المناطق الشعبية بالبصرة فقر مدقع وصداقة أبدية مع الحرمان
تطوق المدينة بود ثقيل وتتغلغل في أحشائها بإصرار فج.. تلك أحزمة الفقر في البصرة محلات بعضها اكبر من مدن يسكنها أكثر من نصف نفوس البصرة ،
فمدينة الحيانية وحدها تزدحم بأكثر من 200الفا والقبلة تربو على هذا العدد وخمس ميل والجمهورية لا يقل سكان أحداها على 100 ألف ..
والمار عليها سيفاجأ بالذي يراه سيخال إن الذي أمامه أمكنه منحدرة من أزمنة سحيقة ، بيوت راسية على طبقات أنقاض وخرائب ومستنقعات ومياه آسنة وتلال من الأزبال ، وأحوال لا انتظام بشري فيها، ، وأكوام متكدسة من الناس الذابلين كأنهم عائدون من حرب لم تنته بعد، أو كأن لم يسكن هذا المكان بشر من قبل البتة. عُدّتْ مِراراً وتكراراً معقلاً ومصدراً ومرتعاً سخياً للشهداء، والفقراء، والضحايا. كان أبناؤها متهمين على الدوام بخيانتهم للبعث وصدام. وقد نخرت سنوات الثمانينات والتسعينات من جراء ذلك عظام الآباء والأمهات حين ألقى صدام حسين أبناءهم في آتون حروب كأنها امتدت لقرون . وهي المحلات ذاتها المنسية في هذه الأيام أيضاً.
قال الباحث والأكاديمي بجامعة البصرة محمد عطوان " المناطق الشعبية في البصرة كأنها تجمعات سكنية نساها التأريخ، لا تملك حينما تمر بها إلا أن تغرق في شجن باهظ، مشوب بوحشية وذاكرة محمومة بألوان من الألم، لأن أهالي هذه الأمكنة قمعوا من قبل جميع الحكومات السابقة وكانوا وقودا للفقر والحروب والبؤس والآمال الكاذبة، والآن وبعد رحيل النظام السابق مَسّتهم الشفاعة بعد حين كغيرهم، أو حشروا للدخول إلى زمن التحولات الديمقراطية الجديد".
وأضاف "قيل لهم، أو كما شاهدوا بأم أعينهم أن صدام حسين قد سقط وأن لا عودة له ولاضطهاده بعد، وان زمناً جديدا وضاءً سيشمل المدينة بنعمائه. غير أن الأمور لم تجر بما رغبوا ، فبقوا على حالهم ومناطقهم تئن من جراحات ماض لا عد لها، مُدّهنة بسخام الحروب، ومُسرطّنة أنفاسها بروائح المجاري الثقيلة، المجاري التي لا صلاح لها، طافحة ابدا بما تخلفه لياليهم وأيامهم النهمة".
كلها متشابهة وقال خضر حسن معلم 57 عاما " فتحنا أعيننا على عوالم هذه الأمكنة ولم نعرف سواها وقد ألفنا اكتظاظها القسري بالناس، وبيوتها الضيقة...ورعوية شوارعها ..و روائح مجاريها التي تجري كأنهار صغيرة مكشوفة تنشر روائحها التي تتعاظم في الصيف وتشعر اشد الناس تحملا بالإغماء و الغثيان".
وأضاف " بيوتها متشابهة..وحتى بشرها متشابهون فهم منحدرون جميعا من رحم الفقر والحرمان .. ومضمخون بالفاقة والعوز الأبدي على الرغم من إن هؤلاء هم صناع الحياة فهم البناءون والحرفيون وصغار الموظفين والكسبة، لكنهم بقوا وعلى الدوام على هامش الحياة الذي حدده الحكام الذين كانوا في اغلبهم من الطغاة ..فخلت بيوتهم الخشنة من ابسط المستلزمات..وغابت الخدمات بكل أشكالها عن شوارعهم ومدارسهم ومستوصفا تهم ..ولكن دائرة الفقر المحكم هذه لم تمنع من أن يكون أبناء هذه المدن والمحلات من المع السياسيين والفنانين والصحفيين والأدباء فمدنية الجمهورية وحدها أنجبت العشرات من الفنانين والأدباء والصحفيين والمئات من السياسيين البارزين وتشاركها باقي المحلات في مدائح الفخر بالأبناء".
وذكر حسن أن "ابرز معالم هذه المناطق الشعبية هو أسواقها فهي ضاجة وصاخبة على الدوام..يمتزج فيها نداء الباعة بفيض أشرطة الكاسيت.. بثرثرات رجال ونساء لاتنتهي . .ولعل أول ما يلفت انتباهك إن اغلب الباعة من النساء ؛ بائعات خضار ..بائعات فواكه ..بائعات ملابس ..بائعات سمك..بائعات أي شيء ..عباءاتهن مضمخة بالطين ، وملفعات وجوههن بالسواد، كأنهن رجال من الطوارق، ينتمين إلى زمن سالف، سليطات اللسان، منهن أرامل، وكافلات للعيال واليتامى، روائح (الزفر) تنبثق من هذا المدخل لترسخ عفونتها في مسامات أردية المارّة".
وتابع وفي ذروة هذه الأسواق "ستجد نفسك مأسوراً، مذهِولاً، بين لفيف من باعة الحبوب المخدِرة والترياق والحشيش، يختارون أمكنة بعلامات دالة لجلب الزبائن ولا يخشون الشرطة كثيرا فلهم معهم اتفاقات سرية تتجدد بين الحين والآخر ارتباطا بسوق صرف العملة الذي أصبح ضروريا لكل سوق في هذه المحلات الشعبية وليس بعيدا عنها".
فيما قال الناشط السياسي احمد عبود الساري " بعد انهيار النظام السابق، وتنامي هامش الحرية ، ازدهرت في هذه المناطق صناعة الأفكار المختلفة، ولكن الأفكار الدينية تتسيد الموقف فهنا يتقاتل الشبان اليافعون فيما بينهم على المذاهب والنحل والملل، وكلهم سياسيون أو فقهاء، فهذا صدري والآخر بدري او من المجلس والثالث من أنصار الصرخي أو من جماعة اليماني، وتنصلب العلمانية عندهم كل يوم على مصلب البقالين وباعة البراغي، ونجاري كناتير صفوان، وتتصاعد عند رأس كل شارع أنغام اللطميات وسونيتات الشعر المُحيية لسِفر الإمام الشاب مقتدى الصدر".
وأضاف "وموسم الكوميديا لدى هؤلاء هو تأسيس المواكب الحسينية والرحيل مشيا إلى كربلاء. فهذه المحلات تعشق ضرب الزنجيل". مستدركا "ولكن بعضهم وخصوصا الذين تجاوزوا مرحلة الشباب يتحدثون في القضايا السياسية الكبرى، عن الفدرالية واللامركزية ومنح صلاحيات واسعة للمجالس المحلية وزيادة عدد الممثليات الدبلوماسية في الخارج، وكأنهم لا يسبحون بحر من الفضلات والنجاسات".
وذكر علي ناجي محمد 44 عاما صحفي " كان سكان هذه المناطق التي نسميها أحزمة الفقراء أكثر الناس فرحا برحيل النظام السابق فهم أكثر ضحاياه ضررا وبؤسا ..ضنوا أنها خاتمة سفرهم الدائم مع الفقر ونهاية صلحهم الأزلي مع الحرمان ..فأشرقت قلوبهم بالآمال العريضة وزغردت أحلامهم لغد قادم يمنحهم الفرصة للعيش بشروط إنسانية جديدة بعيدة عن المعاناة والإهمال والحاجة الدائمة لكل مستلزمات الحياة الكريمة".
وأضاف ولكن هاهي السنة السابعة تمر لتلتحق بسابقاتها ولم يتغير شيء بل ازداد الأمر سوءا ودخلوا في متواليات جديدة من نقص الخدمات كهرباء وماء وخدمات بلدية وخدمات صحية .. فالكهرباء لا تزورهم في اليوم إلا ساعات معدودة.مما جعلهم ينتفضون قبل نحو ثلاثة أشهر لتواجههم القوى الامنية ومن وراءها الحكومة بالرصاص، وليسقط عدد جديد من أبنائها ليلتحقوا بالجيش الجرار لضحاياهم الذين يعصون عن الحساب والعد".
وتابع " وحتى المساعدات أو المنح من منظمات إنسانية ودول مانحة ذهبت في غياهب جيوب مقاولين أو مسؤولين فاسدين ... ففي منطقة الكزيزة التي تقع شمالي المدينة ، خصصت منحة أمريكية تقارب الأربعة ملايين دولار لعمل شبكة المجاري ، فكانت النتيجة أن مشروع المجاري الجديد خرب المشروع السابق وظلت هذه المنطقة تسبح في بحر من فضلات أهاليها بين فترة وأخرى "وشلع المقاول" النشمي".
وختم محمد ".وعلى الرغم من إن الكثير من أعضاء الحكومة المحلية هم من أبناء هذه المحلات أو المدن الشعبية والذين يكثرون الزيارات لها وخصوصا في المواسم الانتخابية، ويسبغون والوعود التي تهطل كالغيث، لكن شيئا لم يتحقق ولم يتغير شيء من مفردات حياتهم التي تحاكي حياة عصور سالفة فأدمنوا عدم الثقة والعداء للحكومة، وانزاحوا من دائرة التفاؤل وركنوا إلى تأريخهم الطويل من الصبر".
تطوق المدينة بود ثقيل وتتغلغل في أحشائها بإصرار فج.. تلك أحزمة الفقر في البصرة محلات بعضها اكبر من مدن يسكنها أكثر من نصف نفوس البصرة ،
فمدينة الحيانية وحدها تزدحم بأكثر من 200الفا والقبلة تربو على هذا العدد وخمس ميل والجمهورية لا يقل سكان أحداها على 100 ألف ..
والمار عليها سيفاجأ بالذي يراه سيخال إن الذي أمامه أمكنه منحدرة من أزمنة سحيقة ، بيوت راسية على طبقات أنقاض وخرائب ومستنقعات ومياه آسنة وتلال من الأزبال ، وأحوال لا انتظام بشري فيها، ، وأكوام متكدسة من الناس الذابلين كأنهم عائدون من حرب لم تنته بعد، أو كأن لم يسكن هذا المكان بشر من قبل البتة. عُدّتْ مِراراً وتكراراً معقلاً ومصدراً ومرتعاً سخياً للشهداء، والفقراء، والضحايا. كان أبناؤها متهمين على الدوام بخيانتهم للبعث وصدام. وقد نخرت سنوات الثمانينات والتسعينات من جراء ذلك عظام الآباء والأمهات حين ألقى صدام حسين أبناءهم في آتون حروب كأنها امتدت لقرون . وهي المحلات ذاتها المنسية في هذه الأيام أيضاً.
قال الباحث والأكاديمي بجامعة البصرة محمد عطوان " المناطق الشعبية في البصرة كأنها تجمعات سكنية نساها التأريخ، لا تملك حينما تمر بها إلا أن تغرق في شجن باهظ، مشوب بوحشية وذاكرة محمومة بألوان من الألم، لأن أهالي هذه الأمكنة قمعوا من قبل جميع الحكومات السابقة وكانوا وقودا للفقر والحروب والبؤس والآمال الكاذبة، والآن وبعد رحيل النظام السابق مَسّتهم الشفاعة بعد حين كغيرهم، أو حشروا للدخول إلى زمن التحولات الديمقراطية الجديد".
وأضاف "قيل لهم، أو كما شاهدوا بأم أعينهم أن صدام حسين قد سقط وأن لا عودة له ولاضطهاده بعد، وان زمناً جديدا وضاءً سيشمل المدينة بنعمائه. غير أن الأمور لم تجر بما رغبوا ، فبقوا على حالهم ومناطقهم تئن من جراحات ماض لا عد لها، مُدّهنة بسخام الحروب، ومُسرطّنة أنفاسها بروائح المجاري الثقيلة، المجاري التي لا صلاح لها، طافحة ابدا بما تخلفه لياليهم وأيامهم النهمة".
كلها متشابهة وقال خضر حسن معلم 57 عاما " فتحنا أعيننا على عوالم هذه الأمكنة ولم نعرف سواها وقد ألفنا اكتظاظها القسري بالناس، وبيوتها الضيقة...ورعوية شوارعها ..و روائح مجاريها التي تجري كأنهار صغيرة مكشوفة تنشر روائحها التي تتعاظم في الصيف وتشعر اشد الناس تحملا بالإغماء و الغثيان".
وأضاف " بيوتها متشابهة..وحتى بشرها متشابهون فهم منحدرون جميعا من رحم الفقر والحرمان .. ومضمخون بالفاقة والعوز الأبدي على الرغم من إن هؤلاء هم صناع الحياة فهم البناءون والحرفيون وصغار الموظفين والكسبة، لكنهم بقوا وعلى الدوام على هامش الحياة الذي حدده الحكام الذين كانوا في اغلبهم من الطغاة ..فخلت بيوتهم الخشنة من ابسط المستلزمات..وغابت الخدمات بكل أشكالها عن شوارعهم ومدارسهم ومستوصفا تهم ..ولكن دائرة الفقر المحكم هذه لم تمنع من أن يكون أبناء هذه المدن والمحلات من المع السياسيين والفنانين والصحفيين والأدباء فمدنية الجمهورية وحدها أنجبت العشرات من الفنانين والأدباء والصحفيين والمئات من السياسيين البارزين وتشاركها باقي المحلات في مدائح الفخر بالأبناء".
وذكر حسن أن "ابرز معالم هذه المناطق الشعبية هو أسواقها فهي ضاجة وصاخبة على الدوام..يمتزج فيها نداء الباعة بفيض أشرطة الكاسيت.. بثرثرات رجال ونساء لاتنتهي . .ولعل أول ما يلفت انتباهك إن اغلب الباعة من النساء ؛ بائعات خضار ..بائعات فواكه ..بائعات ملابس ..بائعات سمك..بائعات أي شيء ..عباءاتهن مضمخة بالطين ، وملفعات وجوههن بالسواد، كأنهن رجال من الطوارق، ينتمين إلى زمن سالف، سليطات اللسان، منهن أرامل، وكافلات للعيال واليتامى، روائح (الزفر) تنبثق من هذا المدخل لترسخ عفونتها في مسامات أردية المارّة".
وتابع وفي ذروة هذه الأسواق "ستجد نفسك مأسوراً، مذهِولاً، بين لفيف من باعة الحبوب المخدِرة والترياق والحشيش، يختارون أمكنة بعلامات دالة لجلب الزبائن ولا يخشون الشرطة كثيرا فلهم معهم اتفاقات سرية تتجدد بين الحين والآخر ارتباطا بسوق صرف العملة الذي أصبح ضروريا لكل سوق في هذه المحلات الشعبية وليس بعيدا عنها".
فيما قال الناشط السياسي احمد عبود الساري " بعد انهيار النظام السابق، وتنامي هامش الحرية ، ازدهرت في هذه المناطق صناعة الأفكار المختلفة، ولكن الأفكار الدينية تتسيد الموقف فهنا يتقاتل الشبان اليافعون فيما بينهم على المذاهب والنحل والملل، وكلهم سياسيون أو فقهاء، فهذا صدري والآخر بدري او من المجلس والثالث من أنصار الصرخي أو من جماعة اليماني، وتنصلب العلمانية عندهم كل يوم على مصلب البقالين وباعة البراغي، ونجاري كناتير صفوان، وتتصاعد عند رأس كل شارع أنغام اللطميات وسونيتات الشعر المُحيية لسِفر الإمام الشاب مقتدى الصدر".
وأضاف "وموسم الكوميديا لدى هؤلاء هو تأسيس المواكب الحسينية والرحيل مشيا إلى كربلاء. فهذه المحلات تعشق ضرب الزنجيل". مستدركا "ولكن بعضهم وخصوصا الذين تجاوزوا مرحلة الشباب يتحدثون في القضايا السياسية الكبرى، عن الفدرالية واللامركزية ومنح صلاحيات واسعة للمجالس المحلية وزيادة عدد الممثليات الدبلوماسية في الخارج، وكأنهم لا يسبحون بحر من الفضلات والنجاسات".
وذكر علي ناجي محمد 44 عاما صحفي " كان سكان هذه المناطق التي نسميها أحزمة الفقراء أكثر الناس فرحا برحيل النظام السابق فهم أكثر ضحاياه ضررا وبؤسا ..ضنوا أنها خاتمة سفرهم الدائم مع الفقر ونهاية صلحهم الأزلي مع الحرمان ..فأشرقت قلوبهم بالآمال العريضة وزغردت أحلامهم لغد قادم يمنحهم الفرصة للعيش بشروط إنسانية جديدة بعيدة عن المعاناة والإهمال والحاجة الدائمة لكل مستلزمات الحياة الكريمة".
وأضاف ولكن هاهي السنة السابعة تمر لتلتحق بسابقاتها ولم يتغير شيء بل ازداد الأمر سوءا ودخلوا في متواليات جديدة من نقص الخدمات كهرباء وماء وخدمات بلدية وخدمات صحية .. فالكهرباء لا تزورهم في اليوم إلا ساعات معدودة.مما جعلهم ينتفضون قبل نحو ثلاثة أشهر لتواجههم القوى الامنية ومن وراءها الحكومة بالرصاص، وليسقط عدد جديد من أبنائها ليلتحقوا بالجيش الجرار لضحاياهم الذين يعصون عن الحساب والعد".
وتابع " وحتى المساعدات أو المنح من منظمات إنسانية ودول مانحة ذهبت في غياهب جيوب مقاولين أو مسؤولين فاسدين ... ففي منطقة الكزيزة التي تقع شمالي المدينة ، خصصت منحة أمريكية تقارب الأربعة ملايين دولار لعمل شبكة المجاري ، فكانت النتيجة أن مشروع المجاري الجديد خرب المشروع السابق وظلت هذه المنطقة تسبح في بحر من فضلات أهاليها بين فترة وأخرى "وشلع المقاول" النشمي".
وختم محمد ".وعلى الرغم من إن الكثير من أعضاء الحكومة المحلية هم من أبناء هذه المحلات أو المدن الشعبية والذين يكثرون الزيارات لها وخصوصا في المواسم الانتخابية، ويسبغون والوعود التي تهطل كالغيث، لكن شيئا لم يتحقق ولم يتغير شيء من مفردات حياتهم التي تحاكي حياة عصور سالفة فأدمنوا عدم الثقة والعداء للحكومة، وانزاحوا من دائرة التفاؤل وركنوا إلى تأريخهم الطويل من الصبر".