المبادرة السعودية لانقاذ العملية السياسية العراقية من الاستعصاء الحاصل تشكل المقاربة العربية الاكثر نضجا في التعاطي مع الملف العراقي منذ التاسع من نيسان عام 2003 فالمبادرة أتت لتدعو قادة الكتل البرلمانية الأساسية للتحاور بشأن تشكيل حكومة لأربعة أعوام مقبلة وهذه الدعوة لا يمكن قراءتها خارج سياق البحث الجاد عن حل توافقي للازمة العراقية خصوصا وان المبادرة لم تضع مسبقا جدول أعمال اللقاء ولا سقوف مفترضة للنتائج التي قد يتمخض عنها. اذن السعودية هنا وفرت الشروط الموضوعية لانجاح اللقاء ولم تفرض رؤى على أي من أطراف العملية السياسية بعكس قوى اقليمية ودولية اخرى التي ارادت وتريد ان تلون العملية السياسية بلون خاص يعكس نفوذ هذه العاصمة او تلك في العراق. العراق لا يمكن ان يبقى مختطفا لقوى طائفية تعمل لغير صالح بلادها بل وتحاول توظيف امكاناته الهائلة لتعزيز الحضور الاقليمي لمرجعيتها السياسية والطائفية التي تقبع خارج حدود الوطن العراقي، فالعراق بما يمثله من وزن اقليمي وقوته البشرية والاقتصادية لا يمكن ان يتحول الى دويلة طائفية تدور في فلك احد، والتنوع في العراق سواء الاثني او الديني لا يمكن الا ان يكون عنصر قوة اضافية لهذا البلد الكبير ومن يستثمر في طائفة ليضرب الاخرى خدمة لأجندته فانه سيجد نفسه في نهاية المطاف طرفا معاديا للعراق برمته وهو ما لم تفهمه بعد القوى الطائفية حتى الآن. لا تزال «الأغلبية الحاكمة» تفكر ضمن عقلية الأقلية المضطهدة بالرغم من امتلاكها للسلطة على مدى الأعوام السبعة الماضية وهذه العقلية الاقلوية التي تحكم التفكير لدى الأكثرية وتلك النزعة التي تحاول تأبيد فكرة «المظلومية» اختزلت العراق الكبير في طقس طائفي الأمر الذي شكل مركب نقص تاريخيا لدى هذا المكون السياسي الاساسي في العراق. يخسر هؤلاء على المستوى الاستراتيجي اذا ما واصلوا رفض اليد العربية التي تمتد لانقاذهم فخسارتهم الاولى ستكون في مواقعهم ولدى قواعدهم الشعبية التي تعبت من جراء مواصلة الشحن والتجييش الطائفي واختزال البلد في طائفة والخسارة الثانية تتصل في كونهم سيبقون في نظر قادة الجارة الطموحة مجرد جسر للعبور الى امة اخرى لا يرقون الى مستوى الحلفاء. المبادرة السعودية اذا ما لقيت مباركة عربية فانها ستشكل رافعة تاريخية لاستعادة العراق الذي خسره العرب جراء غيابه مثلما خسر العراق نفسه جراء غياب العرب عنه، واذا ما استطاعت القوى الطائفية افشال مبادرة الرياض فان العراق سيبقى حديقة خلفية لايران لاربعة اعوام اخرى على اقل تقدير من هنا فان المباركة أمر حيوي لاعطاء مبادرة الرياض زخما اضافيا يكرسها كمبادرة تمثل كل العرب في سعيهم لاستعادة العراق.
انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل