كاليبان و(عاصفة) شكسبـير (1)
مسرحية (العاصفة) The Tempest
يقول الناقد الإنكليزي صموئيل دو جونسون في (المقدمة) للطبعة التي اضطلع بإصدارها لمسرحيات شكسبير عام 1765 م (( إن الرمل الذي يكومّه الطوفان الواحد يبدده الطوفان اللاحق أما الصخرة فتبقى دائما مكانها ، وسيل الزمن الذي يجرف معه دوما مباني الشعراء الآخرين الهشة ، يمر غير مؤذ بصخرة شكسبير الصامدة )).
كان ذلك قبل (233) عاما ، ولندع جونسون ونحط في قلعة دنسينان وقبل أن نحلّق نفاجأ مع مكبث بغابة بيرنام (تأتي صوب دنسينان) والآن نحن في مخدع دزديمونة التي تندب حظها لإضاعتها منديل عطيل ومنها نجد أنفسنا في متاهة يا نصيب بورشيا ولا نخرج من هذه المتاهة إلا ونحن مقاتلين في جيش كريولانس ومنه نفر إلى معركة حامية الوطيس بين هاملت وانداده انتهت بمجزرة ثم نلتجئ إلى سفينة قادنا حظنا العاثر إليها لنجدها بعد قليل تجنح إلى جزيرة غير آهلة وقبل نستعيد وعينا يمر بجانبنا (كاليبان ـ Caliban ) الممسوخ الأحمق وهو يتذمّر من سيده ( بروسبيرو ـ Prospero ) (دوق ميلانو المنفي) الذي يوبخّه كالعادة ولكن كاليبان هذا الضخم الجثة ، الغبي الأحمق ، البشع الدميم ، يحاول انتهاك عفاف ابنته الجميلة ( ميراندا ـ Miranda ) معتقدا انه كفء لها، وننصت السمع جيدا لكاليبان الممسوخ وهو يرد على بروسبيرو (( يا ليت ذلك تحقق [أي يا ليت لو انه انتهك عفافها] أنت منعتني وإلا لملأت هذه الجزيرة بنسل كاليبان)) .
يقول جبرا إبراهيم جبرا عنه " ذلك المسخ الدميم الرائع الذي هو من اغرب ما خلق شكسبير ، كاليبان " ، حقا لقد أبدع شكسبير أيما إبداع بخلقه شخصية كاليبان ، فمعروف عن شكسبير دقته في خلق أبطال مسرحياته حتى لكأننا نجدها تسير أمامنا وتجالسنا هنا وهناك ، وكاليبان هذا يأبى إلا أن يكون معنا ، فكلما رأيت شخصا يضايق (ميراندا) في شارع ما تذكرت كاليبان ، وكلما وجدت متصابيا يلاحق فتاة قفز أمامي كاليبان وأضحكني ، فأنت تجده ، في الشارع ، في الدائرة ، في السوق ، في الكية ، بل وحتى على القمر ، بهيئته الدميمة البليدة ولكنك مع ذلك لا تملك إلا أن تتعاطف معه لسذاجته فبالنهاية تجد ميراندا (فرديناند ـ Ferdinand) الشاب الوسيم الملائم سنا وهيئة ، أما كاليبان فيبقى كما كان ، ذلك العبد الممسوخ الأحمق الطريف الذي ما أن يتذّوق الخمر حتى يظن إن (ستيفانو ـ Stephano)(الخادم السكيّر) هو ملك متوّج وجدير بالولاء ، وبعد هذا كله ، فأني لا أستطيع استبعاد شبح شكسبير وهو يحط بجانبي هامسا بأذني (أنظر هذا كاليبان وامسك نفسك عن الضحك ) ، فيا لها من (صخرة صامدة) لم تتزحزح رغم هجمات الطوفان المتواصلة منذ قرون .
وليد محمد الشبيبي
بغداد - 1998
بغداد - 1998
الهوامش ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نشرت في جريدة (الإعلام) البغدادية/الصفحة الثقافية بتاريخ 3/3/1999 .
(2) كتبت هذه المقالة صيف عام 1998 .
(3) وليم شكسبير ، العاصفة ، ترجمة جبرا إبراهيم جبرا ( بغداد: دار المأمون ، 1986 ) ص 96 .
(4) في تقديمه للمسرحية بالطبعة أعلاه ، ص 11 .
(5) يكاد يتّفق النقّاد بأن هذه المسرحية (العاصفة ـ The Tempest) هي آخر ما ألّفه شكسبير(William Shakespeare)(1564 ـ 1616م) هذه المسرحية الرومانسية كتبها وهو في السابعة والأربعين من عمره (ألفها حوالي 1611 ـ 1612م) بعد تأليف هذه المسرحية ، ترك شكسبير لندن وعاد إلى مسقط رأسه في ( ستراتفورد أبون آفون ـ Stratford - upon – Avon ) في فترة لا يعلم إن كان قد كتب فيها شيئا آخر حتى وفاته عام 1616م .