الكروش.. تؤثر على العقول
كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية):
أسوأ الأمور التي يمكن أن تنجم عن زيادة وزن الجسم، أضحت اليوم معروفة: ضغط الدم المرتفع، السكري، النوبة القلبية، السكتة الدماغية. إلا أن الأمر غير المعروف جيدا، ربما هو خطر تسببها بالسرطان. فالأشخاص من ذوي الوزن الزائد لديهم معدلات أعلى لسرطانات القولون والكلية والبنكرياس، وكذلك لسرطان الثدي لدى النساء اللواتي تعدين سن اليأس من المحيض.
* خطر جديد
* إلا أن هناك الآن عواقب أخرى تثير المخاوف. ففي غضون السنوات الأخيرة، تراكمت لدى الباحثين تدريجيا دلائل تربط ما بين زيادة الوزن وظهور العته.
ويضم هذا الملف نتائج لدراسات أظهرت وجود رابط بين الوزن الزائد في أواسط العمر، وبين العته الذي يظهر لاحقا بعد عقود من السنين. وهنا ربما لا يكون الوزن الكلي مهما بالدرجة الأكبر، بل موقع الوزن الزائد. وقد أشارت دراسة نشرت في عام 2008 إلى أن الأنسجة الدهنية في جوف البطن ـ أي في موقع الخصر ـ هي الأكثر ارتباطا بحدوث العته. وتتشابه هذه النتائج مع نتائج دراسات أخرى أدت إلى تغيير كل صورة الدهون المتراكمة في البطن من مجرد شحوم إلى «عناصر مجرمة» نشطة في عملية التمثيل الغذائي، تقوم بلفظ مواد كيميائية مدمرة للأوعية الدموية والقلب، ولعدد من أعضاء الجسم، والآن، ومن المحتمل أيضا، مدمرة للمخ.
ولكن، هل هناك فارق كبير فعلا، لو أن هذه الدهون كانت متجمعة. الإجابة: ربما لا. فهي مثل التدخين، إذ إننا نعرف انه مضر لنا. والانتقال من السيئ نحو الأسوأ لا يمثل انتقالة كبرى من حيث المبدأ.
ومع ذلك «فإن الناس لا يخافون من أمراض الأوعية الدموية والقلب، كما يخافون من حدوث العته لديهم»، كما تشير راشيل أيه ويتمر، الباحثة في علوم الأوبئة في مؤسسة «كايزر برماننتي»، التي أجرت عددا من الدراسات المهمة على الوزن والعته.
وإن حدث، لأي سبب من الأسباب، أن أدت زيادة الوزن لنسبة ملموسة من الناس، إلى خطر أعلى في ظهور العته لديهم، فإن ذلك سيضيف اندفاعات جديدة (ذات أهمية قصوى) لبذل مجهودات بهدف التحكم في الوزن على المستوى الشخصي وعلى مستوى العناية الصحية العامة على حد سواء. وتؤكد ويتمر أيضا على مسألة مهمة وهي التدقيق في مقاس الخصر، الذي يعبر بشكل معقول جدا عن دهون البطن ويعتبر قياسا لا يحتاج إلى توافر تقنيات عالية. وقد حان الأوان إلى توجيه اهتمامنا إلى حجم البطن بوصفه واحدا من المؤشرات الصحية، مثل مستوى الكولسترول وقراءات ضغط الدم، وليس بوصفه أحد علامات تشوه جمال الجسم فقط.
* دور الدهون في الحماية
* وفي أوقات سابقة افترض علماء الأوبئة المختصون بدراسة الوزن والعته، أمورا مخالفة لما تقدمه الباحثة ويتمر وغيرها حاليا. إذ إن ازدياد الوزن كان يبدو أنه يساعد الإنسان على تعزيز قدرته على التذكر، التخطيط، حوكمة العقل، وتوظيف قدرات الذهنية الأخرى التي عادة ما تضمحل مع ظهور العته. وقد وجدت الدراسات أن الناس الذين كانوا أكثر نحافة، هم الذين يظهر لديهم العته على الأغلب.
كما وجد الباحثون أيضا أنه، وعندما يشخص العته أو مرض ألزهايمر لدى بعض الأشخاص، فإنهم يعيشون لسنوات أطول إن كانوا من أصحاب الوزن الزائد.
إلا أن هذه الأبحاث كانت تركز على الأشخاص الأكبر سنا. فهي لم تأخذ في الاعتبار أن الناس غالبا ما يفقدون شهيتهم للطعام ـ ووزنهم ـ في المراحل الأولى للعته، عندما لا يكون تدهور قدرات الإدراك لديهم ملحوظا. ويمكن أن يبدأ فقدان الوزن، في الواقع، فبل سنوات من ظهور كل أعراض العته.
وقد تجاوزت ويتمر وغيرها من الباحثين هذه المشكلة، بتوسيع الأفق الزمني لدراساتها، إذ إنها دققت في حالات الترابط بين الوزن وبين تطور العته لاحقا على مدى عدد، بل عقود، من السنين التالية.
وتعتبر الباحثة السويدية ديبورا غوستافسون رائدة في الدراسات طويلة المدى لعلاقة الوزن مع العته. ففي عام 2003 نشرت مع زملائها نتائج أشارت إلى أن النساء (وليس الرجال) اللواتي كن بدينات في السبعينات، يظهر لديهن على الأغلب مرض ألزهايمر في السنوات الـ 18 التالية في حياتهن، أكثر من النساء غير البدينات.
وتبعتها ويتمر بعد سنتين من ذلك بنتائج استندت إلى تحليلات لبيانات جمعت من نحو 10 آلاف عضو في برنامج «كايزر برماننتي» الصحي في منطقة شمال كاليفورنيا. ووجدت أن السمينين منهم (مؤشر كتلة الجسم لديهم 30 فأكثر) في بداية الأربعينات من أعمارهم، كان احتمال تعرضهم للإصابة بالعته في الستينات والسبعينات من أعمارهم أكثر بنسبة 74 في المائة، مقارنة بالأشخاص الذين لم يكونوا بدينين (مؤشر كتلة الجسم لديهم بين 18.6 و 24.9) في بداية الأربعينات من أعمارهم أيضا. (مؤشر كتلة الجسم هو حاصل قسمة الوزن بالكيلوغرام على مربع الطول بالمتر ـ المحرر). وقد ازداد خطر حدوث العته، حتى مع تعديل النتائج لتأخذ في الاعتبار عوامل مرتبطة بالوزن مثل داء السكري، وكانت النتائج أيضا أقوى لدى النساء من الرجال.
وفي عام 2008 نشرت ويتمر دراسة لاحقة لدراستها السابقة، دققت فيها في ما إذا كانت الدهون الموجودة حول البطن تمثل عامل خطر قوي للإصابة بالعته. وبدا أن الأشخاص البدينين الذين تتراكم الدهون في منطقة البطن لديهم في الأربعينات من أعمارهم، كانوا يتعرضون أكثر بثلاث مرات لحدوث العته في عمر متقدم أكثر من ذوي البطون النحيفة. وفي الواقع، وبغض النظر عن وزن الجسم الكلي، فإن دهون البطن زادت بشكل كبير من فرص حدوث العته لاحقا.
وقد استخدم في الدراسة قياس قطر البطن «السهمي» sagittal abdominal diameter بوصفه مقياسا لدهون البطن.. تخيل خطا (أو سهما) وهميا يربط بين نقطة تحت السرة مع نقطة في أسفل الظهر. والمسافة، بين هاتين النقطتين تمثل قطر البطن «السهمي».
* الدهون والمخ
* هناك عدة نظريات حول تسبب دهون البطن في حدوث العته، تنطلق أغلبها من ملاحظة أن دهون البطن هي أنسجة نشطة (أكثر، كما يبدو، من نشاط الدهون الموجودة في طبقات تحت الجلد)، تقوم بإفراز الهرمونات، عوامل النمو، و«خليط مما تصنعه الساحرات» من جزيئات بيولوجية نشطة. وبعض من هذه الإفرازات قد يؤثر على أنسجة المخ مباشرة. فالليبتين leptin، على سبيل المثال، يحفز عمليات التعلم والذاكرة التي تخضع لسيطرة قرن آمون hippocampus في الدماغ. وقد تقدمت الباحثة غوستافسون بافتراض يقول إن النسيج الدهني يؤثر على المخ بإضعافه للحاجز بين الدم والدماغ، الأمر الذي قد يسهل على الجزيئات الضارة اختراق ذلك الحاجز.
إلا أن الكثير من الأدلة حول التأثيرات المباشرة للدهون لا تزال ظرفية. وعلى سبيل المثال فإن السمة المميزة لمرض ألزهايمر المبكر تتمثل في ضمور النسيج داخل الفص الصدغي من الدماغ. وقد لوحظ شكل مشابه لهذا (عند التصوير بالأشعة المقطعية) لدى الأشخاص ذوي الوزن الزائد.
كما تؤثر الأنسجة الدهنية على المخ، بتسببها في إحداث أضرار طفيفة في الشرايين المغذية للمخ وبزيادة لزوجة الدم فيها، الأمر الذي يؤدي إلى تكوّن خثرات الدم. وبينما نتوجه (نحن الناس ـ المحرر) إلى اعتبار العته مساويا لمرض ألزهايمر، فإن السبب فيه يعود، في الغالب، إلى مرض وعائي (أي مرتبط بالأوعية الدموية)، أو إلى تزاوج بين مرض وعائي ومرض ألزهايمر.
ومع ذلك، فقد لا تكون دهون البطن التي اعتبرت ضارة، سوى عامل «متفرج» أكثر منه عاملا مخربا. فبدلا من كل ما قيل، فقد تكون للسمنة وللعته جذور مشتركة داخل المخ. فالتشوه في المخ الذي يؤدي إلى النهم في تناول الطعام أو اضطراب وظيفة التمثيل الغذائي في أواسط العمر، قد يقود إلى العته مع تقدم السن. ولحدّ الآن، فإن هذه النظرية ليست سوى نوع من التخمين، إلا أنه توجد روابط بين البنى الموجودة داخل المخ التي تتحكم في الشهية والتمثيل الغذائي وبين البنى النشطة في مجالات الذاكرة والإدراك.
* ما هو المستقبل؟
* إن أمراض الأوعية الدموية والقلب (التي تشمل النوبة القلبية والسكتة الدماغية) هي القاتل الأول في الولايات المتحدة، إلا أن بمقدورنا أن ننعم ببعض السلوان من حقيقة أن بإمكاننا فعل الكثير لتجنبها، مثل خفض مستويات الكولسترول وضغط الدم المرتفع، وإجراء التمارين الرياضية. وإن وقعت في نوبة قلبية فإن كل قدرات الطب المجهز بأعلى التقنيات ستتيح لك تحملها. ولكننا نجد نفسنا عاجزين تماما، حتى الآن، عندما يأتي الحديث عن العته ولهذا فإن كانت هناك أنباء طيبة يمكن استخلاصها عن علاقة دهون البطن مع العته، فإنها تنير لنا الطريق إلى العمل، وهو التحكم بالوزن. ثم، بعد أن يتعرف الباحثون بعمق على أساس العلاقة بين دهون البطن وبين العته، فإن طرقا أخرى ستفتح للتعامل مع السمنة. فقد يكون بالإمكان تطوير عقاقير لمنع تأثير الهرمونات والمواد الكيميائية الأخرى التي تفرزها الدهون. وقد يأتي اليوم الذي يمكن فيه إجراء فحوصات على العلامات البيولوجية لدهوننا، أو التقاط صور لمقاطع الجسم لقياس الدهون فيها، ثم نخضع للعلاج المطلوب. وبهذا ستكون الحمية الغذائية من أمور الماضي. إلا أن هذه أمور للمستقبل. أما الآن فإن كل ما نعرفه هو أن الوزن والعته ربما يكونان مترابطين، وأن فقدان الفكر بسبب الكرش سيكون أمرا مفجعا.
* رسالة هارفارد الصحية خدمات «تريبيون ميديا».
كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية):
أسوأ الأمور التي يمكن أن تنجم عن زيادة وزن الجسم، أضحت اليوم معروفة: ضغط الدم المرتفع، السكري، النوبة القلبية، السكتة الدماغية. إلا أن الأمر غير المعروف جيدا، ربما هو خطر تسببها بالسرطان. فالأشخاص من ذوي الوزن الزائد لديهم معدلات أعلى لسرطانات القولون والكلية والبنكرياس، وكذلك لسرطان الثدي لدى النساء اللواتي تعدين سن اليأس من المحيض.
* خطر جديد
* إلا أن هناك الآن عواقب أخرى تثير المخاوف. ففي غضون السنوات الأخيرة، تراكمت لدى الباحثين تدريجيا دلائل تربط ما بين زيادة الوزن وظهور العته.
ويضم هذا الملف نتائج لدراسات أظهرت وجود رابط بين الوزن الزائد في أواسط العمر، وبين العته الذي يظهر لاحقا بعد عقود من السنين. وهنا ربما لا يكون الوزن الكلي مهما بالدرجة الأكبر، بل موقع الوزن الزائد. وقد أشارت دراسة نشرت في عام 2008 إلى أن الأنسجة الدهنية في جوف البطن ـ أي في موقع الخصر ـ هي الأكثر ارتباطا بحدوث العته. وتتشابه هذه النتائج مع نتائج دراسات أخرى أدت إلى تغيير كل صورة الدهون المتراكمة في البطن من مجرد شحوم إلى «عناصر مجرمة» نشطة في عملية التمثيل الغذائي، تقوم بلفظ مواد كيميائية مدمرة للأوعية الدموية والقلب، ولعدد من أعضاء الجسم، والآن، ومن المحتمل أيضا، مدمرة للمخ.
ولكن، هل هناك فارق كبير فعلا، لو أن هذه الدهون كانت متجمعة. الإجابة: ربما لا. فهي مثل التدخين، إذ إننا نعرف انه مضر لنا. والانتقال من السيئ نحو الأسوأ لا يمثل انتقالة كبرى من حيث المبدأ.
ومع ذلك «فإن الناس لا يخافون من أمراض الأوعية الدموية والقلب، كما يخافون من حدوث العته لديهم»، كما تشير راشيل أيه ويتمر، الباحثة في علوم الأوبئة في مؤسسة «كايزر برماننتي»، التي أجرت عددا من الدراسات المهمة على الوزن والعته.
وإن حدث، لأي سبب من الأسباب، أن أدت زيادة الوزن لنسبة ملموسة من الناس، إلى خطر أعلى في ظهور العته لديهم، فإن ذلك سيضيف اندفاعات جديدة (ذات أهمية قصوى) لبذل مجهودات بهدف التحكم في الوزن على المستوى الشخصي وعلى مستوى العناية الصحية العامة على حد سواء. وتؤكد ويتمر أيضا على مسألة مهمة وهي التدقيق في مقاس الخصر، الذي يعبر بشكل معقول جدا عن دهون البطن ويعتبر قياسا لا يحتاج إلى توافر تقنيات عالية. وقد حان الأوان إلى توجيه اهتمامنا إلى حجم البطن بوصفه واحدا من المؤشرات الصحية، مثل مستوى الكولسترول وقراءات ضغط الدم، وليس بوصفه أحد علامات تشوه جمال الجسم فقط.
* دور الدهون في الحماية
* وفي أوقات سابقة افترض علماء الأوبئة المختصون بدراسة الوزن والعته، أمورا مخالفة لما تقدمه الباحثة ويتمر وغيرها حاليا. إذ إن ازدياد الوزن كان يبدو أنه يساعد الإنسان على تعزيز قدرته على التذكر، التخطيط، حوكمة العقل، وتوظيف قدرات الذهنية الأخرى التي عادة ما تضمحل مع ظهور العته. وقد وجدت الدراسات أن الناس الذين كانوا أكثر نحافة، هم الذين يظهر لديهم العته على الأغلب.
كما وجد الباحثون أيضا أنه، وعندما يشخص العته أو مرض ألزهايمر لدى بعض الأشخاص، فإنهم يعيشون لسنوات أطول إن كانوا من أصحاب الوزن الزائد.
إلا أن هذه الأبحاث كانت تركز على الأشخاص الأكبر سنا. فهي لم تأخذ في الاعتبار أن الناس غالبا ما يفقدون شهيتهم للطعام ـ ووزنهم ـ في المراحل الأولى للعته، عندما لا يكون تدهور قدرات الإدراك لديهم ملحوظا. ويمكن أن يبدأ فقدان الوزن، في الواقع، فبل سنوات من ظهور كل أعراض العته.
وقد تجاوزت ويتمر وغيرها من الباحثين هذه المشكلة، بتوسيع الأفق الزمني لدراساتها، إذ إنها دققت في حالات الترابط بين الوزن وبين تطور العته لاحقا على مدى عدد، بل عقود، من السنين التالية.
وتعتبر الباحثة السويدية ديبورا غوستافسون رائدة في الدراسات طويلة المدى لعلاقة الوزن مع العته. ففي عام 2003 نشرت مع زملائها نتائج أشارت إلى أن النساء (وليس الرجال) اللواتي كن بدينات في السبعينات، يظهر لديهن على الأغلب مرض ألزهايمر في السنوات الـ 18 التالية في حياتهن، أكثر من النساء غير البدينات.
وتبعتها ويتمر بعد سنتين من ذلك بنتائج استندت إلى تحليلات لبيانات جمعت من نحو 10 آلاف عضو في برنامج «كايزر برماننتي» الصحي في منطقة شمال كاليفورنيا. ووجدت أن السمينين منهم (مؤشر كتلة الجسم لديهم 30 فأكثر) في بداية الأربعينات من أعمارهم، كان احتمال تعرضهم للإصابة بالعته في الستينات والسبعينات من أعمارهم أكثر بنسبة 74 في المائة، مقارنة بالأشخاص الذين لم يكونوا بدينين (مؤشر كتلة الجسم لديهم بين 18.6 و 24.9) في بداية الأربعينات من أعمارهم أيضا. (مؤشر كتلة الجسم هو حاصل قسمة الوزن بالكيلوغرام على مربع الطول بالمتر ـ المحرر). وقد ازداد خطر حدوث العته، حتى مع تعديل النتائج لتأخذ في الاعتبار عوامل مرتبطة بالوزن مثل داء السكري، وكانت النتائج أيضا أقوى لدى النساء من الرجال.
وفي عام 2008 نشرت ويتمر دراسة لاحقة لدراستها السابقة، دققت فيها في ما إذا كانت الدهون الموجودة حول البطن تمثل عامل خطر قوي للإصابة بالعته. وبدا أن الأشخاص البدينين الذين تتراكم الدهون في منطقة البطن لديهم في الأربعينات من أعمارهم، كانوا يتعرضون أكثر بثلاث مرات لحدوث العته في عمر متقدم أكثر من ذوي البطون النحيفة. وفي الواقع، وبغض النظر عن وزن الجسم الكلي، فإن دهون البطن زادت بشكل كبير من فرص حدوث العته لاحقا.
وقد استخدم في الدراسة قياس قطر البطن «السهمي» sagittal abdominal diameter بوصفه مقياسا لدهون البطن.. تخيل خطا (أو سهما) وهميا يربط بين نقطة تحت السرة مع نقطة في أسفل الظهر. والمسافة، بين هاتين النقطتين تمثل قطر البطن «السهمي».
* الدهون والمخ
* هناك عدة نظريات حول تسبب دهون البطن في حدوث العته، تنطلق أغلبها من ملاحظة أن دهون البطن هي أنسجة نشطة (أكثر، كما يبدو، من نشاط الدهون الموجودة في طبقات تحت الجلد)، تقوم بإفراز الهرمونات، عوامل النمو، و«خليط مما تصنعه الساحرات» من جزيئات بيولوجية نشطة. وبعض من هذه الإفرازات قد يؤثر على أنسجة المخ مباشرة. فالليبتين leptin، على سبيل المثال، يحفز عمليات التعلم والذاكرة التي تخضع لسيطرة قرن آمون hippocampus في الدماغ. وقد تقدمت الباحثة غوستافسون بافتراض يقول إن النسيج الدهني يؤثر على المخ بإضعافه للحاجز بين الدم والدماغ، الأمر الذي قد يسهل على الجزيئات الضارة اختراق ذلك الحاجز.
إلا أن الكثير من الأدلة حول التأثيرات المباشرة للدهون لا تزال ظرفية. وعلى سبيل المثال فإن السمة المميزة لمرض ألزهايمر المبكر تتمثل في ضمور النسيج داخل الفص الصدغي من الدماغ. وقد لوحظ شكل مشابه لهذا (عند التصوير بالأشعة المقطعية) لدى الأشخاص ذوي الوزن الزائد.
كما تؤثر الأنسجة الدهنية على المخ، بتسببها في إحداث أضرار طفيفة في الشرايين المغذية للمخ وبزيادة لزوجة الدم فيها، الأمر الذي يؤدي إلى تكوّن خثرات الدم. وبينما نتوجه (نحن الناس ـ المحرر) إلى اعتبار العته مساويا لمرض ألزهايمر، فإن السبب فيه يعود، في الغالب، إلى مرض وعائي (أي مرتبط بالأوعية الدموية)، أو إلى تزاوج بين مرض وعائي ومرض ألزهايمر.
ومع ذلك، فقد لا تكون دهون البطن التي اعتبرت ضارة، سوى عامل «متفرج» أكثر منه عاملا مخربا. فبدلا من كل ما قيل، فقد تكون للسمنة وللعته جذور مشتركة داخل المخ. فالتشوه في المخ الذي يؤدي إلى النهم في تناول الطعام أو اضطراب وظيفة التمثيل الغذائي في أواسط العمر، قد يقود إلى العته مع تقدم السن. ولحدّ الآن، فإن هذه النظرية ليست سوى نوع من التخمين، إلا أنه توجد روابط بين البنى الموجودة داخل المخ التي تتحكم في الشهية والتمثيل الغذائي وبين البنى النشطة في مجالات الذاكرة والإدراك.
* ما هو المستقبل؟
* إن أمراض الأوعية الدموية والقلب (التي تشمل النوبة القلبية والسكتة الدماغية) هي القاتل الأول في الولايات المتحدة، إلا أن بمقدورنا أن ننعم ببعض السلوان من حقيقة أن بإمكاننا فعل الكثير لتجنبها، مثل خفض مستويات الكولسترول وضغط الدم المرتفع، وإجراء التمارين الرياضية. وإن وقعت في نوبة قلبية فإن كل قدرات الطب المجهز بأعلى التقنيات ستتيح لك تحملها. ولكننا نجد نفسنا عاجزين تماما، حتى الآن، عندما يأتي الحديث عن العته ولهذا فإن كانت هناك أنباء طيبة يمكن استخلاصها عن علاقة دهون البطن مع العته، فإنها تنير لنا الطريق إلى العمل، وهو التحكم بالوزن. ثم، بعد أن يتعرف الباحثون بعمق على أساس العلاقة بين دهون البطن وبين العته، فإن طرقا أخرى ستفتح للتعامل مع السمنة. فقد يكون بالإمكان تطوير عقاقير لمنع تأثير الهرمونات والمواد الكيميائية الأخرى التي تفرزها الدهون. وقد يأتي اليوم الذي يمكن فيه إجراء فحوصات على العلامات البيولوجية لدهوننا، أو التقاط صور لمقاطع الجسم لقياس الدهون فيها، ثم نخضع للعلاج المطلوب. وبهذا ستكون الحمية الغذائية من أمور الماضي. إلا أن هذه أمور للمستقبل. أما الآن فإن كل ما نعرفه هو أن الوزن والعته ربما يكونان مترابطين، وأن فقدان الفكر بسبب الكرش سيكون أمرا مفجعا.
* رسالة هارفارد الصحية خدمات «تريبيون ميديا».