<BLOCKQUOTE class="postcontent restore ">المقال أدناه له حكاية ، في صيف عام 1998 وأنا كنت في المرحلة الثالثة/ كلية القانون – جامعة بغداد ، أستغللت فترة العطلة الصيفية للتفرغ لتجربتي الشعرية (قصيدة النثر) حيث صدرت مجموعتي الوحيدة إلى الآن (جلاتيا لا تعي) ، كنت اعد دراسة عن قصيدة النثر في اواخر القرن التاسع عشر وخصوصاً الشعراء الفرنسيين (آرثور رامبو .. فرلين .. الوزيوس بيرتران .. الخ) قرأت كل شعر رامبو بل وقصة حياته حتى عندما قرر الصمت والى الابد وهو في أوجه !!! وحتى آخر لحظة من حياته .. لكن السنوات القليلة التي كتب فيها الشعر قد اشعلت جذوة لم تنطفيء إلى الآن (في قصيدة النثر) ، على أية حال ،
في تلك الفترة وقع بيدي كتاب صدر حديثاً للشاعر العراقي سامي مهدي حمل عنوان (الموجبة الصاخبة) وكان جله يتحدث عن شعراء الستينات في العراق وهو منهم ، ومعروف عن حقبة ستينات القرن المنصرم وبالأخص في العراق ، قد افرزت مواهب شعرية على مستوى عالٍ من النضج لم تزل لبعضهم (الريادة الشعرية) المهم ، استفزني هذا الكتاب بعد ان انجزت قرأته فكتبت مقال للرد عليه ولنشره من باب حرية الرأي طبعاً ، خصوصاً ان المقال أدبي ولا علاقة له بالسياسية ومشاكلها (سامي مهدي كان في ايام النظام السابق مسؤولاً رفيعاً وهو بعثي قديم كما هو معروف) ، عند انجازي المقال دفعته لصديق قاص لنشره في احدى صحفنا الأسبوعية فقام بالواجب ولم يبقَ الا ثلاثة او اربعة أيام على صدور عدد الجريدة الاسبوعية الأدبية البغدادية في أيام آب من العام 1998 ، وبالصدفة مر الشاعر السبعيني خزعل الماجدي بصديق شاعر فقررت ان اعطيه نسخة من المقال ، (خصوصاً انه كان يعد من رواد تجربة قصيدة النثر بالعراق قبل ان يرتد عنها ببيان شعري نشره أواخر التسعينات من القرن المنصرم) أخذ المقال ، وعاد في اليوم التالي ووقف أمام مكتبي (كان لدي مكتب طباعة واستنساخ في منطقة باب المعظم ببغداد وهو ملتقى الاصدقاء من الادباء والشعراء) كان خزعل الماجدي بحالة غير طبيعية وهو يقف مع صديقه الشاعر الشعبي كاظم غيلان ، دعوته لدخول مكتبي وشرب شيء ما فرفض بإصرار ، وبدأ كلامه بالهجوم علي: أنت لا زلت شاباً وفي بداية الطريق بمجال الأدب والشعر وتجربتك لم تزل غضة .... الخ من الكلام الاستهلالي الذي كان ينذر بهجوم لا مبرر له ! ثم قال ، انت لم تزل بالبداية وتخاطب سامي مهدي بهذا الأسلوب !!! لا بل انت قصدت بنعته بـ(الحيوان !!!) بالمفهوم المخالف لتكرار عبارتك (الإنسان سامي مهدي) ! (قطعاً لم يكن هذا قصدي ، لأني كنت اضع عبارة – الإنسان سامي مهدي – بموازاة عبارة – الشاعر سامي مهدي ، من هامش الخطأ وبديهية كونه إنساناً رغم انه أعتبر ان تجربته الشعرية الستينية والى الآن كاملة بلا نقص !) ، ثم قال الماجدي وهو لم يزل يزبد ويرعد رغم انه ليس طرفاً بالموضوع ! قال : (انا لا أدافع عن سامي مهدي ، بل انا في خصام معه منذ أكثر من عشرين عاماً بسبب الشعر والخلاف ، لكني أحذرك من نشر هذا المقال في إحدى الصحف ، لان سامي مهدي لن يعتبر هذا مجرد رأي مخالف بل يعتبرها (مؤامرة) ضده و(سينتقم) منك !!! خصوصاً انت لم تزل في بداية طريقك ! انتقامه سيتجاوز محاربتك في مجال الشعر والابداع إلى ما يصل إلى حريتك وسلامتك !!! انا حذرتك من النشر !) غادر بعد هجومه الذي لم يكن له مبرراً ، خصوصاً أنه كان قد قرأ (الموجة الصاخبة) وكان رده متهاوناً مهادناً ولم يرد أن يستفز سامي مهدي على ما يبدو ! (قال لي في هذا الحديث انه قد قرأ – الموجة الصاخبة – ورد عليه في إحدى الصحف) ، اصدقائي الشعراء والأدباء قالوا ان رده لم يكن بالمستوى وربما لعدم رغبته (بإثارته وأستفزازه !) رغم ان خزعل الماجدي كان يعد منذ اواخر السبعينات (حامل لواء قصيدة النثر !) وربما أستفزه ان يأتي شاعر شاب في بداية تجربته ويكتب مقال بهذه الجرأة التي أفتقدها (حامل اللواء !) ، على أية حال ، كان احد اصدقائي الأدباء (الذي اوصل المقال للجريدة) قد سمع هجوم الماجدي ، واقتنع بما قال بأن سامي مهدي سيعتبر تلك مؤامرة ضدي وسيستهدفني ليس في مجال الشعر والابداع فحسب !! ورغم قولي له بأني لا آبه له ولغيره خصوصاً اني لم أقصد التجاوز على شخصه بل على ما كتب وهو رد فعل فحسب لكن صديقي القاص ذهب وسحب المقال وهكذا لم ينشر قط ومع ذلك استنسخته ووزعته في الوسط الأدبي (بما كان يعرف آنذاك بثقافة الأستنساخ بسبب الحصار المفروض آنذاك على العراق وللتخلص أيضاً من الرقابة الأمنية وتقييد الابداع من قبل النظام السابق !) اتذكر ان خزعل الماجدي في حديثه هذا قد أنتقد حتى أسلوب عرض المقال !! فقال: لا أعرف هل هذا مقال أم فلسفة ام قصة أم ماذا ؟
في ما يلي أدناه المقال الذي أثار ضجة وحفيظة الماجدي بعد مرور عقد كامل من السنين:
(الخلود/ الكمال) كلمتان مطلقتان، لا ينالهما الإنسان إلا في الأحلام والخيال، الإنسان المرتبط بالآلهة حد المصاهرة ! يتوق إلى سرابهما دون جدوى ، و(الإنسان - كَلكَامش) لا يأبه بنصيحة (صاحبة الحانة) بالعدول عن رحلته الدلمونية متدرعاً بنصفه الآلهي ، ولم يكتفِ بمحض خيال بل راح يؤرشف تفاصيل الكابوس بـ(بهذيانات) (الإنسان - رامبو) مع أرملة يطلقها مع حمم الجحيم في (فصله الشهير)، وماذا بعد، ينكفي (الإنسان) ويهرب للحلم تارة أخرى ، يبحث (الإنسان – لوركا) عن قمره (أنعكاس الخلود !) ويعوي سربروس (الإنسان – السياب) في بابل بعيداً عن (مملكة الموت والأرواح الخاطئة) ، ويتحوَّل إلى (رائي – نبي) عـَّلَ الآلهة تضعه تارة أخرى في دلمون مع اوتنابشتم الخالد بها، (الإنسان – الشاعر) ربما يجد (الخلود/ الكمال) عن طريق اللغة ، فيها يكتمل الكون وبها يُخـلـَّـد الإنسان ، فهكذا نجده يبحث في كيميائيات الألم (الإنسان – بودلير) والعبارة (الإنسان – رامبو) والهموم (الإنسان – فاضل العزاوي) ، وبها يفلَسَف (الخلود/ الكمال) بعيدا ً عن وجودهما العضوي فيه.
ويبدو ان الإنسان لا يكف عن عناده ، وبالرغم من يقينه انه يحلم بـ (الخلود/ الكمال) وانه لا يكف عن الأخطاء ، الا أنه يعاود الردلة الدلمونية مجدداً ، وهنا نجد (الإنسان – سامي مهدي) يلج عباب اللغة والنحو غير آبه بخفيّ حنين اللذين ينتظرانه على شواطيء دلمون ، ويبدو ان الإنسان لا يكف عن التناقضات ، عن الخطأ والتخطيء ! ، عن الصواب والتصويب ، فـ (الإنسان – سامي مهدي) يضع العقبات أمام العجلة الأزلية ولا يكف عن السخرية من درجات السَّلم الشعري التي فوقه ورغم ان نظره يصل إليها الا ان قدميه قد تسمّرتا على عتبات (التفعيلة) وقد أخذته العزّة بأثمها عن الصعود لـ(قصيدة النثر) بالرغم من محاكاته لها وتقليدها والاستعانة بثيماتها (الأمكنة/الناس/البنى/من حولي) (مقطع من قصيدة الزوال – وهنا نجد الأستعاضة بالفواصل عن أحرف العطف وهذه إحدى سمات قصيدة النثر)، الا انه ينعتها بأقذع النعوت (بلا شكل، بلا أطار، بلا وحدة عضوية، بلا أيقاع حقيقي، بلا مضمون صلد ، وهي شكل متخلَّف وبدعة غريبة !) ، وبعيداً عن حرب الآراء في (قصائد العمود/التفعيلة/النثر) وقريباً من الخطأ والتخطيء ، نجد (الإنسان – سامي مهدي) يتصيّد في ماء الأخطاء العكر فيفاجأ بقدميه تزلان فيسقط في وحل الأخطاء الاملائية والنحوية على مضض ، ولعلنا نختلس (بخبث) بعض عباراته الواردة في (موجته الصاخبة !) حيث يقول:
(ممن كانوا يقرؤون بأنكَليزية أفضل) (الموجة الصاخبة – ص 323) ، وهنا يقصد طبعاً (يقرأون) و(الإنسان – سامي مهدي) يمارس لذة تخطيء الآخرين ، ولكن ماذا يقول عندما يسقط في الحفرة التي حفرها لغيره ؟ ، بعد عرضه لقصيدة (ليس الأنتماء – الإقامة) للشاعر الستيني مؤيد الراوي ، يعّلق عليها في الهامش التالي (آثرنا الحفاظ على صورة القصيدة على الورق وأبقينا على أخطائها النحوية كما تقتضي الأصول) ؟ (الموجة الصاخبة – ص 284) وهو الذي يقول بحق مؤيد الراوي :
(ربما كان من الإسراف أن ينُسب مؤيد الراوي إلى الشعر . حتى في كتاباته النثرية) (الموجة الصاخبة – ص 279) ، أما فاضل العزاوي فيتهمه (الإنسان – سامي مهدي) بالسرقة الأدبية والتقليد الأعمى:
(كانت قصيدة غينزبيرغ (أميركا) تنطوي على مثل هذه الرسالة ، ولذا وجدت هوى في نفس العزاوي فتأثر بها وقلَّدها تقليداً يكاد يكون تفصيلياً ، فإذا كتب غينزبيرغ قصيدة عن (أميركا) كتب فاضل عن (الجزيرة العربية) وإذا كتب غينزبيرغ قصيدة عن (أوربا) كتب فاضل عن (آسيا) وإذا نعى غينزبيرغ جيله، فلماذا لا ينعى جيله فاضل هو الآخر) ؟ ، ((الموجة الصاخبة – ص 265)، ويبدو ان ركَون بولص (مجايل سامي مهدي) كان له نصيب وافر من التخطيء بالرغم من براءته هنا فـ(الإنسان – سامي مهدي) ينتقد المقطع الأخير من قصيدة لبولص:
سقطت في فم البئر
من عُليها
...
والذي يعلق عليه في الهامش التالي:
(يريد الشاعر ان يقول من (علوها) أو من (علاها) فأخطأ) ؟!! وهكذا يمارس (الإنسان – سامي مهدي) لذة التخطيء بحق الآخرين، ولكن ماذا يقول عندما يتجرَّع من نفس الكأس الذي جرعَّه للآخرين ؟ ، وماذا يقول عندما يجتهد في تخطيء الصواب ؟ واذا كان (الإنسان – سامي مهدي) يعد نفسه شاطراً في تقصي الأخطاء للآخرين فبكم تعد غلطته ؟ ، (من عُليها) عبارة صحيحة ناصعة ساطعة بالرغم من غربال (الإنسان – سامي مهدي) ، (من) حرف جر ، (عُليّ) أسم مجرور بحرف الجر ، (ها) ضمير متصل ، يقول الشاعر:
غدتْ منْ عليهِ
تنفضُ الطَّلَّ بعْدمَاَ ،
أي غدت من فوقه ، فهو ها هنا أسم لأن حرف الجر لا يدخلُ على حرف الجر (مختار الصحاح – ص 453) ، كذلك كقولنا (من عُلَيهم) أي من أهل الرفعة والشرف فيهم (منجد الطلاب – ص 496) .
ويبدو ان (الإنسان – سامي مهدي) قد أقترب كثيراً من شواطيء دلمون بركوبه (الموجة الصاخبة) ويبدو انه سيقاسم اوتنابشتم الاستمتاع بلذة (الخلود/ الكمال) ويبدو ان أمواجه سوف لن تكف عن صخبها ففيها يشق (الإنسان – سامي مهدي) (لنفسه طريقة أخرى في التعامل مع الأساطير والرموز ... في وقت كان فيه غيره من الشعراء الستينيين ما يزالون يتعاملون مع الأساطير والرموز في أطار النماذج التي صنعها السياب وسواء من شعراء جيله) (الموجة الصاخبة – ص 237) وبها وجد (الإنسان – سامي مهدي) عشبة (الخلود/ الكمال) ، ولكن نسأل (الإنسان – سامي مهدي) هنا ، هل أستطاع أن يحتفظ بعشبته بعيداً عن أفعى (قصيدة النثر) أم تراه كرر خطأ كَلكَامش ؟
وهو الذي لا يخُطيء ؟!
</BLOCKQUOTE>
لماذا مجرد مقال قصير عن الشاعر سامي مهدي
أثار حفيظة الشاعر خزعل الماجدي !
سامي مهدي
خزعل الماجدي
وليد محمد الشبيبي
أثار حفيظة الشاعر خزعل الماجدي !
سامي مهدي
خزعل الماجدي
وليد محمد الشبيبي
في تلك الفترة وقع بيدي كتاب صدر حديثاً للشاعر العراقي سامي مهدي حمل عنوان (الموجبة الصاخبة) وكان جله يتحدث عن شعراء الستينات في العراق وهو منهم ، ومعروف عن حقبة ستينات القرن المنصرم وبالأخص في العراق ، قد افرزت مواهب شعرية على مستوى عالٍ من النضج لم تزل لبعضهم (الريادة الشعرية) المهم ، استفزني هذا الكتاب بعد ان انجزت قرأته فكتبت مقال للرد عليه ولنشره من باب حرية الرأي طبعاً ، خصوصاً ان المقال أدبي ولا علاقة له بالسياسية ومشاكلها (سامي مهدي كان في ايام النظام السابق مسؤولاً رفيعاً وهو بعثي قديم كما هو معروف) ، عند انجازي المقال دفعته لصديق قاص لنشره في احدى صحفنا الأسبوعية فقام بالواجب ولم يبقَ الا ثلاثة او اربعة أيام على صدور عدد الجريدة الاسبوعية الأدبية البغدادية في أيام آب من العام 1998 ، وبالصدفة مر الشاعر السبعيني خزعل الماجدي بصديق شاعر فقررت ان اعطيه نسخة من المقال ، (خصوصاً انه كان يعد من رواد تجربة قصيدة النثر بالعراق قبل ان يرتد عنها ببيان شعري نشره أواخر التسعينات من القرن المنصرم) أخذ المقال ، وعاد في اليوم التالي ووقف أمام مكتبي (كان لدي مكتب طباعة واستنساخ في منطقة باب المعظم ببغداد وهو ملتقى الاصدقاء من الادباء والشعراء) كان خزعل الماجدي بحالة غير طبيعية وهو يقف مع صديقه الشاعر الشعبي كاظم غيلان ، دعوته لدخول مكتبي وشرب شيء ما فرفض بإصرار ، وبدأ كلامه بالهجوم علي: أنت لا زلت شاباً وفي بداية الطريق بمجال الأدب والشعر وتجربتك لم تزل غضة .... الخ من الكلام الاستهلالي الذي كان ينذر بهجوم لا مبرر له ! ثم قال ، انت لم تزل بالبداية وتخاطب سامي مهدي بهذا الأسلوب !!! لا بل انت قصدت بنعته بـ(الحيوان !!!) بالمفهوم المخالف لتكرار عبارتك (الإنسان سامي مهدي) ! (قطعاً لم يكن هذا قصدي ، لأني كنت اضع عبارة – الإنسان سامي مهدي – بموازاة عبارة – الشاعر سامي مهدي ، من هامش الخطأ وبديهية كونه إنساناً رغم انه أعتبر ان تجربته الشعرية الستينية والى الآن كاملة بلا نقص !) ، ثم قال الماجدي وهو لم يزل يزبد ويرعد رغم انه ليس طرفاً بالموضوع ! قال : (انا لا أدافع عن سامي مهدي ، بل انا في خصام معه منذ أكثر من عشرين عاماً بسبب الشعر والخلاف ، لكني أحذرك من نشر هذا المقال في إحدى الصحف ، لان سامي مهدي لن يعتبر هذا مجرد رأي مخالف بل يعتبرها (مؤامرة) ضده و(سينتقم) منك !!! خصوصاً انت لم تزل في بداية طريقك ! انتقامه سيتجاوز محاربتك في مجال الشعر والابداع إلى ما يصل إلى حريتك وسلامتك !!! انا حذرتك من النشر !) غادر بعد هجومه الذي لم يكن له مبرراً ، خصوصاً أنه كان قد قرأ (الموجة الصاخبة) وكان رده متهاوناً مهادناً ولم يرد أن يستفز سامي مهدي على ما يبدو ! (قال لي في هذا الحديث انه قد قرأ – الموجة الصاخبة – ورد عليه في إحدى الصحف) ، اصدقائي الشعراء والأدباء قالوا ان رده لم يكن بالمستوى وربما لعدم رغبته (بإثارته وأستفزازه !) رغم ان خزعل الماجدي كان يعد منذ اواخر السبعينات (حامل لواء قصيدة النثر !) وربما أستفزه ان يأتي شاعر شاب في بداية تجربته ويكتب مقال بهذه الجرأة التي أفتقدها (حامل اللواء !) ، على أية حال ، كان احد اصدقائي الأدباء (الذي اوصل المقال للجريدة) قد سمع هجوم الماجدي ، واقتنع بما قال بأن سامي مهدي سيعتبر تلك مؤامرة ضدي وسيستهدفني ليس في مجال الشعر والابداع فحسب !! ورغم قولي له بأني لا آبه له ولغيره خصوصاً اني لم أقصد التجاوز على شخصه بل على ما كتب وهو رد فعل فحسب لكن صديقي القاص ذهب وسحب المقال وهكذا لم ينشر قط ومع ذلك استنسخته ووزعته في الوسط الأدبي (بما كان يعرف آنذاك بثقافة الأستنساخ بسبب الحصار المفروض آنذاك على العراق وللتخلص أيضاً من الرقابة الأمنية وتقييد الابداع من قبل النظام السابق !) اتذكر ان خزعل الماجدي في حديثه هذا قد أنتقد حتى أسلوب عرض المقال !! فقال: لا أعرف هل هذا مقال أم فلسفة ام قصة أم ماذا ؟
في ما يلي أدناه المقال الذي أثار ضجة وحفيظة الماجدي بعد مرور عقد كامل من السنين:
الإنسـان – سامي مهدي
بين الخطـأ والتخـطــيء !
بين الخطـأ والتخـطــيء !
ويبدو ان الإنسان لا يكف عن عناده ، وبالرغم من يقينه انه يحلم بـ (الخلود/ الكمال) وانه لا يكف عن الأخطاء ، الا أنه يعاود الردلة الدلمونية مجدداً ، وهنا نجد (الإنسان – سامي مهدي) يلج عباب اللغة والنحو غير آبه بخفيّ حنين اللذين ينتظرانه على شواطيء دلمون ، ويبدو ان الإنسان لا يكف عن التناقضات ، عن الخطأ والتخطيء ! ، عن الصواب والتصويب ، فـ (الإنسان – سامي مهدي) يضع العقبات أمام العجلة الأزلية ولا يكف عن السخرية من درجات السَّلم الشعري التي فوقه ورغم ان نظره يصل إليها الا ان قدميه قد تسمّرتا على عتبات (التفعيلة) وقد أخذته العزّة بأثمها عن الصعود لـ(قصيدة النثر) بالرغم من محاكاته لها وتقليدها والاستعانة بثيماتها (الأمكنة/الناس/البنى/من حولي) (مقطع من قصيدة الزوال – وهنا نجد الأستعاضة بالفواصل عن أحرف العطف وهذه إحدى سمات قصيدة النثر)، الا انه ينعتها بأقذع النعوت (بلا شكل، بلا أطار، بلا وحدة عضوية، بلا أيقاع حقيقي، بلا مضمون صلد ، وهي شكل متخلَّف وبدعة غريبة !) ، وبعيداً عن حرب الآراء في (قصائد العمود/التفعيلة/النثر) وقريباً من الخطأ والتخطيء ، نجد (الإنسان – سامي مهدي) يتصيّد في ماء الأخطاء العكر فيفاجأ بقدميه تزلان فيسقط في وحل الأخطاء الاملائية والنحوية على مضض ، ولعلنا نختلس (بخبث) بعض عباراته الواردة في (موجته الصاخبة !) حيث يقول:
(ممن كانوا يقرؤون بأنكَليزية أفضل) (الموجة الصاخبة – ص 323) ، وهنا يقصد طبعاً (يقرأون) و(الإنسان – سامي مهدي) يمارس لذة تخطيء الآخرين ، ولكن ماذا يقول عندما يسقط في الحفرة التي حفرها لغيره ؟ ، بعد عرضه لقصيدة (ليس الأنتماء – الإقامة) للشاعر الستيني مؤيد الراوي ، يعّلق عليها في الهامش التالي (آثرنا الحفاظ على صورة القصيدة على الورق وأبقينا على أخطائها النحوية كما تقتضي الأصول) ؟ (الموجة الصاخبة – ص 284) وهو الذي يقول بحق مؤيد الراوي :
(ربما كان من الإسراف أن ينُسب مؤيد الراوي إلى الشعر . حتى في كتاباته النثرية) (الموجة الصاخبة – ص 279) ، أما فاضل العزاوي فيتهمه (الإنسان – سامي مهدي) بالسرقة الأدبية والتقليد الأعمى:
(كانت قصيدة غينزبيرغ (أميركا) تنطوي على مثل هذه الرسالة ، ولذا وجدت هوى في نفس العزاوي فتأثر بها وقلَّدها تقليداً يكاد يكون تفصيلياً ، فإذا كتب غينزبيرغ قصيدة عن (أميركا) كتب فاضل عن (الجزيرة العربية) وإذا كتب غينزبيرغ قصيدة عن (أوربا) كتب فاضل عن (آسيا) وإذا نعى غينزبيرغ جيله، فلماذا لا ينعى جيله فاضل هو الآخر) ؟ ، ((الموجة الصاخبة – ص 265)، ويبدو ان ركَون بولص (مجايل سامي مهدي) كان له نصيب وافر من التخطيء بالرغم من براءته هنا فـ(الإنسان – سامي مهدي) ينتقد المقطع الأخير من قصيدة لبولص:
سقطت في فم البئر
من عُليها
...
والذي يعلق عليه في الهامش التالي:
(يريد الشاعر ان يقول من (علوها) أو من (علاها) فأخطأ) ؟!! وهكذا يمارس (الإنسان – سامي مهدي) لذة التخطيء بحق الآخرين، ولكن ماذا يقول عندما يتجرَّع من نفس الكأس الذي جرعَّه للآخرين ؟ ، وماذا يقول عندما يجتهد في تخطيء الصواب ؟ واذا كان (الإنسان – سامي مهدي) يعد نفسه شاطراً في تقصي الأخطاء للآخرين فبكم تعد غلطته ؟ ، (من عُليها) عبارة صحيحة ناصعة ساطعة بالرغم من غربال (الإنسان – سامي مهدي) ، (من) حرف جر ، (عُليّ) أسم مجرور بحرف الجر ، (ها) ضمير متصل ، يقول الشاعر:
غدتْ منْ عليهِ
تنفضُ الطَّلَّ بعْدمَاَ ،
أي غدت من فوقه ، فهو ها هنا أسم لأن حرف الجر لا يدخلُ على حرف الجر (مختار الصحاح – ص 453) ، كذلك كقولنا (من عُلَيهم) أي من أهل الرفعة والشرف فيهم (منجد الطلاب – ص 496) .
ويبدو ان (الإنسان – سامي مهدي) قد أقترب كثيراً من شواطيء دلمون بركوبه (الموجة الصاخبة) ويبدو انه سيقاسم اوتنابشتم الاستمتاع بلذة (الخلود/ الكمال) ويبدو ان أمواجه سوف لن تكف عن صخبها ففيها يشق (الإنسان – سامي مهدي) (لنفسه طريقة أخرى في التعامل مع الأساطير والرموز ... في وقت كان فيه غيره من الشعراء الستينيين ما يزالون يتعاملون مع الأساطير والرموز في أطار النماذج التي صنعها السياب وسواء من شعراء جيله) (الموجة الصاخبة – ص 237) وبها وجد (الإنسان – سامي مهدي) عشبة (الخلود/ الكمال) ، ولكن نسأل (الإنسان – سامي مهدي) هنا ، هل أستطاع أن يحتفظ بعشبته بعيداً عن أفعى (قصيدة النثر) أم تراه كرر خطأ كَلكَامش ؟
وهو الذي لا يخُطيء ؟!
وليد محمد الشبيبي
بغداد ، الجمعة 31/7/1998
بغداد ، الجمعة 31/7/1998