عربزويلا
بقلم الدكتور محسن الصفار
يحكي ان في قديم الزمان كان هناك تاجر كبير رزقه الله المال الوفير، لديه من خيرات الله ما ليس له عدد ألا من الأبناء فلم يكن لديه سوى ولد واحد لم يرزقه الله بغيره فكان التاجر يحبه كعينيه وليس لديه في الدنيا فرحة سواه ولكن ويا للحسرة فقد شب الصبي وهو غير مكترث لشيء سوى أصحابه الذين يقضي معهم الليل والنهار وما يكاد احدهم يخرج من الدار حتى يدخل عشرة غيره , مضت الأيام وبدا القلق الشديد يساور التاجر فلم تبق في العمر بقية وهذا الصبي لا يفقه في تجارة ولا صنعة وإذا توفاه الله فستضيع الثروة وتتبدد ويفقد الكثير من العمال مصدر رزقهم ، وفي يوم استدعى التاجر ابنه وقال له:
- يا ولدي ما من شك أن صحبة الرفاق والأصدقاء شيء ممتع ولكن ليس من المعقول أن تضيع وقتك ومالك عليهم فأنت لانفعل شيئا منذ الصباح وحتى المساء سوى التسكع معهم وصرف المال عليهم ،هذا يقترض مالا ولا يعيده وهدايا لهذا وذاك ولا احد منهم يا ولدي سينفعك في حياتك .
أجاب الشاب أبيه باستهزاء :
- لا احد منهم ينفعني ؟ هذا ما تظنه أنت , فلو اني طلبت من احدهم روحه لأعطاني إياها دون تردد ولو اعطيت احدهم سكينا ليذبح نفسه فسيفعلها دون ان يسال حتى عن السبب
تعجب الشيخ من سذاجة ابنه ولكنه اكمل وقال :
- حسنا ياولدي كم من الأصدقاء لديك .
- حوالي 22 شخصا .
- وكم منهم النخبة ؟
- حوالي العشرة .
- وكم من هؤلاء العشرة هم القمة في الولاء والاخلاص لك ؟
- ثلاثة منهم هؤلاء يفدوني بارواحهم ومالهم يفعلون مااريد دون شك او ترديد
- حسنا هل تقبل ان نختبر ولائهم المزعوم هذا ان كنت حقا تثق بهم ؟
اجاب الشاب بغرور وثقة
- بالطبع اقبل وساثبت لك ان هؤلاء الاصدقاء هم ثروة تفوق الخيال واغلى من أي مال وان كل دقيقة اقضيها معهم تساوي ذهبا .
- حسنا لاتخبر احد شيئا وسنقوم غدا بالاختبار
في الليلة التالية احضر الاب كيسا كبيرا وثقيلا وقال لابنه احمل معي هذا الكيس ودعنا نذهب الى بيت صديقك الاول ونرى مدى ولائه واخلاصه لك , ذهب الاثنان الى بيت الصديق وطرق الشاب الباب وخرج صديقه وتعجب لرؤيته هو ووالده دخل الاثنان وجلسا وبدون مقدمات قال الاب للصديق :
- لقد جئنا اليك لأنك اعز صديق لولدي وقال لي انك لن تخذله في الشدائد والصعاب مهما كان الطلب ومهما صعب
اجاب الشاب بتردد
- نعم .. نعم
- لقد تعارك ابني مع احد الشباب وقد قتله دفاعا عن النفس ولان الشاب من عشيرة كبيرة وذو عزوة فلو عرفوا بالامر سيفتكون بابني لذا جئناك كي تساعدنا كي ندفنه سرا ونكفي الشر
اصفر وجه الصديق وقال :
- من عيني ياعمي فلا شيئ يغلى على ابنك ولكني الليلة قد اصبت ظهري باذى كبير وانا اعمل فاعذرني كل العذر فلن افيدكم بشي فلا انا قادر على حمل الكيس ولا الحفر والان اعذروني فيجب ان ارقد على السرير قبل ان اصيب ظهري باذى خطير
قال هذا واصطحبهم الى الباب فيما يشبه الطرد
احمر وجه الشاب عندما قال له ابوه
- اهذا هو الاخلاص والولاء ؟ لقد طردنا صاحبك في اللحظة التي سمع بها انك واقع في مازق والان دعنا نذهب الى الرفيق الثاني ونرى مدى ولائه واخلاصه
- لا لا هذا الصديق غير ذاك وهو نعم الصديق والرفيق
وصل الاثنان الى بيت الصديق الثاني وكما حصل مع الرفيق الاول شرح الاب الواقعة للصديق الذي ما ان سمع القصة حتى صرخ :
- هل انتم مجانين ؟ هل تريدون لي الهلاك ؟ وماذا لو امسك بنا اهل القتيل ؟
- نعم هي مخاطرة ولكنك اعز صديق لولدي وحتما ستقبل بالخطر لانقاذ صديقك
- أي صديق واي كلام فارغ ؟ ابنك شخص ساذج كنت استغله للحصول عل المال والان بعد هذه المصيبة لا اريد ان اعرفه اخرجا ولا تدعاني ارى وجهيكما بعد الان والا فضحتكم وكشفت امركم
كاد الشاب أن يذوب خجلا أمام نظرات أبيه وقال
- اعرف ما ستقول يا أبي ولكن صديقي الثالث هو أخي الذي لم تنجبه أمي وسترى كيف يقف معنا وقفة الرجال
ذهب الاثنان مع كيسهما الى بيت الصديق الثالث وروى الأب له نفس الرواية ولكنه تصرف على عكس الاثنين الاوليين وقال
- انتظرا هنا فسارجع بعد قليل
فرح الشاب وقال لابيه
- هل رايت يا ابي ؟ هاهو يعد العدة لمساعدتنا ونصرتنا
وقبل ان يكمل كلامه دخل الصديق وهو يحمل خنجرا ويلوح به ويقول :
- لن ادعكما تخرجان ساسلمكما لاهل القتيل واحصل منهم على مكافأة كبيرة
- ولكنك صديق ابني الحميم ؟
- أي صديق ؟ المصالح اولا واخيرا وساسلمكما بيدي هذه وربما اشارك في شنقك بنفسي !!
- حسنا ولكن ان جاء اهل القتيل سنقول لهم انك انت من قتله وسيصدقوني لاني تاجر معروف وانت مجرد صعلوك
تراجع الصديق عند سماع هذه الكلمات واكتفى بطرد الشاب وابيه واقفال الباب من ورائهم , قال الشيخ لابنه والان وبعد ان رايت اخلاص اصدقائك الذين تقضي معهم الليل والنهار دعنا نذهب الى احد جيراني الذي ليس بيني وبينه الا السلام كل صباح عندما امر من امام دكانه وهو رجل فقير , وصل الاب وابنه الى بيت الجار الذي استقبلهم بحفاوة وادخلهم البيت ولما حكى الاب القصة له قال الجار دون تردد :
- عيني لك يا جار ونفسي فداك وها انا معك اقوم من التو والساعة ان شاء الله
- ولكن في هذا الامر مخاطرة
- لايهم فانت جاري وواجبي ان اساعدك واساندك مهما كان الثمن
ابتسم الاب وفتح الكيس فاذا به ملئ بكل الخيرات واعطاه للجار وشكره وخرج من بيته وقال لولده
- الان عرفت ان الاخلاص ليس بمقدار قربك من الشخص او الكلمات الزائفة التي يغرقوك بها اذهب ياولدي وانصرف الى ماينفعك واعرف صديقك من عدوك .
وهذه القصة تنطبق على العرب وفنزويلا التي طردت السفير الاسرائيلي بينما العرب صامتين فمن هو الصديق ياترى ؟