التسول حكاية حاجة أم رواية انتفاع ...!!
تحقيق : صالح مهدي الكناني: تصوير : مؤيد عباس
تصوير : مؤيد عباس
" لست عراقية ربما أنا أمريكية . أصلح أن أكون نجمة سينمائية، أمّا والداي فمن جنوب أفريقيا " هذا ما قالته صابرين ذات الخمسة عشر ربيعاً ، ممتدحة جمالها الذي ميزّها من أفراد أسرتها الخمسة ، بدت مختلفة عنهم في كلّ شيء إلا أنها مع ذلك بدت مستسلمة لواقعها، في أسرة امتهنت التسول والبغاء معاً . وتضيف صابرين: " هكذا هو الحال منذ أن أبصرة الدنيا ، فجدتي و أمي تخرجان للتسول في أسواق المدينة كلّ يوم . أمّا أنا فأصبحت كالدجاجة التي تبيض ذهباً بنظر أبي، حيث يسلمني لمن يدفع أكثر ، حتّى أنّ المبلغ قد يصل إلى المليوني دينار، وليس لي إلا أنّ أكون فريسة سهلة بيد الزبون ، لمدة قد تطول لعدة شهور "
•الفنادق الشعبية أوكار المتسولين
ويقول صاحب احد المحال في مركز المدينة ضرغام البالغ من العمر 33 سنة " المتسولون في محافظة واسط ينتشرون في الأسواق وسط المدينة ، ويتخذون من الفنادق الشعبية ملاذاً لهم ؛ كونهم يأتون من المحافظات الجنوبيّة " ويضيف ضرغام " بحكم تواجدي في عملي لمدة طويلة ، كوّنت علاقة مع عدد منهم ، فهم يعملون على شكل شبكات منظمة ، مكونة من أسرة فيها الأطفال والنساء اليافعات أللآتي لم يتجاوزن ألاثنتي عشرة و العشرون سنة . وغالباً ما يقمن باستدراج الشباب ؛ لممارسة الجنس مقابل 25 – 50 ألف دينار، فيما يقتصر دور ربّ الأسرة ، أو الشخص الذي يرعى المجموعة على توفير الحماية لهم ، ويأتي نهاية كلّ يوم لجمع مبالغ التسول منهم " ويشير إلى " إن المتسولين غالباً ما يقومون باستغلال الأطفال ، من خلال إعطائهم الأقراص المخدرة ، لينامون ساعاتٍ طويلة ليظهر للمارة أنهم مرضى، كما أنّ أغلبهم يستغل جنسياً مقابل مبالغ زهيدة " ويرحج ضرغام " إن أغلب هذه الشبكات تعود إلى طبقة الغجر الذين هجّروا لأسباب دينية ، بعد أن كانوا يسكنون أطراف المدن " وأبدى استغرابه من ضعف دور الأجهزة الأمنية للحد من التسول ، ولم يستبعد أنّ تكون لهم علاقات متشعبة مع جهات عديدة . معللاً ذلك بـ" تجوال المتسولين أمام أنظار الجهات الحكومية في مركز المدينة ، وعدم وجود لجنة تعمل ميدانياً لتطّلع عن كثب على حالة استغلال الأطفال في تعاطي الممنوعات ، والجنس في بعض المقاهي ". فيما يقول محسن ألبدري البالغ من العمر 45 سنة " بعض المتسولات يتخذن طريقة التجوال في المناطق السكنية ، وتحديد المنازل ذات الدخل المرتفع ، ويقمن بجمع معلومات عن صاحب الدار ، وقد يصل الحال إلى اختطاف الأطفال ، كما حدث في منطقة الحي قبل فترة وجيزة ، إضافة إلى استغلال النساء واستفزازهن " ويضيف " أنّ هكذا أساليب تشبه إلى حد بعيد عمل التجسس، مما يؤكد وجود عصابات متخفية ترعى المتسولين " وأوضح ألبدري " إنّ من أهم أسباب استفحال ظاهرة التسول تهاون الجهات المعنية في الحد منها واقتصارها على الجولات الروتينية ، في ظل الظروف السياسية الصعبة التي يمر بها البلد ، إضافة إلى اعتماد المتسولين على التنقل السريع، وعلاقاتهم مع جهات متنفذه تساعدهم في الهروب من المساءلة " وأردف بالقول " هناك جهات مستفيدة من بقاء هذه الظاهرة وانتشارها ؛ لأسباب قد تكون سياسية تعكس مدى تخلف البلد وانتشار الفقر، أو اجتماعية بهدف تخريب عادات وقيم المجتمع ونشر الرذيلة فيه "
•( مافيـا ) تعمل بنظام المؤسسات
يقول المسؤول عن إحدى مجاميع التسول أبو غزوان البالغ من العمر44 سنة " كنّا سابقاً نسكن في مناطق ريفية ، ونمتهن مهنة العزف على " الربابة " ( آلة موسيقية قديمة) و إصلاح الأواني النحاسية فعرفنا بـ( الحداحدة )، لكن الحال تغيرت ؛ نتيجة لتطور الحياة المعاشية ، فاضطررنا إلى اتخاذ التسول مهنة . وفي عام 1997 انتقلنا من المحافظات الجنوبية للسكن بين قضاء الحي ، والموفقية في محافظة واسط " ويضيف أبو غزوان : " نقوم بتقسيم العمل على ثلاث مجاميع ، الأولى: النساء بين سن 35 – 40 سنة ، وعملهن التسول بصحبة الأطفال ، في الأحياء السكنية ، أما المجموعة الثانية: فهي من الشباب من 15 – 20 سنة يقومون باستجداء المواد الغذائية ، أما المجموعة الثالثة : هي الشابات الجميلات من سن 15 – 25 سنة ، فنقوم بتزوجهن زواج ( المتعة ) لكن من غير عقد شرعي، وهناك أشخاص متمكنين مادياً يدفعون لنا مبلغ يتم الاتفاق عليه مسبقاً وعادة ما يتم الأمر بسرية ؛ خوفاً على سمعتهم الاجتماعية لاسيما أن بعضهم متزوج " وختم بقولة " دوري أنا كرب أسرة توفير احتياجاتهم اليومية ، وتوفير الحماية لهم ، من خلال علاقاتي " فيما قالت المتسولة ( أ. و ) البالغة من العمر 35 سنه . التي رفضت ذكر اسمها ؛ لأسباب اجتماعية " هناك الكثير من النساء المتسولات يأتين من محافظة ذي قار، و البصرة، والعمارة ، بعضهن بعمر 12 سنة و20 سنة ، ويقمن بالتجوال على المحال التجارية، وقد يمارسن الجنس مقابل مبلغ 50 أو 25 ألف دينار "وعللت (أ.و ) أسباب اتخاذها التسول كمهنة إلى الحاجة المادية ، وفقدان زوجها الذي كان يعيلها وأطفالها الثلاثة .مبينة " إنّ دخلها اليومي قد يصل من 50 - 100 ألف دينار خاصة في المناسبات الدينية "
•أطفال ونساء إلى هاوية الرذيلة
ويرى رئيس منظمة حقوق الإنسان في المحافظة والناشط في منظمات المجتمع المدني مهدي القريشي أنّ ظاهرة التسول " تنطوي على جانبين ، الأول : هو الحاجة، والثاني: هو الطمع من غير الحاجة؛ فالعوائل الفقيرة لم تجد بُدّاً من رمي أطفالها في الشوارع للكسب المادي السهل ، على حساب المستوى التعليمي للطفل "ويؤكد القريشي " إنّ هؤلاء الأطفال المشردين أرضية صالحة، لاستغلالهم في قضايا غير مشروعة ، خاصة من قبل الجماعات الإرهابية ، التي جندت الكثير من المشردين " ويجد القريشي " إنّ الكثير من النساء اليافعات في سن 15 – 22سنة يتخذن من التسول مهنة لهن كستار لممارسة البغاء، وقد يكون بعضهن مجبرات على هذا العمل من قبل أبائهن" وبيّن من خلال الدراسة الميدانية التي قامت بها منظمته في الفنادق التي يقطنوها " إن ما نسبته 80 % من هؤلاء المتسولين ، ليسوا بحاجة للمال حيث يزيد دخلهم اليومي على 80 إلف دينار ، وقد يتراوح شهرياً مابين 800 ألف إلى مليون دينار، كما أنهم يتمتعون بصحّة جيدة ، ونوعية المواد الغذائية التي يتناولونها قد يصعب على الأسر ذات الدخل المحدود توفيرها يومياً ، مما يدل على إن اغلب العاهات التي يظهرون بها مصطنعة ، كما أن مسؤولي تلك الشبكات يظهرون في نهاية اليوم بملابس أنيقة وسيارات حديثة " . وختم حديثة بالقول: " إنّ مكافحة هذه الظاهرة لا يمكن ما لم يكن هناك تنسيق بين وزارة حقوق الإنسان والوزارات المعنية، ومنظمات المجتمع المدني ، ورجال الدين للتوعية ضد خطر هذه الظاهرة التي تهدد تماسك النسيج الاجتماعي برمته "
الباحث في علم الاجتماع والمختص في المشكلات الاجتماعية الدكتور عباس سليم مع القريش ، حول خطر هذه المشكلة ، ويعزوها بالدرجة الأساس إلى " الفقر نتيجة التفكك الأسري، وفقدان أحد قطبي الأسرة ، مما يضطر الأطفال إلى معاشرة المشردين والمنحرفين والتطبع بطباعهم " ويوضّح سليم على وفق الدراسة التي أعدها " أنّ جُل هؤلاء المتسولين مابين سن الـ 15 و 35 سنة، وأنّ 18 مبحوث بنسبة 36 % تقع أعمارهم بين 20 – 24 سنة ، و14 مبحوث في سن 25 – 29 سنة نسبتهم 28 % ، و 12 مبحوث في سن 15- 19 سنة شكلوا نسبة 24 % ، و خمسة مبحوثين في سن 30 – 32 شكلوا نسبة 10 % من نسبة التسول " مشيراً إلى " إن خطر المشكلة يكمن في تحولها من مجرد ظاهرة، إلى عمل عصابات ومجاميع منظمة، وعلى أساس تقسيم الأدوار ، وابتكار أساليب جديدة في التسول ، من خلال استغلال النساء والأطفال؛ لكسب المال بأيّة وسيلة كانت" . ويبيّن سليم " إنّ تلك المجاميع، قد اتّخذت من التسول غطاءً ؛ لممارسة الدعارة ، والاتجار بالأطفال، و الأعضاء البشرية ، وترويج المخدرات ، على حساب أنّ هذه الظواهر مرفوضة في العرف الاجتماعيّ والقانوني "
•إحصاءات مفقودة وجريمة متفاقمة
الضباط في وزارة الداخلية ( أ . ه ) ، والذي طلب عدم التصريح باسمه؛ لأسباب عدّها أمنية " كون أنّ ظاهرة التسول ظاهرة غير حضارية ؛ لذا فان المشرع العراقي قد وضع الكثير من التشريعات، التي من شانها أن تحدّ من المشكلات التي تنطوي عليها ، من استغلال الفتيات في البغاء، و ترويج المخدرات ، وأخيراً اُستغلت من قبل الجماعات الإرهابية من خلال تجنيد الاطفال " ويرى ( أ . ه ) أنّ صعوبة مكافحة الظاهرة ؛ يتلخص في عدم وجود إحصائية دقيقة وشاملة ، نظراً لأنها متنقلة ، ومستترة ، ومتزايدة ، إضافة إلى عدم وجود تشريع يقول إن التسول جنحة أو جريمة ولا وجود لمسوغ قانوني لحجزهم أكثر من ثلاثة أيام". وأضاف " بما أنّ تلك المجاميع اعتادت الدعارة واستغلال الأطفال ، واتخذت منها مهنة مشروعة بنظرهم ، صارت تقدم العرف العشائري على العرف القانوني في حلّ نزاعاتها، بالرّغم من أنّ هذه الظاهرة مرفوضة اجتماعياً ، لكن أغلبهم يعمل في السرّ دون معرفة القبيلة بذلك ، وعلى هذا الأساس يصعب رصد وإحصاء الجرائم المرتبطة بالتسول " ويتفق مقرر لجنة الحد من ظاهرة التسول في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية علي سلوم مع (أ .ه) ، في أنّ عدم وجود إحصائية رسمية فاقم من حجم الظاهرة .
وأضاف سلوم " إنّ وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بمساندة من الأجهزة الأمنية قد قامت بحملة لجمع المتسولين من الشوارع في مطلع العام الماضي، إلا أنها لم تستطع أن تحد من الظاهرة، بل زادت أعداد المتسولين" . ويقول سلوم " إنّ اللجنة خصصت مبالغ شهرية للمتسولين تقدر بين 50 ألف دينار و120الف دينار ، مقابل تعهد المتسول بعدم ممارسة التسول مجدداً " ويجد سلوم أنّ سبب عدم التزام هؤلاء المتسولين لعدم حاجتهم المادية و " أغلبهم لدية إعانات شهرية ، والبعض الآخر لديه عقارات ، وآخرين لديهم رواتب تقاعدية " ويرى سلوم إنّ التسول أصبح مهنة للكسب السريع ، من خلال استمالة عطف المواطن وشفقته.وعن حلول الوزارة للحد من هذه الظاهرة أوضح " إنّ الموافقات الرسمية استحصلت لشمولهم بشبكة الحماية الاجتماعية من غير إجراءات معقدة باعتماد مستمسكٍ رسمي واحد"وبيّن "إنّ قسم من المتسولين الذين ليس لديهم أسر سيودعون في الدور الإصلاحية، وحسب الفئات العمرية ، إضافة إلى تفعيل الدور القانوني ، ودور الوقفين السني والشيعي للحد من التسول". ومابين غياب الإحصائيات الرسمية ، وبين ازدياد أعداد المتسولين بشكل مضطرد ، يبقى المجتمع العراقي يترقب حلولا جذرية تحد من مضاعفات المشكلة.
تحقيق : صالح مهدي الكناني: تصوير : مؤيد عباس
تصوير : مؤيد عباس
" لست عراقية ربما أنا أمريكية . أصلح أن أكون نجمة سينمائية، أمّا والداي فمن جنوب أفريقيا " هذا ما قالته صابرين ذات الخمسة عشر ربيعاً ، ممتدحة جمالها الذي ميزّها من أفراد أسرتها الخمسة ، بدت مختلفة عنهم في كلّ شيء إلا أنها مع ذلك بدت مستسلمة لواقعها، في أسرة امتهنت التسول والبغاء معاً . وتضيف صابرين: " هكذا هو الحال منذ أن أبصرة الدنيا ، فجدتي و أمي تخرجان للتسول في أسواق المدينة كلّ يوم . أمّا أنا فأصبحت كالدجاجة التي تبيض ذهباً بنظر أبي، حيث يسلمني لمن يدفع أكثر ، حتّى أنّ المبلغ قد يصل إلى المليوني دينار، وليس لي إلا أنّ أكون فريسة سهلة بيد الزبون ، لمدة قد تطول لعدة شهور "
•الفنادق الشعبية أوكار المتسولين
ويقول صاحب احد المحال في مركز المدينة ضرغام البالغ من العمر 33 سنة " المتسولون في محافظة واسط ينتشرون في الأسواق وسط المدينة ، ويتخذون من الفنادق الشعبية ملاذاً لهم ؛ كونهم يأتون من المحافظات الجنوبيّة " ويضيف ضرغام " بحكم تواجدي في عملي لمدة طويلة ، كوّنت علاقة مع عدد منهم ، فهم يعملون على شكل شبكات منظمة ، مكونة من أسرة فيها الأطفال والنساء اليافعات أللآتي لم يتجاوزن ألاثنتي عشرة و العشرون سنة . وغالباً ما يقمن باستدراج الشباب ؛ لممارسة الجنس مقابل 25 – 50 ألف دينار، فيما يقتصر دور ربّ الأسرة ، أو الشخص الذي يرعى المجموعة على توفير الحماية لهم ، ويأتي نهاية كلّ يوم لجمع مبالغ التسول منهم " ويشير إلى " إن المتسولين غالباً ما يقومون باستغلال الأطفال ، من خلال إعطائهم الأقراص المخدرة ، لينامون ساعاتٍ طويلة ليظهر للمارة أنهم مرضى، كما أنّ أغلبهم يستغل جنسياً مقابل مبالغ زهيدة " ويرحج ضرغام " إن أغلب هذه الشبكات تعود إلى طبقة الغجر الذين هجّروا لأسباب دينية ، بعد أن كانوا يسكنون أطراف المدن " وأبدى استغرابه من ضعف دور الأجهزة الأمنية للحد من التسول ، ولم يستبعد أنّ تكون لهم علاقات متشعبة مع جهات عديدة . معللاً ذلك بـ" تجوال المتسولين أمام أنظار الجهات الحكومية في مركز المدينة ، وعدم وجود لجنة تعمل ميدانياً لتطّلع عن كثب على حالة استغلال الأطفال في تعاطي الممنوعات ، والجنس في بعض المقاهي ". فيما يقول محسن ألبدري البالغ من العمر 45 سنة " بعض المتسولات يتخذن طريقة التجوال في المناطق السكنية ، وتحديد المنازل ذات الدخل المرتفع ، ويقمن بجمع معلومات عن صاحب الدار ، وقد يصل الحال إلى اختطاف الأطفال ، كما حدث في منطقة الحي قبل فترة وجيزة ، إضافة إلى استغلال النساء واستفزازهن " ويضيف " أنّ هكذا أساليب تشبه إلى حد بعيد عمل التجسس، مما يؤكد وجود عصابات متخفية ترعى المتسولين " وأوضح ألبدري " إنّ من أهم أسباب استفحال ظاهرة التسول تهاون الجهات المعنية في الحد منها واقتصارها على الجولات الروتينية ، في ظل الظروف السياسية الصعبة التي يمر بها البلد ، إضافة إلى اعتماد المتسولين على التنقل السريع، وعلاقاتهم مع جهات متنفذه تساعدهم في الهروب من المساءلة " وأردف بالقول " هناك جهات مستفيدة من بقاء هذه الظاهرة وانتشارها ؛ لأسباب قد تكون سياسية تعكس مدى تخلف البلد وانتشار الفقر، أو اجتماعية بهدف تخريب عادات وقيم المجتمع ونشر الرذيلة فيه "
•( مافيـا ) تعمل بنظام المؤسسات
يقول المسؤول عن إحدى مجاميع التسول أبو غزوان البالغ من العمر44 سنة " كنّا سابقاً نسكن في مناطق ريفية ، ونمتهن مهنة العزف على " الربابة " ( آلة موسيقية قديمة) و إصلاح الأواني النحاسية فعرفنا بـ( الحداحدة )، لكن الحال تغيرت ؛ نتيجة لتطور الحياة المعاشية ، فاضطررنا إلى اتخاذ التسول مهنة . وفي عام 1997 انتقلنا من المحافظات الجنوبية للسكن بين قضاء الحي ، والموفقية في محافظة واسط " ويضيف أبو غزوان : " نقوم بتقسيم العمل على ثلاث مجاميع ، الأولى: النساء بين سن 35 – 40 سنة ، وعملهن التسول بصحبة الأطفال ، في الأحياء السكنية ، أما المجموعة الثانية: فهي من الشباب من 15 – 20 سنة يقومون باستجداء المواد الغذائية ، أما المجموعة الثالثة : هي الشابات الجميلات من سن 15 – 25 سنة ، فنقوم بتزوجهن زواج ( المتعة ) لكن من غير عقد شرعي، وهناك أشخاص متمكنين مادياً يدفعون لنا مبلغ يتم الاتفاق عليه مسبقاً وعادة ما يتم الأمر بسرية ؛ خوفاً على سمعتهم الاجتماعية لاسيما أن بعضهم متزوج " وختم بقولة " دوري أنا كرب أسرة توفير احتياجاتهم اليومية ، وتوفير الحماية لهم ، من خلال علاقاتي " فيما قالت المتسولة ( أ. و ) البالغة من العمر 35 سنه . التي رفضت ذكر اسمها ؛ لأسباب اجتماعية " هناك الكثير من النساء المتسولات يأتين من محافظة ذي قار، و البصرة، والعمارة ، بعضهن بعمر 12 سنة و20 سنة ، ويقمن بالتجوال على المحال التجارية، وقد يمارسن الجنس مقابل مبلغ 50 أو 25 ألف دينار "وعللت (أ.و ) أسباب اتخاذها التسول كمهنة إلى الحاجة المادية ، وفقدان زوجها الذي كان يعيلها وأطفالها الثلاثة .مبينة " إنّ دخلها اليومي قد يصل من 50 - 100 ألف دينار خاصة في المناسبات الدينية "
•أطفال ونساء إلى هاوية الرذيلة
ويرى رئيس منظمة حقوق الإنسان في المحافظة والناشط في منظمات المجتمع المدني مهدي القريشي أنّ ظاهرة التسول " تنطوي على جانبين ، الأول : هو الحاجة، والثاني: هو الطمع من غير الحاجة؛ فالعوائل الفقيرة لم تجد بُدّاً من رمي أطفالها في الشوارع للكسب المادي السهل ، على حساب المستوى التعليمي للطفل "ويؤكد القريشي " إنّ هؤلاء الأطفال المشردين أرضية صالحة، لاستغلالهم في قضايا غير مشروعة ، خاصة من قبل الجماعات الإرهابية ، التي جندت الكثير من المشردين " ويجد القريشي " إنّ الكثير من النساء اليافعات في سن 15 – 22سنة يتخذن من التسول مهنة لهن كستار لممارسة البغاء، وقد يكون بعضهن مجبرات على هذا العمل من قبل أبائهن" وبيّن من خلال الدراسة الميدانية التي قامت بها منظمته في الفنادق التي يقطنوها " إن ما نسبته 80 % من هؤلاء المتسولين ، ليسوا بحاجة للمال حيث يزيد دخلهم اليومي على 80 إلف دينار ، وقد يتراوح شهرياً مابين 800 ألف إلى مليون دينار، كما أنهم يتمتعون بصحّة جيدة ، ونوعية المواد الغذائية التي يتناولونها قد يصعب على الأسر ذات الدخل المحدود توفيرها يومياً ، مما يدل على إن اغلب العاهات التي يظهرون بها مصطنعة ، كما أن مسؤولي تلك الشبكات يظهرون في نهاية اليوم بملابس أنيقة وسيارات حديثة " . وختم حديثة بالقول: " إنّ مكافحة هذه الظاهرة لا يمكن ما لم يكن هناك تنسيق بين وزارة حقوق الإنسان والوزارات المعنية، ومنظمات المجتمع المدني ، ورجال الدين للتوعية ضد خطر هذه الظاهرة التي تهدد تماسك النسيج الاجتماعي برمته "
الباحث في علم الاجتماع والمختص في المشكلات الاجتماعية الدكتور عباس سليم مع القريش ، حول خطر هذه المشكلة ، ويعزوها بالدرجة الأساس إلى " الفقر نتيجة التفكك الأسري، وفقدان أحد قطبي الأسرة ، مما يضطر الأطفال إلى معاشرة المشردين والمنحرفين والتطبع بطباعهم " ويوضّح سليم على وفق الدراسة التي أعدها " أنّ جُل هؤلاء المتسولين مابين سن الـ 15 و 35 سنة، وأنّ 18 مبحوث بنسبة 36 % تقع أعمارهم بين 20 – 24 سنة ، و14 مبحوث في سن 25 – 29 سنة نسبتهم 28 % ، و 12 مبحوث في سن 15- 19 سنة شكلوا نسبة 24 % ، و خمسة مبحوثين في سن 30 – 32 شكلوا نسبة 10 % من نسبة التسول " مشيراً إلى " إن خطر المشكلة يكمن في تحولها من مجرد ظاهرة، إلى عمل عصابات ومجاميع منظمة، وعلى أساس تقسيم الأدوار ، وابتكار أساليب جديدة في التسول ، من خلال استغلال النساء والأطفال؛ لكسب المال بأيّة وسيلة كانت" . ويبيّن سليم " إنّ تلك المجاميع، قد اتّخذت من التسول غطاءً ؛ لممارسة الدعارة ، والاتجار بالأطفال، و الأعضاء البشرية ، وترويج المخدرات ، على حساب أنّ هذه الظواهر مرفوضة في العرف الاجتماعيّ والقانوني "
•إحصاءات مفقودة وجريمة متفاقمة
الضباط في وزارة الداخلية ( أ . ه ) ، والذي طلب عدم التصريح باسمه؛ لأسباب عدّها أمنية " كون أنّ ظاهرة التسول ظاهرة غير حضارية ؛ لذا فان المشرع العراقي قد وضع الكثير من التشريعات، التي من شانها أن تحدّ من المشكلات التي تنطوي عليها ، من استغلال الفتيات في البغاء، و ترويج المخدرات ، وأخيراً اُستغلت من قبل الجماعات الإرهابية من خلال تجنيد الاطفال " ويرى ( أ . ه ) أنّ صعوبة مكافحة الظاهرة ؛ يتلخص في عدم وجود إحصائية دقيقة وشاملة ، نظراً لأنها متنقلة ، ومستترة ، ومتزايدة ، إضافة إلى عدم وجود تشريع يقول إن التسول جنحة أو جريمة ولا وجود لمسوغ قانوني لحجزهم أكثر من ثلاثة أيام". وأضاف " بما أنّ تلك المجاميع اعتادت الدعارة واستغلال الأطفال ، واتخذت منها مهنة مشروعة بنظرهم ، صارت تقدم العرف العشائري على العرف القانوني في حلّ نزاعاتها، بالرّغم من أنّ هذه الظاهرة مرفوضة اجتماعياً ، لكن أغلبهم يعمل في السرّ دون معرفة القبيلة بذلك ، وعلى هذا الأساس يصعب رصد وإحصاء الجرائم المرتبطة بالتسول " ويتفق مقرر لجنة الحد من ظاهرة التسول في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية علي سلوم مع (أ .ه) ، في أنّ عدم وجود إحصائية رسمية فاقم من حجم الظاهرة .
وأضاف سلوم " إنّ وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بمساندة من الأجهزة الأمنية قد قامت بحملة لجمع المتسولين من الشوارع في مطلع العام الماضي، إلا أنها لم تستطع أن تحد من الظاهرة، بل زادت أعداد المتسولين" . ويقول سلوم " إنّ اللجنة خصصت مبالغ شهرية للمتسولين تقدر بين 50 ألف دينار و120الف دينار ، مقابل تعهد المتسول بعدم ممارسة التسول مجدداً " ويجد سلوم أنّ سبب عدم التزام هؤلاء المتسولين لعدم حاجتهم المادية و " أغلبهم لدية إعانات شهرية ، والبعض الآخر لديه عقارات ، وآخرين لديهم رواتب تقاعدية " ويرى سلوم إنّ التسول أصبح مهنة للكسب السريع ، من خلال استمالة عطف المواطن وشفقته.وعن حلول الوزارة للحد من هذه الظاهرة أوضح " إنّ الموافقات الرسمية استحصلت لشمولهم بشبكة الحماية الاجتماعية من غير إجراءات معقدة باعتماد مستمسكٍ رسمي واحد"وبيّن "إنّ قسم من المتسولين الذين ليس لديهم أسر سيودعون في الدور الإصلاحية، وحسب الفئات العمرية ، إضافة إلى تفعيل الدور القانوني ، ودور الوقفين السني والشيعي للحد من التسول". ومابين غياب الإحصائيات الرسمية ، وبين ازدياد أعداد المتسولين بشكل مضطرد ، يبقى المجتمع العراقي يترقب حلولا جذرية تحد من مضاعفات المشكلة.