التستر في زمن الفضاحيات
هل مضى زمن الستر و حل زمن الفضح؟ هل مضى زمن السيدات التي تعشش وتلملم وتستر ليحل محله زمن سيدات الفضاحيات بكل قناوتها.. السيدات اللائي يعملن في الترويج لقيم ال "فريند*****" .. قائدات العمل النسائي الحر - سواء العمل الليلي أو الصباحي
أتذكر دعوات أجدادنا لنا بالستروالعافية، ولا أنسى المقولات الشعبية والتي ربما أوشكت أن تندثر في عصرتلفزيون الواقع، حين كان يقوم كبار العائلة بالدعاء لأبنائهم قائلين: "ربنا يهدي سركم"، لأن السر لو هاج وماج و تفشى وانتشر؛ خربت البيوت و انهار العش الهادئ. فكم من رجل رمى يمين طلاق على زوجته لأنه قد وصل إلى مسمعه أنها أخبرت أهلها أنه يتعالج من أجل الإنجاب، وكم من زوجة طلبت الطلاق من زوجها لأن - أولاد الحلال- قد أخبروها أن زوجها يقيم علاقة أثمة.
و رغم أن ثقافتنا العربية والإسلامية كانت تحتفي بالستر، تدعو به أمهاتنا، ويروج له جدودنا لهم ولأولادهم ولأحفادهم، حتى يكونوا من المستورين من منطلق أن البيوت أسرار وأن العلاقة الزوجية مبنية على فكرة أن على الزوجين أن يعششوا ويلملموا، لا يفضحوا ويهتكوا، إلا أن الوضع قد تغير اليوم بحيث نستطيع أن نتحدث عن انتشار ظاهرة كشف عورات البيوت و –للأسف- بيد أهل الدار أنفسهم! وقديما قال الشاعر:
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه فصدر الذي يستودع السر أضيق
وربما تتعدد أسباب انتشار هذه الظاهرة، فقد يكون الاعتياد على الثرثرة سواء بين السيدات و-حديثاً - بين بعض فئات من الرجال أحد تلك الأسباب، وربما لأن البعض لا يشعر أن فلاناً صديق له إلا إذا اختصه بسر من أسرار بيته! فيصبح عربون الصداقة موثقا ومعترفاُ به وساري المفعول، إذا حدثت فلانة رفيقتها عن المكائد التي تدار لها من قبل حماتها وسلائفها أو إذا حدث فلان زميله عن العذاب الذي يلاقيه من قبل زوجته وأمها. بل و قد سمعت بنفسي سيدة تعاتب صديقتها بقسوة لأنها لم تطلعها على سبب تأخر إنجابها وقالت لها بالحرف: وهل هنت عليك كي تجعليني أعرف الخبر من غيرك؟! والأغرب كان اعتذار الأولى عن ذنب كتمانها هذا السر وخلقها لعدة تبريرات كي تشفع لها
!!
إلا أن الأرجح في انتشار هذه الظاهرة هو عدم رسوخ معنى حرمة البيت في قيمنا، فالرجل إلي وقت قريب كان يقول فلانة حرمي، أي زوجتي وربما لا زالت هذه العبارة تتداول بين الناس، ولكن- للأسف- دون الحرص على فهم معناها. فكما أن للبيت العتيق حرمة عظمى في عقيدتنا، فإن حرمة المسلم أشد وأغلى على الله من حرمة بيته الحرام. إلا أننا نعيش في إطار ثقافة تسمح للفرد بستر العديد من الأمور الحياتية العادية كالسفر والعمل من باب "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان"، أو "داري على شمعتك" كما يقول المثل المصري. دون أن ينسحب مفهوم الستر في ثقافتنا إلى ستر الذنب والمعصية. فكم تباهى رجل بذنوب تمس شرفه وكم تفاخرت امرأة أنها خدعت زوجها وألبسته عمة البهلوان
و إذا كانت ثقافة الماضي تغني برائعة جبران
من باح بالأسرار يشابه الأحمق فالصمت والكتمان أحرى بمن يعشق
فإن ثقافة اليوم تسمح بستر مشاعر الود بين الأزواج والتعويض عنها بإشاعة الفاحشة وبالكشف عن حب الحرام وكشف عورات العلاقات المشبوهة والآثمة. مع معرفة عموم الناس بما نهى الله تعالى عنه في سورة النور من "إشاعة الفاحشة" "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ". و شتان بين نهج النبي في "ما بال أقوام" والتناول المثير للمشاكل والحرص على اختيار العناوين الساخنة لها، ثم إتاحتها في السوق الصحفي بأبخس الأثمان
و لقد وضع خبراء التنمية البشرية نظرية هامة تعرف بالرياضة الذهنية
Mental gymnastic
و هي وسيلة تربوية يلجأ لها الأطباء النفسيين كي يدربوا المعنيين بكيفية الصمود أمام فضول البباردزي أو المتلصصين لمعرفة أسرار البيوت و تزويدهم بوسائل التصدي لحماية أسرار العائلة كي لا تكون أخبار البيت مضغة على الأسنة يتناقلها الفارغين من الناس لدواعي التسلية و تمضية أوقات الفراغ
و قد حذر الرسول الزوجين من أن يفشي أحدهما سر الآخر سواء أسرار البيت والأسرار المالية وأشدها أسرار الفراش وقال إن من أشر الناس يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم يفشي سرها". كما نقل الشيخ الغزالي عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق زوجته فقيل له : ما الذي يريبك فيها؟ فقال: العاقل لا يهتك سر امرأته، فلما طلقها قيل له": لما طلقتها؟ فقال مالي وامرأة غيري
في الختام نعود إلى ما بدأنا به؛ حديث رسول الله "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة" كما ورد عن عمر بن عبد العزيز قوله: الصدور خزائن الأسرار والشفاه أقفالها والألسن مفاتيحها، فليحفظ كل امرئ مفتايح سره
أما فولتير فيقول: كشف المرء سره.. حماقة وكشفه لسر غيره ..خيانة. وأخيراً فإن سرك من دمك فانظر أين تريقه.
داليا الحديدي
كاتبة صحفية
هل مضى زمن الستر و حل زمن الفضح؟ هل مضى زمن السيدات التي تعشش وتلملم وتستر ليحل محله زمن سيدات الفضاحيات بكل قناوتها.. السيدات اللائي يعملن في الترويج لقيم ال "فريند*****" .. قائدات العمل النسائي الحر - سواء العمل الليلي أو الصباحي
أتذكر دعوات أجدادنا لنا بالستروالعافية، ولا أنسى المقولات الشعبية والتي ربما أوشكت أن تندثر في عصرتلفزيون الواقع، حين كان يقوم كبار العائلة بالدعاء لأبنائهم قائلين: "ربنا يهدي سركم"، لأن السر لو هاج وماج و تفشى وانتشر؛ خربت البيوت و انهار العش الهادئ. فكم من رجل رمى يمين طلاق على زوجته لأنه قد وصل إلى مسمعه أنها أخبرت أهلها أنه يتعالج من أجل الإنجاب، وكم من زوجة طلبت الطلاق من زوجها لأن - أولاد الحلال- قد أخبروها أن زوجها يقيم علاقة أثمة.
و رغم أن ثقافتنا العربية والإسلامية كانت تحتفي بالستر، تدعو به أمهاتنا، ويروج له جدودنا لهم ولأولادهم ولأحفادهم، حتى يكونوا من المستورين من منطلق أن البيوت أسرار وأن العلاقة الزوجية مبنية على فكرة أن على الزوجين أن يعششوا ويلملموا، لا يفضحوا ويهتكوا، إلا أن الوضع قد تغير اليوم بحيث نستطيع أن نتحدث عن انتشار ظاهرة كشف عورات البيوت و –للأسف- بيد أهل الدار أنفسهم! وقديما قال الشاعر:
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه فصدر الذي يستودع السر أضيق
وربما تتعدد أسباب انتشار هذه الظاهرة، فقد يكون الاعتياد على الثرثرة سواء بين السيدات و-حديثاً - بين بعض فئات من الرجال أحد تلك الأسباب، وربما لأن البعض لا يشعر أن فلاناً صديق له إلا إذا اختصه بسر من أسرار بيته! فيصبح عربون الصداقة موثقا ومعترفاُ به وساري المفعول، إذا حدثت فلانة رفيقتها عن المكائد التي تدار لها من قبل حماتها وسلائفها أو إذا حدث فلان زميله عن العذاب الذي يلاقيه من قبل زوجته وأمها. بل و قد سمعت بنفسي سيدة تعاتب صديقتها بقسوة لأنها لم تطلعها على سبب تأخر إنجابها وقالت لها بالحرف: وهل هنت عليك كي تجعليني أعرف الخبر من غيرك؟! والأغرب كان اعتذار الأولى عن ذنب كتمانها هذا السر وخلقها لعدة تبريرات كي تشفع لها
!!
إلا أن الأرجح في انتشار هذه الظاهرة هو عدم رسوخ معنى حرمة البيت في قيمنا، فالرجل إلي وقت قريب كان يقول فلانة حرمي، أي زوجتي وربما لا زالت هذه العبارة تتداول بين الناس، ولكن- للأسف- دون الحرص على فهم معناها. فكما أن للبيت العتيق حرمة عظمى في عقيدتنا، فإن حرمة المسلم أشد وأغلى على الله من حرمة بيته الحرام. إلا أننا نعيش في إطار ثقافة تسمح للفرد بستر العديد من الأمور الحياتية العادية كالسفر والعمل من باب "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان"، أو "داري على شمعتك" كما يقول المثل المصري. دون أن ينسحب مفهوم الستر في ثقافتنا إلى ستر الذنب والمعصية. فكم تباهى رجل بذنوب تمس شرفه وكم تفاخرت امرأة أنها خدعت زوجها وألبسته عمة البهلوان
و إذا كانت ثقافة الماضي تغني برائعة جبران
من باح بالأسرار يشابه الأحمق فالصمت والكتمان أحرى بمن يعشق
فإن ثقافة اليوم تسمح بستر مشاعر الود بين الأزواج والتعويض عنها بإشاعة الفاحشة وبالكشف عن حب الحرام وكشف عورات العلاقات المشبوهة والآثمة. مع معرفة عموم الناس بما نهى الله تعالى عنه في سورة النور من "إشاعة الفاحشة" "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ". و شتان بين نهج النبي في "ما بال أقوام" والتناول المثير للمشاكل والحرص على اختيار العناوين الساخنة لها، ثم إتاحتها في السوق الصحفي بأبخس الأثمان
و لقد وضع خبراء التنمية البشرية نظرية هامة تعرف بالرياضة الذهنية
Mental gymnastic
و هي وسيلة تربوية يلجأ لها الأطباء النفسيين كي يدربوا المعنيين بكيفية الصمود أمام فضول البباردزي أو المتلصصين لمعرفة أسرار البيوت و تزويدهم بوسائل التصدي لحماية أسرار العائلة كي لا تكون أخبار البيت مضغة على الأسنة يتناقلها الفارغين من الناس لدواعي التسلية و تمضية أوقات الفراغ
و قد حذر الرسول الزوجين من أن يفشي أحدهما سر الآخر سواء أسرار البيت والأسرار المالية وأشدها أسرار الفراش وقال إن من أشر الناس يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم يفشي سرها". كما نقل الشيخ الغزالي عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق زوجته فقيل له : ما الذي يريبك فيها؟ فقال: العاقل لا يهتك سر امرأته، فلما طلقها قيل له": لما طلقتها؟ فقال مالي وامرأة غيري
في الختام نعود إلى ما بدأنا به؛ حديث رسول الله "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة" كما ورد عن عمر بن عبد العزيز قوله: الصدور خزائن الأسرار والشفاه أقفالها والألسن مفاتيحها، فليحفظ كل امرئ مفتايح سره
أما فولتير فيقول: كشف المرء سره.. حماقة وكشفه لسر غيره ..خيانة. وأخيراً فإن سرك من دمك فانظر أين تريقه.
داليا الحديدي
كاتبة صحفية