يقول عباس جيجان...
أمي..مثل كل الأمهات .. طيبة وكلش حنونه...
أمي مفتونة بأبويه .. وعاشقه نظرة عيونه...
أمي نجمة ليل ما غمض جفنها .. والكمر سلهم جفونه...
أمي طباعها من طباع ارض الرافدين...
شما قسا وياها الوكت .. تبقى أم الخير والست المصونه...
ياما ربت .. ياما لولت .. ياما سهرت .. ياما ضحت ...
ياما شالت ضيم لو عالجبل جا هدلن متونه ...
وذكرت أمي بغربتي .. ووحشة الليل وسكونه ...
وعاتبتني .. وين صرتو .. وين رحتو ...
دوريناكم ييمه شمالكم ما تدلونه ...
يمه دولبنا الوكت بين الدول حفاي نفتر ...
نطلب من الجان يطلب منا عونه ...
يمه رحنا لبابهم كلنا نتوسل ...
والشهادات اللي عدنا .. شككوها .. وقرروا ما شغلونا ...
والشريف البينا نادر .. شغلوه يغسل صحونه ...
يمه دارج دار عزنا .. والفخر كل الفخر يم دار أبونه ...
يمه طولتو السفر والغيبة طالت ..صار مدة وما تجونه ...
وانتظرناكم ييمه .. والصبر زاد وتبدى وفاض ماعونه ...
يبني ردوا لكاعكم ولدار أهلكم .. والوكت غير ظنونه ...
باجر نرد لوطنا .. وما نسيناهم ييمه .. خاف هما اللي نسونه ...
ما عدنا ذنب يمه ويه أهلنا .. الذنب .. ذنب أهلنا الضيعونه ...
لا اعلم أين كان عباس جيجان عندما كتب هذه القصيدة التي تقطر وطنا ؟ .. ولو كنت اعلم .. لتخيلت بشهية مفتوحة للحزن حجم الانفعالات التي كانت تعصف في كيانه .. ولقرأت وأنا اسود الوجه في الحساب الذي قدمه عن العواطف المتباينة التي تتقاطع في ضميره ...
قبل أيام وبينما كنت برفقة بعض الأصدقاء عند شاطئ نهر دجله .. تلقيت مكالمة من صديق اسمه رجب مقيم في بلد عربي منذ العام 2000 ..وقبل نهاية المكالمة قال مازحا : دير بالك لا تغرق ! .. فأجبته : وهل تتصور إنني ارفض ؟ .. لي الشرف إن أموت غريقا في دجله !! ...
بعد نهاية المكالمة أحسست بالندم لأنني قد أكون جرحت مشاعر الرجل ... ثم عدت وقلت لنفسي .. أما كان من الأجدر به إن يقول لي : خلي دجله على قلبك ! ...
يسال الكثير من العراقيين المهاجرين والمهجرين في اتصالاتهم مع أهلهم وأصدقائهم عن أشياء قد تبدو غريبة في نظر البعض .. كأن يسألك احدهم بإلحاح : شلون دجله والفرات .. وشلون بابل والحضر وآشور والملوية والحدباء والجنائن المعلقة وشط العرب وتمثال السياب ونصب الشهيد .. و .. و ...
لا ادري إذا كان العراق هو البلد الوحيد الذي يختلف فيه أبناؤه على تفسير مفردة الوطن ...
عراقيو الداخل وعراقيو الخارج ..من يحسد من ؟ ...
بالله عليك يا رجب .. خذ دجله والفرات والملوية والحضر وآشور .. خذ كل شيء .. وامنحني ساعة أمان من ساعات وطنك ....
لا تفكر بهذا الوطن .. الذي يتصدر الدول في علاقته الوثيقة مع الموت ...
لا تلتفت لهذا الوطن .. الذي يقع على رأس قائمة الدول المنتجة للسيارات المفخخة والعبوات الناسفة والجثث المجهولة الهوية ...
ها ؟؟!!!...أووووووف ..سامحني أيها الوطن .. أنت تعلم جيدا كم احبك .. بس والله مقهور عليك يا حبيبي ..
لقد تخلى عنا العالم ...
فلا السويد صدرت لنا شيئا من إنتاجها المحلي من الأمان لنكحل به ليالي مدننا التي تنام قبل إن ينام الدجاج وتصحو بعد إن يصحو ...!
ولا فرنسا صدرت لنا تشكيلة من عطورها الرائعة للقضاء على الرائحة الكريهة لخطط الحكومة الأمنية ...!
ولا سويسرا صدرت لنا عددا من ساعاتها الشهيرة لنخلق وقتا إضافيا يتيح لنا اللحاق بسباق الحضارة والمدنية ... !
ولا هولندا أرسلت لنا من باقات ورودها العطرة لنزرعها في شوارع مدننا بدلا من قنابل الموت التي لا تفرق بين عراقي وعراقي إلا بالحظ ... !
ولا تونس الخضراء اعترفت لنا بسر اخضرارها لنحول أراضينا القاحلة إلى مساحات خضراء تيمنا بالمنطقة الخضراء ... !
ولا البرازيل أرسلت لنا بعض الأفاعي الضخمة من أدغالها لتنهش بعض السياسيين من مؤخراتهم ... !
فقط تركيا .. هي التي وقفت إلى جانبنا .. ليس فقط في مجابهتها لأحلام الساسة الأكراد الانفصالية .. وإنما بمسلسل نور الذي علم الرجال كيف تحاور القيثارة ! ...
عجيب أمرك أيها الوطن !!! ...
لم يوحدك الموت المجاني الذي لا زال يقطف أرواح بنيك ...!
لم توحدك أخطار انفصال الشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال ...!
لم يوحدك تفجير مرقد علي الهادي...!
لم يوحدك مقتل أطوار بهجت ...!
لم توحدك فاجعة جسر الأئمة ولا عثمان ...!
لم يوحدك شهداء الزنجيلي ...!
ولم توحدك آلاف الضحايا من العراقيين اللذين راحوا على مدى سنوات الاحتلال الخمس الماضية ...!
لكنك .. لكنك توحدت أيها الوطن بفوز المنتخب بكاس آسيا .. ومع إنني شعرت ببعض الاعتراض على هذا في البداية .. إلا إنني عدت ورضيت .. وفرحت مع بنيك المتناثرين في جميع بلاد الله ...
عجيب أمرك أيها الوطن ...
لو انك فقط تجيبني عن كل هذه الأسئلة المدمرة التي تقض مضجع ضميري ...
أأخجل منك أيها الوطن أم أخجل من نفسي .. وأنا أراك موحدا على يد مهند ونور ويحيى ولميس ؟!!! ...
................................................
.........................