النظر صوب متعلقات العملية الانسانية القائمة في مشهد عاشوراء، يحيل العقل الانساني بتفاصيله المهمة الى أمور معقدة، فهي ـ واقعة الطف ـ عمليا لم تحدث او تكون في يومها المذكور، بل انها صراع متجدد، قائم على تغذية الظلم من جهة، وانبراء المطالبين بالحق لمقارعة هذا الظلم من جهة أخرى، بيد ان المغايرة التي حصلت في ذلك اليوم في عاشوراء، هي في ذات الشخصية التي تحولت إلى منار يغذي كلمات الحق التالية في العالم أجمع (خطوة استباقية)، فالامام الحسين (ع) لم يعتمد في نهجه لذلك اليوم على العملية العسكرية البحتة، او الانسانية الخاضعة للظروف والمتغيرات والمتقلبات التي تعتري النفس والذات الانسانية (الموقف الآني)، بل انه تحدث وعمل وفق منظور مختلف، ذلك انه جمع بين دفتي فكره النير، ونهضته العميقة المرتبطة بالارث الرسالي، مبادئ قيمة عجزت الانسانية عن اللحاق بها وادراك كنهها، وهذا يتضح جليا في دعاء الامام (ع) في يوم الواقعة، دعائه لأعدائه بالرجوع الى رشدهم، ولعلنا نقول اعداءه هنا في مقامنا هذا، لكنما من زاويته ووجهة نظره لم يكن يرى الامور بهذا الشكل. فهو لم يراهم اعداء والا لما بكاهم.
ان الاخلاقيات المتناقضة التي أفرزتها واقعة الطف، محط حيرة إلى يومنا هذا، ذلك ان طرفي الصراع انبرى كل واحد منهم إلى مرجعياته الاخلاقية والروحية والانسانية، فمعسكر ابن زياد (لع) رغم معرفته بظروف المعسكر الثاني، معسكر الامام الحسين (ع)، لم يراع أخلاقيات انسانية متعارف عليها لدى العرب آنذاك وهذا المجس كان من مدركات الامام (ع) وهذا يبرر قوله لهم: إن كنتم عربا... لتذكيرهم بقيمة أصالة العرب، كما لم يمتثل الجيش الاموي لتعاليم ووصايا الرسالة التي - وعلى حد قولهم - انهم مؤمنون بها. والظروف التي أحاطت بمعسكر الامام الحسين (ع) تتلخص بما يلي:
ان قائد وفرسان معسكر الامام الحسين (ع) هم من أهل بيت النبوة والرسالة، والخيرة والصفوة من المسلمين، وهذا ما يشهد له الطرف المعتدي ويقر به.
ان عدة وعدد المعسكر الحسيني، ليس أقل بقليل من معسكر ابن زياد فحسب، بل تجاوزت هذه القيمة المعيارية أساليب القتال الشريف، ليكن العدد التقريبي هو كل واحد من أصحاب الحسين يقابله 1000 رجل على حد قول بعض الروايات، وهذا خرق للمنظومة الانسانية.
لم يبتدئ معسكر الامام الحسين (ع) القتال، ذلك انه جاء الى الكوفة بناء على طلب أهلها في البيعة، أي لم يجيء ليقاتل، بل فرض عليه القتال، من قبل القوة الظالمة.
ومن هنا يتضح لنا ان عملية التوازن في المعركة تقتضي بعض الشرف الذي يحمله الفارس، فالفارس، أي فارس؛ يحمل أخلاقيات يعتز بها، وشرف يتميز به، فهو لا يقتل امرأة، ولا يذبح رضيعا، ولا يمثل بضحيته، ولا يحرق ولا يسلب، ولا يهين، فهو نبيل في نظر نفسه، ونظر الآخر، وما نده إلا غريم له في ساحة القتال، وخلاف ذلك لا يقع التجاوز.
وهذا التوازن الذي تحدثنا عنه يحفظ للمتنازعين والمتقاتلين هيبة القتال بشرف، مع اعتقاده بالحفاظ على بعض الخصوصية التي سيخلفونها وراءهم مالو قضوا في تلك المعركة، من النساء والاطفال والشيوخ.
بيد ان الذي رأيناه في واقعة الطف خالف هذه الاعراف جملة وتفصيلا، اذ لم يكن هناك فارس واحد يتمتع بنزاهة وشرف وشجاعة الفرسان، فالغدر والكمائن والكذب والخديعة والنفاق، وغير هذا الكثير، تمثل في معسكر ابن زياد ومن قاتل الى جواره، وهنا يظهر ان النقائض الانسانية التي تختلج في الصدور، توقفت على جانب واحد، وأظهرت جانبها السيء وحده، دون الرجوع الى صوت الضمير، فالمعروف ان حتى الظالم، يطرق لصوت طفل او بكاء أرملة، فالمشاعر الانسانية حتى للطغاة، تتحرك لو مرت بها هذه الدقائق اللطيفة من الامور، وهنا نتحدث عن كبار القادة في معسكر ابن زياد، اما المقاتلون، فكانوا على شقين، كما هو حالهم دوما؛ شق آمن بالخوف والعقوبة، وشق آخر آمن بالجائزة، وبكلا الحالتين لا يعول عليهم أبدا.
لذا كان إسماع او محاولة إفهام الآخر، مهمة عسيرة، بل مستحيلة، فالاصابع ضغطت بشدة على الاذان والعقول كي لا تسمع أو تفقه، وتناسى الجمع الحاضر، بعد أن اغمضوا عيونهم وعيون قلوبهم، فبكوا وتباكوا، كذبا وزورا، ليقع المحذور، ولتمتد هذه العملية، رغم تجذرها في التاريخ بصور متفاوتة، لتصل إلى الفرد الانساني على تنوع مشاربه الثقافية والدينية والاجتماعية وقضاياه السياسية، وابعاده الانسانية، فصدى الكلمة التي أطلقها الامام الحسين (ع) لم تزل بتجدد حيوي نراه كل يوم، وهذا التجدد لا يكون بالضرورة ينطوي تحت اسم الاسلام كدين او الشيعة كمذهب، بل تعدى الى ابعد من ذلك، ليكون التأسي مشابها، وشبيها ملاصقا دون دراية الآخر بأن الجذور الحقيقة تصل الى الامام الحسين (ع)، فنحن حين نعمل على جهاز الكمبيوتر مثلا، لايكون بالضرورة ان نعرف من هو مخترع الكمبيوتر، ولكن بالضرورة ان نعرف لماذا اخترع الجهاز، حتى يصل بنا الى درجة متقدمة من العلم، وعل الكثير منا يعرف تفاصيل دقيقة عن حياة الامام الحسين (ع) وتفاصيل دقيقة وكثيرة عن واقعة الطف، ولكن هذا لايكون نافعا لو لم نتأسَ بما أراده منا الامام الحسين(ع) بنهضته تلك، ولعل الاخر لا يعرف الكثير، عن الوقائع، بل وصله المعنى، وهذا بحد ذاته منتهى الطموح الحسيني في معرفة الآخر لمبدأ الانسانية الحقيقي عبر التصدي إلى الظلم والظلمة وقول كلمة الحق.
ان الاخلاقيات المتناقضة التي أفرزتها واقعة الطف، محط حيرة إلى يومنا هذا، ذلك ان طرفي الصراع انبرى كل واحد منهم إلى مرجعياته الاخلاقية والروحية والانسانية، فمعسكر ابن زياد (لع) رغم معرفته بظروف المعسكر الثاني، معسكر الامام الحسين (ع)، لم يراع أخلاقيات انسانية متعارف عليها لدى العرب آنذاك وهذا المجس كان من مدركات الامام (ع) وهذا يبرر قوله لهم: إن كنتم عربا... لتذكيرهم بقيمة أصالة العرب، كما لم يمتثل الجيش الاموي لتعاليم ووصايا الرسالة التي - وعلى حد قولهم - انهم مؤمنون بها. والظروف التي أحاطت بمعسكر الامام الحسين (ع) تتلخص بما يلي:
ان قائد وفرسان معسكر الامام الحسين (ع) هم من أهل بيت النبوة والرسالة، والخيرة والصفوة من المسلمين، وهذا ما يشهد له الطرف المعتدي ويقر به.
ان عدة وعدد المعسكر الحسيني، ليس أقل بقليل من معسكر ابن زياد فحسب، بل تجاوزت هذه القيمة المعيارية أساليب القتال الشريف، ليكن العدد التقريبي هو كل واحد من أصحاب الحسين يقابله 1000 رجل على حد قول بعض الروايات، وهذا خرق للمنظومة الانسانية.
لم يبتدئ معسكر الامام الحسين (ع) القتال، ذلك انه جاء الى الكوفة بناء على طلب أهلها في البيعة، أي لم يجيء ليقاتل، بل فرض عليه القتال، من قبل القوة الظالمة.
ومن هنا يتضح لنا ان عملية التوازن في المعركة تقتضي بعض الشرف الذي يحمله الفارس، فالفارس، أي فارس؛ يحمل أخلاقيات يعتز بها، وشرف يتميز به، فهو لا يقتل امرأة، ولا يذبح رضيعا، ولا يمثل بضحيته، ولا يحرق ولا يسلب، ولا يهين، فهو نبيل في نظر نفسه، ونظر الآخر، وما نده إلا غريم له في ساحة القتال، وخلاف ذلك لا يقع التجاوز.
وهذا التوازن الذي تحدثنا عنه يحفظ للمتنازعين والمتقاتلين هيبة القتال بشرف، مع اعتقاده بالحفاظ على بعض الخصوصية التي سيخلفونها وراءهم مالو قضوا في تلك المعركة، من النساء والاطفال والشيوخ.
بيد ان الذي رأيناه في واقعة الطف خالف هذه الاعراف جملة وتفصيلا، اذ لم يكن هناك فارس واحد يتمتع بنزاهة وشرف وشجاعة الفرسان، فالغدر والكمائن والكذب والخديعة والنفاق، وغير هذا الكثير، تمثل في معسكر ابن زياد ومن قاتل الى جواره، وهنا يظهر ان النقائض الانسانية التي تختلج في الصدور، توقفت على جانب واحد، وأظهرت جانبها السيء وحده، دون الرجوع الى صوت الضمير، فالمعروف ان حتى الظالم، يطرق لصوت طفل او بكاء أرملة، فالمشاعر الانسانية حتى للطغاة، تتحرك لو مرت بها هذه الدقائق اللطيفة من الامور، وهنا نتحدث عن كبار القادة في معسكر ابن زياد، اما المقاتلون، فكانوا على شقين، كما هو حالهم دوما؛ شق آمن بالخوف والعقوبة، وشق آخر آمن بالجائزة، وبكلا الحالتين لا يعول عليهم أبدا.
لذا كان إسماع او محاولة إفهام الآخر، مهمة عسيرة، بل مستحيلة، فالاصابع ضغطت بشدة على الاذان والعقول كي لا تسمع أو تفقه، وتناسى الجمع الحاضر، بعد أن اغمضوا عيونهم وعيون قلوبهم، فبكوا وتباكوا، كذبا وزورا، ليقع المحذور، ولتمتد هذه العملية، رغم تجذرها في التاريخ بصور متفاوتة، لتصل إلى الفرد الانساني على تنوع مشاربه الثقافية والدينية والاجتماعية وقضاياه السياسية، وابعاده الانسانية، فصدى الكلمة التي أطلقها الامام الحسين (ع) لم تزل بتجدد حيوي نراه كل يوم، وهذا التجدد لا يكون بالضرورة ينطوي تحت اسم الاسلام كدين او الشيعة كمذهب، بل تعدى الى ابعد من ذلك، ليكون التأسي مشابها، وشبيها ملاصقا دون دراية الآخر بأن الجذور الحقيقة تصل الى الامام الحسين (ع)، فنحن حين نعمل على جهاز الكمبيوتر مثلا، لايكون بالضرورة ان نعرف من هو مخترع الكمبيوتر، ولكن بالضرورة ان نعرف لماذا اخترع الجهاز، حتى يصل بنا الى درجة متقدمة من العلم، وعل الكثير منا يعرف تفاصيل دقيقة عن حياة الامام الحسين (ع) وتفاصيل دقيقة وكثيرة عن واقعة الطف، ولكن هذا لايكون نافعا لو لم نتأسَ بما أراده منا الامام الحسين(ع) بنهضته تلك، ولعل الاخر لا يعرف الكثير، عن الوقائع، بل وصله المعنى، وهذا بحد ذاته منتهى الطموح الحسيني في معرفة الآخر لمبدأ الانسانية الحقيقي عبر التصدي إلى الظلم والظلمة وقول كلمة الحق.