس وباريس ونيويورك وغيرها من
العواصم لدعم الشعب السوري ، وجنيف استضافت أصحاب القرار في العالم لمناقشة
المعضلة السورية ، ولكن وعلى الرغم من كل التظاهرات الاستعراضية الدولية
والإقليمية ، فان جهة واحدة لم تتمكن من إصدار قرار يضع حدا للعنف في
البلاد ، لا بل ان كل ما نتج عن الاجتماعات الأممية والعربية لم يتعد مبدأ
التوصيات ، وتمديد المهل ، وتبديل المبعوثين الامميين وإعلان الدعم لخططهم
وبرامجهم غير القابلة للصرف في الداخل السوري .
ومن خلال متابعة
دقيقة للحراك الدولي في الفلك السوري ، فان كل المؤشرات تدل على ان مصير
سورية لم يعد في ايدي السوريين ، وان كل قرارات وبيانات القيادة السورية ،
من أعلى هرم السلطة إلى أسفله ، لا تتعدى عتبة الحفاظ على سلطة تحاول ترتيب
هيكليتها لكي تكون ورقة رابحة في ايدي حلفائها الخارجيين . وعلى المقلب
الاخر فان جرعات الدعم التي تسعى اليها المعارضة السورية بكافة اطيافها لا
تخرج عن اطار تظهير صورتها كقوة مؤثرة في الداخل السوري ، لكي يتمكن ايضا
حلفاؤها من استخدامها كورقة فاعلة على طاولة المفاوضات الدولية .إذا أطراف
النزاع من السوريين هم خارج معادلة التسويات المنتظرة ، وحلفاؤهم في الخارج
ليسوا على عجلة من أمرهم لإيجاد تسوية تضمن الحد الأدنى من عدم انزلاق
سورية إلى حرب أهلية، حتما ستأتي في المحصلة على الأخضر واليابس ، بعد ان
أتت خلال الفترة الماضية على كل مقومات الدولة السورية . وعلى الرغم من ذلك
فان المواقف الدولية والعربية والداخلية لا تزال تراوح مكانها ، فلا حلفاء
النظام قادرون على مساعدته لوقف تمدد نشاط المعارضة ، ولا حلفاء المعارضة
قادرون على مدها بما يلزم لحسم المعركة وإسقاط النظام .
عربيا العجز
واضح في لعب دور فاعل في الأزمة السورية ، وذلك يعود إلى ان عرب اليوم هم
ليسوا عرب الأمس ، وعرب الأمس ليسوا عرب الأول من امس ، ويختصر الدور
العربي بسلسلة مواقف تفتقر للجرأة ، وتدور في حلقة مفرغة .
ولكن يبرز
سؤال عن أسباب العجز الأممي في اتخاذ قرارات واقعية تتلائم مع تطور
الأحداث الميدانية والسياسية في سورية ؟ فهل فعلا بات المجتمع الدولي بين
ليلة وضحاها عاجزا عن إيجاد لغة مشتركة في هذا الملف، أم ان هناك توافقا
دوليا وإقليميا وعربيا ما لتمديد عمر الأزمة السورية ، توافق غير معلن
وغير مبرر ، لان تجربة الحروب الأهلية التي خضعت لتدخلات وإملاءات خارجية ،
أثبتت ان الدول الفاعلة ليست مؤسسات خيرية ، هدفها تقديم الدعم للخروج من
الأزمات ، لا بل أنها تدافع عن مصالحها وعن مناطق نفوذها ، دون ان تعير
انتباها للدمار والدم . فمتى سيدرك السوريون معارضة وموالاة أنهم هم وحدهم
المعنيون في هذه الأزمة ، وان عليهم أخذ زمام المبادرة واتخاذ مواقف جريئة
لإنقاذ بلادهم .
عمر الصلح
المواضيع المنشورة في منتدى روسيا اليوم لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر إدارتي موقع وقناة "روسيا اليوم".
المزيد من مقالات عمر الصلح على مدونة روسيا اليوم.
http://arabic.rt.com/news_all_news/news/600599/