( حلم .. و سفر )
صالح البدري
( الحُلم ) :
كان يرى الأرضَ تهرُبُ تحت عجلات القطار المتريّ القديم ذو الشبابيك الخشبية والمساطب الطويلة التي تكدست عليها الأجساد الناحلة والحقائب في عربات الدرجة الثالثة . فغادر مدينته (ن) مع والديه صغيراً لزيارة قبور ( الأئمة ) . فرحته بالسفر لاتسعها كل قطارات الكون ، ونبأ سفره كان يؤرقه ويشغل تفكيره كواحد من أعضاء فرقة الكشافة المدرسية . آنذاك ، كان يتخيل نفسه طائراً سيحط فوق غابات النخيل والأشجارالعالية ، وكأنه (طرزان) . ويتعب رأسه الصغير أيضاً من الأحلام والمغامرات ، ويحتفظ بما يحصل عليه من نقود العيد كي يشتري المجلات الخاصة برحلات ( السندباد ) و ( المغامر باسل ) .
وكَبُر .. وكبرت معه أحلام السفر ، في توق لرؤية الناس والبحار والجبال ، والمتاحف ، والمسارح ، وكلِّ شيء . لافي السينما والتلفزيون - فيما بعد - بل على الطبيعة !
وظل الحلم بالسفر ، هاجسُه .. وإنها لمهنة متعبة وكبيرة على صبيِّ مثله ، بل وأمنية غالية وعزيزة على نفسه . وكل شيء يحول ، يوماً بعد يوم ، دون تحقيقها . وتحقيق هذا الحلم الطفولي الملون . وحتى بعد أن أكمل دراسته الجامعية وتسلم مرتباته كمدرس ، ظل السفر بالنسبة إليه مجرد حلم . وأيُّ حلم ، وسط كومة من الديون !
( السفر ) :
في 17 تموز من عام 1979 باع كتبه وقسماً من آثاث بيته وودع طفليه وزوجته ، وقطع تذكرة ذهاب الى المجهول !!
***
*/ نشرة (المنتدى) . منتدى المفرق الثقافي1995 آب / العدد الثاني عشر / الأردن
salehalbadri@yahoo.com