نفترض أن البغدادية أخطأت
سرمد الطائي
البغدادية تتولى الترافع عن نفسها افضل مني ولست هنا في صدد الدفاع عنها وسط تساقط كل بارود الدنيا على رؤوسنا هذه اللحظة شرق بغداد وغربها. اريد هنا ان افترض جدلا ان القناة ارتكبت خطأ وليكن من "الكبائر" بمفهوم سلطتنا التنفيذية. سؤالي هو: اي خطأ يا ترى يمكن ان يبرر اغلاق تلفزيون خاص؟ اي خطأ يمكن ان يسمح بأن نشاهد ابناءنا من رجال الجيش والشرطة وهم يقفون بأسلحتهم على ابواب وسيلة إعلام، بينما الوطن بحاجة إليهم في اماكن اخرى يجري فيها استلاب سيادته وقتل مواطنيه وترويعهم؟
لا شيء يبرر طريقة الحكومة "المرتبكة" في التعامل مع ملف قناة البغدادية، حتى لو افترضنا ان هذا التلفزيون ارتكب "كبيرة الكبائر".
دعونا نفحص الاطراف المسؤولة. ان المواجهة قائمة الان بين البغدادية والحكومة وهيئة الاتصالات.
اما الحكومة فحكايتها معروفة. ونعرف جيدا ان الحكومة "لا ترتاح" لأي خطاب نقدي، فقد جربنا سيادة رئيس الوزراء وفريقه الذين يمتعضون من خطاب احتجاج نعتمده نحن صحفيو هذا البلد. جربنا كذلك السيد نوري المالكي وهو يصف متظاهري البصرة بأنهم "مشاغبون". شاهدته مرة وهو يصف الصحفيين الذين يتساءلون عن "المخصصات المالية للرئاسات الثلاث" بأنهم "من البعث والقاعدة". لا ادري هل نبهه احد من مستشاريه الى انه "يستعدي" وسائل الاعلام في العراق؟
نحن لا ننسى فذاكرتنا حديدية، رغم اننا مستعدون لتقبل العمل الذي يصحح العلاقة بين الساسة والصحفيين، وهو امر لم نلمسه بعد. اذن فالطرف الاول ليس ممن نعتب عليه كثيرا، وسيسمع طيلة ولايته، كلاما قاسيا من الصحفيين الذين يمارسون الكتابة بهدف التنبيه على الاخطاء الكارثية، ليكونوا وسيطا عصريا بين الجمهور والسلطة.
شعارنا ان على السلطة ان تسمع منا، كما اننا نسمع منها كل ما تريد قوله. وسنظل نسخر من اتهاماتها لنا بأننا "ذيول للبعث والقاعدة" رغم ان الاسرة الصحفية من ابرز ضحايا كل مجموعة لا تؤمن بالحرية.
اما الطرف الثاني في هذه المواجهة فهو هيئة الاتصالات التي يرأسها صديق من اسرة الصحافة والثقافة في هذا البلد. الاستاذ برهان الشاوي ليس غريبا عن اسرتنا الإعلامية، كما ان الزملاء المسؤولين في هيئة الاتصالات معظمهم اسماء معروفة من الوسط الثقافي والصحفي. ولذلك فإنني لا ازال انتظر منهم، ان يحاولوا تلافي الصورة التي نشاهدها حاليا، ومنع تكرار ان يتعامل الجيش والعسكر مع وسيلة إعلام. انا متأكد ان الزملاء في الهيئة لم يكونوا راضين عن رؤية العسكر على باب وسيلة اعلامية. هم صحفيون ايضا ولا يسعدهم ان يطرق جندي بابهم يوما. لكن كان هناك الف سيناريو للتعامل بشكل سلمي مع موضوع اعتراضات السلطة على اداء وسيلة اعلام. هناك قضاء في هذا البلد ومحكمة مختصة بقضايا النشر، كنت متشرفا بالمثول بين يدي قضاتها قبل ايام، وأتشرف ان أمثل امامهم الف مرة.
الرسالة التي نتسلمها نحن الصحفيون من طريقة تعامل السلطة مع هذه الملفات، سيئة للغاية. لا ادري من هو الذي يدلي باستشارات من هذا النوع لـ"الكبار المتنفذين" ويجعلهم يحولون الصحفيين الى اعداء، في لحظة تتطلب من الجميع ان ينشغلوا بالقضايا الحقيقية.
عنصر الارتباك في تعامل الحكومة مع الملفات الحساسة يثير فينا الغضب، لأن ارتباك الحكومة انهيار يسري في كل عروق الدولة اذا استمر. كل ملفاتنا الامنية كانت الحكومة تطرحها بشكل مرتبك. وبدل ان نسمع توضيحات فإننا نزداد غموضا. تتهم الحكومة طرفا بالإرهاب وتقول انها ستعرض ادلة، ثم لا تعرض شيئا. ويتكرر الامر ويتكرر. ما حكاية ارتباككم يا جماعة؟
ما نرجوه ان لا نحاول الانشغال باتهام وسيلة اعلام بأنها "تورطت مع الارهاب" بقدر ما ننشغل بضبط الامن ومعرفة الفاعلين الحقيقيين الذين يسرحون ويمرحون في كل مكان، ويفرغون على رؤوسنا كل بارود الدنيا. ليس المهم ان البغدادية اخطأت او لم تخطئ في نقلها كلام مرتكبي مجزرة الكنيسة. المهم ان نراجع اخطاءنا الامنية والسياسية التي "تسمح" لديناميت التاريخ ان يتجمع، ليفخخ الوطن وأبناءه وأحلامه دفعة واحدة.
سرمد الطائي
البغدادية تتولى الترافع عن نفسها افضل مني ولست هنا في صدد الدفاع عنها وسط تساقط كل بارود الدنيا على رؤوسنا هذه اللحظة شرق بغداد وغربها. اريد هنا ان افترض جدلا ان القناة ارتكبت خطأ وليكن من "الكبائر" بمفهوم سلطتنا التنفيذية. سؤالي هو: اي خطأ يا ترى يمكن ان يبرر اغلاق تلفزيون خاص؟ اي خطأ يمكن ان يسمح بأن نشاهد ابناءنا من رجال الجيش والشرطة وهم يقفون بأسلحتهم على ابواب وسيلة إعلام، بينما الوطن بحاجة إليهم في اماكن اخرى يجري فيها استلاب سيادته وقتل مواطنيه وترويعهم؟
لا شيء يبرر طريقة الحكومة "المرتبكة" في التعامل مع ملف قناة البغدادية، حتى لو افترضنا ان هذا التلفزيون ارتكب "كبيرة الكبائر".
دعونا نفحص الاطراف المسؤولة. ان المواجهة قائمة الان بين البغدادية والحكومة وهيئة الاتصالات.
اما الحكومة فحكايتها معروفة. ونعرف جيدا ان الحكومة "لا ترتاح" لأي خطاب نقدي، فقد جربنا سيادة رئيس الوزراء وفريقه الذين يمتعضون من خطاب احتجاج نعتمده نحن صحفيو هذا البلد. جربنا كذلك السيد نوري المالكي وهو يصف متظاهري البصرة بأنهم "مشاغبون". شاهدته مرة وهو يصف الصحفيين الذين يتساءلون عن "المخصصات المالية للرئاسات الثلاث" بأنهم "من البعث والقاعدة". لا ادري هل نبهه احد من مستشاريه الى انه "يستعدي" وسائل الاعلام في العراق؟
نحن لا ننسى فذاكرتنا حديدية، رغم اننا مستعدون لتقبل العمل الذي يصحح العلاقة بين الساسة والصحفيين، وهو امر لم نلمسه بعد. اذن فالطرف الاول ليس ممن نعتب عليه كثيرا، وسيسمع طيلة ولايته، كلاما قاسيا من الصحفيين الذين يمارسون الكتابة بهدف التنبيه على الاخطاء الكارثية، ليكونوا وسيطا عصريا بين الجمهور والسلطة.
شعارنا ان على السلطة ان تسمع منا، كما اننا نسمع منها كل ما تريد قوله. وسنظل نسخر من اتهاماتها لنا بأننا "ذيول للبعث والقاعدة" رغم ان الاسرة الصحفية من ابرز ضحايا كل مجموعة لا تؤمن بالحرية.
اما الطرف الثاني في هذه المواجهة فهو هيئة الاتصالات التي يرأسها صديق من اسرة الصحافة والثقافة في هذا البلد. الاستاذ برهان الشاوي ليس غريبا عن اسرتنا الإعلامية، كما ان الزملاء المسؤولين في هيئة الاتصالات معظمهم اسماء معروفة من الوسط الثقافي والصحفي. ولذلك فإنني لا ازال انتظر منهم، ان يحاولوا تلافي الصورة التي نشاهدها حاليا، ومنع تكرار ان يتعامل الجيش والعسكر مع وسيلة إعلام. انا متأكد ان الزملاء في الهيئة لم يكونوا راضين عن رؤية العسكر على باب وسيلة اعلامية. هم صحفيون ايضا ولا يسعدهم ان يطرق جندي بابهم يوما. لكن كان هناك الف سيناريو للتعامل بشكل سلمي مع موضوع اعتراضات السلطة على اداء وسيلة اعلام. هناك قضاء في هذا البلد ومحكمة مختصة بقضايا النشر، كنت متشرفا بالمثول بين يدي قضاتها قبل ايام، وأتشرف ان أمثل امامهم الف مرة.
الرسالة التي نتسلمها نحن الصحفيون من طريقة تعامل السلطة مع هذه الملفات، سيئة للغاية. لا ادري من هو الذي يدلي باستشارات من هذا النوع لـ"الكبار المتنفذين" ويجعلهم يحولون الصحفيين الى اعداء، في لحظة تتطلب من الجميع ان ينشغلوا بالقضايا الحقيقية.
عنصر الارتباك في تعامل الحكومة مع الملفات الحساسة يثير فينا الغضب، لأن ارتباك الحكومة انهيار يسري في كل عروق الدولة اذا استمر. كل ملفاتنا الامنية كانت الحكومة تطرحها بشكل مرتبك. وبدل ان نسمع توضيحات فإننا نزداد غموضا. تتهم الحكومة طرفا بالإرهاب وتقول انها ستعرض ادلة، ثم لا تعرض شيئا. ويتكرر الامر ويتكرر. ما حكاية ارتباككم يا جماعة؟
ما نرجوه ان لا نحاول الانشغال باتهام وسيلة اعلام بأنها "تورطت مع الارهاب" بقدر ما ننشغل بضبط الامن ومعرفة الفاعلين الحقيقيين الذين يسرحون ويمرحون في كل مكان، ويفرغون على رؤوسنا كل بارود الدنيا. ليس المهم ان البغدادية اخطأت او لم تخطئ في نقلها كلام مرتكبي مجزرة الكنيسة. المهم ان نراجع اخطاءنا الامنية والسياسية التي "تسمح" لديناميت التاريخ ان يتجمع، ليفخخ الوطن وأبناءه وأحلامه دفعة واحدة.