تشريح الثورة
كرين برينتن
ترجمة
سمير عبد الرحيم الجلبي
سمير عبد الرحيم الجلبي
الناشر: دار الفارابي ( بيروت) وهيئة أبو ظبي للثقافة والتراث (كلمة) 2009
كتب كرين برينتن "تشريح الثورة" عام 1938 وأعيد طبعه عام ،1956 ووسعه برينتن عام 1964. يحلل مؤلف الكتاب ميول مجتمع يسبق ثورة كبرى، وهو يرى أنه يجمع بين التوترات الاجتماعية والسياسية بسبب التدهور التدريجي لقيم المجتمع. إن فكرته عن الثورة هي أنها عملية قلب السلطة مما يؤدى إلى تولي المتطرفين السلطة ثم تهدأ الأمور. وقد شبه الثورة بحمى ترتفع بسبب شكاوى أفراد شعب ما. ومن أعراض هذه الحمى انهيار هيكل السلطة. تستعر الحمى ثم يصبح واضحا أن الناس لا يتحملون تلك الحمى وتحل سلطة أفضل محل هذا الاهتياج ويصبح الشعب أسعد. إن فكرة برينتن عن الثورة هي أنها في الحقيقة جدول معين للأحداث التي يفترض أنها تحدث. إنها تظهر التغيير والحمى وحسم الثورة. ويرى برنتن أن الثورة عبارة عن عملية وأنه لا يحدث تغيير جوهري من مرحلة ما قبل الثورة إلى مرحلة ما بعد الثورة. غير أن نظرية برينتن استندت على الثورة قبل عام 1945.
يعد "تشريح الثورة" أفضل وأشهر كتب المؤرخ والأكاديمي الأميركي كرين يرينتن، الذي حاول في هذا الكتاب تأسيس نمط تتبعه معظم الثورات. وقد جمع المعلومات من أربع ثورات كبرى: الثورة الأمريكية، الثورة الفرنسية، الثورة الروسية (أو الثورة البلشفية) والحرب الأهلية في إنكلترا. وباستخدام هذه الثورات كنماذج وضع برنتن أربع مراحل تمر بها الثورة يمكن عرض هيكلها كما يلي:
المرحلة الأولى – خصائص المرحلة التمهيدية
1- التنافر الطبقي
2- لا كفاءة الحكم
3- الحاكم غير الكفؤ
4- النقل الفكري للولاء
5- فشل القوة
الأعراض: يعد برينتن أن الطبقة الوسطى هي القوة الدافعة وراء الثورة وأنها تعبر بصوت عال عن سخطها بسبب قيود اقتصادية معينة تفرضها الحكومة عليها. وعلى الرغم من أن هذه القيود من مثل قوانين الملاحة في المستعمرات الأمريكية ليست رئيسية إلا أنها كافية لإحداث سخط شديد. وتكون الحكومة حينها غير كفؤة على نحو لا يصدق. وتنهار البيروقراطية ولا تتمكن من إدارة البلاد على نحو فعال. وقد يكون السبب وجود حاكم أخرق من مثل الملك جورج الثالث أو نقص مالي مزمن في الحكومة. وأخيرا يعاني الحزب الحاكم من تخلي المثقفين الذين يعتبرون ضمير المجتمع.
المرحلة الثانية – خصائص المرحلة الأولى
1- الانهيار المالي
2- زيادة الاحتجاجات ضد الحكم
3- الأحداث المثيرة
4- استيلاء المعتدلين على السلطة
5- فترة شهر العسل
الحمى الصاعدة: الحمى الصاعدة هي تصاعد سخط الطبقة الوسطى. يثور الشعب إذاك وتتوج بمعركة من مثل اجتياح الباستيل أو معركتي لكسنغتن وكونكورد وينهار الهيكل الحكومي تحت ضغط الديون المالية والانتفاضة الشعبية. ثم يشكل المعتدلون أو الوسط السياسي حكومة جديدة. غير أن الحكومة المعتدلة الجديدة تظهر أنها غير قادرة على الصمود في وجه مشاكل إدارة الدولة والأزمة الاقتصادية ووضع دستور جديد وغير ذلك.
المرحلة الثالثة – خصائص مرحلة الأزمة
1- تولي المتطرفين السيطرة
2- إبعاد المعتدلين عن السلطة
3- الحرب الأهلية
4- الحرب الخارجية
5- تركيز القوة في مجلس ثوري يسيطر عليه رجل قوي
الأزمة: تصل الثورة الذروة عندما يصبح المعتدلون عاجزين عن أداء مهمة حكم البلاد ويطوح بهم المتطرفون أو اليسار السياسي بالقوة ويبدأ حكم الإرهاب حيث يشرع المفرطون في التطرف بالتخلص من المعارضة باستخدام العنف. كما تتورط الحكومة الجديدة عادة في حرب خارجية في محاولتها نشر مبادئ الثورة. كما تبدأ الثورة بفقد زخمها ولا يعد الشعب يساندها إلا خوفا من التطهير. كما انه بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية يواجه الثوريون تهديدا داخليا متزايدا.
المرحلة الرابعة – خصائص مرحلة الخلاص
1- العودة البطيئة غير المنتظمة إلى أزمنة تتسم بهدوء أكثر
2- حكم الطاغية
3- قمع المتطرفين
4- حصول المعتدلين على العفو
5- النزعة القومية العدوانية
النقاهة: مع تزايد ضعف الثورة تدخل البلاد فترة الانتعاش. ويتولى السلطة حاكم مركزي قوي من مثل جورج واشنطن أو ستالين في الحكومة الجديدة ويشرع في عملية إعادة الاستقرار في البلاد. ويستبعد أو يعدم زعماء الثورة الأكثر عنفا من مثل روبسبير. كما يمنح المعتدلون عادة العفو. ويبدأ الناس في التخلص من أي علامات باقية من علامات الثورة ويغيرون ملابسهم وأسلوب حياتهم في محاولة لنسيان الثورة. ويتخلون في تلك العملية عن الكثير من العقائد المتسمة بالتطرف التي يؤمن بها الثوريون.
يستنتج برنتن في نهاية الكتاب أن معظم الثورات تنتهي عموما بالعودة إلى حيث بدأت. وتنشأ بعض الأفكار الجديدة ويتحول هيكل القوة قليلا وتطبق بعض الإصلاحات ويمحى أسوأ ما في النظام القديم. غير أن الوضع القائم يصبح مشابها للوضع في فترة ما قبل الثورة وتشرع الطبقة الحاكمة مرة أخرى بمسك القوة.
وفي حين لم يضع برينتن نمطا مطلقا تتبعه كل الثورات، ولو أن الثورة الأمريكية تمثل استثناء واضحا، فإنه خلق مسارا عاما تتبعه معظم الثورات. وعلى الرغم من النقد الذي وجهه برينتن إلى الثورة الفرنسية كنموذج فإن كل خطوة موصوفة أعلاه حدثت فيها وجعل كل الثورات الأخرى تشبهها.
يبقى "تشريح الثورة"، أشهر كتب برينتن، من أفضل الأطروحات التاريخية في القرن العشرين. وقد ألهم كتابا أخرين منهم، على سبيل المثال، ليو هوبرمان، الذي ألف كتاب ""كوبا: تشريح ثورة" عام 1969. كما تعتمد كتب أخرى على كتاب برينتن فقد اعتمد عليه روبرت ستربل كثيرا في الفصل الخامس المعنون "اللجوء إلى السيف" في كتابه "أطروحة في الأضواء الإثني عشر" كما يستشهد صامويل هنتنغتن ببرنتن في كتابه المعنون "النظام السياسي في المجتمعات المتغيرة."
إن كتاب برينتن دراسة موضوعية متميزة في كتب التاريخ الحديث الذي تلقى أحداثه اهتماما واسعا ومستمرا لدى الباحثين والأكاديميين الغربيين. كما تعنى الجامعات الغربية بتقديم مقررات أكاديمية تتناول الثورات وكذلك الحروب بوصفها ظواهر مهمة في المجتمع. وقد تسنى لي ترجمة عدة كتب لمؤرخين وأكاديميين بارزين تناولوا الحروب الحديثة التي لا يقل تأثيرها عن الثورات، وهي كتب أكاديمية مهمة وأساسية في إطلاع القارئ والمثقف والمعني بالتاريخ الاجتماعي للشعوب في القرون الأخيرة وتبصيره بما انطوت عليه الثورات والحروب وأعتبرها مكملة لكتاب برنتن هذا. وأود الإشارة هنا إلى هذه الكتب:
1- الحرب العالمية الثانية – تاريخ مصور للمؤرخ البريطاني الشهير أي. جي. بي. تيلر ، الذي تولى التدريس في عدة جامعات بريطانية: مانتشستر، أوكسفورد، كيمبرج، لندن وسنت أندروز وألقى تسع سلاسل من المحاضرات في التاريخ من التلفزيون ونشر المقالات بانتظام صحيفة الأوبزرفر و لندن رفيو أف بوكس المتخصصة في عروض الكتب. وقد صدرت له كتب عديدة في تاريخ بريطانيا وأوربا والحربين العالميتين. صدرت الترجمة العربية عن دار الشئون الثقافية العامة في بغداد عام 1987.
2- الحرب والتحول الاجتماعي في القرن العشرين – دراسة مقارنة بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة تأليف آرثر مارويك، أصبح عام 1969 أول أستاذ للتاريخ في الجامعة المفتوحة في بريطانيا بعد أن تولى التدريس في عدة جامعات بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وهو مؤرخ اجتماعي وثقافي يساري النزعة إلا أنه انتقد الماركسية. هذا الكتاب مساهمة مهمة في دراسة آثار الحرب الاجتماعية التي بدأها بكتابه الطوفان: المجتمع البريطاني والحرب العالمية الأولى، الذي تناول فيه التحولات في المجتمع البريطاني نتيجة للحرب العالمية الأولى. صدرت الترجمة العربية عن دار المأمون للترجمة والنشر في بغداد عام 1989.
3- الحرب والمجتمع في أوربا (1870-1970) للأكاديمي والمؤرخ البريطاني براين بوند الذي تولى التدريس في عدة جامعات بريطانية: اكستر، ليفربول ولندن وله كتب ودراسات عديدة. والطريف أن والده كان يعمل بستانيا لدى المؤرخ العسكري البريطاني الشهير سير بازل ليدل هارت، الذي شجع الشاب بوند على تطوير اهتماماته الأكاديمية. صدر الكتاب عن دار المأمون للترجمة والنشر عام 1990.
4- موسوعة الحرب الحديثة (جزءان) للكاتب والمراسل الصحفي البريطاني روجر باركنسن الذي نال البكلوريوس في الدراسات الحربية والماجستير في الدراسات الاستراتيجية من جامعة لندن ومن كتبه كلاوزفتس و ثلاثية تستند على وثاق الحرب العالمية الثانية. صدرت الترجمة العربية للموسوعة عن دار المأمون للترجمة والنشر في بغداد عام 1990.
على الرغم من مزايا كتاب تشريح الثورة لا تحتوي الطبعة الإنكليزية على أي هوامش عن الأشخاص والأحداث والمفاهيم الواردة في الكتاب وهي كثيرة جدا وربما لا يعرف القارئ ما يكفي عن الكثير منها. ولذا وجدت لفائدة القارئ العربي أن من الضروري إضافة هوامش موجزة لكي تعم الفائدة للقارئ المهتم بتاريخ أوربا والعالم ولاسيما التاريخ الاجتماعي. وآمل أن تشكل هذا الهوامش، التي بلغ مجموعها 365 هامشا، إضافة مفيدة إلى الكتاب في ترجمته العربية.
كرين برينتن
ولد كرين برينتن في وينستيد بولاية كونيكتكت عام 1898. وانتقلت أسرته إلى سبرينغفيلد بولاية مساشوستس حيث درس في المدارس الحكومية والتحق بجامعة هارفرد عام 1915. مكنه تفوقه الأكاديمي من الفوز بزمالة رودس للدراسة في جامعة أوكسفورد حيث نال شهادة الدكتوراه عام 1923. شرع بالتدريس في جامعة هارفرد في السنة نفسها ونال الأستاذية عام 1942 وواصل العمل فيها حتى وفاته في كيمبرج بولاية مساشوستس في 7 أيلول/ سبتمبر 1968. وقد تولى سنوات كثيرة تدريس مقرر رائج في جامعة هارفرد كان يعرف لدى طلبته باسم "الفطور مع برينتن". تولى رئاسة الجمعية التاريخية الأمريكية وهي الجمعية المهنية للمؤرخين وتولى رئاسة جمعية الدراسات التاريخية الفرنسية. كان مؤرخا أمريكيا للثورة الفرنسية علاوة على كونه مؤرخ أفكار. أتقن اللغة الفرنسية وعمل أثناء الحرب العالمية الثانية رئيسا للبحث والتحليل في مكتب الخدمات الاستراتيجية بلندن. علاوة على "تشريح الثورة" وضع برينتن المؤلفات التالية في تاريخ الفلسفة السياسية والأخلاقية الغربية وكان خبيرا في القوى المحركة للحركات الثورية. من مؤلفاته الأخرى:
¨ "اليعاقبة: مقالة في التاريخ الجديد" (1930)، عرض تفصيلي للمتطرفين السياسيين في الثورة الفرنسية.
¨ "عقد من الثورة" (1934)، دراسة في الثورة الفرنسية.
¨ "أفكار ورجال: تاريخ الفكر الغربي (1950، 1963)، دراسة في الفكر الغربي من عصر الإغريق حتى الوقت الحاضر.
¨ "تاريخ المبادئ الأخلاقية الغربية" (1959)، دراسة في المسائل الأخلاقية
¨ "صياغة العقل الحديث"(1963)، نسخة مختصرة من كتابه " أفكار ورجال"
¨ "الأميركيون والفرنسيون" (1968)، محاولة لتفسير العلاقات الصعبة غالبا بين الحليفين منذ زمن بعيد.
المترجم: سمير عبد الرحيم الجلبي
حصل على بكالوريوس شرف في اللغة الإنجليزية والأدب الإنجليزي (جامعة بغداد 1961) والدبلوم العالي في اللغويات التطبيقية والماجستير في تدريس اللغة الإنجليزية (جامعة ويلز 1974و1975) والماجستير في الترجمة (جامعة هيريوت واط في أدنبره 1983) واجتاز الامتحان النهائي لعضوية معهد اللغويين وجمعية المترجمين في لندن 1984). مارس تدريس الإنجليزية والترجمة منذ خمسين عاما وصدر له أكثر من 55 كتابا نشرت في بغداد وبيروت والدوحة. يعمل في إدارة البحوث وتقنية المعلومات بوزارة الخارجية في قطر منذ عام 2002.
منقول