تحولات في مسار الشعر الشعبي العراقي
كاظم غيلان
بين حقبة وأخرى يتعرض شعر العامية العراقية لهزة ناجمة عن انتقادات لاتخلو من القسوة أحياناً، ففي نهاية سبعينيات القرن الماضي وتحت ذريعة مايسمى بقانون حماية اللغة العربية تم حجب الشعر الشعبي، الا ان الأسباب كانت خارجة عن الاطار الثقافي العراقي بشكل عام، حيث دخل ضمن تصفية حسابات لمرحلة اجهاض تجربة الجبهة الوطنية أو (الجبحة) على حد تسمية الفقيد شمران الياسري (ابو كاطع).
هذا من جانب ومن جانب آخر كان بسبب هزالة الذين يكتبون هذا اللون من المحسوبين على البعث مقارنة بالشعراء المحسوبين على اليسار العراقي الذين توجوا آخر منجزاتهم بمجموعتهم الشعرية المشتركة (قصايد للوطن والناس) التي صدرت تزامنا مع احتفالات الحزب الشيوعي العراقي بعيد ميلاده الاربعين، مع هذا توقف العمل بالقرار اعلاه مع بداية الحرب مع ايران اذ تم توظيف النماذج السيئة التي تفننت بخطابها العدواني الشاذ والبعيد عن كل قيم الجمال والوجدان، واستمرت المهرجانات التعبوية حتى نهاية الحرب اذ تسرحت قصائد(المعركة) مع المواليد التي تم تسريحها، وهذه النتيجة نوه عنها بشجاعة ووضوح الشاعر الراحل كاظم خبط في معرض اجاباته بحوار اجرته معه صحيفة الاتحاد التي كان يحرر صفحة الادب الشعبي فيها الصديق عادل العرداوي.
بعد متغير نيسان 2003 استثمر الشعراء الشعبيون فسحة الحرية ليقيموا مهرجاناتهم ويؤسسوا اتحاداتهم وروابطهم انسجاماُ مع مرحلة جديدة شهدها العراق، وبغض النظر عن اتقان البعض من الشعراء لأساليب تبديل الاقنعة والاستدارة بمعدلات سريعة جداً، تضاعفت النشاطات حتى اصبح الحيز الاعلامي لهذا الشعر مايفوق سائر الفنون والآداب.
الذي حصل أخيرا في عدد من المقالات الصحافية التي انتقدت موجة الفضائيات التي اسهمت في تراجع هذا اللون والهزالة التي وصلها بكل الطرق التي تثير القرف.
لقد وجدت في التوجه لكتابة هذا الرأي اشتراطات لعل في مقدمتها التخلي عن الانحياز المغلف بالعواطف الجاهزة والحماسة القبلية، فالانتقادات التي قرأتها كانت غاية في الدقة والرصد الموضوعي خاصة في مقالتي الصديقين الشاعرين والاعلاميين محمد غازي الأخرس وعبد الخالق كيطان. ومن قبلهما أعمدة الشاعر أحمد عبد الحسين. مع انني وطيلة عملي في ملحق ثقافة شعبية اشرت للعديد من الظواهر السلبية التي مارسها نفر من المتشاعرين كـ(شعراء الضحك/ شعراء الاعراس/ شعراء القوط ... والخ). بل وحتى عبر الفضائيات التي استضافتني، وقلت رأيي بصوت عال تناقلته العديد من وسائل الاعلام أثناء حفل توقيع مجموعتي الشعرية الاخيرة(لون الليالي صعب) الذي اقامه لي الاصدقاء في ملتقى الخميس الابداعي وبحضور رموز ثقافية عراقية معروفةحتى ان احد الخبثاء همس ممازحا( كاظم يريد ان يتبرأ من شعره الشعبي كبراءة الذئب من دم يوسف) والحقيقة هي ليست براءة، فالابداع عالم خاص لاعلاقة له بهذا الصخب والمجانية التي اساءت كثيرا لذائقة الانسان ووجدانه، بل وحتى لانتماءاته الفكرية بشكل عام، حيث وجدت ان هناك امتداداُ حقيقيا واضحا لثقافة العنف التي اشاعتها الحروب ومؤسساتها العسكرية والاعلامية.
تحضرني العديد من المصادر والوقائع التي تسعف ذاكرتي ولعل من ابرزها وأهمها ذلك الفصل الذي افرده الشاعر الكبير (أدونيس ) في كتابه القيم-( الخطاب- الحجاب – الكتاب) وهو الفصل الذي اسماه بـ(ثقافة الملعب) وهذا مايؤكد حسن نيتي في هذا الرأي، فلا بأس من ان يضخ الاعلام كل مايشبع الانسان من حاجات كالموسيقى والغناء وكرة القدم، لكنها حين تستفحل وتتضاعف فهذا ما يؤشر حالة انحسار الثقافة الفكرية ونتاجاتها العالية وقيمها الجوهرية، ولربما هناك حاجة لبعض الفضائيات من خلال بث النماذج المتراجعة من هذا الشعر سواء كانت بدوافع قصدية أم
غيرها، فبأسم هذا الشعر الذي شهد تحولات كبرى على يد مظفر النواب في خمسينيات القرن الماضي تزامنا مع ثورة الشعر العربي الحديث على يد السياب ونازك وبلند الحيدري، اصبحت المتاجرة والمبالغات الزائفة وتضخم الـ(أنا) المغرقة بسذاجتها واستعراضاتها المجانية التي سرعان ما يفتضح امرها اثناء الحوارات الفردية منها والمشتركة، لاسيما ان نسبة غير قليلة من القائمين على وسائل اعلام شعر العامية هم من الذين يعانون من تراجع مخيف في الوعي والذائقة وفشل كبير في الاختيارات.
كاظم غيلان
بين حقبة وأخرى يتعرض شعر العامية العراقية لهزة ناجمة عن انتقادات لاتخلو من القسوة أحياناً، ففي نهاية سبعينيات القرن الماضي وتحت ذريعة مايسمى بقانون حماية اللغة العربية تم حجب الشعر الشعبي، الا ان الأسباب كانت خارجة عن الاطار الثقافي العراقي بشكل عام، حيث دخل ضمن تصفية حسابات لمرحلة اجهاض تجربة الجبهة الوطنية أو (الجبحة) على حد تسمية الفقيد شمران الياسري (ابو كاطع).
هذا من جانب ومن جانب آخر كان بسبب هزالة الذين يكتبون هذا اللون من المحسوبين على البعث مقارنة بالشعراء المحسوبين على اليسار العراقي الذين توجوا آخر منجزاتهم بمجموعتهم الشعرية المشتركة (قصايد للوطن والناس) التي صدرت تزامنا مع احتفالات الحزب الشيوعي العراقي بعيد ميلاده الاربعين، مع هذا توقف العمل بالقرار اعلاه مع بداية الحرب مع ايران اذ تم توظيف النماذج السيئة التي تفننت بخطابها العدواني الشاذ والبعيد عن كل قيم الجمال والوجدان، واستمرت المهرجانات التعبوية حتى نهاية الحرب اذ تسرحت قصائد(المعركة) مع المواليد التي تم تسريحها، وهذه النتيجة نوه عنها بشجاعة ووضوح الشاعر الراحل كاظم خبط في معرض اجاباته بحوار اجرته معه صحيفة الاتحاد التي كان يحرر صفحة الادب الشعبي فيها الصديق عادل العرداوي.
بعد متغير نيسان 2003 استثمر الشعراء الشعبيون فسحة الحرية ليقيموا مهرجاناتهم ويؤسسوا اتحاداتهم وروابطهم انسجاماُ مع مرحلة جديدة شهدها العراق، وبغض النظر عن اتقان البعض من الشعراء لأساليب تبديل الاقنعة والاستدارة بمعدلات سريعة جداً، تضاعفت النشاطات حتى اصبح الحيز الاعلامي لهذا الشعر مايفوق سائر الفنون والآداب.
الذي حصل أخيرا في عدد من المقالات الصحافية التي انتقدت موجة الفضائيات التي اسهمت في تراجع هذا اللون والهزالة التي وصلها بكل الطرق التي تثير القرف.
لقد وجدت في التوجه لكتابة هذا الرأي اشتراطات لعل في مقدمتها التخلي عن الانحياز المغلف بالعواطف الجاهزة والحماسة القبلية، فالانتقادات التي قرأتها كانت غاية في الدقة والرصد الموضوعي خاصة في مقالتي الصديقين الشاعرين والاعلاميين محمد غازي الأخرس وعبد الخالق كيطان. ومن قبلهما أعمدة الشاعر أحمد عبد الحسين. مع انني وطيلة عملي في ملحق ثقافة شعبية اشرت للعديد من الظواهر السلبية التي مارسها نفر من المتشاعرين كـ(شعراء الضحك/ شعراء الاعراس/ شعراء القوط ... والخ). بل وحتى عبر الفضائيات التي استضافتني، وقلت رأيي بصوت عال تناقلته العديد من وسائل الاعلام أثناء حفل توقيع مجموعتي الشعرية الاخيرة(لون الليالي صعب) الذي اقامه لي الاصدقاء في ملتقى الخميس الابداعي وبحضور رموز ثقافية عراقية معروفةحتى ان احد الخبثاء همس ممازحا( كاظم يريد ان يتبرأ من شعره الشعبي كبراءة الذئب من دم يوسف) والحقيقة هي ليست براءة، فالابداع عالم خاص لاعلاقة له بهذا الصخب والمجانية التي اساءت كثيرا لذائقة الانسان ووجدانه، بل وحتى لانتماءاته الفكرية بشكل عام، حيث وجدت ان هناك امتداداُ حقيقيا واضحا لثقافة العنف التي اشاعتها الحروب ومؤسساتها العسكرية والاعلامية.
تحضرني العديد من المصادر والوقائع التي تسعف ذاكرتي ولعل من ابرزها وأهمها ذلك الفصل الذي افرده الشاعر الكبير (أدونيس ) في كتابه القيم-( الخطاب- الحجاب – الكتاب) وهو الفصل الذي اسماه بـ(ثقافة الملعب) وهذا مايؤكد حسن نيتي في هذا الرأي، فلا بأس من ان يضخ الاعلام كل مايشبع الانسان من حاجات كالموسيقى والغناء وكرة القدم، لكنها حين تستفحل وتتضاعف فهذا ما يؤشر حالة انحسار الثقافة الفكرية ونتاجاتها العالية وقيمها الجوهرية، ولربما هناك حاجة لبعض الفضائيات من خلال بث النماذج المتراجعة من هذا الشعر سواء كانت بدوافع قصدية أم
غيرها، فبأسم هذا الشعر الذي شهد تحولات كبرى على يد مظفر النواب في خمسينيات القرن الماضي تزامنا مع ثورة الشعر العربي الحديث على يد السياب ونازك وبلند الحيدري، اصبحت المتاجرة والمبالغات الزائفة وتضخم الـ(أنا) المغرقة بسذاجتها واستعراضاتها المجانية التي سرعان ما يفتضح امرها اثناء الحوارات الفردية منها والمشتركة، لاسيما ان نسبة غير قليلة من القائمين على وسائل اعلام شعر العامية هم من الذين يعانون من تراجع مخيف في الوعي والذائقة وفشل كبير في الاختيارات.